احتفلنا قبل أيام بستينية العيد الوطني للاستقلال (1962 ـ 2022) على وقع استعراض عسكري ضخم كان محل فخر الجزائريين عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.
حيث أشاد غالبية الجزائريين بما وصل إليه سليل جيش التحرير من جاهزية وكفاءة واحترافية ومقدرة على القيام بأعباء الدفاع الوطني.
مفهوم الدفاع الوطني أثير حوله الكثير من الجدل. بين من يقصره على حماية الحدود والتصدي لأي تهديد خارجي. وبالتالي فلا دور للجيش خارج هذا الإطار، وعليه الالتزام بالثكنات، عملا بشعارات “دولة مدنية ماشي عسكرية” و”لا لحكم العسكر من قدام أو من وراء ستار”.
وبين من يوسع مفهوم الدفاع الوطني ليشمل الشأن الداخلي، ويقول أن تدخل الجيش للحفاظ على الوحدة الوطنية يدخل ضمن مفهوم الدفاع الوطني. وأن وقوفه إلى جانب الحراك الشعبي وحفاظه على اللحمة الوطنية جسد هذا المفهوم.
بل تجاوز الأمر هذا الحد وبدأ الجزائريون يتعودون على رؤية وحدات الجيش تقوم بأدوار خارج مهامها دون أن يتوجسوا منها خيفة.
بل صار السواد الأعظم من الجزائريين البسطاء يقولون: جيشنا نتوكأ عليه، ولنا فيه مآرب أخرى. بل صار لنا في تعداد هذه المآرب مفخرة لا معرة.
نعم لنا مآرب أخرى في جيشنا: فحتى أولئك الذين قالوا “لا لحكم الدبابة”، رأيناهم يثمنون تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية. إذ قامت المؤسسة العسكرية وبإلحاح شعبي بمرافقة الحراك المناهض لحكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.
ولولا تلك المرافقة يقول العارفون لما سقط حكم بوتفليقة بتلك السرعة والسهولة. ولولاها لما كان الحراك الجزائري أول هبة جماهيرية لإسقاط نظام حكم دون أن تراق قطرة دم.
نعم لنا في جيشنا مآرب أخرى: فحتى الذين قالوا “لا لحكم الجنرالات” لم يروا ضيرا في قيام الجيش بمرافقة وتأمين امتحانات شهادة البكالوريا، التي سماها الجزائريون وقتذاك “بكالوريا الحراك”.
حيث قام بتوفير أجهزة تشويش عالية الجودة، لمنع تسريب الأسئلة؛ وهي الظاهرة التي استفحلت لسنوات. ولم يقل يومها أحد أن على الجيش العودة إلى الثكنات ولا شأن له بقضايا التربية والتعليم.
نعم لنا في جيشنا مآرب أخرى: فحين ضربت الفيضانات في عز الحراك الشعبي مدينتي جانت وتمنراست في أقصى الجنوب الجزائري، كان الجيش حاضرا من خلال عمليات الإجلاء التي قام بها والمساعدات التي قدمها للمنكوبين.
وأشادت مختلف الفعاليات بهذا الدور الذي هو في الأصل من مهام وزارة الداخلية وجهاز الحماية المدنية التابع لها.
نعم لنا في جيشنا مآرب أخرى: وهو الذي سجل الحضور اللافت السنة الفارطة يوم عصفت الحرائق بغابات الشمال الجزائري وعلى وجه الخصوص منطقة القبائل الكبرى.
إذ قدم المعدات والمساعدات للمساهمة في إطفاء الحرائق، رغم الإمكانيات الكبيرة المتوفرة لدى الحماية المدنية والجماعات المحلية للقيام بهذه المهمة دون تدخل الجيش.
نعم لنا في جيشنا مآرب أخرى: يوم لبى نداء الشباب في نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم بمصر، فقام بتوفير طائرات شحن عسكرية لنقل المناصرين رغم وجود أسطول الخطوط الجوية الجزائرية.
وقد أستحسن الجزائريون خرجة الجيش، كما استحسنوها من قبل في موقعة أم درمان بين الفريقين الجزائري والمصري التي جرت في 18 نوفمبر 2009 بمدينة أم درمان السودانية.
يومها تكفلت طائرات الجيش بنقل المناصرين، وقدمت لهم أثناء الرحلة الوجبات المعلبة التي تقدم للمجندين.
نعم لنا في جيشنا مآرب أخرى: فحتى ملفات الفساد أيام الحراك الشعبي لم تبادر العدالة بالبث فيها إلا بعد دعوة قائد الجيش لفتح جميع الملفات.
يومها رأى الجميع في الجيش وقيادته وعلى رأسها المرحوم الفريق أحمد ڤايد صالح أنهم الأبطال الحقيقيون، ولم يقل أحد أن الجيش تدخل في العدالة إلا بعد حين.
بل قالوا يومها: لولا الجيش لما دخل وزيران أولان ومعهما شقيق الرئيس وأفراد العصابة السياسية والمالية سجن الحراش.
نعم لنا في جيشنا مآرب أخرى: حين نقف شاهدين على تشييده لقاعدة اقتصادية صلبة ومتينة، حيث يتكون النسيج الصناعي العسكري الجزائري من 15 مؤسسة، موزعة على مختلف القطاعات الإنتاجية، تضمن اليوم مناصب عمل لعشرات الألاف من المدنيين..
على غرار مصنع بوشقيف بولاية تيارت الذي ينتج 25 ألف سيارة وعربة مرسيدس سنويا ويوظف أكثر من 30 ألف مدني.
كما يستثمر الجيش في ثلاثة مؤسسات اقتصادية كبرى هي: مجمع ترقية الصناعات الميكانيكية بولاية قسنطينة، ومؤسسة الألبسة ولوازم النوم في الخروبة بالجزائر العاصمة، ومؤسسة الإنجازات الصناعية في سريانة بولاية باتنة.
كل المآرب التي لنا في جيشنا نراها تخدم الشعب أكثر مما خدمت النخب. ولن يكون بمقدور من يصرون على بقاء الجيش في الثكنات إنكار دوره الاجتماعي والاقتصادي. ولن يكون بمقدورهم حتى لو تولوا الحكم يوما أن يلغوا هذا الدور لاستحالة تعويضه إن اجتماعيا أو اقتصاديا على المدى المنظور على الأقل.
فالجيش الجزائري على قدر انغماسه في المجتمع على قدر ابتعاده عن المطامع السياسية. معادلة لا تحدث إلا في الجزائر وعلاقة شعبها بجيشه، وشعار: “جيش شعب خاو خاوة”.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.