يبحث الرئيس التونسي الباحي قابد السبسي عن تحقيق منجز يكتب له وهو في نهاية مساره السياسي، ويلقى صداه الدولي، وهذا الصدى يبدي اهتماما مبالغا بكل ما له علاقة بالحداثة والمرأة، ولذلك كان يترجى في خطابه الاثنين راشد الغنوشي لتمرير قانون المساواة بين المرأة والرجل في البرلمان، حيث يفرض الدستور وجوبا موافقة المجلس، وحيث كتلة النهضة الأكبر في البرلمان، لكن بعضا من الحكمة قادت السبسي إلى حل وسط في مقترح قانون المساواة، اقرار المساواة التامة في الميراث كما في باقي الحقوق، مع منح الحق للمورِث والمورَث أن يعتمدا قواعد الشريعة في تقسيم الميراث..
بخبث عمره السياسي ألقى السبسي بكل ثقل الملف وحرارته الحارقة وحساسيته في علاقة بمشاعر الجماهير وعقلها، بين يدي النهضة والغنوشي، وبقدر ما أشاد السبسي بالغنوشي كشريك في مسار التوافق ونجاحاته، وأقر بحيوية النهضة وبقوتها السياسية وقدرتها على تعطيل أي مسار، فإنه وضع كل من النهضة والغنوشي على محك امتحان قاسي على ثلاث مستويات.
المستوى الأول أمام كتلتها الناخبة وقطاع واسع من الشعب والنخب التونسية التي ترى في مشروع المساواة وتفاصيله الأخرى عودة للنهج البورقيبي في سلخ المجتمع عن مرجعياته الكبرى، والمستوى الثاني أمام الكتل الحداثية والمنتظم السياسي التونسي الذي التزم الغنوشي وحركته أمامه منذ مايو 2016 بالانفصال عن الخطاب الديني والتمأسس على أساس مدني، وثمنت الكتل الحداثية هذا التحول الفريد للنهضة، والامتحان الثالث وهو الأكثر قسوة للغنوشي والحركة، أمام المنتظم الدولي والاقليمي الذي قبل بالنهضة كفاعل حيوي في تونس وتعاطى معها على أساس تطورها الكبير كحزب مدني متجاوب مع قواعد الديمقراطية والحريات.
في لقاء أخير لم يبد الغنوشي الذي يؤسس لتيار من الاسلاميين الديمقراطيين قلقا كبيرا بشأن مشروع المساواة، له رؤيته التقدمية التي يجد لها مبررات في تطور الفكر الاسلامي وضرورات تجديده بما يتوافق مع متطلبات العصر والمجتمع وإعادة قراءة القضايا في سياقات مختلفة عن سياقاتها التاريخية (هناك قراءة غير دقيقة لقواعد الميراث في الشريعة لدى الكتلة الحداثية)، وبدا حريصا على حماية النهضة من الاستدراج ومحاولة حصرها في زاوية ضيقة، وذلك طموح خصومها السياسيين، ومن ذلك حماية تونس من حالة اصطفاف قد تهدم التجربة بكاملها، وتنسف حالة استقرار وتوافق وفر لتونس دستورا توافقيا وتقديميا، وقاعدة لتركيز ومأسسة الديمقراطية ومجالا كبيرا من الحريات.
تركيز الحرية والإطار الديمقراطي والتأسيس للتعايش وتنظيم الاختلاف فرض يسبق كل فرض.. كذلك فعل طه في يثرب..
***
ملاحظة: أقصد بالخبث في بعده السياسي وليس الأخلاقي
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.