زاد دي زاد - الخبر مقدس والتعليق حر

ملاحظة: يمكنك استعمال الماركداون في محتوى مقالك.

شروط إرسال مقال:

– النشر في “زاد دي زاد” مجّاني
– أن يكون المقال مِلكا لصاحبه وليس منقولا.
– أن يكون بعيدا عن الشتم والقذف وتصفية الحسابات والطائفية والتحريض.
– الأولوية في النشر للمقالات غير المنشورة سابقا في مواقع أو منصات أخرى.
– الموقع ليس ملزما بنشر كل المقالات التي تصله وليس ملزما بتقديم تبرير على ذلك.

بنية الأنظمة الفاسدة

بنية الأنظمة الفاسدة ح.م

هناك من يعتقد أن تغيير الأنظمة السياسية مرهون بتغيير أشخاص معينين أو ما يسمى برموز النظام، وأنه بمجرد استبدال هؤلاء بآخرين سواء من أجيال لاحقة أو أشخاص ذوي إيديولوجيات مغايرة، سوف يتغير النظام وتتحسن الأحوال ويعم الرخاء ويسعد الناس.

لا غلو إذا قلنا أن هذه الأنظمة، العربية منها على وجه الخصوص، والتي تعيش عقدها الخامس أو السادس، قد تمكنت من بناء إيديولوجيتها الخاصة، وإرساء بينة سياسية، اجتماعية، ثقافية، اقتصادية، عقائدية، شكلت مع مرور الزمن ضميرا جمعيا قاهرا للأفراد ومقاوما لكل محاولات التغيير، حتى الجماعية منها. وأفرزت نسقا من العناصر، وقوانين وآليات تضبط العلاقة بين هذه العناصر، فأصبحت كيانا متكاملا منغلقا على نفسه ومكتفيا بذاته، حتى أن جينات هذه البنية أصبحت تنتقل من جيل إلى جيل متخطية للعقل وغير آبهة بالعلم، موظفة للدين أحيانا وللعادات والأعراف الفاسدة أحيانا أخرى.

قد يظن البعض أنني ذو أيديولوجية محافظة أحاول الدفاع عن هذه الأنظمة، غير أنني في الحقيقة أشد مقتا وكرها لها، إلا أنني مجبر على أن أتعامل معها بموضوعية، لأنها شبيهة بالشجرة المعمرة التي لو حاولنا اقتلاعها بالقوة والعنف، لتكبدنا خسائر جمّة، فجذورها ضاربة في أعماق الأرض، متفرعة في أنحاء عديدة..

