بحلول يوم 23 نوفمبر 2020 تكون قد مرت علينا أربع سنوات كاملة على وفاة فقيد الصحافة الجزائرية الإعلامي القدير بشير حمادي رحمه الله تعالى، الذي وافته المنية بعد أزمة قلبية مفاجئة يوم 23 نوفمبر 2016 بالجزائر العاصمة..
◾️ووفاء منا لروح الفقيد ولإسهاماته الكبيرة في ميدان الإعلام بصفة عامة، وأيضا المساندة والدعم الكبير الذي كان يقدمه لفريق زاد دي زاد ومساهماته التحريرية القوية أيضا في الموقع، ارتأى فريق زاد دي زاد أن يعيد نشر المواجهة الإعلامية المطولة التي كان الراحل ضيفا عليها على موقعنا، حيث أجاب على عشرات الأسئلة في جزءين كاملين من اسئلة جمهور الموقع، وهي المواجهة التي أحدثت ضجة كبيرة ذلك الوقت..
◾️ تلك المواجهة الشهيرة كانت قبل عشر سنوات من اليوم وبالضبط في شهر نوفمبر 2010، حيث يمكن للقراء التعرف أكثر من خلالها على جوانب كثيرة من شخصية الفقيد بشير حمادي عميد الصحافيين الجزائريين عليه رحمة الله..
بشير حمادي: الصحافة العمومية مدرسة والصحافة الخاصة تلقيت فيها ضربات موجعة
(الجزء الأول)
نشر هذا الجزء بتاريخ 4 نوفمبر 2010
في الجزء الأول من الحوار مع الأستاذ بشير حمادي ضيف قراء ومتصفحي موقع زاد دي زاد (ركن مواجهات إعلامية)، يتحدث حمادي عن تجربة أكثر من ثلاثة عقود من الممارسة الإعلامية التي بدأها في القطاع العام ويكملها في القطاع الخاص منذ بداية عهد الإنفتاح والتعددية، ويكشف هنا الكثير من الأحداث التاريخية والأسرار حول أغلب الأحداث التي عايشها كصحافي وكمسؤول، تابعوا..
1 – أولا: أين هو بشير حمادي حاليا ؟
الإجابة عن هذا السؤال موجودة في التعريف بضيف الموقع، فأنا حاليا أشغل منصب مسير دار الحقائق للطباعة النشر التوزيع والإشهار، ومدير تحرير أسبوعية الحقائق التي تحولت إلى يومية، تنتظر توفر الظروف والشروط الموضوعية لانطلاقها.
2 ـ من الشعب إلى أسبوعية الحقائق مرورا بالجزائر اليوم والحوار (طبعة مهري) والشاطر والشروق.. كيف يقيم بشير حمادي مسيرته المهنية بحلوها ومرها، وخاصة ما هي العبر والدروس التي استخلصها في بلد متقلب كالجزائر؟
(أبو اليقضان)
قبل أن أقيم مسيرتي المهنية باختصار، بودي أن أقوّم خطأ بسيطا في السؤال، وهو أنني لم أنتم ليومية الحوار (طبعة مهري) التي كان يديرها صديقي وزميلي مصطفى هميسي، ولكنني كتبت في تلك الصحيفة بإسمين مستعارين، لأنني كنت في تلك المرحلة ممنوعا من الكتابة والسفر، بعد مثولي كرئيس تحرير أمام قاضي التحقيق في قضية توقيف “الجزائر اليوم” للمرة الثالثة.
أما فيما يتعلق بصميم سؤالكم فأقول أن مسيرتي الإعلامية في القطاع العمومي كانت ثرية بالأحداث والمعلومات.
فقد التحقت بجريدة الشعب صيف سنة 1975، قادما إليها من سلك التعليم، وكنت أدرس في السنة الأولى علوم سياسية، وصادف بداية عملي بالصحافة انتعاش الساحة السياسية من خلال طرح مشروع ميثاق وطني للنقاش العام، وقد كان ذلك النقاش، وفي ظل الحزب الواحد، وما سمي بالنظام الشمولي البومديني أكثر عمقا وحرية من النقاشات البيزنطية في ظل تعدد الأحزاب، تبعه نقاش قانوني حول الدستور، ثم الإنتخابات الرئاسية التي تحول بموجبها الأخ ـ وهو المصطلح المستعمل في تلك الفترة ـ هواري بومدين من رئيس مجلس الثورة إلى رئيس للجمهورية، ثم انتخابات تشريعية أعادت الهيئة التشريعية بعد غياب طويل، فالتحضير للمؤتمر الرابع لحزب جبهة التحرير الوطني، لكن بومدين أصيب بمرض استعصى علاجه وأدى إلى وفاته قبل انعقاد المؤتمر الذي كان يعلق عليه آمالا كبرى.
وقد كنت في هذه المرحلة عنصرا فاعلا في النقاش العام في الجامعة التي كانت ساحة للصراعات السياسية بين الطلبة المنتمين لمختلف التيارات الفكرية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وللآراء الحرة دون تدخل مسؤوليها، أو أجهزة الأمن، وكانت للجامعة حرمة تفتقدها اليوم. مثلما كنت في مقدمة الصحافيين الذين قاموا بمواكبة وتغطية تلك النقاشات بما في ذلك تغطية أشغال المجلس الشعبي الوطني في عهدتي المرحوم رابح بيطاط، والسيد عبد العزيز بلخادم.
هذا الزخم السياسي الذي صادف التحاقي بجريدة الشعب مكنني من البروز السريع في ظل تنافس عدد قليل من الصحافيين طبعا، وتمكنت من ممارسة كل الألوان الصحفية من كتابة الأخبار، وتغطية الأحداث الكبرى داخليا وخارجيا، إلى إجراء الحوارات، وإنجاز تحقيقات كبرى، فكتابة العمود، ثم كتابة التعليق والإفتتاحية، وأخيرا المقال.
ففي الصحافة العمومية لا يمكنك أن تكون صحافيا في قسم التحقيقات مثلا إلا إذا قضيت عشر سنوات على الأقل في القسمين المحلي ثم الوطني، وتنقلت مابين الأقسام الأخرى..
هذا التنوع مكنني من التعلم والنضج والتدرج السريع في المسؤولية، ومن التعرف على معظم الصحافيين في مختلف وسائل الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع باللغتين العربية والفرنسية، وهذا بدوره مكنني من الفوز بمقعد في المجلس الوطني لاتحاد الصحافيين الجزائريين الذي انبثق عن المؤتمر الذي عقد سنة 1982 منتخبا من قبل ممثلي صحافيي ولايات وسط البلاد.
يمكنني القول أنني كنت من المحظوظين، وتعلمت الكثير من المسؤولين الذين تشرفت بالعمل معهم، وخاصة الأستاذين محمد بوعروج، ومحمد السعيد، المرشح للإنتخابات الرئاسية الأخيرة، فقد جمع الرجلان بين الكفاءة المهنية والإدارة الجدية.
وحتى انتقالي إلى يومية المساء مديرا لتحريرها كان في أخصب مرحلة سياسية تعرفها الجزائر منذ استقلالها، أي بعد أحداث أكتوبر 1988 ووضع دستور جديد يسمح بالتعددية الحزبية، وقد كانت هذه اليومية متألقة حيث كانت تتوفر على مجموعة من الشباب لدى أغلبهم القدرة على الكتابة الجيدة خبرا أو تحليلا، بعضهم أسس يومية الخبر فيما بعد، وعناوين إعلامية أخرى، وبعضهم الآخر يتبوأ مراكز هامة في هذه الصحيفة وصحف خارج الجزائر.
مما سبق يتضح أن تجربتي في القطاع العمومي لم تكن مرة، بل كانت زاخرة بالأحداث والتجارب، رغم أنها لم تكن خالية من بعض الضغوط التي لا تكسر قلم الصحفي.
أما الجزء الثاني من مسيرتي الإعلامية فيتعلق بالصحافة الخاصة، فبمجرد السماح للصحافيين بإصدار صحف، شرعت مع عدد من الصحافيين في التحضير لإصدار يومية خاصة، أسميناها في البداية “الوطن” لكن مجموعة الوطن باللغة الفرنسية أودعت مشروعها لدى رئاسة الحكومة بنفس التسمية قبلنا، وهو ما حتم تغيير التسمية إلى “الأمة”.
وكان من بين المؤسسين لهذا العنوان الذين شرفوني برئاسة مشروعه، ومتابعته على مستوى وزارة العمل التي كانت مكلفة بالتحضير المادي للعناوين الجديدة، ورئاسة الحكومة التي كلفت السيد محمد الصالح دمبري بمتابعة هذه المشاريع الزملاء الصحافيون: سعد بوعقبة، ومحمد عباس، وعبد الله قطاف، ومصطفى هميسي، وعبد الله بشيم، وصلاح شكيرو.
هذا المشروع تعثر، فالتحقت بالمساء، التي لم أمكث فيها طويلا، حيث شرعت مع مجموعة أخرى في التحضير لإصدار جريدة “الجزائر اليوم”.
تعلمت في الصحافة العمومية الكتابة في كل الألوان الصحفية، وجبت الجزائر من أقصاها إلى أقصاها، ورغم ذلك فضلت عليها الصحافة الخاصة التي تلقيت فيها ضربات موجعة، لكنني تنفست بحرية أكبر.
3 ـ وصفك الكاتب علي رحالية في المواجهة الإعلامية الأولى مع هذا الموقع، بأنك أحسن رئيس تحرير في الجزائر، هل تعتقد أن هذه مجاملة أم حقيقية، وما هي مواصفات رئيس التحرير المثالي من وجهة نظرك ؟
(إبن الأوراس)
عندما يأتي الوصف من صحفي يكتب بالمشرط قد لا يكون مجاملة، بقدر ما هو تقدير مبالغ فيه لشخصي لا أستحقه.
فهناك رؤساء تحرير أسبق وأحسن مني بكثير في الصحف المعربة والمفرنسة على حد سواء، وربما لأن الأخ علي رحايلية لم يشتغل معهم، فكانت المفاضلة بين العدد القليل من رؤساء التحرير الذين تعامل معهم.
أما فيما يتعلق بالشطر الثاني من السؤال فأعتقد أنه ليس هناك رئيس تحرير مثالي، لأن مهنة المتاعب هي مهنة احتكاك يومي بين مجموعة من الصحافيين متعددي الإختصاصات، والمنطلقات، والقناعات، والأهداف، وحتى الوسائل.
وهو مطالب أولا وقبل كل شيء بالعمل على أن لا يتحول هذا الإحتكاك اليومي إلى صدام بين الصحافيين بما يؤثر سلبا على بعضهم، وفيما بينه وبينهم، حتى يوفر الجو المحفز على الأداء الجيد لكل واحد منهم، والتنافس الشريف بينهم، ويحرس على ضمان جرعة كافية من الحرية غير المستبدة التي تنال حتى مما هو مقدس في المجتمع، حتى لا تهتز مصداقية الجريدة عند القارئ…الخ.
رئيس التحرير الجيد ولا أقول المثالي، هو الذي له القدرة على الإستماع الدائم لهؤلاء وأولئك، وعلى التوظيف الجيد لكل عنصر من عناصر مهنة المتاعب بما يمكنه من تقديمه إعلام جيد وموضوعي للقارئ يحترم عقله حتى وإن كان محدود التعليم والثقافة ويقرأ الجريدة بصعوبة.
وحتى يكون جيدا لابد أن يتقن لغة الصحيفة التي يشرف عليها، ولغة الإدارة على الأقل، وأن تكون له ثقافة واسعة بحيث تمكنه من القراءة الجيدة والتقييم الصحيح لكل ما يقدم له من هيئة التحرير أو من خارجها، وأن تكون له القدرة على مناقشة الصحافيين فيما يكتبون، وعلى الإقناع بما يراه صحيحا، والإقتناع بما يراه عندهم صائبا فكرا وممارسة، وأن يحسن الإستماع والتحاور مع ذوي الإختصاص للإستفادة منهم وتوسيع مداركه، مهما كانت درجة اختلافهم معه.
باختصار رئيس التحرير الجيد هو الذي يجمع بين الكفاءة والصرامة ومحبة الفريق الذي يشتغل معه واحترام القارئ الذي تتوجه إليه صحيفته.
ومن ناحيتي، ومنذ أن توليت مسؤولية الإشراف على فريق من الصحافيين، بدءا برئيس القسم الوطني في جريدة الشعب إلى رئيس التحرير أو مسؤول النشر في عناوين أخرى، عاملت الشباب بنفس المعاملة التي عوملت بها عند ولوجي عالم الصحافة، فباب رئيس التحرير لا يغلق أبدا، وقد اعتمدت في جريدة الجزائر اليوم أو في الشروق اليومي عليهم، لأنني أؤمن أن لكل زمن رجاله وفرسانه، وأن النجاح في هذا المجال يتطلب الجمع بين خبرة الشيوخ وجديد الشباب.
4 ـ يقول السيد سعد بوعقبة في أحد ردوده، أن محاورة الصحافي للصحافي هو بمثابة مثلية صحافية، ما رأيك في هذا الوصف، وهل بالفعل من العيب أن يتحاور الصحافيون فيما بينهم مثلما يقومون به في هذا الموقع ؟
(جلال.ك)
العيب الحقيقي هو أن توصف علاقة مهنية شريفة بين زملاء المهنة بهذا الوصف المجرم فعله شرعا وقانونا.
والعيب الحقيقي هو أن لا يكون الحوار، فحتى الطرشان أو الصم البكم وجدوا وسيلة للتعبير والتحاور فيما بينهم، وحتى ألد الخصوم ينتهون بعد صراع أو جفاء طويل ومرير إلى الحوار، وقد كان لنا ركن في الشروق اليومي بعنوان عواصف إعلامية، يحاور الصحافيين الذين كتبوا مواضيع أثارت ردود فعل قوية، وعرّضتهم إلى المساءلة أو العقاب، وتميزت أسبوعية المحقق بحواراتها مع الصحافيين، وأعتقد أن الزميل سبق أن حاوره زميل له.
وشخصيا لو خُيرت بين إجراء حديث مع أشهر صحفي في بريطانيا أو ألمانيا أو اليابان أو الولايات المتحدة الأمريكية.. وبين رئيس لهذه الدولة أو تلك فسأختار محاورة الصحفي..
5 ـ هل تحسبك السلطات على التيار الاسلامي، وما السر وراء اللحية التي تُطلقها، هل هي لحية الشيوعيين أم لحية الإسلاميين،أم لحية الأفلانيين؟
(صحفي جزائري مغترب)
لا أحد من رموز السلطة في كل عهودها، ومختلف مستوياتها أوحى لي بهذا، بل العكس هو الذي حدث، فقد رفض المغفور له محمد الشريف مساعدية مصافحتي عندما حلقت اللحية من أجل صورة للبطاقة الوطنية، قائلا لي بدعابته المعهودة، لقد رفعت الراية البيضاء، وعندما تعود إلى سابق عهدك تعود علاقتنا إلى ما كانت عليه.
أما فيما يتعلق باللحية فقد طرح علي سؤال بشأنها سنة 1994 في حوار مع يومية السلام، وقلت حينها: “أن اللحية بالنسبة لي ليست عنوانا سياسيا، ولا اتجاها دينيا، ومعظم الفلاسفة ملتحون باختلاف أفكارهم ومعتقداتهم، فالنظر إلى اللحية على أنها رمز للإنتماء السياسي ينم عن تفكير مسطح، وهذا التفكير ليس وليد المرحلة الحالية. فقد كانت اللحية تهمة في حرب التحرير، واعتبر الملتحون أتباعا لمصالي، وكانت بعد الإستقلال تهمة مرة ثانية، واعتبر الملتحون شيوعيون، واليوم تهمة توجه للإسلاميين رغم أن الملتحين عندنا هم من ماسينيسا إلى الأمير عبد القادر وبن باديس…الخ
وهي مع الشوارب رمز لرجولة الجزائريين التي يريد بعض المسطحين خصيها.
وقد استهجن الجزائريون حلق الرئيس الشاذلي بن جديد شواربه، وهم كانوا يسمون الرئيس الراحل هواري بومدين “الموسطاش”.
اللحية يا أخي هي سمة كل الشعوب والأمم، وهي شيء مشترك بين نخب المعمورة باختلاف أجناسهم وأديانهم وأفكارهم، وباختلاف مراتبهم. فليس المسلم وحده الملتحي، بل المسيحي واليهودي والبودي والملحد كذلك. وليس العالم أو المفكر أو الزعيم المسلم وحد الملتحي، بل علماء ومفكرون وزعماء من ديانات أخرى، وخارج الديانات المتعارف عليها ملتحين.
وهذا الأمر لا يعد مشكلة في البلدان الأخرى، بما في ذلك البلد الذي تعيش فيه.
تسألني عن السر وراء اللحية التي أطلقها، فأجزم أنني لست أنا الذي أطلقتها، فإطلاق اللحية ليس فعلا إراديا، فهي تنبت وتطول رغما عنا، وقصها أو حلقها هو الفعل الإرادي وليس العكس.
ولهذا فأنا من المقتنعين أن اللحية فعل بيولوجي وليس فعلا سياسيا، والتصرف فيها بشكل من الأشكال هو الذي يمكن إدراجه ضمن الأفعال السياسية أو الثقافية أو الظاهرة الإجتماعية، وينطبق ذلك على شعر الرأس، والطريقة التي يتم بها التصرف فيه، مثلما فعل بعض اللاعبين في الفريق الوطني لكرة القدم في كأس العالم أثناء تواجدهم في جنوب إفريقيا. وقد استهجنت وسائل إعلام التسريحات التي ظهروا بها.
لحيتي موجودة منذ أن أنهيت واجب الخدمة الوطنية في مطلع السبعينيات.
وهي تميزني عن زملائي، وتشكل جزءا من شخصيتي في الوسط الإعلامي، ولا علاقة لها بهذا التيار أو ذاك..
6 ـ علمت أنك بصدد جمع مقالاتك في مختلف الجرائد خاصة تلك التي كنت توقعها باسم الفاروق في كتاب فمتى يرى هذا المشروع النور؟
(صحافي)
أنا بصدد جمع مقالاتي التي كتبتها باسمي أو باسم الفاروق أو إسم إبن المقفع، وأسماء مستعارة أخرى في العديد من الصحف على امتداد ثلاثة عقود تقريبا. وقد ترى النور تباعا بدءا من السنة القادمة إن شاء الله، إن أمد خالقنا في عمرنا، ومتعنا بالصحة والعافية.
