زاد دي زاد - الخبر مقدس والتعليق حر

ملاحظة: يمكنك استعمال الماركداون في محتوى مقالك.

شروط إرسال مقال:

– النشر في “زاد دي زاد” مجّاني
– أن يكون المقال مِلكا لصاحبه وليس منقولا.
– أن يكون بعيدا عن الشتم والقذف وتصفية الحسابات والطائفية والتحريض.
– الأولوية في النشر للمقالات غير المنشورة سابقا في مواقع أو منصات أخرى.
– الموقع ليس ملزما بنشر كل المقالات التي تصله وليس ملزما بتقديم تبرير على ذلك.

تلفزيون الأعلاف والبرامج العجاف

بوابة الشروق القراءة من المصدر
تلفزيون الأعلاف والبرامج العجاف

الأحداث الأخيرة، التي جرت في العديد من ولايات الوطن، جعلتنا نتذكر وجود تلفزيون جزائري، فعدنا، على مدار أيام الأحداث وما تلاها، إلى متابعة نشراته لعلنا نسمع خبرا أو نستشف أفكارا أو نتابع حوارا حول الحريق وأسبابه ومسبباته.

الحريق كان في بيتنا وإن كنا نجهل لحد اللحظة من أوقد ومن نفخ، إلا أن المؤكد أن أطفالنا، أي فلذات أكبادنا، هم من أشعل العجلات المطاطية، وهم من كسر وحطم وخرّب وسرق من الممتلكات العامة والخاصة. إن كان البعض يتكلم اليوم، من دون وعي، عن اليد الأجنبية، فإن المنطق يرفض مثل هذا الطرح، لأن فيه جحودا وإنقاصا من قيمة الأجهزة الأمنية الجزائرية التي عجزت، في نظر هؤلاء، عن حماية أمن الوطن مما سمح لليد الأجنبية باختراقها وتحريك أطفالنا وتحويلهم إلى مجموعات من المخربين العنيفين الحاقدين على الوطن وعلى رموزه.

من الغباوة الحديث عن المؤامرة الخارجية، لأنها موجودة أصلا في طبيعة العلاقات الدولية، ومن نافلة القول انه كلما ضعف النظام السياسي في أيّة دولة ولانت أجهزة أمنها أو توجه نشاطها لغير أهدافه إلا وتعرضت للاختراق الخارجي. الأمر في الجزائر لم يكن كذلك، فالذي حدث هو  أن التخريب كان  بأيدي  أطفالنا،  وهنا  الطامة  الكبرى.

سبق لصاحب هذه الكلمات أن نبّه عشرات المرات، سواء عبر مقالاته أو في تصريحات لوسائل الإعلام الوطنية، كما في الندوات العديدة التي عقدت هنا وهناك وبعضها من تنظيم حزب جبهة التحرير الوطني، إلى أخطار ما بعد الإرهاب وقال إن المرحلة تتطلب وضع استراتيجية كاملة تعنى خاصة بالأطفال وبتحويل هؤلاء من عنيفين وثائرين على دولتهم، أو لعلهم كارهين لها، إلى مواطنين يدركون جيدا معنى المواطنة ويدركون خاصة أخطار ممارسة العنف. أطفال يستعملون العقل والمنطق في كل تصرّفاتهم وسلوكاتهم ويقبلون على الحياة ويقدسون الوطن ولا يستجيبون أبدا لدعاة التخريب والدمار والقتل، مهما كانت الصفة التي يأتون بها. وقد تكلم أيضا عن البرامج الدراسية التي يجب أن تحور وعن التلفزيون الوطني الذي يجب أن يتحول إلى فضاء واسع للنقاش والحوار بدون أي إقصاء أو إبعاد.