لقد نجحت هذه الأنظمة، حين تخطت مستوى الأفراد وشكلت عقلا جمعيا، في تشكيل وتكوين ذهنيات وشخصيات وأساليب حياتية ونماذج للعلاقات الاجتماعية خاصة بها، فلم تعد حكرا على ثلة من أولئك الأشخاص الذين أسسوها وارسوا مبادئها، بل أصبحت ثقافة تسري في عروق الأجيال المتقدمة والمتأخرة، ويتبناها الجيل بعد الأخر دون تمحيص أو تمييز، بل كثيرا ما نجد أشخاصا ينتقدون هذه الأنظمة انتقادات لاذعة غير أن أفكارهم ومعتقداتهم، ممارساتهم وأفعالهم، نابعة من صميم هذه البنية الفاسدة، فهي من شكلت عقولهم وقولبت سلوكهم ونمذجت علاقاتهم الاجتماعية.
قد يظن البعض أنني ذو أيديولوجية محافظة أحاول الدفاع عن هذه الأنظمة، غير أنني في الحقيقة أشد مقتا وكرها لها، إلا أنني مجبر على أن أتعامل معها بموضوعية، لأنها شبيهة بالشجرة المعمرة التي لو حاولنا اقتلاعها بالقوة والعنف، لتكبدنا خسائر جمّة، فجذورها ضاربة في أعماق الأرض، متفرعة في أنحاء عديدة.
فلو تأملنا أحوالنا ورصدنا كل هذه الأجيال التي تداولت على السلطة لوجدنا أن الأخطاء نفسها تتكرر، وأن الأساليب المتبعة في التسيير وإدارة الشؤون العامة لم يطرأ عليها تغيير يذكر، وكأن هذا النظام أصبح يمتلك روحا شريرة تسكن كل من يعتلى كرسيا سياسيا، أو يتولى أمرا من أمور الناس أيا كانت مكانته ومرتبته الاجتماعية، أو أن هذه الأنظمة الفاسدة كونت فيروسا خطيرا ينتقل عن طريق الكراسي، فكل من اعتلى كرسيا للسلطة، صغيرا كان أم كبيرا يصاب بهذا الفيروس الخبيث.
نسمع كثيرا عن مسؤولين صغار وكبار يلجئون إلى السحرة والمشعوذين من اجل البقاء في مناصبهم والحفاظ على مكتسباتهم، أو للترقّي لمناصب أعلى، لكنهم يجهلون أن القوة السحرية لهذه الأنظمة أقوى مفعولا مما يقومون به، وانه لولا هذه القوى السحرية العجيبة لما تمكنوا من الحصول على ما تحصلوا عليه، فآليات كالولاء وتقديس المسؤول وتنزيهه عن الأخطاء، وتصنيف الانتقاد والمعارضة في خانة المنكر، وعدم الاعتراف بالأخطاء ومحاولة تبريرها من الخارج، وترسيخ الثقافة الشمولية والفكر الأحادي الذي يرى في الآخر المغاير خطرا يهدد وجوده، كل هذه الآليات هي بمثابة القوانين الداخلية التي يعمل بمقتضاها بنية الفساد هاته، وتدعم ديمومتها واستمرارها.

شهِدت العديد من الدول النامية والمتخلفة، الكثير من الانقلابات التي كانت تهدف إلى التغيير الجذري للأنظمة التي انقلبت عليها، لكن الزمن كان كفيلا أن يثبت لنا أن شيئا لم يتغير، في أساليب التسيير والإدارة، بل كثيرا ما شهدنا فسادا أعم مما كان عليه الحال قبل الانقلاب..

لقد شهِدت العديد من الدول النامية والمتخلفة، الكثير من الانقلابات التي كانت تهدف إلى التغيير الجذري للأنظمة التي انقلبت عليها، لكن الزمن كان كفيلا أن يثبت لنا أن شيئا لم يتغير، في أساليب التسيير والإدارة، بل كثيرا ما شهدنا فسادا أعم مما كان عليه الحال قبل الانقلاب، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على القوة القاهرة للأنظمة المتعفنة، فكأن هذه الأخيرة قد طورت فيروسات لا يمكن مقاومتها، بل إن هذه الفيروسات قد ألفت وتعودت على الأدوية وأصبح من المستحيل علاجها بما هو متوفر.
فلو تأملنا أوضاعنا مليا لأدركنا عدم نجاعة كل الوسائل المستخدمة من أجل الإصلاح، فلا المواعظ الدينية ولا الدروس الأخلاقية ولا الخطب السياسية ولا الإجراءات الاجتماعية والحلول الاقتصادية أثبتت قدرتها ونجاحها في تغيير هذه الأنظمة الفاسدة. فكل ما يبدو لنا من محاولات إجرائية للإصلاح هو في الحقيقة نابع من صميم هذه البنية الفاسدة.
فإذا رمنا تغييرا حقيقيا وفعالا، فأعتقد أنه يجب علينا أن نجتهد خارج إطار هذه البنية الفاسدة.

ads-300-250

المقالات المنشورة في هذا الركن لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

كن أوّل من يتفاعل

تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.

فضلا.. الرجاء احترام الآداب العامة في الحوار وعدم الخروج عن موضوع النقاش.. شكرا.