7 ـ شكرا للموقع الذي أنهى بياتك الذي طال شتاؤه… سؤالي يأتيك كل 3 ماي وهو لم يتغير: متى تفرج على كتابك الذي تدعي أنك أنهيته؟.. الكتاب الذي يؤرخ لحمْل و إجهاض (أو الولادة المشوه للتجربة) الإعلامية التعددية؟
(إمضاء: الشيخ)
نفس الجواب لمن سبقك بالسؤال ومن جاء بعدك يا دكتور، والله الموفق.. مع تمنياتي الخالصة لك بالصحة وطول العمر، وأن تجمع بدورك ما تكتب، خاصة وأن جمعها في عهد الحاسوب أسهل ألف مرة من جمعها قصاصات جرائد متناثرة في مؤسسات حُلّت، أو مكتبات لا تجد لها أثرا فيها.
8 ـ الأستاذ والأخ بشير حمادي، أخالني أقرب الناس إليك، تتلمذت على يديك فتعلمت أصول الكتابة حتى صرت كاتبا، وما كان للتلميذ أن يصدر كتابا قبل أستاذه، أين كتبك يا رجل؟ ففي أدراج مكتبك زهاء عشرة كتب، إن لم تكن كلها فأعتق البعض منها يا أخي..
الأمر الذي سرني كثيرا هو قولكم أنكم تستعدون لإصدار يومية الحقائق، فكم ساءني أن أرى قلمكم يمر بالسنوات العجاف التي نتمناها ألا تطول، وتفرغكم لدار الحقائق للطباعة وإن كانت تفرضه الضرورة المعاشية فإنه بنظر من يحبونك يجسد قاعدة المفكر الذي أصبح تاجرا، والعيب ليس في التجارة ولكن في غياب الفكر.. أتمنى فقط ألا يطول أمد هذا الوصف.
آه كدت أن أنسى فأسامة وزهرة وأمينة وسارة يبلغونك التحيات.
(أبو أسامة)
ما جاء في عتابك صحيح يا أخي، ففي حاسوبي، وعلى مكتبي مجموعة كتب بعضها لا يحتاج إلا لرتوشات أخيرة، وقد يتم عتقها تباعا في السنة القادمة، إن شاء الله.
9 ـ هل أغرتك الأموال فطلقت متاعب الصحافة واخترت أن تكون رجل أعمال مع مشاريعك في المطبعة الجديدة؟ وهل صحيح أن الفضل في ما تحققه حاليا من نجاح مع مطبعتك يعود للوزير شريف رحماني الذي ساعدك كثيرا؟
(مهتم)
أولا أنا مسير هذه الشركة، والأعمال المطبعية ليست بعيدة عن انشغالاتي المهنية، بل هي أقربها إلى مهنة المتاعب، والمال لا يغري الإنسان في خريف العمر، فبعد العقد السادس يميل المرء إلا الزهد أكثر مما يجري وراء جمع المال.
أما ما أنجزته دار الحقائق للطباعة النشر التوزيع والإشهار فيعود إلى تميزها عن مثيلاتها بكونها تتوفر على فريق عمل متكامل يقوم بأعمال ما قبل الطباعة، المتمثلة خاصة في جمع النصوص، وتصحيحها، وتركيبها، وترجمة الأعمال المقدمة لها لمختلف اللغات الحية، حسب طلب صاحبها. يضاف إلى هذا عند الطباعة جودة الخدمة، وسرعة الإنجاز، وتنافسية الأسعار، ومصداقية المشرفين عليها، وهو ما جعلها تكسب ثقة المتعاملين معها.
10 ـ عادة ما كان يصنف بشير حمادي في خانة الحمروشيين
(أي المناصرين لأفكار وإصلاحات رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش) هل هذا صحيح، ولماذا، وهل لا تزال على قناعاتك تلك…
(مراسل من الجزائر العميقة)
لا أعتقد أن أي قارئ لما كتبت قبل إصلاحات حمروش وأثناءها أو بعدها يصنفني في خانة الحمروشيين، وإن كنت أعترف لكل مخلوق بفضائله أو تفوقه مهما كان فكره، فلست ممن يجعلون فكرهم وتفكيرهم وقفا على فكر وتفكير رجل مهما كانت درجة علمه.
وإذا كان ولابد من “التبعية” الفكرية بالنسبة لي فلا يمكنها إلا أن تكون لأفكار وتعاليم نبينا الكريم وخاتم المرسلين لا غير، فكل يؤخذ منه ويرد إلا الرسول الأكرم.
11 ـ بشير حمادي يكاد يكون الصحفي الوحيد الذي أجرى حوارا مطولا وشيقا مع شيخ المؤرخين الدكتور أبو القاسم سعد الله حفظه الله وأطال لنا في عمره، رغم أن هذا الأخير يرفض رفضا تاما منح أي حوار لأي صحفي كان من أية جريدة كانت.. فكيف تمكنت من ذلك، وافتككت من الدكتور معلومات قيمة؟
(علي – الجزائر العاصمة)
الأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله أعرفه منذ زمن طويل، أحبه وأقدره وأحترمه، ولم أقطع صلتي به، وأعتقد أنه يبادلني نفس الشعور، ولهذا لم أجد صعوبة في إقناعه، لكنني أرهقته بأسئلة كثيرة في وقت كان فيه منكبا على التأريخ لمرحلة من تاريخ الجزائر المعاصر. والجلوس إلى هذا المفكر والمؤرخ والأديب والشاعر الزاهد في الوظائف العليا للدولة والمتواضع شرف ومتعة.
12 ـ الأستاذ بشير حمادي.. ما هي أهم المحطات التي استوقفتك في حياتك المهنية وكانت سببا في تغيير مفاجئ لديك؟
(نجيب قاسم – فلسطين)
المحطة الأولى التي استوقفتني هي محطة الصحافة، فما إن انفتحت أمامي حتى قفزت في إحدى عربات القطار المار بها آنذاك جريدة الشعب لأبدأ رحلة طويلة على سكة ما تزال مستمرة، تاركا ورائي محطة التعليم.
وفي قطار الصحافة انتقلت من عربة إلى أخرى دون النزول في محطة ما، ولكن الإنتقال بين العربات كان ربما أهم من تغيير المحطات، فما إن انفتحت أمامي كذلك باب عربة الصحافة الخاصة حتى ولجتها، لكنها لم تتوفر على الأكسجين الكافي الذي يضمن لي تنفسا عاديا، وحتى لا أختنق فتحت نافذة العربة واستنشقت هواء الصحافة من خلال صحافة الأطفال، وعندما انفتحت أمامي مجددا عربة صحافة الكبار من خلال إصدار يومية الشروق اليومي قفزت إليها، لكن هواءها تلوث، فانتقلت مضطرا إلى عربة أخرى وهكذا دواليك، والقطار ما يزال سائرا على سكته، والعبد الضعيف ما يزال في إحدى عرباته حتى وإن كان جالسا أو واقفا متفرجا على المشهد السياسي والإعلامي بصفة خاصة…
13 ـ كان أبو اليقظان كلما أغلقت له سلطات الاحتلال الفرنسية جريدة سرعان ما يبعث جريدة جديدة، بشير حمادي يشبهه كثيرا، لكنه استكان هذه المرة لماذا هل هو الاستسلام وانسداد كل الآفاق، أم أن هناك محاولات في طريقها إلى الولوج؟
(أبو اليقضان)
هذا السؤال طرح علي في حوار مع أسبوعية المحقق، وقد قلت أنني لست “أبو اليقظان” فالرجل ترك ما يقارب الستين مؤلفا مابين رسالة وكتاب، فهو صحفي، وشاعر، ومؤرخ، وعالم بالشريعة، لهذا أقول أنه المثل أو النموذج بالنسبة لي ولست مثله. أحب فيه أيمانه بالصحافة الذي لا يتزعزع، وتضحيته في سبيلها، وإرادته في تحقيق نفوذها.
لقد منعت السلطات الإستعمارية أول صحيفة لأبي اليقظان من الصدور، وهو ما حدث لي، ولم تكتف بمنعها من الصدور، بل إنها أصدرت الأوامر بمنعه من الكتابة مدة تزيد عن السنة، وهو ما حدث لي كذلك. وكلما أوقفوا له صحيفة أصدر أخرى، فقد صادر له الإستعمار خلال ثلاثة عشرة سنة ثماني جرائد هي :
(وادي ميزاب ـ ميزاب ـ المغرب ـ النور ـ البستان ـ النبراس ـ الأمة ـ الفرقان)، وهو القائل:
إن الصحافة للشعوب حياة .:. والشعب من غير اللسان موات
وهو ما أؤمن به وأسعى جاهدا لتحقيقه.
فبعد صدور الحكم بالبراءة في التعليق الثالث “للجزائر اليوم” وعدم السماح لنا بالصدور مجددا كما حدث في التعليق الأول والثاني، أصدرت مجلة “الشاطر” للأطفال التي لقيت رواجا، خاصة فيما يتعلق بملاحقها الخاصة
“ألعاب للأطفال” و”ألوان ومعارف” وهذا النوع من الإعلام يتناسب مع الوظيفة التي شغلتها قبل الصحافة، أي وظيفة مربي، لكنني أعشق الصحافة السياسية، ولهذا عندما عرضت علي فكرة المشاركة في إصدار يومية وطنية مستقلة قبلتها على الفور، وأسست مع بعض الزملاء يومية “الشروق اليومي” التي تصدر اليوم عن شركة أخرى.
أنا الآن كما أسلفت القول مسير دار الحقائق للطباعة النشر التوزيع والإشهار، وهذه المؤسسة من حقها إصدار نشريات، وقد أصدرت أسبوعية الحقائق، وكنت مدير تحريرها، وقد توقفت عن الصدور بعد تحولها إلى يومية، ستصدر عند توفر الظروف المناسبة والشروط الموضوعية، كما أسلفت القول.
14- هل لا زلت على تواصل مع جيلك من الزملاء وهل ربطت علاقات مع الجيل الجديد للصحافيين أم اعتزلت هذا العالم كليا؟
(طالب في معهد الإعلام)
مازلت على تواصل دائم بعدد كبير من الزملاء القدامى في القطاع العمومي المرئي والمسموع والمكتوب، وفي القطاع الخاص المقتصر لحد الآن على الصحافة المكتوبة، وحتى الزملاء الذين انتقلوا إلى مهن أخرى أو تقاعدوا،
أما الجيل الجديد للصحافيين فتربطني بالعشرات منهم علاقات جيدة، حتى مع الذين هاجروا بحثا عن أفاق أحسن وأرحب.
15 ـ في أسبوعية الحقائق، التي توقفت دون أن ندري لماذا، كتبتم مقالا مؤثرا جدا حول طفولتكم ودراستكم وعن ـ وهذا مربط الفرس ـ أمكم رحمها الله.. أنا واحد من الذين تأثروا أيما تأثر بكتابتكم الرقيقة إلى درجة أني بكيت كالطفل الصغير..
لقد اكتشفت أن بشير ليس حادا وقاسيا بالشكل الذي يظهر به في مقالاته.. حدثنا عن تلك الطفولة الصعبة والأم الحنون فما أحوج هؤلاء القاسية قلوبهم إلى مثل هذه القصة الجميلة.. ثم هل هناك فرق بين بشير الرجل الطيب وحمادي الصحفي الشرس؟
(صديق)
أسبوعية الحقائق توقفت عندما طلبت مسؤولة النشر تحويلها إلى يومية، وهو ما تمت الموافقة عليه.
أما مقال “آه لو أستعيد أمي”، فقد أبكى عددا كبيرا من قرائه الذين اتصلوا بي هاتفيا من مختلف الولايات، وأغلبهم قراء وليسوا أصدقاء، وقد غلبت عليه العاطفة، والجزائريون أمثالك وأمثالي عاطفيون وإن كانوا متهمين بالخشونة والعنف، وكلمات الدكتور أمين الزاوي في الإذاعة عن أمه كانت بمثابة ملح على جرح.
ولأنني لم أعش مع أمي إلا أشهر معدودة، فقد ظل الجوع العاطفي لأمي يعصرني ويؤلمني، مثل آلام المعدة أحيانا بالنسبة للمصابين بالقرحة المعدية…
انتقلت أمي إلى رحمة الله وقد بلغتُ العشرين من العمر، لكنني كنت بعيدا عنها خلال معظم سنوات العقدين..
لقد شرد الإستعمار عائلتي عندما جعل قريتي منطقة محرمة لا يحق لنا الإقامة فيها، ولا حتى زيارتها، وتشردنا مرة أخرى عندما عرف المستعمرون أن الوالد مجاهد وليس متوفيا كما كنا ندعي، فلم يعد بالإمكان إقامة أفراد العائلة مع بعضهم حتى في المحتشد المحاط بالأسلاك..
لقد حرمني الإستعمار من العيش مع أمي، رغم أننا غيرنا لقبنا وأسماء كل أفراد العائلة، وهذا ما لا أغفره لفرنسا وللجنرال ديغول الذي يعتبره الإندماجيون القدامى والجدد أنه منحنا الإستقلال، والذي كان أكثر قساوة على الجزائريين ممن سبقوه من جنرالات أو رؤساء.
وفي وقت كانت أمي بين الحياة والموت، ذهبت لأداء واجب الخدمة الوطنية وقد توفيت بعد أسبوعين من دخولي الثكنة، فلم أتمكن من توديعها إلى مثواها الأخير ولم أبك أحدا مثلما بكيت أمي خاصة عندما وقفت أمام قبرها بعد أيام من دفنها..
رحلت أمي وأنا بعيد عنها بمئات الكيلومترات مثلما كنت دوما.. وقبل أن تسلم الروح إلى بارئها، كانت تلح في طلبي كما قيل لي، لكنها رحلت ولم تتمكن من رؤيتى.. رحلت ولم تشبع مني، ولا شبعت منها، لكنني مازلت أراها في كل شبر من منزلنا بالعنصر، وفي حديقته وهي تغرس أو تقتلع بعض بقولها وخضرواتها، مثلما أراها من حين لآخر في أحلامي وفي المكان نفسه الذي قضت فيه أيامها الأخيرة وقضيت بعضها معها، وما تزال كلماتها القليلة ترن في أذني بعد أربعة عقود من رحيلها، إذ لم تكن هي ثرثارة، ولم أكن أنا متحدثا أصلا، إذ كنت عاشقا للصمت..
ولأنني حرمت من الوالدة في حياتها وبعد موتها، أشعر بالغيرة من بعض أصدقائي الذين ما تزال أمهاتهم على قيد الحياة، وأحترم البارّ منهم بوالدته أكثر فأكثر، وأتمنى لهم التمتع بنبع حب الأمهات ولحظات الصفاء معهن، وأمقت كل ولد عاق لأمه، وأكره كل مقصّر في حق والديه، وخاصة أمه..
وإذا كان الناس لا يطمئنون للخونة، لأن من يخون وطنه وقومه لا يمكنه أن يكون صادقا مع الغريب، فأنا لا أطمئن لعاقّ والديه أو لمن يولي ظهره لهما مهما كان المبرر، فمن لا خير له في أمه أو أبيه لا خير له في غيرهما..
لهذ قلت إذا كان الدكتور الزاوي يتمنى أن تعود أمه ثلاثة أيام، فأنا أقنع بيوم واحد لأحقق لها أمنية واحدة على الأقل تمنتها قبل رحيلها، وحتى بثلاث ساعات أحضنها أو تحضنني فيهم دون أن أضيع ثانية منهم بعيدا عن حضنها، لكنها أمنيات غير قابلة للتحقيق، فهي خارجة عن إرادة الإنسان الذي لو تعلقت همته بما وراء العرش لناله.
أمنية الزاوي وأمنيتي ليست وراء العرش فهي جسد فان تحت التراب، وروح سامية عند خالقها، قد تتحقق يوم نبعث جميعا.. وإلى ذلك الحين أدعو الله أن يرحم والدتي ووالدة الدكتور الزاوي الذي جعلني أكتب عن علاقتي بأمي، وأن يوفق كل بارّ بوالديه في جميع أعماله..
هذا بعض ماجاء في المقال الذي أبكى أصدقاء وقراء.
أما فيما يتعلق بسؤالك إذا ما كان هنالك فرق بين بشير الرجل الطيب وحمادي الصحفي الشرس، فليس هناك فرق ربما الشراسة في بعض ما أكتب تعود إلى طبيعتي الريفية القاسية، وقساوة الظلم المسلط علينا في طفولتنا أثناء الإستعمار الفرنسي، وهو ما جعلني أكره الظلم والظالمين..
16 ـ أعرف أنك تولي الصداقة اهتماما بالغا عكس معظم الصحفيين خاصة من أبناء جيلك الذين لا تكاد تجد للواحد منهم أي صديق، كيف تفسر لنا هذا: هل هي التربية أم أن الوسط الإعلامي هو الذي يدفع أهله إلى التجافي؟
(زميل سابق)
حقا أولي الصداقة اهتماما بالغا، وعدد كبير ممن درست معهم في الجامعة، ما تزال تربطني بهم علاقة صداقة، مثلما هو الشأن بالنسبة للصحافيين الذين اشتغلت معهم في القطاع العمومي، أو تعرفت إليهم في عناوين صحفية ومؤسسات إعلامية أخرى، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والفكرية، ولغة عملهم.
أشعر بالسعادة عندما ألتقي أحدهم وأرتشف فنجان قهوة أو أتناول وجبة معه وندردش في مواضيع شتى، وأحس أن لديه شعور مماثل.
ربما هذه الصداقة المتنوعة في الزمان والأشخاص تعود لصدقي معهم، وللصداقة الحقيقية التي لا تتلون بألوان المناصب صعودا أو نزولا..
17 ـ مرحبا بالأستاذ: المعروف عنك عايشت مرحلة الأحادية والتعددية في الجزائر كيف تقيم هاته التجربة بالنظر وبالمقارنة مع ما يجري في دول العالم وبالأخص في الدول العربية المجاورة، وهل يمكن القول أن الجزائر أرست قواعد ممارسة ديمقراطية إعلامية؟
(المغرب الأوسط)
من الصعب تقيم مرحلة طويلة من حياتي المهنية في سطور، ومن الأصعب مقارنة ذلك مع ما يجري في دول العالم وبالأخص في الدول العربية المجاورة، فهذا يتطلب بحثا مستفيضا، لا يتسع له هذا المجال.
أما فيما يخص الجزائر هل أرست قواعد ممارسة ديمقراطية إعلامية، فأعتقد أن الخلل موجود بين النصوص والممارسة، فأحكام قانون الإعلام لسنة 1990 لو طبقت يمكنها أن تحقق ممارسة إعلامية تتمتع بحرية مقبولة، وبقدر من أخلاق المهنة، حتى وإن كان أهل المهنة قد أسموه يوما بقانون العقوبات.