عندما كنا نشاهد آثار ما قام به أبناؤنا من خسائر فادحة، وبينما كان الألم يعصر قلوبنا على هذه البراءة المشوهة التي أنجبناها من صلبنا، تمنينا لو أننا التأمنا كجزائريين، بدون أي إقصاء أو إبعاد (أكررها ثانية)، في فضائنا الاتصالي الجزائري، لنناقش الظاهرة ونحلل أسبابها  ومسبباتها ونجد  العلاج  لها  حتى  لا  تتكرر  وبشكل  قد  يكون  أكثر  خطورة  على  أمن  البلد  وحتى  على  وحدته؛ لكن  يبدو  أن  الاختيار  كان،  في  21  شارع الشهداء،  للغلق  الاتصالي.

خلال أيام الأحداث، تلقيت اتصالات من معظم القنوات التلفزيونية الدولية الناطقة بالعربية وكلها تريد مني التدخل، أو المشاركة في حصص، حول ما كان يقع بالجزائر، لكني رفضت التعليق والحديث في الشأن الوطني على هذه القنوات، متمنيا أن يكون ذلك على قناتنا الوطنية. لكن ما لاحظته، كأستاذ يدرس بإحدى كليات الإعلام والاتصال، أن أهل هذه الوسيلة الاتصالية، أو الذين يتحكمون فيها، ينطلقون في تعاملهم مع أحداث الجزائر وكأن الأمر يتعلق بزريبة وليس ببلد كبير له تاريخ وأمجاد، وينظرون إلى الشعب الجزائري وكأنه مجرد حيوانات تبحث عن الكلأ  أو  في أحسن  الحالات  مجرد  قناة  هضمية  مفتوحة  باستمرار  لابتلاع  كل  ما  تجده  في  طريقها . 

الصمت القاتل، والاحتقار الكامل للمواطن الجزائري، هو ما ميّز موقف التلفزيون خلال الأيام الأولى من الحريق. غياب تام للحدث في النشرات الإخبارية، تلى ذلك إسهال في الحديث، بالصوت والصورة، عن كميات القمح والشعير والفرينة والزيوت والسكر وغيرها من المواد الغذائية التي يفتح بها التلفزيون الجزائري نشراته ويسترسل فيها وحولها لعشرات الدقائق هذه الأيام. وقد بلغ سوء التقدير لدى المشرفين على البرمجة حد بث شريط، سهرة الخميس، وعلى القناة الثالثة، التي يقال إنها موجهة للعالم العربي، حول كيف يبيض ويفرخ الدجاج ثم كيف يذبح ويريّش ويغسل ويطحن ليحول إلى كاشير. لم يسبق أن شاهدت مثل هذا السوء في برمجة سهرة نهاية الأسبوع حتى على قنوات أكثر البلدان العربية والإفريقية فقرا وتخلفا والتي أتابعها، لأسباب مهنية، منذ زمن بعيد.

ثم نسمع أصواتا تنطلق لتلوم الجزائريين الذين أدلوا بآرائهم وتحليلاتهم لقنوات أجنبية، ولأن اتهام الغير هو أفضل أسلوب لتغطية الفشل، فقد نحا البعض نحو الحديث عن تلك القنوات الإخبارية التي ساهمت، كما قالوا، في تأجيج الوضع، ناسين أن لكل وسيلة اتصال خطها الافتتاحي  ومصالحها  وارتباطاتها . اللوم  كان  يجب  أن  يوجه  بالأساس  للوسيلة  الاتصالية  الوطنية التي  عجزت  في  المحافظة  على  أهل  البيت  في  بيوتهم،  بمعنى  مناقشة  قضايانا  على  بلاطوهات تلفزيوننا . 

