التقسيم الإقليمي (الإداري) هو آلية تنظيمية تستهدف مقاصد عدة، غير أنه قد يكون سببا في خلق جيوب داخل الهوية المشتركة عندما يصطبغ بطابع سياسي، ويكون أساسا لاستقطابات جديدة.
ويمكن لأي متتبع أن يلاحظ كيف تنتج الهوية الإدارية بمرور الوقت تعريفا جديدا للساكنين في الإقليم، ويصبح هذا التعريف هوية قائمة بذاتها بالنسبة للبعض، وشكلا من أشكال التمايز عن الآخرين، وهو تمايز قد يأخذ ملمح الفخر أو الشعور بالنقص، حسب الحالة.
وحين يتضاءل الشعور بالمواطنة ويغيب حكم القانون داخل الدولة، قد تتحول الهوية الإدارية إلى معيار انتقاء ومحاباة في الوظائف والمكاسب المادية، وعامل إضعاف للهوية الجامعة، بل وسببا في مظالم كثيرة على المستويين الوطني والمحلي.
ومن بين صور هذه المظالم، تركز السلطة والمنافع في العاصمة الإدارية للإقليم، وهو أمر زاده سوءا اختيار اسم العاصمة ليكون إسما للإقليم ككل، وفي ذلك مضار نفسية يعلمها سكان مدن بعينها أكثر من غيرهم، وكل قارئ لهذه الأسطر يستطيع استحضار أمثلة كثيرة على ذلك.
غير أن ما يلفت النظر في هذا الشأن، أن الهوية الناشئة انطلاقا من التقسيم الإداري تمكننا من إدراك مدى نسبية فكرة الهوية الجغرافية من أساسها. إن أسماء الأقاليم والدول وحدودها دائمة الحركة، حتى وإن لم ندرك ذلك خلال أعمارنا القصيرة. وقد لاحظنا كيف يجعل قرار حكومي مجموعة من الساكنة “عمرية” بعد أن كانت تعرّف مدة طويلة بأنها “زيدية”، ثم تمضي وكأنها كانت عمرية منذ الأزل.
ولذلك فمن غير المستغرب أن يصبح أحدهم محل سخرية إذا قال في أيامنا هذه إن زائير هي ثاني أكبر دول إفريقيا مساحة، وريو دي جانيرو هي عاصمة البرازيل، و أن بوسعادة تتبع ولاية التيطري، و الذي أدخل المسيحية إلى بريطانيا جزائري. الأمر يعتمد دائما على محدداتنا الخاصة لفكرة الهوية، وإدراكنا لما هو ثابت من تلك المحددات، وما هو متغير.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.