18 – التقيت بوتفليقة قبل أن يكون رئيسا.. فهل لازال هناك تواصل بينكما؟
(صحفي جزائري مغترب)
حقيقة التقيت السيد عبد العزيز بوتفليقة في منزله قبل أن يكون رئيسا، وكنت والزميل مصطفى هميسي نسعى لإجراء حوار معه، مثلما كان الأمر مع عدد من الشخصيات السياسية المغضوب عليها أو المهمشة آنذاك، لكنه إعتذر بلباقة قائلا: “اللعب مغشوش والركبة مايلة”.
فشلنا في الظفر بحوار معه للنشر لم يمنع من الجلوس إليه لساعات طوال ، ومحاورته في مختلف القضايا.
وقد كان الحديث معه شيقا وممتعا ومفيدا جدا لنا من حيث المعلومات، التي لايمكن توظيفها إعلاميا لأن حديث المجالس أمانات معه ومع غيره من الشخصيات الوطنية سواء كانت في السلطة أو خارجها، والتي حاورتها للنشر أو لمعرفة الحقائق فحسب.
أما بعد أن أصبح رئيسا للجمهورية فلم ألتقيه رغم حضوري للنشاطات التي يرأسها في قصر الأمم خاصة، وللحفلات التي يقيمها في قصر الشعب في الأعياد الوطنية الكبرى.
19 ـ ما قصة رفضك أيام إدارتك للشروق نشر حوار مكتوب للرئيس بوتفليقة، وتحدثك هاتفيا مع شقيقه السعيد بوتفليقة الذي طلب منك نشر الحوار على غرار باقي الجرائد الأخرى ؟
(عبد الحق)
من أسباب النجاح السريع للشروق اليومي، الإدارة العقلانية والجماعية، فليس هناك موقف شخصي من أية شخصية أو قضية.
وقد قدرت الجماعة المؤطرة للعنوان في ظل انقسام العناوين الإعلامية إلى مجموعتين، واحدة مع المرشح عبد العزيز بوتفليقة، والأخرى مع المرشح علي بن فليس، أن لا تتموقع في أي خندق، وفضلت الحياد الإيجابي في الصراع الذي كان دائرا بين المرشحين، ولم تنحاز أو تسيء لهذا المرشح أو ذاك مثلما فعلت جل الصحف التي انقسمت بين مؤيد لهذا المرشح لا تذكر إلا محاسنه ومناوئ لذاك لا تذكر إلا مساوئه.
وقد نشرت الشروق اليومي “بورطري” لكل مرشح من المرشحين الست، ذكرت فيه ماله وما عليه، وبنفس الحجم (أي صفحة لكل مرشح) وحتى الصورة كانت بنفس القياسات..
أما شقيقه السعيد فلم أتحدث معه لا هاتفيا ولا مباشرة لا قبل ولا أثناء ولا بعد الحملة الإنتخابية.
20 ـ كيف يشعر الصحافي وكيف يعيش يومياته وهو محروم من الكتابة حيث يشاء أو من تأسيس صحيفته؟
(صحافي سابق)
إذا كان عاشقا لمهنته مثلي، فإنه يشعر باليتم والظلم والإختناق، خاصة عندما تضغط عليه أحداث، فيمسك بقلمه، أو يفتح حاسوبه ويمنح لنفسه حرية الكتابة والتعبير وإبداء الرأي في تلك الأحداث، لكن مقاله لا يجد طريقه للنشر لأنه يفتقد جريدة.
عندما كانت غزة عرضة للهمجية الإسرائيلية كدت أختنق، فكتبت موضوعا
وأرسلته إلى يومية الجزائر نيوز، وهاتفت الأستاذ حميدة العياشي المدير مسؤول النشر لأعلمه بذلك، فرحب بي ونشر مقدمته في الصفحة الأولى وهو ماشجعني على كتابة مجموعة من المقالات في تلك الصحيفة أيام جرائم إسرائيل في غزة.
21 ـ يقال أن حرمانك من جريدة جديدة كان بسبب شراكتك مع قطاف وليس تحفظا على شخصك؟
(صحافي جزائري)
أعتقد أنه لا الشرع ولا القانون يسمح بتحميل مخلوق وزر مخلوق آخر، وحتى خيانة المواطن لوطنه لا يتحملها الأقربون إليه فما بالك بأصدقائه، والذي يفعل هذا كما يقال أو كما تقول مخلوق غير عاقل بأحسن الأوصاف. وبعض الظن إثم..
22 ـ كيف هي علاقتك بعبد الله قطاف الآن، وقد سمعنا أن صداقتكما قد انتهت؟
(شروقي)
علاقتي بالأستاذ عبد الله قطاف علاقة زمالة واحترام متبادل منذ أن كنا معا في جريدة الشعب، وكدنا نصدر معا يومية الأمة سنة 1990.
وحتى وإن اختلفنا في الرأي فاختلافنا لا يفسد هذه العلاقة التي تمتد لنصف عمر كل منا.
23 ـ كيف تم إجهاض تجربة “الجزائر اليوم” ؟
(موسى)
الجزائر اليوم كما هو معروف علقت ثلاث مرات بنفس التهمة، وهي “المساس بالنظام العام، والأمن العام، والمصلحة العليا للوطن”.
لكن السبب الحقيقي للتعليق هي أنها لم تبارك توقيف المسار الإنتخابي، ولم تبارك ما جاء بعد ذلك من مؤسسات بالتعيين بدلا من الإنتخاب، وحذرت من أن ذلك يقود البلد إلى ما لا تحمد عقباه، ودعت إلى حل المشكل السياسي بالطرق السياسية، رافضة سياسة الكل أمني، وهذا كان في مرحلة ما يُعد جريمة وخيانة، إذ حتى زعماء تاريخيين وصفوا بالخيانة في تلك المرحلة.
التعليق الأول كان يوم 09 أوت 1992، لتعود إلى الصدور يوم 14 جانفي 1992 ثم علقت للمرة الثانية بتاريخ 19 ديسمبر 1992 وعادت إلى الصدور مجددا بتاريخ 23 جانفي 1993، أما التعليق الثالث الذي تصدق عليه مقولة “الثالثة ثابتة” فقد كان بتاريخ 02 أوت 1993 وما يزال ساريا حتى كتابة هذه الأسطر رغم أن مرسوم حالة الطوارئ ينص صراحة على أن تدابير الغلق تتخذ عن طريق قرار وزاري لمدة لا تتجاوز ستة (06) أشهر. وقد تجاوزت 17 سنة رغم أن الحكم كان بالبراءة في الدعوى المرفوعة عليها.
الجزائر اليوم هي اليومية الوطنية المستقلة الوحيدة المعلقة لحد الآن، لكنها ليست العنوان الوحيد المعلق، فقد عقدت عشر عناوين معلقة ندوة صحفية بمقر الجاحظية يوم 03 أكتوبر 1993 وأصدرت ملحقا بعدد من الصحف بعنوان “المعلقات العشر” ومنها الصح ـ آفة للأستاذ حبيب راشدين، والنور للمفقود صالح قيطوني، وبريد الشرق للأستاذ عبد الله قطاف.
“الجزائر اليوم” تم تعليقها نهائيا لأنها ظلت تنادي بالحوار والمصالحة الوطنية، مؤمنة أن الحل الأمني سيؤدي إلى مأساة وطنية، وقد كتبت في ملحق المعلقات العشر في نوفمبر 1993 مقالا بعنوان “ديمقراطيون.. وفاشيون” قلت فيه:
“أن الأزمة التي تخنق أو تغرق البلد هي أزمة سياسية، وأيا كانت الأطراف الأساسية لهذه الأزمة، وأيا كانت مواقف وتجاوزات وأخطاء وخطايا كل طرف، وأيا كانت سلبية المتفرجين، وانهزامية الخائفين من هذا الطرف أو ذاك، وأيا كان حجم الضرر الذي لحق بالبلاد والعباد، ونصيب كل طرف فيه فإن الأزمة التي هي في الأصل سياسية يجب أن تجد لها حلا سياسيا، وهذا الحل لا يمكنه إلا أن يكون مصالحة وطنية ـ بعد الذي حدث وبالرغم مما حدث ـ تتجاوز الضغينة، والكراهية والأحقاد التي ولدت مع الأزمة وكبرت معها وأدت إلى سقوط أرواح كثيرة، وإلى ظلم أكثر لحق حتى بالأبرياء المسالمين، الذين لا ناقة لهم ولا جمل فيما حدث ويحدث”…
ألا ترى أن ما كنا ندعو له، أي الحوار والمصالحة الوطنية، هو ما حدث اليوم، لكن بعد جرائم ومجازر، ومأساة وطنية كاملة وشاملة..
24 ـ الأستاذ بشير.. كيف جاءت فكرة نشر عمود رأي باللغة الأمازيغية وبحروف عربية، كما كان الشأن في جريدة “الجزائر اليوم” مطلع التسعينيات والتي كنت تشغل فيها منصب رئيس التحرير؟ لأن الفكرة كانت طيبة ومثيرة وجريئة خاصة في تلك الأيام.
(علي بهلولي: صحفي رياضي جزائري)
كانت الجزائر اليوم أول يومية جزائرية مستقلة تتضمن صفحتها الأخيرة عمودا يوميا بالأمازيغية، وبحروف عربية بعنوان “لزاير آسا”، وكان هذا الركن منبرا لجميع الأمازيغ، أي القبائل، والشاوية والتوارق، والميزابيين وغيرهم. وقد كتب أول عمود الزميل أحمد أيت وعلي، وهو أحد الفرسان الست المؤسسين لشركة الرسالة التي أصدرت “الجزائر اليوم”.
كان أول عمود صدر في العدد التجريبي والعدد الأول بعنوان “أجرنان قزايري يان”، أورد الفقرة الأولى منه التي تقول:
“لزاير أسا ذا جرنان أراديلالن.. أسمي أدلولن يزماوان نواحد نوفمبر 54.. نختار أسا.. أخاطر ذاس إقلان ذا مقران قار ووسان. ذاس إيق، إدينا وقذوذ الزاير. بركاياغ تامعيشت نذل.. ذاس إيق إقج أومازوز ذومنزو.. كيف كيف ـ يماثسن ثمعزوزت ـ ميسنان.. أيما اعزيزن أورسرو ماذسار أمثيدرغ…الخ”.
لقد كان محتوى العمود ترجمة صادقة للخط الإفتتاحي للجريدة، وقد كان الزميل أحمد كاتبا ومراجعا لما ينشر في عمود “لزاير آسا” لأنني والزميل عبد الله بشيم رئيسا التحرير لا نعرف الأمازيغية.
وقد كنت أقول للزميل أحمد خاصة عندما أرى شعرا في عموده لشعراء مشاكسين ومتمردين على كل الأوضاع “نوكل عليك ربي” لأنني لم أكن أعرف محتوى ما سينشر..
عندما أصدرت مجلة الأطفال “الشاطر” حاولت مع المحافظة السامية للأمازيغة تخصيص صفحة أو صفحتين للأمازيغية بعنوان جسور تتناول في البداية المصطلحات المشتركة بين الموكونات الأمازيغية، لكن التجربة فشلت لأن الأكاديمية أصرت على أن تكتب الأمازيغية بالحروف اللاتينية، ورفضت بدوري اقتراحهم أو شرطهم لأن المجلة كانت موجهة للأطفال من 7 إلى 15 سنة، وهذه الشريحة من الأطفال تتقن العربية أحسن من الفرنسية، وبعضها لا يعرف حتى الأبجدية الفرنسية.
25 ـ كيف تنظر إلى الساحة الإعلامية الحالية، أي ما هو رأيك وتقييمك لها في الشكل والمضمون، والرجال والتوجهات.
(صديق)
ما نسميه عندنا بالتعددية الإعلامية وحرية الصحافة التي دفعنا من أجلها ضريبة غالية دماء ودموعا ومعاناة يومية، هي اليوم تكاد تكون عبارة عن وجبة واحدة، من مطاعم متعددة، في أطباق مختلفة. أغلبية الصحف اليوم يمكن اختزال هيئات أركانها في هيئة تحرير واحدة، تقوم بإنجاز 22 صفحة توزعها للنشر على جميع الصحف، مع احتفاظ كل صحيفة بصفحتي الواجهة الأولى والأخيرة، حفاظا على التسمية، وليس لاختلاف محتويات الصفحتين.
لقد انتقلنا في مطلع التسعينيات من مرحلة الأحادية الإعلامية المتميزة بملكية الدولة لجميع وسائل الإعلام إلى أحادية إعلامية متميزة بهيمنة أقلية سياسية ـ لغوية، المستفيد الوحيد من المأساة التي عرفتها الجزائر منذ أحداث أكتوبر1988، والتي تحولت منذ إلغاء المسار الإنتخابي في مطلع التسعينات إلى أقلية ساحقة، وحولت بقدرة القادرين الأغلبية الفعلية إلى أغلبية مسحوقة إعلاميا.
بعد تراجع العنف أمام الوئام والمصالحة، وتوقف السلطة عن تعليق الصحف بقرارات إدارية عرفت الترسانة الإعلامية الخاصة تعددا مطردا في العناوين والملاك وخاصة “البقارين”، غير أن التنوع في العناوين الإعلامية الخاصة شكل ما أصطلح على تسميته بصحافة
“ذبح ـ نبح ـ نكح”، أي أن المادة الإعلامية المكررة في هذه الصحف تتعلق بأخبار القتل، والإقتتال والإنتحار، وأخبار الدعارة، والإغتصاب، وزنا المحارم، والخيانة الزوجية، وتسهب في تحليلها والتحقيق فيها أحيانا، ثم أخبار السراق حتى لأحذية بالية من أمام مسجد.
وهكذا غرقت معظم الصحف في قضايا لا فائدة ترجى منها للمواطنين، وابتعدت بذلك عن قضاياهم الأساسية، وعن السياسة وعواصفها، التي قد تفقدها توازنها، ولم تعد تختلف عن بعضها البعض شكلا ومضمونا إلا في تغليب هذه للقتل بما في ذلك قتل خنزير لمواطن، وحظي “بمانشيت” يومية وطنية إخبارية وأخرى للنكاح.. ورجالها يطبقون حكمة المصريين “الموج العالي وطيلو” ..فمعظم الرؤوس مطأطأة حتى لا تضربها موجة قوية تفقدها وعيها فتغرق، ولا تجد من ينتشلها.
26 ـ ظهرت في الآونة الأخيرة، بعض الجرائد يتحاشى مسيّروها انتداب الكفاءات، مقابل توظيف المتربصين والفتيات، وتوفير أدنى حد من وسائل الإعلام (اقتصاد الحرب)، فيعلموهم أن ضبط أجرة شهرية لهم أو تحسينها سيكون لاحقا لما تتحسن ظروف الجريدة المرتبطة بتحصيل الإشهار، ولا نتحدث عن التأمين الإجتماعي..يا ترى من سمح لمثل هذا النوع من الناشرين بإطلاق جرائد إن جاز لنا تسميتها “جرائدا”، ثم ألا يعدو الأمر أن يكون تمييعا للصحافة المكتوبة؟
(علي بهلولي: صحفي رياضي جزائري)
كل إنسان بلغ درجة من العلم والمعرفة، المفروض أنه أصبح قادرا على التمييز بين ما يضره وما ينفعه، وقادر على أن يوازن بين المضار والمنافع، وعلى ضوء ذلك يحدد ما يضره وما ينفعه، ويقرر بشأن خطوته الأولى إقداما أو إحجاما. ورب ضارة نافعة، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.
فإذا كان العامل مقتنعا بقدرة هذا المسير على إنجاح المشروع، وأن ذلك يعود عليه بالنفع بحيث يضمن له منصب عمل دائم لسنوات تمكنه من اكتساب التجربة والإختيار عندها ومن موقع قوة بين البقاء في هذا العنوان أو الإنتقال إلى عنوان آخر، فلما لا..
أتذكر أن الشاب تقرين الصغير عندما تقدم إلى جريدة “الجزائر اليوم” طالبا العمل، وكان ما يزال طالبا قال أنه مستعد للعمل بدون مقابل حتى يتخرج من الجامعة، وكان هدفه التكوين الميداني، وهو ما تحقق له وبأجر، وأصبح من خيرة الصحافيين مع مر الأيام، ومكنته تلك التجربة القصيرة من الإلتحاق بالتلفزة الوطنية.
… يتبع
بشير حمادي: أشعر بالظلم والخيانة.. ولست ممن تُفقدهم الضربات الموجعة توازنهم!
(الجزءالثاني والأخير)
نشر هذا الجزء بتاريخ 11 نوفمبر 2010
يواصل الأستاذ بشير حمادي في هذا الجزء الثاني والأخير، شهادته على العصر الإعلامي الذي عايشه، حيث يجيب على أسئلة القراء والصحافيين حول مختلف القضايا التي طرحت عليه في هذه المواجهة الإعلامية.. تابعوا..
27 ـ كيف عشت التحول من الصحافة الأحادية إلى التعددية الإعلامية، ولماذا نجحت أنت مثلا في حين أخفق كثير من زملائك في تخطي هذه العقبة؟
(من الجيل القديم)
بمجرد أن سمح قانون الإعلام للأشخاص الطبيعيين والمعنويين بإصدار نشريات للإعلام العام بتعبير أحكام القانون شرعت مع مجموعة من الصحافيين في الإعداد لإصدار يومية إخبارية بعنوان “الوطن ” وعقدنا أول اجتماع بمقر أسبوعية الوحدة يوم 14 أفريل 1990، حضره الأساتذة محمد عباس، وسعد بوعقبة، وعبد الله بشيم، ومصطفى هميسي، وصلاح شكيرو، وشرفوني برئاسة المجموعة، ومتابعة التحضيرات مع الهيئات المعنية، وهي أساسا رئاسة الحكومة ووزارة العمل.
بعدها التقى المؤسسون مع السيد محمد الصالح دمبري في رئاسة الحكومة يوم 22 من نفس الشهر، وقد كان أول تعليق له على المجموعة أن الصحيفة التي سنصدرها ستولد “بشلاغمها”.
فبالإضافة للزملاء السالف ذكرهم كان من بين أعضاء المجموعة كذلك الزملاء عز الدين ميهوبي، وبوعلام رمضاني، وعبد الحق صداح، وأحمد آيت وعلي، وعبدوس عبد الحميد، وسالم الزواوي…الخ.
لكن المشروع تعثر، فالتحقت بالمساء كمدير تحرير، وعاودت الكرة مع مجموعة أخرى، حيث قدمت استقالتي من المساء وأسست يومية “الجزائر اليوم” مع الزملاء عبد الله بشيم، ومصطفي هميسي، وعلي ذراع، وأحمد آيت وعلي، وعبد الرزاق دكار.