سبق أن قلت في إحدى الندوات، التي حضرها المسؤول الأول عن الاتصال في ذلك الوقت، إنه لا توجد دولة في العالم سلمت رأيها العام جملة وتفصيلا إلى القنوات الأجنبية تفعل به ما تشاء، مثلما عملت الجزائر، حيث كل الدراسات التي أنجزت على مستوى الماجستير والدكتوراه في كليات الإعلام والاتصال بالجامعات الجزائرية تشير إلى أن بعض الشيوخ فقط من بقوا يشاهدون القناة الوطنية. في نفس الندوة، قلت إن ما أخشاه، إن استمر الوضع على ما عليه، هو أن تضطر الحكومة مستقبلا إلى شراء فضاءات إشهارية في القنوات الأجنبية للتوجه إلى الجزائريين.

العجز التام، الذي يعرفه التلفزيون لا يعود أبدا، كما يعتقد البعض، لنقص كفاءة أفراده ولا لقلة خبرتهم. الترويج لمثل هذا الكلام، فيه الكثير من الظلم لكفاءات وطنية حاملة لشهادات عليا في الاختصاص ومنهم من يحضر لشهادة الدكتوراه. هؤلاء قادرون على إنتاج حصص بمستويات القنوات  الدولية،  لو  فقط  تمنح  لهم  حرية  العمل  وحرية  التفكير  والتعبير  وتلغى  كل  أنواع  التهميش التي  يتعرضون  لها.  

لا أحد يفهم الأسباب الحقيقية وراء الغلق الاتصالي الممارس على مستوى التلفزيون الجزائري في زمن تكنولوجيات الاتصال. القاعدة الإعلامية تقول: إن لم تمارس أنت الاتصال فسيأتي غيرك ويمارسه مكانك لكن بالطريقة والكيفية والخطاب الذي يخدم مصالحه، وهذا ما وقع بالفعل.

غياب الاتصال الجزائري، بما يخدم المصلحة العليا الجزائرية ويدعم مكونات الوحدة الوطنية ويزرع الأمل في نفوس الأطفال ويكشف مظاهر الفساد ويدفع بالمجتمع للسير نحو الحداثة والعصرنة، هذا الغياب له آثار سلبية على مستقبل الجزائر وأمنها واستقرارها ووحدتها الوطنية.

إن لم نبادر الآن وبسرعة إلى وضع استراتيجية متكاملة من طرف خبراء جزائريين لا انتماءات لغوية أو سياسية أو إيديولوجية أو جهوية أو حتى حزبية لهم، تبدأ من تحوير كامل لبرامج المدرسة الجزائرية إلى فتح مجال السمعي بصري أمام الخواص الجزائريين بشروط واضحة ومحددة وتحت رقابة مجلس أعلى للسمعي بصري وتحويل التلفزيون العمومي إلى فضاء عمومي حقا يعبّر عن اهتمامات مختلف شرائح المجتمع لا قراءة البيانات البروتوكولية، ويستغل الفضاء المسجدي، الذي هو أكبر فضاء اتصالي في الجزائر، بما يخدم بناء الدولة الجزائرية الحديثة، وأن تحاسب الآلاف من الجمعيات، التي تغرف من المال العام، على نشاطاتها وإن كانت فعلا موجودة في الساحة أم هي مجرد هيئات تلتقي في أوقات الانتخابات لتملأ الدنيا ضجيجا ثم تنسحب إلى سباتها؛ إن لم نقم بهذا وفي أسرع وقت، فأن مظاهر العنف والتخريب والتدمير لن تنحسر من الجزائر وقد تعود بأشكال أخطر مما عرفناه لحد الآن؛ واذكّر مرة أخرى بما سبق أن كتبته أكثر من مرة: إنه في غياب النخب الوطنية المستنيرة والرموز الإيجابية المتفتحة فإن الدجالين والمتخلفين فكريا والظلاميين والمتطرفين هم الذين يسودون ويتولون مهمة قيادة الرأي العام نحو الدياجير.

ads-300-250

المقالات المنشورة في هذا الركن لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

كن أوّل من يتفاعل

تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.

فضلا.. الرجاء احترام الآداب العامة في الحوار وعدم الخروج عن موضوع النقاش.. شكرا.