وهذه اليومية التي صدر أول عدد لها في فاتح نوفمبر 1991 والتي كنت رئيس تحريرها انطلقت من العدم ولم تستفد من أية مساعدة من الدولة على غرار العناوين الأخرى، حتى المقر لم تتحصل عليه في وقت كانت فيه المكاتب شاغرة في دار الصحافة.
ورغم ذلك استطاعت أن تحقق انتشارا واسعا في ظرف قصير جدا، وتميزت بخطها الإفتتاحي ولونها الأخضر.
أما النجاح الذي حققته فلا يعود لشخصي، وإنما هو نجاح لمجموعة المؤسسين الذين هم صحافيون محترفون، أحسنوا تأطير مجموعة من الشباب كانوا دوما في قلب الأحداث، وعرضوا أنفسهم لمضايقات ومخاطر في ظل ظروف صعبة للغاية خاصة بعد توقيف المسار الإنتخابي وإعلان حالة الطوارئ.
28 ـ هل تلاحظ معي أن الصراع بين الصحافة الفرنكفونية والمعربة خفت في السنوات الأخيرة، هل يعود ذلك إلى تعايش سلمي توصل إليه الطرفان أم لأن صحافيي اليوم لم يعودوا يحملون أفكارا ويؤمنون بقضايا كتلك التي كانت تثار في وقت سابق أم هناك سبب آخر؟
(مُعرب)
الصراع لم يكن بين الصحافة المعربة والصحافة المفرنسة، أو بين الصحافيين المعربين والصحافيين المفرنسين، بقدر ما كان صراعا بين دعاة الفرنسة، ودعاة التعريب، ينعكس على صفحات الجرائد ويجد له أنصارا في هذه الصحف أو تلك.
فالصراع في هذا المجال هو بين مكونات المجتمع ومؤسساته، يتأجج عند صراع الزمر على المناصب والمغانم ويخفت عندما يجد كل طرف مغنما له.
والمسألة لا تتعلق لا بالتعايش السلمي بين طرفين ولا بانعدام أو ضعف إيمان الصحافيين حاليا بهذه القضية وغيرها من القضايا.
الصراع بين العربية والفرنسية، وبين أنصار هذه وأنفار تلك يظل قائما، يتأجج أحيانا، مثلما حدث مع إصلاح المنظومة التربوية، ويخفت أحيانا مثلما هو حادث اليوم.
وقد تأكد لي من خلال معايشتي كل معارك التعريب أن العربية لن تكون لغة الحجار، وأن لغة بيجار ستظل هي السيدة في هذه الديار…
وقد قلت بعد تمكن حركة العروش من فرض مطلب دسترة الأمازيغية، أن العربية لن تكون لغة رسمية بالطرق والأساليب المتبعة منذ أربعة عقود من الإستقلال، وعليه، لا بد من تجاوز كل ذلك، وليس هناك في المدى المنظور أحسن من العروش.
لقد عجزت العربية عن أن تكون لغة رسمية في الجزائر، فلم تتمكن لا لجنة تعريب حجار، ولا مجلس المرحوم مولود قاسم، ولا اللجان والمجالس التي جاءت بعد ذلك من جعل العربية لغة وطنية ورسمية..
لقد سقطت كل اللجان والمجالس، وجمدت كل المراسيم والقوانين منذ الاستقلال، وحتى المجلس الأعلى للغة العربية تحول إلى مجلس لترقية اللغات الأخرى بدلا من ترقية اللغة العربية التي تراجعت حتى عن”شواهد “المقابر.
وأعتقد أن اللغة العربية لن تتبوأ مكانتها لغة علم وعمل وتعامل في الجزائر إلا بحركة جماهيرية واسعة تفرض ذلك على السلطة فرضا مثلما كان الشأن بالنسبة للغة الأمازيغية، فحركة العروش حققت للأمازيغ بصفة عامة، وللقبائل منهم بصفة خاصة ما لم تحققه الأحزاب والجمعيات منذ ظهور الحركة الوطنية، لقد عجزت الأحزاب من “حزب الشعب القبائلي” الذي ظهر بعد مجازر الثامن ماي 1945 إلى “جبهة القوى الاشتراكية” التي تأسست بعد الإستقلال، إلى التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي ولد بعد أحداث أكتوبر 1988 عن فرض الهوية الأمازيغية قانونا، مثلما عجزت الجمعيات، من “الربيع الأمازيغي” إلى “الربيع الأسود” عن تحقيق نتائج هامة للأمازيغ بصفة عامة. لكن حركة العروش المستندة إلى الشارع، والتنظيم التقليدي للقبائل استطاعت أن تفرض الأمازيغية هوية وثقافة ولغة في الواقع وفي النصوص، وتمكنت من رفعها من مرتبة لهجة تفتقد حروفا وأرقاما إلى لغة وطنية بنص الدستور.
أنا مقتنع أن هذا الأمر لن يكون غدا، فما حرك الأمازيغ يفتقده أنصار العربية، ومتأكد كذلك أن فكرتي على المدى المنظور هي فكرة طوباوية، أو هي أشبه بحلم لوثر كينغ قد يتحقق بعد نصف قرن.
29 ـ الساحة الإعلامية تعج اليوم بالصحف، هل ترى بينها فرقا في المستوى وفي السياسة العامة والخط التحريري؟ وهل تعتقد أن في الجزائر فعلا صحافة مستقلة؟
(متابع إعلامي)
عندما ظهرت الصحف الخاصة كانت أقرب إلى الإستقلالية مما هي عليه الآن، وأكثر احترافية مما هي عليه الآن، ذلك أن الصحف الخاصة التي صدرت في مطلع التسعينيات، أسسها صحافيون محترفون متعطشون للإستقلالية وحرية التعبير، تركوا مناصب مسؤولية في مؤسسات عمومية طواعية ليؤسسوا مؤسساتهم ويصدروا صحفهم، وبتمويل منهم، مما جعلهم أسيادا في مؤسساتهم، وأحرارا في تحديد الخط الإفتتاحي لصحفهم، فنجحت معظم الصحف لهذه العوامل، ولوجود قارئ متعطش هو الآخر لصحف تتضمن الأخبار الصادقة والآراء الحرة.
لكن سرعان ما انقلبت الأوضاع السياسية، فانقلبت معها أوضاع الصحف، وانقسمت الساحة الإعلامية على غرار الساحة السياسية إلى صحف مؤيدة لوأد نتائج أول انتخابات تشريعية تعددية في الجزائر، وإلغاء المؤسسات الدستورية المنتخبة التي حلّت محلها مؤسسات معينة، وصحف رافضة لإلغاء الإنتخابات والمؤسسات، فكان مصير الأولى أن تحولت إلى أبواق لسلطة فعلية وليست شرعية وهذا أسوأ مما كانت عليه الصحف العمومية قبل الإنتخابات، فأصبحت صحفا خاصة فقط لا علاقة لها بالإستقلالية.. أما الممانعة فكان مصيرها التعليق عن الصدور من حين لآخر لدفعها إلى الإفلاس، أو تعليقها نهائيا ومنعها من الصدور بقرار سياسي، مثل يومية “الجزائر اليوم” وأسبوعيات “الصح آفة ـ والنور ـ وبريد الشرق”.
ومع تجاوز المرحلة الإنتقالية، وانتخاب الجنرال لمين زروال رئيسا للجمهورية، بدأت مرحلة ظهور الصحافة الخاصة بأتم معنى الكلمة، أو ما سميت بصحافة “البقارين” أي الذين يملكون المال ويفتقدون الفكر، فيؤجرون صحافيين لإصدار صحف لا لون ولا طعم، ولا خط افتتاحي لها، سوى أنها عصا في اليد يهوشون بها على أغنامهم، ويصفون بها حساباتهم مع خصومهم.
هل توجد في الجزائر صحافة مستقلة؟
أعتقد أن حرية الصحافة من حرية الشعب، واستقلالها من استقلال البلد، ومن الوهم الإعتقاد أن هناك صحافة حرة لشعب يفتقد لجزء هام من حرياته.
من الوهم والغفلة الإعتقاد أن مجتمعا تؤمن صحافته المستقلة:
“أن نظامه متعفن، ومستبد، وقائم على التزوير واقتسام الريوع،، وأن اقتصاده ضعيف أو منهار،، ومسيّريه سرّاق أو مرتشين، وأن أحزابه نشأت وترعرعت في المخابر، ومرتبطة ارتباطا وثيقا بالمخافر،، وأن طبقته السياسية مريضة وعاجزة وخائنة للشعب، وعميلة للأجانب،، وأن جمعياته المدنية مجرد دمى وقنوات لنهب المال العام،، وأن مؤسسته العسكرية مثل العصا مستقيمة لكن رأسها معوج،، وأن نظامها التربوي منكوب ومشتلة لتفريخ الإرهاب،، وأن الإدارة أداة لإذلال الشعب ولا تقلّ إرهابية عمّن يزهقون الأرواح،، وأن الشعب نفسه عبارة عن غاشي لا يصلح حتى لأن يكون محكوما…”
قلت من الوهم والغفلة اعتقاد الصحافة المستقلة بكل هذا وتظل رغم كل هذا معتقدة أنها صحافة مستقلة!
نحن لسنا واهمين ولا مغفلين، ونعتقد أن مثل الصحافة ـ ونحن جزء منها منذ نشأتها ـ هي جزء لا يتجزّأ من المجتمع ولا يمكن أن يكون المجتمع متخلفا وهي متقدمة، ولا يمكن أن يكون المجتمع فاسدا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وأمنيا وهي صالحة، ولا يمكن أن يكون الشعب أفرادا أو جمعيات أو أحزابا أو هيئات مقيّدا والصحافة حرة مستقلة..
30 ـ هل كنت متفائلا من الإصلاحات السياسية والإعلامية التي طرأت على الجزائر في عهد الثنائي الشاذلي/حمروش أم كنت تتوقع أن تتعثر التجربة في أول امتحان حقيقي؟
(متابع إعلامي)
في بداية الأمر كنت متفائلا بعملية الإنتقال من النظام الأحادي إلى النظام التعددي، لكن تسارع الأحداث باتجاه الإحتقان السياسي، وخاصة بعد الإضراب السياسي اللامحدود للجبهة الإسلامية للإنقاذ في ماي 1991 قلل من تفاؤلي، لأن الوسيلة المستعملة في الصراع السياسي بدأت تحدث شرخا واضحا وخطيرا في العلاقات العائلية، والمهنية، والإجتماعية، ذلك أن حكم الإبن على الأب، والأخ على أخيه بالكفر لاختلاف في الموقف السياسي، ووصف فئة لفئة أخرى بيهود خيبر، وتوجيه عامل لزميله كلمات أشد من اللكمات، وتسميم علاقات الجيرة والعشيرة المترابطة بالقرب والنسب، ليس من السهل ربطها بروابط تشدها بنفس القوة التي كانت عليها من قبل، حتى وإن التقى الساسة وتعانقوا واتفقوا على مرأى ومسمع البسطاء الذين يكونون دوما الحطب والرما في كل خصومة”.
وقد استمر التشنج والتصعيد بين الأطراف السياسية المتصارعة، وبدأت ملامح نصب الكمائن والشراك تلوح في الأفق، ليس لإسقاط طرف لآخر فيها بل لإسقاط التجربة الديمقراطية التي يكرهها طرف، ويحبها طرف حب القطط، وهوما أدى إلى الإحتكام مرة ثانية إلى الجيش الوطني الشعبي في ظرف قصير لتهدئة الأعصاب المتوترة، وفرض حالة الحصار العام، فإلغاء الإنتخابات التشريعية، وفرض حالة الطوارئ، وتوقيف المسار الديمقراطي ككل.
لقد كان الأستاذ راشد الغنوشي المعارض التونسي أكثر تفاؤلا مني عندما تحدثنا في الأمر أثناء زيارته لنا بجريدة المساء، إذ كان مقتنعا أن الرئيس الشاذلي بن جديد رجل ديمقراطي، وأن التجربة الجزائرية ستنجح بخلاف ما كان جاريا في تونس، لكن جرت الرياح بما لم تشته سفينة الديمقراطية فغرقت وأغرقت البلد في بحر من الدماء واغتالت كل أمل عندي في نجاح التجربة الديمقراطية في الجزائر.
31 ـ لماذا لم تفكر في تجربة خارج البلد أم لم تعرض عليك فرصة؟
(صحافي في الغربة – فرنسا)
قدمت لي عروض عديدة منذ مطلع الثمانينيات، ولكن لم يخطر ببالي أبدا مغادرة الجزائر، وقضاء سنوات في الغربة، فقد عشت الغربة في وطني منذ كنت طفلا، ولا أريد أن أكون غريبا في أوطان أخرى. وحتى لا أضعف أمام إغراءات وضغط الأحداث، لم أجدد جواز سفري الذي انتهت صلاحيته قبل أحداث أكتوبر 1988 إلا بعد إصدارنا لجريدة الشروق اليومي، ومع الزميلين سعد بوعقبة وعبد الله قطاف.
أنا أعشق بلدي عشقا جنونيا، أشعر أن أقدامي مغروسة في ترابه، ورأسي يعانق سحابه، وأشعر براحة البال وأنا أتجول في أسوأ أزقته أكثر مما أحس بالراحة أو المتعة وأنا أتجول في الشانزليزي بمدينة الجن والملائكة.
32 ـ أود أن أعود إلى البدايات الأولى لتأسيس جريدة الشروق كنتم في البداية أنت وعبد الله على الأقل تعلمون أن بعض من أشركتموهم سيتعبونكم كثيرا ومع ذلك قبلتم بهم وكان الأمر كذلك فانقلب هؤلاء عليكم وحدث لكم ما حدث. هل لك أن تحدثنا في تفاصيل هذه المسألة، وهل هو قصر النظر من لدنكما أو خيانة العهد والوعد من هؤلاء. ؟
(شروقي سابق)
ليس هناك من يمكنه القول أنه المؤسس الأول لجريدة الشروق اليومي، أو أن عنصرا ما هو الذي انتقى المجموعة المؤسسة لدار الإستقلال والمصدرة بعد ذلك لجريدة الشروق اليومي. لكن للأمانة والتاريخ فالأستاذ عبد الله قطاف هو الذي بدأ في استفزاز الجماعة، وقد كتبت عن هذا “الإستفزاز” في العدد الرابع للشروق اليومي بعنوان الولادة القيصرية قائلا: “عندما قدم إلينا إعرابي من عروس الزيبان منتفضا على الوضع الذي آل إليه زملاء الدرب الطويل في مهنة المتاعب، شعرنا أن وراءه رياح السيروكو التي ستبعث الدفء لا محالة في عقول تجمدت منذ مدة.
وبالفعل دبت الحيوية في مجموعة شيوخ مهنة المتاعب وقرروا وبصموا بالعشرة لإصدار يومية وطنية”.
وبعد النفخ في جمر كان تحت الرماد، تشكلت المجموعة الأولى من السادة عبد الله قطاف، سعد بوعقبة، بشير حمادي، وفضيل علي، وبدأ هؤلاء في تقليب الأمر من جميع الأوجه، من حيث الشركاء، والعنوان الذي سنصدره.
وعندما بدأ طرح أسماء الشركاء على أساس الجمع بين القلم والمال، أو بين الإحترافية والقدرة المالية، برزت أسماء كثيرة، مثل عبد الله بشيم، ومحمد عباس، ومصطفى هميسي، وعمار نعمي، وسالم زواوي، وعبد الناصر بن عيسى، وسعاد بلعون، وعمار يزلي، وحبيب راشدين، وحميدة العياشي، وحسن بوربيع، والسعيد هارون، وزملاء آخرون…
وتبين بعد الإتصال بهؤلاء وبغيرهم أنه من الصعب الجمع بين الكفاءة والمال، خاصة بالنسبة للمعربين، فالمشهود لهم بالكفاءة المهنية، أي الذين صنعوا لأنفسهم أسماء إعلامية معروفة لدى القراء لايتوفرون على المال المطلوب للإنضمام إلى الفريق المؤسس.
وكم كنا نود انضمام زملاء للمجموعة لاقتناعنا بجودة أقلامهم، وطلبنا من بعضهم الإنضمام بما تيسر له، حتى وإن كان تحت الحد الأدنى بكثير غير أن عزة النفس عند هؤلاء حالت دون ذلك..
وقد حاولنا قدر الإمكان أن يكون توزيع الشركاء متوازنا عبر الجهات الأربع للوطن حتى نضمن المتابعة الدقيقة للعملية الإعلامية من قبل الشركاء أنفسهم في عدد من الولايات خاصة الهامة منها، مثلما كان لنا مؤسسين خارج الوطن (سعاد بلعون من الإمارات، ومصطفى هميسي من الكويت) لأننا كنا مقتنعين بأهمية ذلك.
استقر الأمر في البداية على ثمانية شركاء تقدموا للموثق لتأسيس شركة دار الإستقلال، ثم لحق آخرون فكان عدد المؤسسين أو المساهمين في نهاية الأمر 13 مساهما. وقد وزعت الأسهم بين الشركاء بالتساوي رغم التفاوت الكبير في المبالغ المقدمة لأننا تجمعنا على أساس أننا أصحاب حرفة، وتجمع لأقلام، ولو كان المال عاملا أساسيا لما التقينا أصلا، ولو كنا نفضل المال عن الأقلام لأشركنا “البقارين” كما جرت العادة منذ منتصف التسعينات خاصة، وقد فشلت العناوين التي قامت على أساس المال لحد الآن..
وقد أعفي الشريك علي فضيل من تقديم المبلغ المطلوب، حيث اعتبر الشركاء تقديمه لوصل إصدار “الشروق اليومي” كافيا لأن ينال بموجبه نفس الأسهم التي ينالها شركاء آخرون قدموا مابين 50 و100 مليون سنتيم.
وهكذا استقر الرأي على إصدار “الشروق اليومي” بعد النظر في عدد من الإقتراحات كانت مقدمة من زملاء آخرين.. منها يومية “الأيام” للزميل الصديق بومايدة و”الصباح ” للسيد محمد الصالح حرز الله، وعناوين أخرى.
مما سبق يتضح أن القاسم المشترك بين الشركاء هو الإحترافية والقدرة المادية، وليست الصداقة أو الجوانب الأخلاقية.
33 ـ ألازلت متسمكا باستعادة جريدة الشروق اليومي من علي فضيل، أم أن الصراع القانوني حولها محسوم نهائيا؟
(محمد – الجزائر)
استعادة دار الإستقلال التي هي أول من أصدر جريدة الشروق اليومي ولمدة تفوق أربع سنوات ليست قضية شخصية، ولكنها قضية جميع المساهمين.
قضية الشروق اليومي بالنسبة لي صفحة طويتها، لأنني لست ممن تفقدهم الضربات حتى الموجعة توازنهم، لكنني لم ولن أمزقها، فهي أشبه بصفحات التاريخ، وهي تشكل مع “الجزائر اليوم” جزءا هاما من حياتي بحلوها ومرها، وبانتصاراتها وانكساراتها..
34 ـ سيد بشير حمادي مع كثير من الاحترام لك ولتجربتك. قراء الشروق مازالوا يطرحون السؤال ذاته منذ سنوات..
السؤال: ما حقيقة تدخل ووساطة عبد القادر حجار في الصراع بين مجموعتك (التي كانت تضم أيضا الأستاذ عبد الله قطاف) ومجموعة علي فوضيل..؟
(عثماني ـ الجزائر)
أنا شخصيا لم ألتق السيد عبد القادر حجار، ولا أعلم إن كان قد قام بواسطة بين مجموعتي ـ كما تسميها ـ وهي تضم 11 مؤسسا من 13 مؤسسا، والخصمين علي فضيل وسعد بوعقبة.
35 ـ للتاريخ وللحقيقة، هل بالفعل وقع تدخل من قبل وزير العدل الطيب بلعيز في موضوع الصراع بينكم وبين علي فوضيل
(عثماني ـ الجزائر)
قضية الشروق اليومي سمع بها القاصي والداني، رغم أننا كما جاء في بيان المؤسسين الصادر بيومية الجزائر نيوز يوم الثلاثاء 26 أوت 2008
“التزمنا على امتداد أشهر النزاع الذي كان مطروحا أمام القضاء الإستعجالي، ثم التجاري أن لانستعمل جريدة الشروق اليومي التي كانت حينها تصدر عن دار الإستقلال، ضد الشريك الخصم علي فضيل، فلم نكتب كلمة واحدة عن القضية وأطوارها، ولم ننقل حتى الأحكام التي صدرت عن القضاء، أو نعلق عليها حتى لانؤثر على القضاة. والتزمنا بعدم الإدلاء بأي حديث لزملائنا في العناوين الإعلامية الأخرى…”
الصراع كان سياسيا بامتياز، لأنه لم يكن صراعا على مزرعة أو مصنع أومسرح ولكنه كان يدور على منبر إعلامي كبير هو أهم من الأحزاب الكبرى، ورجحان الكفة فيه لهذا الطرف أو ذاك له مدلول سياسي.
يمكنني التأكيد أن أطرافا غيورة على الصحيفة وخطها الإفتتاحي سعت للصلح بين الطرفين، لأنها جاءت إلى مقر الجريدة، ولكن لايمكنني القول أن المسؤول الفلاني تدخل لترجيح الكفة للسيد سعد بوعقبة أساسا، وليس من طبعي إلقاء التهم جزافا.
36 ـ لو يعرض عليك علي فضيل العودة إلى الشروق في منصب مدير التحرير هل ستقبل هذا العرض؟
(سليمان)
أعتقد أن هذا الأمر لم يخطر ببال أحدنا، ولا أحد منا يفكر فيه.
37ـ ألم يكن ممكنا نجاح مشروع جريدة بديلة لو تخلى قطاف عن تعنته واصراره في الاحتفاظ بالشروق؟
(شروقي أصلي وليس مقلد)
لم يكن السيد عبد الله قطاف لوحده في الإصرار على الإحتفاظ بالشروق اليومي، فقد كان معه 11 مساهما، وإثنان في الطرف الآخر (علي فضيل وسعد بوعقبة).
38 ـ الآن نحن بين تجربتين متناقضتين، تجربة الشروق التي كانت تصدح بالرأي القوي وخاصة في أيام الصراع ضد إصلاحات بن زاغو، وشروق اليوم التي تركز أكثر على أخبار الإثارة والجانب الخبري بصفة عامة، أي التجربتين تحبذها أم أنك تميل إلى المزج بين هذا وذاك ؟
(لا يهم إسمي بل السؤال هو المهم)
تلك مرحلة سياسية وإعلامية، وما بعدها مرحلة أخرى في الحقلين معا، وما قد يكون ممكنا في مرحلة ما قد يصبح متعذرا في مرحلة تالية.
أطمح إلى يومية تجمع مابين تنوع الأخبار الهامة والصادقة، والآراء الحرة، تخاطب عقل القارئ وليس عواطفه وغرائزه.
39 ـ هل تعتقد أن الشروق اليوم أنجح من الشروق في طبعته السابقة أم العكس؟
(شروقي أصلي وليس مقلد)
هي اليوم أكثر توزيعا، يرى البعض في هذا نجاحا إعلاميا، ويراه البعض الآخر انحرافا نحو صحافة الإثارة كما جاء في السؤال 38، وهذا النوع من الصحف هو الأكثر توزيعا، لكنه الأقل تأثيرا ايجابيا في المجتمع…
40 ـ يلومك كثير من الصحافيين في الشروق على ما قمتم به عندما صدر الحكم القضائي بتسليم جريدة الشروق إلى مالكها الأصلي علي فضيل، وخلال فترة تسليم الجريدة قمتم بتكسيرها وإخراجها في صورة سيئة ورثة حتى تسلموها لعلي فضيل وهي في أسوأ حال، هل ترى أن هذا من المهنية ما قمتم به، أم انك بريء من هذه الفعلة المشينة ؟
(سليمان)
أولا: لا العبد الضعيف ولا مؤسس آخر من المجموعة التي كنت أنتمي إليها إبان الخلاف على ملكية العنوان، قام بتسليم الجريدة إلى السيد علي فضيل.
“فالمؤسسون الذين أصدروا جريدة الشروق اليومي ـ حسب البيان السالف الذكر ـ تعرضوا لعملية احتيال كبرى، تحولت مع مر الأيام إلى مؤامرة اشتركت فيها أطراف متعددة، مكنت في نهاية المطاف علي فضيل من انتزاع عنوان الشروق اليومي من شركة دار الإستقلال بطرق غير قانونية وغير أخلاقية، وبالإلتفاف على أحكام القضاء بالترغيب أحيانا، والترهيب أحيانا أخرى”.
هذه فقرة من البيان المذكور أعلاه المنشور على امتداد صفحة كاملة، وهو رأي الجماعة فيما حدث، أما رأيي الشخصي والموثق فسيتضمنه جزء هام من كتاب عن تجربتي في الصحافة الخاصة.
أما فيما يتعلق بصدور الجريدة بدون ألوان، وتخفيض السحب، فهذا يعود لسببين الأول يتعلق بالمحتوى، وهذا تأثر بالوضع المتأزم ونفسية عمال المؤسسة، إذ لم تعد هناك رغبة في البدل والعطاء عند المساهمين والصحافيين على حد سواء.. والثاني تسييري بحث ذلك أنه من الحكمة تقليل النفقات، وخاصة المتعلقة بالطباعة حتى تتوفر السيولة المالية التي تمكن المسير من الوفاء بالتزامات المؤسسة تجاه العمال عند تسريحهم، وهو ما تحقق لها بالفعل، إذ تحصل كل عامل على حقوقه كاملة، قبل أن يتحصل المؤسسون على ذلك.
41 ـ أتذكّر أن الأستاذ سعد بوعقبة كتب عمودا يتّهم مسؤولي الشروق آنذاك ومنهم أنتم بطبيعة الحال، بأنكم بلتم – من البول – على الجريدة، لما قضيتم عليها في أيامها الأخيرة وأنتم على رأس هيئة تحريرها بقيادة عبد الله قطاف، كيف كان موقفكم أو ردة فعلكم حيال هاتيك الكلمة الخادشة للحياء، ولماذا التزمتم الصمت بصراحة !!؟؟
(أبو رياض)
لم أقرأ هذا العمود، ولم تكن لدي أدنى فكرة عما جاء فيه إلا ما تقوله.
42 ـ ما هو الدور الحقيقي الذي لعبه سعد بوعقبة في ملف الشروق اليومي
(عثماني ـ الجزائر)
سؤال يوجه إلى السيد سعد بوعقبة عند استضافة الموقع له.
43 ـ الأستاذ بشير، أنت رجل محترم وأنا استسمحك أن أسألك: هل صحيح أن سعد بوعقبة كان هو الكل في الكل في الشروق حسب ما يدعي دائما ويتباهى في كل مكان وأنتم كنتم لا شيء؟
مع تحياتي واحترامي
(أخوكم: مصطفى السيكاوي)
من أهم عناصر نجاح المجموعة في تحويل وصل إصدار يومية من ورقة لا تساوي سنتيما واحدا، وليس لها قارئ واحد إلى صرح إعلامي كبير في زمن وجيز هو العقلانية والإدارة الجماعية، مع الإحترام الكامل لبعضنا البعض، ولتخصص كل واحد. وقد كانت إدارة التحرير من اختصاص العبد الضعيف والأستاذ عبد الله قطاف عندما كان مسيرا، وبعد أن أصبح مسؤولا للنشر. ومسؤول هذا الموقع كان أحد أعضاء أسرة التحرير.
44 ـ ببساطة.. من هضم حقوق المراسلين أيام رئاستك لتحرير جريدة الشروق اليومي؟؟
(أبو رياض)
لا أعتقد أن المراسلين قد هضمت حقوقهم، فرغم أننا اعتمدنا على أنفسنا فيما يتعلق بالتمويل، ولم تكن قدرتنا المالية كبيرة إلا أن النجاح السريع مكن من فتح مكاتب للمراسلين في عدد من الولايات. وقد تم ترسيم المتفوقين منهم في السنة الأولى، وحضروا الحفل الذي نظمته الجريدة بعد سنة من صدورها.
45 ـ ما قصة مسابقة “إختر رئيسك” التي نظمتها جريدة الشروق اليومي قبيل رئاسيات 2004، والتي لم تسلم جائزتها رغم أن آلاف القراء شاركوا في المسابقة؟
(ملاحظ إعلامي)
المعروف عن المؤسسين وخاصة المؤطرين لجريدة الشروق اليومي أنهم شيوخ زحف إلى رؤوسهم الشيب أو الصلع، والتجربة والسن لهما دور حاسم في تحديد نوعية المادة الإعلامية، حتى وإن كانت تسلية أو مسابقة. ولهذا ففي الوقت الذي كانت فيه معظم الصحف تتنافس في مسابقات “الطامبولا” لتزيد السحب، قامت الشروق اليومي بتنظيم مسابقة “إقرأ واربح” وهي مسابقة فكرية ونخبوية وسلمت الجوائز للفائزين في حفل انتظم بالمكتبة الوطنية.
نفس الشيء بالنسبة لمسابقة “اختر رئيسك” التي نظمتها الجريدة قبل رئاسيات 2004، فهذه المسابقة بدأت بأشهر قبل أن يتم الإعلان عن المرشحين، فالمشاركون في التصويت هم الذين يحددون المترشحين، وهي بمثابة سبر للرأي لمعرفة الشخصيات السياسية التي يتمنى القراء وصولها إلى سدة الحكم، هذه المسابقة لم تسلم جوائزها لأن العنوان انتقل إلى مؤسسة أخرى، وكان المفروض أن تقوم بذلك، وهو فعل لا يقلل من شأنها بل يمنحها ثقة أكبر عند القراء.
46 ـ لعبت الشروق دورا خطيرا ومؤثرا في الصراع داخل حركة مجتمع السلم، إلى درجة أن الكثيرين يرجعون إليها فضل فوز الرئيس الحالي للحركة أبو جرة سلطاني في مؤتمر الحركة بعد وفاة الشيخ محفوظ نحناح، حيث دعمت الشروق بقوة المرشح أبو جرة، وهل وقوفكم مع أبو جرة كان بسبب أن هذا الأخير يكتب معكم في الجريدة؟
(مناضل)
الشروق اليومي لم تلعب الدور الذي تتحدث عنه، ولم تحاول لعب مثل هذه الأدوار لتحل محل المؤسسات، وهو ما قامت به صحف كثيرة خاصة في المراحل الإنتقالية، وكانت محل انتقاداتنا.
الشروق اليومي حددت في خطها الإفتتاحي المبادئ والأهداف التي تؤمن بها وتروج لها وتعمل على تحقيقها، مثلما حددت الوسائل ومنها الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب قبل أن تطالب النظام بها.
لقد كان موقف الشروق اليومي مع مبدأ انتخاب خليفة المغفور له الشيخ محفوظ نحناح، ولم تكن لا مع التعيين ولامع التزكية، وهو ما ذهب إليه الشيخ أبو جرة سلطاني، والتقى فيه مع الخط الإفتتاحي للجريدة.
حركة مجتمع السلم رغم أن مؤتمرها استثنائي، ورغم كثرة الراغبين في تولي قيادة الحركة بعد وفاة زعيمها الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله، مارست الفعل الديمقراطي من انتخاب المندوبين إلى ضبط جدول الأعمال، إلى إقرار النظام الداخلي، وتعديل القانون الأساسي إلى انتخاب أعضاء المجلس الشوري وانتخاب رئيس الحركة ونوابه..
لقد كان الفعل الديمقراطي، وليس القول، حاضرا في جميع العمليات، وقد احتكم المؤتمرون إلى الصندوق.
الديمقراطية بالنسبة لنا هي ممارسة وليست فلسفة وتنظيرا على صفحات الجرائد وشبكة الأنترنت.
إن كل حزب في اعتقادنا يسعى للوصول إلى الحكم وأن الديمقراطية لا تفرض أكثر من أن يكون هذا الوصول بالانتخاب. وإذا تخلى حزب عن هذا السعي أو اعتمد طريقا غير صندوق الإنتخابات، فقد طبيعته كحزب سياسي. والأحزاب التي لا تحكّم الصندوق بين مناضليها هي التي تساهم في ديمومة النظام الذي ترميه بالطوب.
وما لم تنتقل الأحزاب من مرحلة التأسيس، وشرعية المؤسسين، إلى مرحلة الحزب ـ المؤسسة وشرعية الصندوق، فلن تكون للبلد المؤسسات الديمقراطية التي تطالب بها.
يتضح مما سبق أن المواقف بالنسبة لنا لا تبنى على الصداقة أو الزمالة، ولكنها تنطلق من قناعات ومبادئ اشترك معنا فيها الكثيرون مع مر الأيام وتعدد أعداد الصحيفة .
47 ـ جريدة الشروق في عهدكم هل كانت قريبة من حركة مجتمع السلم أم قريبة من جبهة التحرير الوطني أم مقربة من الحزبين ؟
(مناضل)
لم تكن قريبة لا من الحركة ولا من الجبهة، ولكنها كانت قريبة من الشعب ومن مبادئه التي ضحى من أجلها بالنفس والنفيس عبر القرون، وكانت معبرة عن آماله في جزائر يعيش فيها كل مواطن مرفوع الرأس موفور الكرامة.
كنا أقرب إلى هؤلاء أو غيرهم بقدر اقترابهم من الشعب وإخلاصهم في خدمته، ومبتعدين عنهم بقدر ابتعادهم عنه.
الشروق اليومي سجلت منذ اليوم الأول لميلادها انحيازها المطلق واللامشروط للحقيقة والصّالح العام وعداءها المطلق واللامحدود لكل أشكال الفساد والظلم والقهر…
وكانت فضاء إعلاميا نوعيا للأخبار الصادقة والآراء الحرة، ومرآة عاكسة لنبض الوطن والمواطن.
48 ـ معروف عليك أنك تحرص على التفاني في العمل لكنك في الشروق كنت آلة حقيقة.. تعمل من الثامنة إلى الثامنة وكل الفريق يشهد لك بجهودك الكبيرة التي لم يكن يشابهها جهد.. ومع ذلك وجدت نفسك تخرج من الباب الضيق لينتفع بالمشروع الناجح أناس آخرون، ألا تشعر بالخيبة والندم خاصة وأن المؤامرة ضد مشروعكم كانت من بين ظهرانيكم؟
(شروقي سابق)
لو أطلب منك التحضير على امتداد ثمانية أشهر لإطلاق يومية، تقوم فيها بتوفير كل ما يلزم من أوراق إدارية وتجهيزات، وتشكيل للعنصر البشري من صحافيين وتقنيين…الخ دون أن تتقاضى سنتيما واحدا.
ثم أطالبك بدفع 50 مليون سنتيم لأنك شريك ولست أجيرا، ثم تشرف على التحرير وتعمل بمعدل 16 ساعة في اليوم، وأحيانا تصل الليل بالنهار، وتحقق النجاح المطلوب، بل الذي يفوق ما كان مطلوبا، وبعد خمس سنوات من الجهد المتواصل أنتزع منك العنوان، فبماذا تشعر أنت في هذه الحالة؟
أنا لم أشعر بالخيبة ولا الندم لأنني لم أفعل ما يشين، ولا قصرت في أداء واجب، ولكنني أشعر بالظلم والخيانة.
49 ـ ما هي الأسماء الصحفية الشابة التي استوقفتك عبر كل الجرائد التي عملت بها رئيسا للتحرير أو مديرا للتحرير؟
(صحافي في الغربة القسرية)
استوقفتني أسماء كثيرة، خاصة وأنني كنت دوما ميالا إلى الشباب..
ففي جريدة الشعب، كنت شابا، ورغم ذلك أقول أن المجموعة الأخيرة التي التحقت بالجريدة بعد مسابقة صارمة أشرفت عليها مع عدد من الزملاء الصحافيين كانت جيدة ومنها على ما أذكر عبد الحق صداح الموجود حاليا بقناة الجزيرة، ومليكة سوطو الموجودة بالتلفزة الجزائرية.
أما المساء فقد كانت المجموعة في معظمها جيدة، ومنها حسين مصدق، ومحمد علواش، ومحمد بوازدية، والهاشمي نوري، وتوفيق رباحي الموجود حاليا بالقدس العربي، وعيسى صيودة الموجود بالكويت، وبوعلام رمضاني المقيم بفرنسا، وآخرون حتى لا أذكر كل هيئة التحرير تقريبا فقد كانت مجموعة جيدة، وعدد هام منها مؤسس لجريدة الخبر واليوم والفجر والجيل والمحقق والحرية وغيرها من العناوين الإعلامية الخاصة.
وفي يومية الجزائر اليوم التي لم تعمر طويلا واعتمدت على الشباب بصفة كاملة فقد برزت عناصر منها ابراهيم قار علي نائب في البرلمان حاليا، وتقرين الصغير صحفي بالتلفزيون، ومفتي بشير، وعلال سنقوقة، وزهرة بوعزة، وسعاد بلقاسمي، وفاطمة رحماني…الخ.
مثلما كانت مجموعة الشروق اليومي جيدة، حتى بعض الذين أنهيت مهامهم أثناء عملية الإنتقاء والمفاضلة بين هذا وذاك. ومنهم بصفة خاصة اسماعيل طلاي وأبو طالب شبوب الموجودان بقطر، ومليكة جميال، وسليمة لبال الموجودة بالكويت، والطيب التهامي وعلي بهلولي وآخرون، وقد قلت في موضوع “واحد..مائة..ألف” كتبته بمناسبة صدور العدد مائة في هؤلاء الشباب:
“لسنا أمبراطورية مالية، ولا حتى خزينة صغيرة وبالتالي لا نتوفر على أكبر الصحافيين من محررين ومخبرين ومحققين، خاصة، بل إن الصحافيين الذين يجرون وراء الأخبار هم مجموعة صغيرة من الشباب يخوضون أول تجربة لهم في عالم مهنة المتاعب الذين تزيدهم قلة الإمكانيات وضيق المقر ـ حتى لا نقول انعدامه ـ تعبا وإرهاقا.
ورغم ذلك فقد أسهموا كل حسب استطاعته في أن يعطي دفعا لهذه الجريدة التي أصبح لها مع الأيام لون وطعم بعد أن كانت عند انطلاقتها تبدو للكثيرين دون ذلك”.
أما خارج الصحف التي ترأست تحريرها، فهناك عدد هام من الشباب الواعد الذي يتفوق على الشيوخ الذين يعتبرون الصحافة تراكم سنوات وليست مواهب وتجارب وتراكم للخبرات تتحول باستمرار إلى أخبار وآراء ومقالات مفيدة للقراء والمجتمعات.
50 ـ هل هناك صحافيون أو مسؤولو نشر في الإعلام تكن لهم احتراما ولا تتفق معهم في الطروحات؟
(صحافي)
هناك الكثير، وخاصة من جيلي في الصحافة المفرنسة، أختلف معهم في المنطلقات والمبادئ والأهداف وحتى في الوسائل، لكنني لا أنكر عليهم كفاءتهم، وأقرأ ما يكتبون باستمرار من المجاهد اليومي إلى الجزائر الأحداث التي كانت فيها أقلام جيدة بقيادة كمال بلقاسم رحمه الله.
وهؤلاء هم المؤسسون والمؤطرون لليوميات المفرنسة الكبرى مثل الوطن، ليبرتي، لوسوار، ولوماتان المتوقفة.
(EL WATAN – LIBERTE – LE SOIR – LE MATIN)
أقرأ باستمرار مقالات وتعاليق بعض الزملاء في الصحف المفرنسة، مثل عمار بلحيمر، وعمر بلهوشات، وعمر بربيش، وعبدو.ب وآخرون.
وهناك اعتراف واحترام متبادل.
51 ـ هل ترى جدوى من فتح السمعي البصري مع التسيير السلبي والكارثي للصحف المكتوبة؟
(إذاعي)
أنا مع فتح كل نافدة لحرية التعبير، وتفعيل القوانين التي تنظمه، أي أنني مع الرقابة البعدية ولست مع الرقابة القبلية.
52 ـ إلى أي مدى أثر الجري وراء “الشهرة والإشهار” على مسار “الرسالة الإعلامية”؟
(مسعود هدنة – صحافي)
سبق وأن قلت أن الصحافة لم تعد ورقا وقلما، فهي مؤسسات مالية قبل كل شيء، ولم تعد السلامة التحريرية مقدمة على السلامة المالية، بل إن هذه الأخيرة أضحت شرطا ضروريا للأولى، ولاستقلالية الجريدة.
لم يعد المثل القائل “تجوع الحرة ولا تأكل بثديها” يصدق على الصحافة، فالعفة قد لا تثبت أمام الحاجة..
الصحافة في عصرنا مثل المرأة في هذا العصر الذي لا يرحم، لابد أن تكون غنية الجيب حتى تكون عفيفة النفس، فإذا احتاجت الصحيفة في نهاية الشهر إلى أجور العاملين، ومستحقات الطابعين، ومستلزمات التسيير فلا بد أن تتنازل أو تختفي.
الجري وراء الشهرة والإشهار ليس عيبا، فإذا حققت الشهرة وكسبت المشهرين، وحافظت على استقلاليتك، ولم ترهن الخط الإفتتاحي للصحيفة، ولم تبع ذمتك، فهذا مما يحسب للصحيفة والقائمين عليها، لا مما يحسب عليها.
53 ـ يقال أن مسؤولي الصحف لا يهمهم سوى جني المال، ولا يفكرون في تكوين الصحافيين أبدا، ما رأيك؟
(صحافي حر)
لا يمكن لوم الصحف التي لا تعطي أهمية لتكوين الصحافيين خاصة الصحف الصغيرة، التي تصارع من أجل التواجد أولا والبقاء ثانيا والتنافس بعد ذلك، فالتكوين هو من اختصاص المعاهد والمدارس العليا، وحتى كبار الصحافيين يخضعون له من حين لآخر، وإلا تفوق عليهم الشباب الذين يكتسبون تقنيات وأساليب تحرير حديثة.
54 ـ ما هي ـ حسب رأيك ـ أكثر الصحف الجزائرية حرفية بالترتيب؟
(صحافي حر)
أكثر الصحف احترافية:
EL WATAN
الخبر
Le Quotidien D’oran
الشروق اليومي
L’EXPRESSION
55 ـ إلى متى تبقى حقوق الصحافيين مهضومة ؟
(رتيبة بوعدمة – صحافية)
ستظل مهضومة إلى أن يعلنوا قيام “عروش الصحافة”، ويضعوا ” أرضية الصحافة الحرة ” تيمنا بعروش القبائل وأرضية لقصر، ويؤسسوا نقابة تمثيلية حقا للصحافيين تتجاوز الخلافات السياسية وتقفز فوق الخطوط الإفتتاحية، والإرتباطات السياسية والمالية للدفاع عن المهنة وحقوق رجالها ونسائها.
56 ـ الأستاذ بشير..نهيب بك أن تجري تكوينا أو تربصا لعديد مدراء الجرائد ورؤساء التحرير أو الذين يستهويهم شغل واحد من هاذين المنصبين، يكون فحواه مناهج التسيير الإحترافي للجريدة، تبديد وهم “استثمار 4 دورو وجني مليار سنيتم” وكلامي هنا موجه للذين أطلقوا يوميات في الأعوام القليلة الماضية، بوسائل عمل شبه منعدمة، فن الكتابة والتحرير الممتع وليس الآلي، كيفية تثمين الكفاءات وانتقاء المواهب، مزايا التواصل والتشاور مع طاقم الجريدة (التحرير أو الفريق التقني أو بقية العمال) حتى ولو تعلّق الأمر بمعرفة آرائهم بشأن المكان الأنسب لمقر الجريدة، حسن استقبال الزوار والتجسيد الفعلي لمقولة إن القراء رأسمالنا..
(علي بهلولي: صحفي رياضي جزائري)
أنت تبالغ يا أخ علي، فأنا محتاج إلى التكوين الذي تتحدث عنه لأواكب عصركم الذي يسير بسرعة فائقة يحقق في عقد ما لم تحققه أجيال من قبل في قرون.
57 ـ هل تعتقد أن الصحفي الناجح والطموح وليس من طينة المرتزقة في الجزائر يمكن أن يجد لنفسه مكانا وسط هذا الواقع المتعفن للصحافة الجزائرية، حيث أصبحت بعض الجرائد حتى لا نقول أغلبيتها تسير كمحلات بيع البيتزا.
(رتيبة بوعدمة – صحافية)
الأعور وسط العميان ملك، فإذا أصبح أعمى صار واحدا من الجماعة يتلمس الطريق بعصاه. والصحافة كما تعلمين يا أخت رتيبة هي مهنة متاعب لا مهنة مكاتب، وكل كلمة تكتبينها تظل شاهدة عليك في الدنيا، مثل أفعالك التي تشهد عليك في الآخرة، فلا تتنازلين عما تؤمنين به من أجل قطعة بيتزا.
58 ـ جميع الأبواق الإعلامية لا تخرج عن إطار تضليل الشعب وإلهائه بأخبار لا تسمن ولا تغني من جوع فكيف نفسر أن اغلب الجرائد لا هم لها سوى لاعبي كرة القدم وتحركاتهم وأقوالهم حتى خيل لدينا أنهم هم أصحاب القرار وتكريسا للرائدة أصبحت قضية هذا “مامي” حديث الصباح والمساء ومرة يخرج علينا شخص نعلم تاريخه ويفسح له المجال لنفث سمومه فأين هي المصداقية التي يدعيها أصحاب هانه الجرائد؟
(Samou lotfi)
من سمات الإعلام العمومي التشابه إلى حد أن العناوين الصحفية تكاد تكون نسخا متطابقة، وهذا كان مرفوضا، وبمجرد أن انفتحت الساحة السياسية والإعلامية حتى سارع رجال مهنة المتاعب الذين كانوا في العناوين العمومية إلى إصدار نشريات خاصة بهم، منها السياسي والفني والرياضي والثقافي والمتخصص في مجال ما، وكل عنوان إخباري يختلف عن الآخر حتى فيما بين العناوين المعربة، ونفس الشيء بالنسبة للعناوين المفرنسة، فالتعدد شيء إيجابي، والإختلاف رحمة، والصحافة الحرة قد تكون خيرا أو شرا، أما الصحافة دون حرية فلا يمكن إلا أن تكون شرا. والحرية بالنسبة للصحافة كما هي بالنسبة للبشر فرصة للتطور، أما العبودية فهي التخلف بكل تأكيد كما يقول ألبير كامي.
فمثلما تختار التنظيم السياسي الذي تلتقي معه، اختر الصحيفة التي تقرأها، رغم أنني من أنصار قراءة الصحف التي لا أتفق معها قبل الصحف التي تعبر عن بعض ما يسرني..
59 ـ ما هو موقفك من تحول كل الجرائد في الأشهر الأخيرة إلى جرائد رياضية بامتياز، وهي تحاول استثمار طغيان موضوع الكرة بعد تأهل الخضر للمونديال، حتى أصبحنا لا نكاد نفرق بين أسبوعية رياضية وبين جريدة يومية “شاملة”؟
(صحافي رياضي)
في الصحافة الحدث هو الذي يفرض نفسه، فأنت لا تختلق الأحداث وتضخمها، ولا تدعو لأندلس إن حوصرت حلب كما قال المغفور له الشاعر محمود درويش. فالألعاب الإفريقية، ثم كأس العالم فرضت نفسها بقوة على المتلقي لكل وسائل الإعلام، والصحف استثمرت في هذا المجال من أجل تقديم مادة يحبذها القارئ، وتحقيق انتشار أكبر، وهذا ليس تجاوزا من الناحية المهنية، بل إن عدم تلبية حاجيات القارئ المتزايدة في هذا المجال يعد تقصيرا.
فعند تفجير برجي التجارة في نيويورك، واحتلال أفغانستان تبعا لذلك أصبحت نصف صفحات الصحف تتناول هذه الأحداث، رغم أن القضايا الدولية لا تحظى بالإهتمام في الصحف.
60 ـ أذكر لنا قصة أي مقال كتبته وندمت على كتابته أو سبب لك مشاكل كثيرة، أو سبب مشاكل للجريدة التي نشرته فيها..
(زميل إعلامي)
لم أندم على ما كتبت، ولكنني عندما جمعت نسبة كبيرة من المقالات التي كتبتها على امتداد ثلاثة عقود تقريبا، وجدت أن بعضها ضعيف من حيث المعلومات والأسلوب، وهو راجع لنقص التجربة في السنوات الأولى، ولضيق الوقت أحيانا، حيث أكون ملزما بتقديم مقالي، ولم يتوفر لدي الوقت لكتابته.
أما فيما يتعلق بمقال سبب لي أو للجريدة مشاكل فليس هناك من مشاكل أكبر من تعليق الجزائر اليوم ثلاث مرات، وفي الأخير كان التعليق نهائيا، مع منعي من الكتابة والسفر.
61 ـ كلمة أخيرة تختم بها هذا الحوار.
هذه هي أول إطلالة لي في وسيلة إعلامية خارجية، فقد رفضت التصريح والتعليق والحوار مع قنوات تلفزيونية وصحف منذ أحداث أكتوبر 1988 حتى لا يقول أحد أن فلانا استثمر مأساة بلده، وهذا لا يعني أن من تحدثوا مع وسائل إعلامية فعلوا ذلك، لكن بعض الذين خاضوا في المأساة الوطنية في عقد التسعينيات في القنوات الفرنسية خاصة فعلوا أكثر من ذلك، فقد كانوا يتقيأون على الشعب المطحون من تلك القنوات.
قبلت أن أكون ضيف هذا الموقع لسببين أثنين: الأول لأنني قدرت أنه يقدم مادة إعلامية جزائرية غير مغرضة، والثاني هو أنني أعرف الأستاذ نسيم لكحل أخلاقا وقناعات، وهو ما شجعني أكثر، وما يقوم به مع زميله يستحق التشجيع.
وفقكم الله في خدمة المهنة والجزائر.
بشير حمادي يرد على أسئلة وانشغالات القراء
نشرت هذه الردود بتاريخ 16 ديسمبر 2010
نزولا عند طلب عدد من القراء الرد على تساؤلاتهم واستفسارتهم، أحاول قدر الإمكان الإستجابة لإنشغالاتهم حتى يكون الحوار والنقاش أكثر مصداقية وأكثر تفاعلية كما يتمناه أصحاب الموقع والمتابعون لما ينشرونه.
وبداية أتقدم بالشكر الخاص إلى قراء مقال “آه لو استعيد أمي” الذين قاسموني حرقة فقدان الأم، وباعتذار خاص لكل الذين تسببت في بكائهم، وأسف لانحراف النقاش بين بعض المتدخلين بعد نشر الحوار بجزئيه إلى قضايا جزئية وهامشية، وغير مفيدة لهم وللمتابعين لهذه المواجهة الإعلامية.
أسف كذلك لما حدث بين زميلين رغم أنني لم أتوقع أن رياح “السيروكو” قد تشعل نارا تأتي على الأخضر واليابس بين أحسن كاتب عمود، وأحسن كاتب افتتاحية، علاقتهما في مهنة المتاعب تمتد لأكثر من أربعة عقود..
وهذه أجوبتي على الأسئلة المطروحة بعد نشر المواجهة، متمنيا أن أكون قد وفقت..
(ردود الجزء الأول)
الصحافة العمومية مدرسة والصحافة الخاصة تلقيت فيها ضربات موجعة
13ـ سؤال لبشير حمادي
مررت مرور الكرام على مأدبة اللئام، عندما تحدثت عن فترة جريدة المساء.. هل لا تريد تذكر تلك المرحلة أم فقط لأنك لم تعمر فيها كثيرا.
لا أعرف جنس السائل إن كان ذكرا أم أنثى لأخاطبه وفق ذلك ويكون كلامي سليما لغويا، ولهذا أفترض أنه ذكر فأقول له :
يبدو أنك لم تقرأ الحوار، أو أنك قرأته على عجل، ذلك أنني لم أمر مرور الكرام على فترة جريدة المساء، ولم تكن هذه بالنسبة لي مأدبة لئام رغم أن فترة تواجدي بها كانت قصيرة، فقد قدمت استقالتي من منصب مدير التحرير لأصدر يومية مستقلة تسمى “الجزائر اليوم” مع زملاء بعضهم كان معي في المساء.
وقد تحدثت عن صحافييها بكل الإحترام الذي يستحقونه، حيث جاء في إجابتي عن السؤال الثاني ما يلي : “وحتى انتقالي إلى يومية المساء مديرا لتحريرها كان في أخصب مرحلة سياسية تعرفها الجزائر منذ استقلالها، أي بعد أحداث أكتوبر 1988 ووضع دستور جديد يسمح بالتعددية الحزبية، وقد كانت هذه اليومية متألقة حيث كانت تتوفر على مجموعة من الشباب لدى أغلبهم القدرة على الكتابة الجيدة خبرا أو تحليلا، بعضهم أسس يومية الخبر فيما بعد، وعناوين إعلامية أخرى، وبعضهم الآخر يتبوأ مراكز هامة في هذه الصحيفة وصحف خارج الجزائر”.
كما ذكرت بعضهم بالإسم في إجابتي عن السؤال التاسع والأربعين بالقول:
“أما المساء فقد كانت المجموعة في معظمها جيدة، ومنها حسين مصدق، ومحمد علواش، ومحمد بوازدية، والهاشمي نوري، وتوفيق رباحي الموجود حاليا بالقدس العربي، وعيسى صيودة الموجود بالكويت، وبوعلام رمضاني المقيم بفرنسا، وآخرون حتى لا أذكر كل هيئة التحرير تقريبا فقد كانت مجموعة جيدة، وعدد هام منها مؤسس لجريدة الخبر، واليوم، والفجر، والجيل، والمحقق، والحرية، وغيرها من العناوين الإعلامية الخاصة”.
ألا ترى معي أنك لم تكن دقيقا في سؤالك؟
17ـ أي مهنية؟
في الجرائد التي اشتغلتم بها يا أستاذ حمادي، لم تكونوا مهنيين إلى الدرجة التي قد يتصورها البعض، بل عرف عنكم أنكم كنتم تخلطون كثيرا بين المعلومة والتعليق، ولا يكاد القارئ في كثير من الحالات يفرق بين مقال خبري وعمود رأي، وقد تجلى هذا خاصة في تجربة الشروق اليومي في بداياتها أي قبل انتقالها لعلي فضيل.. حيث كانت الجريدة أشبه بجمعية للمجتمع المدني منها إلى جريدة إخبارية.
لهذا قد تكون لكم الخبرة الميدانية التي اكتسبتموها في القطاع العمومي كما تحدثت هنا، لكن الخبرة في التسيير الإحترافي لا أعتقد أنكم تملكونها.. وخاصة أن منصب رئيس التحرير يتطلب شخصا متابعا جيدا للأخبار وليس كاتبا جيدا لمقالات الرأي.
مع خالص تحياتي
تتحدث عن الخلط بين “المعلومة والتعليق وبين مقال خبري وعمود رأي” وهذا خلط في حد ذاته، إذ لا يمكن القول أن هناك خلطا بين المعلومة والتعليق لأن المعلومة هي أساس كل الأنواع الصحفية، مثلما لا يجوز القول مقال خبر، فهناك المقال الذي يستند إلى خبر وهناك الخبر، وليس هناك مقال خبري.
أما إذا كنت تقصد الخلط بين الخبر والمقال أو الرأي وهو الشائع في إعلامنا لحد الآن فقد أجبت عن سؤالك منذ عشر سنوات خلت حيث جاء في مقال بعنوان “واحد..مائة..ألف” صادر في العدد 100 لجريدة الشروق اليومي بتاريخ 01 مارس 2001 أيام كنت مدير تحريرها بما يلي:
“لقد كان التحدي كبيرا، بل كان أكبر منا بكثير، إذ قدمنا إلى ساحة من الصعب انتزاع موقع فيها لتشبعها أولا، ولفقدانها جزءا هاما من المصداقية لدى القارئ ثانيا، ولضعف القدرة الشرائية للمواطن ثالثا،ولمحدودية المقروئية عندنا رابعا، وهلم جرا…
ولكننا كنا مطالبين بتمكين القارئ من يومية وطنية إخبارية أساسا، أخبارها صادقة، وأراؤها حرة، ومواقفها واضحة” كالشروق” ومتجددة مثله كذلك.
لكن الأخبار تحتاج إلى علاقات عامة كثيرة وكبيرة، مثلما تحتاج إلى تعدد مصادر المعلومات وسيولتها، وهذا ما لم يتوفر بعد ليوميتنا لسببين إثنين على الأقل: بعينة تحرير من الشباب جلهم تعتبر الشروق اليومي خطوته الأولى على طريق مهنة المتاعب، يضاف إلى ذلك الإنسداد الموجود فيما يتعلق بالمعلومات من خارج المصادر المتعارف عليها، والتي تمنح المعلومة، أو الخبر الجيد أو الهام” “بالقطارة”، وإلى الذين تثق فيهم ثقة كاملة أفرادا أوعناوين من منطلق المعرفة الكاملة لهم ولمواقفهم من قضايا كثيرة.
من هنا يمكن القول أننا لم نوفق بعد في تقديم الأخبار الجيدة التي ينتظرها القارئ من هؤلاء الشيوخ المؤسسين للشروق اليومي الذين أرهقتهم السنون، وأغرقتهم الأعمال الإدارية والتقنية..
لقد شعرنا بخيبة أمل كبرى عند صدور الأعداد الأولى.. خيبة أمل مرسومة على وجوه المقربين وكثير من زملاء المهنة الذين يؤمنون بالمنافسة الشريفة، وبأن الساحة الإعلامية تسع الجميع.
وشعرنا بها في نبرات متكسرة للقراء المتصلين بنا هاتفيا للتهنئة، وعبرت عنها كلمات مرسلة عبرالفاكس، وشفرات من بعض الدوائر والمراكز.
وخيبة الأمل هذه ناتجة في الأساس من أن القارئ ـ خاصة المتابع لمسيرة المؤسسين الإعلاميين ـ كان ينتظر ميلاد يومية “بشلاغمها” وتوهم أن تكون “الشروق اليومي “كالأهرام من أول عدد، وهو أشبه بمن يتوهم أن مهندسة أو فزيائية أو طبيبة لا يمكنها أن تلد طفلا صغيرا يكون في حجم الطفل الذي تلده إمرأة غير متعلمة، والحقيقة أنها قد تلد مولودا أصغر، لكن الأم المتعلمة لها من الحظوظ أكثر من الأمية في أن تحيط وليدها برعاية عقلانية، وليست فطرية فحسب، وهو ما ينطبق على الشروق اليومي، فقد ولدت صغيرة، وصغيرة جدا، مثلما يولد الأطفال، وعند الوضع كان عمرها دقائق، ثم ساعات، ثم يوم، فشهور، وهي اليوم بمائة عدد، وأكثر من مائة يوم، ولا يمكن القول أنها اليوم مثلما كانت عليه في أول يوم، وأن عددها المائة مثل عددها الأول أو أسوأ منه.
هذا التقدم البطيء الذي بدد نوعا ما أو بعضا من خيبة الأمل في الإنطلاقة لم يتم بيسر، ولم تكن الأمور تسير ببساطة كما يحاول أن يوهمكم زميلنا عمار نعمي، فما زلنا في “مفترق الطرق”.
التحرير ـ اليوم وهذا ما يجب أن يعرفه قراؤنا ـ لم يعد ورقا وقلما ومكتبا، وفنجان قهوة، وديباجة أدبية أو إنشائية، فهو عمل متعب، وانتقال وتحركات وتفاعل مع الأحداث، واشتراكات وفاكسات ومكالمات هاتفية ثابتة ومحمولة.
وكل هذا مكلف جهدا ومالا، والجريدة القادرة ماليا تستطيع أن تستقدم أكبر الصحافيين، فالأمر لا يختلف كثيرا عن أندية كرة القدم، ونحن لسنا أمبراطورية مالية، ولا حتى خزينة صغيرة وبالتالي لا نتوفر على أكبر الصحافيين من محررين ومخبرين ومحققين، خاصة، بل إن الصحافيين الذين يجرون وراء الأخبار هم مجموعة صغيرة من الشباب يخوضون أول تجربة لهم في عالم مهنة المتاعب الذي تزيده قلة الإمكانيات وضيق المقر ـ حتى لا نقول انعدامه ـ تعبا وإرهاقا.
ورغم ذلك فقد أسهموا كل حسب استطاعته في أن يعطي دفعا لهذه الجريدة التي أصبح لها مع الأيام لون وطعم بعد أن كانت عند انطلاقتها تبدو للكثيرين دون ذلك.
ليس هذا رضاء عن النفس، نحن لم نحقق واحد في المائة مما نصبو إليه، ولا نعتبر”الشروق اليومي” لحد كتابة هذه الأسطر يومية إخبارية حقا، ومديرها العام يردد دوما على مسامع الزملاء والقراء المتصلين بالجريدة كلمة “الطرشونة”، لكنه مقتنع أن ما نفعله يوميا “ضرب يطيح الزعرور” كما يقول كذلك، و”سعد “هو اليوم أسعد مما كان عليه عند الإنطلاق، و”نعمي” أنعم الله عليه براحة البال، فسال قلمه” ببساطة” فانبرى لمحاربة الفساد، و”الحاج” لا يهدأ له بال بين المديرية الفنية وهيئة التحرير، يزاوج بين المعلومة والمعلوماتية مجتهدا في تقديم “وجبة” إعلامية في صورة جيدة، وكوكبة جسورة غيورة من مدينة الجسور تمد جسرا بيننا وبينها، وجسرا آخر بينها وبين القراء، وكوكبة أخرى من المراسلين الذين تعبت الهواتف والفاكسات من مكالماتهم وكتاباتهم ولكنهم لم يتعبوا فكانوا ومازالوا يمثلون خزانا لا ينضب من المادة الإعلامية، ومرآة صادقة لعمق البلد.
رغم كل النقائص، فإن هناك إيجابيات تحققت بتعب وسهر المؤمنين المقتنعين بهذه “الطرشونة” يمكن أن تشكل نقاط ارتكاز لانطلاقة أقوى، نتمنى أن يساهم في إعطائها قوة دفع أكبر كل المؤمنين، بما نفعل، والمدركين لما نفعل، وموعدنا العدد ألف (1000) إن كنا من الأحياء ـ إن شاء الله ـ وقد حققنا معا الأمل الذي خاب عند الإنطلاقة، في يومية وطنية إخبارية صادقة وقوية”.
ألا ترى معي أننا لا نتستر على نقائصنا ونقاط ضعفنا، ولا نتنكر لجهود الشباب سواء كانوا في المركز معنا أو مراسلين من الولايات، ورغم كل ما ذكر من صعاب ونقائص ومتاعب إلا أننا استطعنا أن نقدم للقارئ يومية محترمة بافتتاحيتها وأعمدتها ومقالاتها، ولم توصف في أيامنا بأنها جريدة صفراء أو جريدة للشيته.
وأعتقد أن الإفتتاحية الجيدة لا تعيب يومية، مثلما لا يعيبها العمود أو المقال الجيد، وخير مثال أمامنا اليوم le quotidien D’oran أما فيما يتعلق بالشطر الأخير من سؤالكم فأكتفي بالتأكيد لكم أنه لا يمكن لأي رئيس تحرير أو لأي كاتب مقال ـ وخاصة المقال السياسي ـ أن يكون كاتبا جيدا للمقال إذا لم يكن متابعا جيدا للأخبار.
45- fouzi
ما أردته من هذا التعليق هو أن تتواضعوا، فعلي رحايلية تحدث وكأنه هو ولا أحد غيره في الكتابة، وبشير حمادي على نهجه وكأنه الأسد الذي لا يغلب حتى يموت، لا أحد ولد من العدم والخبرة تكتسب ولا تولد مع الإنسان، كان الأجدر من هذه الحوارات أن تكون في خدمة الإعلام الجزائري ومناقشة أساليب وطرق النجاح، ولماذا إعلامنا يتخبط في المشاكل وغياب المهنية والإحترافية، ليس أن يضرب هذا فلان، والأخر يرد، إنه مستوى منحط، حتى أن التعليقات فعلا هي حرة لكن البعض وللأسف يسمون أنفسهم صحفيين يتحدثون بلغة أنا ولا أحد، التاريخ يسجل يا أصحاب الموقع فاحذروا متاهات أنتم في غنى عنها.
لست أسدا لا يغلب كما تصفني، فأنا مجرد صحفي تعلم ممن سبقوه للمهنة وقد ذكرت أسماء بعضهم، وتعلم بالممارسة والتدرج من عمل لآخر ومن مرتبة لأخرى.
ولو قرأت جيدا ردودي على الأسئلة الموجهة لي ما وجدت فيها ما يدل على ما ذهبت إليه، فقد قلت مثلا في ردي على السؤال الثاني ما يلي: “الزخم السياسي الذي صادف التحاقي بجريدة الشعب مكنني من البروز السريع في ظل تنافس عدد قليل من الصحافيين طبعا، وتمكنت من ممارسة كل الألوان الصحفية من كتابة الأخبار، وتغطية الأحداث الكبرى داخليا وخارجيا، إلى إجراء الحوارات، وإنجاز تحقيقات كبرى، فكتابة العمود، ثم كتابة التعليق والإفتتاحية، وأخيرا المقال، ففي الصحافة العمومية لا يمكنك أن تكون صحافيا في قسم التحقيقات مثلا إلا إذا قضيت عشر سنوات على الأقل في القسمين المحلي ثم الوطني، وتنقلت مابين الأقسام الأخرى.. هذا التنوع مكنني من التعلم والنضج والتدرج السريع في المسؤولية، ومن التعرف على معظم الصحافيين في مختلف وسائل الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع باللغتين العربية والفرنسية، وهذا بدوره مكنني من الفوز بمقعد في المجلس الوطني لاتحاد الصحافيين الجزائريين الذي انبثق عن المؤتمر الذي عقد سنة 1982 منتخبا من قبل ممثلي صحافيي ولايات وسط البلاد. يمكنني القول أنني كنت من المحظوظين، وتعلمت الكثير من المسؤولين الذين تشرفت بالعمل معهم، وخاصة الأستاذين محمد بوعروج، ومحمد السعيد، المرشح للإنتخابات الرئاسية الأخيرة، فقد جمع الرجلان بين الكفاءة المهنية والإدارة الجدية”.
وأحيلك كذلك على إجابتي عن السؤال الثالث لتتأكد أنني بعيد كل البعد عن وصفك لي..
55 ـ الأرقام تتكلم.. سكووووووووووووووت
الدنيا هذي أرقام يا حبيبي الشروق في وقتكم لم تتجاوز 100 ألف نسخة وهي الآن 800 ألف نسخة ووصلت في وقت من الأوقات إلى 2 مليون نسخة.
شتان بين الثرى والثريا.
العبرة ليست في الكم ولكنها في المحتوى، وأسهل طريقة للصعود السريع في التوزيع منذ ميلاد ما سمي بالصحافة الشعبية أو صحافة الإثارة هي اعتماد الحجم الصغير، وكثرة الصور، والعناوين الكبرى، والنصوص المختصرة التي تبحث عن التشويق والفضائح، وترمي إلى الإثارة، يضاف إلى هذا السعر المنخفض أو التوزيع المجاني، ولهذا فصحيفة “الصن” الشعبية البريطانية مثلا توزع 4 ملايين نسخة في اليوم بحسب تقرير لمجلس الصحافة البريطاني، في حين لا توزع صحيفة “التايمز” الملتزمة مهنيا والجيدة في خدمتها الصحفية سوى 400 ألف نسخة في اليوم وشتان بين “التايمز” و”الصن” أو بين الثرى والثريا كما تقول…
57- إلى الأستاذ بشير
أعشق بلدي عشقا جنونيا، أشعر أن أقدامي مغروسة في ترابه، ورأسي يعانق سحابه…
كم هي جميلة ومعبرة هذه العبارة لكن نتمنى ان تكون افعالا وليست أقوالا.
البلد يحتاجنا بالفعل لا بالقول.
أقوالي لا تتناقض مع أفعالي، فمازلت صحفيا رغم كل الضربات الموجعة تحت الحزام، ولم أرفع راية الإستسلام، ولا هربت من البلد ، بل لم أهرب من منزلي ولو ليوم واحد في الزمن الصعب، ولم أبت ليلة واحدة في المنطقة المحمية التي حشر فيها الصحافيون.
60 – ردا على السؤال رقم 18
ردا على ما جاء في جوابك حول السؤال رقم 18 حول لقائك مع الرئيس بوتفليقة قبل أن يكون رئيسا، ألا تعتقد أن منطق المجالس بأماناتها لا يصلح هنا لان الأمر يتعلق بشخصية عامة هو رئيس الجمهورية وقد يكون من المفيد نشر ما جاء في كلامكما ربما ينفع العام والخاص أم أن الأمر خطير إلى الدرجة التي يمكن تسريب ما دار بينكما ؟
لكن أريد أن سألك فقط الآن بعد أكثر من 10 سنوات قضاها بوتفليقة في الحكم، هل تحس الآن أن الرجل تغيرت قناعاته أم مازال هو هو ذلك الشخص الذي التقيته قبل أن يكون حاكما لهذا البلد ؟؟
أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال لا تدخل في خانة: المجالس بأمانتها
بغض النظر عن القول أن حديث المجالس أمانات، فليس كل ما يعرف يقال حتى بين الأزواج الذين يتعاهدون على الحلوة والمرة.
أما إن كانت قد تغيرت قناعاته فمن الصعب الحكم في هذا الأمر لأنني تقابلت وتحاورت مع السيد عبد العزيز بوتفليقة، ولم التق، ولم أتحاور مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والمواضيع المطروقة خارج السلطة قد لا تكون نفسها وهو في السلطة، فلا يمكن للحاكم أن يظل معارضا، فللمعارض منطلقات تبنى على أساسها مواقفه، وللحاكم منطلقات ومعطيات وضغوط داخلية وخارجية وعلى أساسها ومتغيراتها تتخذ مواقف تكون أحيانا للترضية أو الإستهلاك وأخرى رسمية، وأحيانا مبدئية…الخ
68 – صحافي سابق
لقد اكتشفت بشير حمادي أول مرة وأنا شاب في بداية مشواري الصحافي حينما دخل الإعلام الجزائري فترته الذهبية مع بداية تسعينيات القرن الماضي، و كان هذا الإكتشاف خلال حصة سياسية يبثها التليفزيون كل ثلاثاء، وهو برنامج (لقاء الصحافة) من إعداد وتقديم الصحافي الشاب آنذاك مراد شبين بمساعدة رابح خوذ ري، و كان البرنامج يستضيف زعماء الأحزاب السياسية لمواجهة أسئلة الصحافيين. وفي إحدى الحصص نزل الرئيس الأسبق أحمد بن بلة ضيفا وكان بشير حمادي من الصحافيين الذين ملأوا البلاتو. وحين جاء دور بشير حمادي لطرح أسئلته على بن بلة راح يبدأها بـ “يقال” و”يقال” فاكتشفت أن هذا الرجل لا يفقه في الصحافة إلا عنوانها، ولا يمت للعمل الصحفي المحترف بشيئ، لأن من أبجديات المهنة أن لا يطرح صحافي أسئلته أو يحاول إقناع القراء أو المشاهدين بالأقاويل غير المؤكدة. فترسخت لي منذ ذلك الحين صورة بشير حمادي أنه ليس بالمحترف ولا بالموضوعي. لست أدري إن كان حينها محرض ضد الرئيس الأسبق أو أن مستواه المهني كان لا يزيد عن مستوى القيل والقال. وإن كان حقيقة محترف كما يوصف فإن ما شاهده الجزائريون حينها هو صحافي ضعيف المستوى ومتحرش ومتحامل نسى دوره الصحافي وارتدى ثوب المرتزق. والأدهى والأمر أن الرئيس بن بلة لم يرد عليه إلا بعبارة “أنا نجيبلك ألف يقال”.. وأنا متأكد أن بشير حمادي يتذكر الحادثة وربما صارت عقدة له.
وللملاحظة فإني قد انسحبت من الصحافة منذ سنوات بسبب ما ألت اليه من ضعف ورداءة إلا عند من رحم ربي.
نعم أتذكر الحادثة.. وأتذكر أنني استمعت إلى الرئيس أحمد بن بلة حتى النهاية، وأتذكر أنني عندما استأنفت طرح الأسئلة قلت بالحرف الواحد: “يقال.. وأنا مصر على كلمة يقال” فلم اهتز حينها، وليست لي عقدة لا إعلامية ولا غيرها بعد ذلك.
وقد كتبت بعد الحادثة أقول: “أن مشاهدي الشاشة الصغيرة عندنا، وربما عند جيراننا كانوا ينتظرون الحوار معه بفارغ الصبر، وكنا نحن الصحافيون الذين استضافتنا الحصة كذلك نتوقع حوارا رفيعا يتسم بالرزانة والحكمة.. ولا أفشي سرا إذا قلت أنني شخصيا قد حضرت اللقاء كما يفترض من صحفي يحترم نفسه ومهنته، حيث قرأت جل ما كتبه في مجلة أكتوبر أو البديل، وجل أحاديثه المنشورة في الصحف، أو المجموعة في كتب، وسألت عن بعض المعطيات، وعن الأفكار التي كان يعتنقها، كما سألت عن أفكاره ومعتقداته اليوم حتى مناضلين في حزبه..
وكنت مقتنعا أننا سنحاور زعيما، ورئيس دولة، ورجل فكر ومواقف، ولابد أن أكون في مستوى هذا الهرم، أو على الأقل كنت حريصا على أن لا أبدو جاهلا لأحداث التاريخ، وأعمال الرجل وأفكاره ومواقفه عبر المراحل.. لكن خيبتي كانت كبيرة، فقد كان الفارق كبيرا بين حقيقة الرجل، والصورة التي رسمتها له في مخيلتي، إلى حد أصابني بنوع من الذهول.
فقد كنت والزملاء الذين استضافتهم الحصة نظنه رئيسا، وكذلك خاطبناه، بما للرئيس من تعقل وحكمة ورحابة صدر.. وكنا نظنه زعيما بما للزعيم من سمو فوق حسابات الأفراد والجماعات، وبما له من تجميع في الذات لمشاعر وطموحات وآمال شعب ماضيا، وحاضرا ومستقبلا.. وكنا نظنه ثوريا، بما للثوري من نضال متواصل ضد الظلم، والإتهامات المجانية، والمواقف القائمة على السمع والتقارير البوليسية.. وكنا نظنه مواطنا صهرته الأحداث وأنضجته الحوارات، وجعلته قادرا على السمو فوق المناوشات وحتى “المشاغبات”.. ولكن خاب ظننا في الرئيس الحكيم، وفي الزعيم الرمز، وفي الثوري.. وخاب ظننا حتى في المواطن الذي تحق له الشكوى والإستنكار دون الثورة على من لم تلامس يده أيديهم مرة واحدة، ولم تجمعه بهم لحظة واحدة..
فسقط الرئيس عندما تحول إلى متهم لمواطنين دون سابق معرفة له بهم.. وسقط الزعيم عندما حاول طمس التاريخ، والحديث عن البطاطا.. وسقط الثوري الذي يتنكر لأحداث الثورة ووقائع الردة فيها.. وسقط المواطن الصالح عندما بدأ يوزع التهم جزافا على محاوريه، وبكلمات سوقية يترفع عن استعمالها أبسط مناضل في أي تشكيل سياسي..”
اتهامك لي بالضعف سبقك إليه آخرون بعقدين من الزمن، لكنه لم يكن موجها لي، بل كان عاما، وربما كنت أنت أحد المروجين لأنك كنت شابا في بداية مشوارك المهني كما جاء في سؤالك، أو ربما تطاولت على من كان عمرهم المهني يفوق عمرك البيولوجي. حيث جاء في نفس المقال :
“بعض ما كتب ليس حول هذا اللقاء فحسب، ولكنه تناول معظم لقاءات الحصة وما شابهها، وركز بصفة خاصة على ضعف مستوى الصحافيين، وهذا يجعلنا نطرح السؤال التالي: من يتهم الصحافيين بالضعف، ويحاول تعميق هذه الفكرة لدى الرأي العام؟
لو عدنا إلى كل ما قيل وكتب في هذا الموضوع لوجدنا أن الصحافيين ذاتهم هم الذين يتهمون زملاءهم بالضعف، ولو أخذنا كل حصة على حده والأقلام المقيمة لها، لوجدنا أولا أن رد الفعل لا يخلو من خلفية وموقف شخصي يقترب من تصفية حسابات أكثر منه نقد موضوعي غيور على المهنة وسمعتها وسمعة أهلها، ولوجدنا ثانيا أن أغلب الإتهامات التي تأتي من الوسط الإعلامي توجهها عناصر هي أقل كفاءة مهنية بكثير من الذين تتهمهم بالضعف.
فبعض الذين يقيمون زملاءهم ويتهمونهم بالضعف والبلادة في حصة معينة، وإلى حد التحامل والتشهير، لو جمعنا ما كتبوه طوال حياتهم المهنية ـ إذا كانت لهم حياة مهنية ـ لوجدناه لا يتجاوز ما كتبه أحد الدراويش الفاشلين في “حروز”، ولما وجدنا أحسن مما كتبه الدرويش الفاشل.
ونعرف جيدا مهنة المتاعب، ونعرف جيدا أهلها، ونعرف جيدا مقدرة كل واحد من رجالها ونسائها باللغتين الفرنسية والعربية.
وحتى لا أدرج ضمن زمرة المروجين لضعف الصحافيين، والموزعين الضعف مجانا، أقول فقط انصافا لرجال المهنة ونسائها، أن السياسيين في الجزائر أو في غيرها، وحتى في البلدان المتقدمة لا يكتبون للصحافيين، بل إن الصحافيين هم الذين يكتبون للسياسيين خطبهم، ومقالاتهم التي ينشرونها في الصحف من حين لآخر، ويكتبون لهم حتى مذكراتهم التي يطرحونها كتبا في الأسواق، ترفعهم إلى مستوى الكتاب، وهم لا يمسكون الأقلام إلا للتوقيع، ولهذا من السهل جدا أن يتحول الصحفي إلى سياسي أو دبلوماسي ناجح، ومن
الصعب جدا أن يتحول السياسي أو الدبلوماسي إلى صحفي ناجح…”
ألا ترى أن سؤالك جاء متأخرا عقدين كاملين، وأن ردي كان منذ عشرين سنة؟
وإذا كنت لست من يطلقون الأحكام جزافا، ولا أميل إلى الحكم على الناس وخاصة الزملاء من سؤال واحد، وحتى من قراءتي لعدد من “خربشاته” بتعبير المرحوم مولود قاسم، فإنني أتفق معك تماما في قرار انسحابك من مهنة المتاعب، لأن المتسرعين في أحكامهم لا يمكنهم أن يكونوا صحافيين جيدين.
85 – لقاء الصحافة
شكرا لصحاب التعليق رقم 68 الذي ذكرنا بزمن لقاء الصحافة وزمن مراد شبين وغيره أيام كان التلفزيون الجزائري يقدم مادة قوية..
أتمنى من السيد بشير حمادي أن يحدثنا أكثر عن تلك التجربة وخاصة أنه كان حاضرا في تلك الفترة وحتى في تلك الحصة التي كانت تستضيف كبار الشخصيات وبينها أحمد بن بلة والرئيس الشادلي بن جديد وحتى عباسي مدني وغيرهم.
لقد حضرت الحصة التي استضافت الرئيس الشاذلي بن جديد. وأعتقد أن الزميل مراد شبين الضيف الثالث للموقع سيتحدث عن زمن لقاء الصحافة بإسهاب.
86 – سؤال إلى بشير حمادي
هل سبق لك وأن دخلت السجن؟؟ بسب مقال كتبته أو موقف اتخذته ؟؟
أحكي لنا التفاصيل.
تم توقيف أول يومية مستقلة أسستها مع زملاء وترأست تحريرها ثلاث مرات، ومنعت من الكتابة والسفر، ووضعت تحت الرقابة القضائية، وسحب مني وصل إصدار يومية قبل إصدارها، ووقفت أمام عدد من رجال الأمن والقضاء، ولكن لم يصدر حكم بإدانتي، فقد كنت قبل انتسابي لمهنة المتاعب بريئا ومازلت، ولم أدخل السجن دقيقة واحدة بحمد الله ورضى الوالدين، كما أنني أعرف جيدا واجباتي وحقوقي المنصوص عليها في قانون الإعلام.
(ردود الجزء الثاني)
أشعر بالظلم والخيانة.. ولست ممن تُفقدهم الضربات الموجعة توازنهم !
13 – العراف
هل يستطيع ضيفكم أن يذكر لنا أمثلة عن عروض العمل التي تلقاها من الخارج والتي يقول أنها كثيرة، ثم يقول لنا سبب رفضه لهذه العروض وهل هذا مرتبط فقط بحبه للوطن أم بأسباب أخرى.
العرض الأول كان مسؤول مكتب وكالة الأنباء الجزائرية، وهذا في مطلع الثمانينيات، وقد مورست علي ضغوط لأقبله ولكنني رفضته، وقد تم اختيار عدد من الصحافيين من الصحافة المكتوبة لمكاتب وكالة الأنباء، وأتذكر أن الزميل أحمد فطاني من يومية المجاهد آنذاك ومدير L’expression حاليا عين مسؤول مكتب الوكالة في تونس، ولم يكن عمري المهني يتجاوز العقد، ولا داعي لذكر ما جاء بعد تراكم التجارب، وهذه العروض لا تزيد في قيمتي ولا تنقص منها، فما أحظى به عند القراء سلبا أو ايجابا هو نتيجة لما قدمته في الصحافة الجزائرية العمومية والمستقلة.
ولم يكن الرفض مرتبطا بحب الوطن، فمن العاملين خارج الوطن من هم أكثر مني حبا للوطن ألف مرة، بل إن هناك من لم تطأ أرجله أرض الجزائر من أبناء الجيل الثالث من المهاجرين من هم أكثر حبا للجزائر مني ومنك، لأسباب لا داعي للخوض فيها..
17 – ما وراء السطور !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
ما السر وراء تلميعكم لجريدة الوطن على حساب جرائد أخرى ؟؟
الأمر لم يأت صدفة.. وما تقومون به في هذا الموقع يصنف ضمن خانة الخبث الإعلامي
بامتياز.. جريدة سحبها لا يتعدى 80 ألف تصنف أحسن من جريدة سحبها أكثر من 800000 ألف، أي 10 أضعاف
ولكن ما عسانا نقول سوى حسبنا الله ونعم الوكيل في عقلية بعض الجزائريين
نحن نرى أن الوطن اليومية الأكثر احترافية، وإذا كنت ترى غيرها فذلك رأيك، ونحن نحترمه، وإذا كان ما نقوم به خبثا إعلاميا حسب تقديرك، فإن الخبث الإعلامي ليس صفة مذمومة في مهنة المتاعب، فأسوأ ما يوصف به الصحفي هو الغباء، ونحن والحمد لله لم نوصف لا منك ولا من غيرك بهذا.
أما الجواب عن الجزء الثاني من سؤالك فهو نفسه على السؤال 55.
19 – متزلفون
الكثير ممن يطرحون الأسئلة في هذا الركن متزلفون ويطلبون القربى مثل صاحب السؤال الأول في هذا الجزء والذي يصدر حكما بأن السيد بشير ناجح والبقية أغلبهم فاشلون..
هل هذا سؤال يمكن أن يطرحه إعلامي.. اللهم إلا إذا كان واحدا من الفاشلين.. وأكاد أجزم أن بعض من يطرحون الأسئلة هنا بأسماء مستعارة سرعان ما يتصلون بالسيد حمادي ويقولون له أنا صاحب ذلك السؤال وغيره..
لن تتطور المهنة في الجزائر مادام فيها أمثال هؤلاء وهؤلاء
لا تظن السوء بزملائك فبعض الظن إثم، وما دمت تكاد تجزم باتصال متزلفين وفاشلين بي فماذا يمنعك من ذكر إسم واحد لنعرف على الأقل عنصرا من العناصر التي تعيق تطور المهنة، فتقدم خدمة لوسائل الإعلام بأن تقيها خطأ توظيفه. من جهة أخرى فأنا أجزم أن المهنة لا تتطور بالذين يشكون في كل شيء، ويرون في كل شيء مؤامرة..
30 – النيران الصديقة!!!
ما هذه النيران الصديقة بين الصحافيين الذين يكتبون في الصحافة المعربة ؟؟
علي رحالية صحفي يكتب بالعربية وينتقد الصحافة المعربة ويتقرب من الوطن ومثيلاتها ثم يأتي من بعده بشير حمادي الذي له مسار طويل في الصحافة العربية لكنه يفضل عليها الصحافة الفرنسية من مثيلات الوطن ويومية وهران ولكسبريسيون..
ثم يأتي عشراتي الشيخ صاحب عمود حجرة في السباط سابقا، ليعلن هو الآخر ولاءه الإعلامي للوطن ومثيلاتها..
وتظهر على الصورة نائلة المعروفة بكتابتها في الشأن الأمني في الصحافة المعربة من اليوم والجزائر نيوز إلى الشروق والنهار قبل أن تغير جلدتها نحو الجرائد المفرنسة ولست أدري أين ذهبت، ثم لا تردد في الإعلان عن انبهارها بما وجدته عند المفرنسين وتزعم أنها افتقدته عند المعربين..
هناك أيضا صحافي الرياضة علي بهلولي الذي حاول أن يكون متوازنا لكنه لم يتأخر ولم يقصر في تلميع صورة الصحافة المفرنسة على حساب الصحافة التي يشتغل فيها، وهناك آخرون كثيرون يكتبون بأسماء مستعارة..
فما السر وراء هذه النيران الصديقة.. هل هي حمى الرئاسيات بدأت من الآن أم ماذا ترى؟؟
من له الشجاعة من الذين ذكرنا أسماءهم على الأقل لينورنا؟!!!!
الصحافة يا صديقي هي عبارة عن وجبة معلوماتية يومية ساخنة، وحتى تكون جيدة ولذيذة وسهلة الهضم لابد من توفر مجموعة مكونات وطباخ ماهر. وأهم المكونات هي العلاقات العامة التي تمكن الصحفي من الحصول على المعلومات الصحيحة والجيدة، والتي بدورها تمكنه من صياغة خبر أو كتابة مقال جيد إذا كانت له القدرة على ذلك، والصحافيون وفي مقدمتهم المؤسسون والمؤطرون للعناوين الإعلامية المفرنسة معظمهم لديهم تجربة طويلة في الإعلام المكتوب، ولهم علاقات عامة أهم بكثير من علاقات المعربين لأسباب كثيرة، ويتوفرون بذلك على معلومات أهم، وهو ما يجعل صحفهم أكثر احترافية ومصداقية..
32 – سؤال إلى السيد بشير حمادي المحترم
السلام عليكم
هل هناك نية لمعاودة إصدار جريدة الجزائر اليوم لتكون بديل إعلامي؟؟
الحديث عن تعليق جريدة الجزائر اليوم هو بالنسبة لي بمثابة وضع ملح على الجرح، وقد أجبت عن سؤالك بعد سنة من تعليق الجريدة في مقال بعنوان “يذهب الرجال..وتبقى الجزائر اليوم”.
وبعد الوئام السياسي تحدثت عن ضرورة أن يكون هناك وئام إعلامي. ولم أفوت فرصة توجيه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة رسالة لحملة الأقلام بمناسبة إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة لأعود لموضوع الصحف المعلقة في مقال بعنوان “أرضية الصحافة المستقلة” ومما جاء فيه:
“إذا كان بوتفليقة يعتقد حقا أن الصحافة الجزائرية لا تتعرض لأية رقابة، فهو الوحيد الذي يخفى عنه ما يعتقد أنه لا يخفى على أحد. ويبدو أنه وحتى يتعرف الرئيس على ما تتعرض له الصحافة، فإنه يتوجب على حملة الأقلام أن يعلنوا قيام “عروش الصحافة”، وأن يضعوا “أرضية الصحافة الحرة” تيمنا بعروش القبائل وأرضية لقصر، حتى تتضح الرؤية، وتقترب الصورة الافتراضية للصحافة عند الرئيس من الصورة الحقيقية..
ومثلما يجري الحديث في الشأن السياسي عن إجراءات تهدئة، يمكن الحديث في ميدان الإعلام كذلك عن مثل هذه الإجراءات، ذلك أن المدخل للحديث عن حرية الصحافة لا يمكنه أن يكون إلا عن طريق رفع المظالم عن الصحف، التي لا يريد حتى زملاء المهنة الحديث عنه إلا في رسائلهم العديدة إلى المنظمات والهيئات الدولية التي يتباكون فيها عن حرية التعبير، ويعدّدون فيها مظالم السلطة للصحافة، حتى التي تمس ظلهم أو قططهم وكلابهم، ولا يذكرونها في بياناتهم الصادرة عن نقابات الناشرين، ونقابة الصحافيين، ومجالس أخلاقياتهم المهنية..
وفي مقدمة هذه المظالم، تعليق عدد هام من اليوميات والأسبوعيات العربية بقرارات سياسية صادرة عن وزير الإعلام أو وزير الداخلية منذ أكثر من عشر سنوات، رغم أن مرسوم حالة الطوارئ ينص صراحة أن توقيف صحيفة لا يجب أن يتجاوز ستة أشهر، ورغم تبرئة المحاكم لمسئولي نشر ورؤساء تحرير تلك الصحف من التهم المنسوبة إليهم..
إن أول خطوة صحيحة في اتجاه الصحافة المستقلة، وتصحيحية للساحة الإعلامية تتمثل في رفع الظلم الواقع على العناوين المعلقة لسنوات لمواقفها من الأزمة والتي أثبتت الأيام والسنين أنها كانت على حق، وأن خصومها كانوا على باطل، وذلك بإصدار أمر أو تعليمة أو الإيعاز لوزير الإعلام أو الداخلية بإلغاء قرارات التوقيف، حتى وإن كان أصحاب هذه الصحف غير قادرين على إصدارها، ذلك أن بعضهم مات أو فقد، والبعض الآخر تشتت أو تشرد أو حجبه ضباب كثيف..”
المسألة يا أخي لا تتعلق بنيتنا في معاودة إصدار الجزائر اليوم، ولكنها تتعلق بنيتهم في إلغاء قرارات التعليق الظالمة وغير القانونية..
54 – مرواني
لم يذكر السيد بشير حمادي الزملاء الذين ساهموا أيضا في الجزائر اليوم.. هل هذا انتقاص من جهدهم.
لقد أخطأت العين، أو خانتك الذاكرة، فقد ذكرت المؤسسين الست بأسمائهم في ردي على السؤال الـ 27 حيث جاء فيه: “لكن المشروع تعثر، فالتحقت بالمساء كمدير تحرير، وعاودت الكرة مع مجموعة أخرى، حيث قدمت استقالتي من المساء وأسست يومية “الجزائر اليوم” مع الزملاء عبد الله بشيم، ومصطفي هميسي، وعلي ذراع، وأحمد آيت وعلي، وعبد الرزاق دكار”.
كما ذكرت أسماء عدد من الصحافيين الذين برزوا في “الجزائر اليوم” في ردي على السؤال الـ 49 وذلك بالقول : “وفي يومية الجزائر اليوم التي لم تعمر طويلا واعتمدت على الشباب بصفة كاملة فقد برزت عناصر منها ابراهيم قار علي نائب في البرلمان حاليا، وتقرين الصغير صحفي بالتلفزيون، ومفتي بشير، وعلال سنقوقة، وزهرة بوعزة، وسعاد بلقاسمي، وفاطمة رحماني…الخ”.
…
في الأخير أتوجه بالشكر الجزيل للمشرفين على الموقع على الإستضافة اللطيفة، وأتمنى لهم التوفيق، كما أتوجه بالشكر لكل القراء والمتفاعلين مع الحوار سلبا أو إيجابا، واعتذر منهم إن كنت قد قصرت، فقد اجتهدت وأجبت عن كل ما طرح علي من أسئلة، واستجبت لمطلبهم بالرد على تساؤلاتهم وانشغالاتهم بعد قراءتهم لما كتبت..
مع تحياتي للجميع، وتمنياتي بالتألق لأبناء مهنة المتاعب نساء ورجالا في الداخل والخارج، فهم أحسن معبر عن المواطنين، وهم أحسن السفراء للجزائر.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.