إن أعظم مدرسة في تاريخ البشرية هي مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان خير نموذج للمعلم المثالي موافقة لقوله عليه السلام: "إنما بعثت معلما"، فقد علم بصدق وأمانة، برفق ولين، وكان فصيح اللسان حاضر البديهة حاد الذكاء فطنا نبيها، مؤثرا فيمن حوله، وما خالف يوما فعله قوله، فارضا احترامه بوقار ومهابة مستخدما كل الوسائل الناجعة في إنجاح مهمته وتحقيق أهدافه نظريا وتطبيقيا بالمتابعة، وما ترك شيئا من الأمور الدنيوية والدينية إلا وأشار إليه وبين أحواله، فما عرف ولن يعرف العالم مدرسة ناجحة كمدرسته ولكن أين هي مدارسنا اليوم من هذه المدرسة العظيمة التي كان لزاما علينا اتخاذها قدوة؟
واقع المدرسة الجزائرية اليوم يؤكد أنها في حالة حرجة ومن انتكاسة لأخرى تفاقم الوضع رغم أن الإصلاحات التي تمر عليها لم تنقطع، غير أن النتائج غالبا ما كانت سلبية لأنها فعليا تعمل على طمس الهوية وتفرض أفكارا تتنافى والقيم الاجتماعية وأساليب التربية السليمة مثل محاولة إدراج العامية في التدريس عوض اللغة العربية التي لطالما تكالبت عليها عدة جبهات أولها المستعمر الفرنسي.
ورغم كل المحاولات لوقف مسيرة التعليم وهدم أسس المدرسة وقف رجال في وجه هذا التيار واعتنوا باللغة العربية وآدابها وعلومها، وعكفوا على تكوين الطلاب في المساجد والزوايا، فنوروا عقولهم وكونوا منهم جهابذة الفكر.
ولم تتوقف هذه المسيرة يوما رغم العراقيل وكذا ما حدث في العالم من تطورات، ففي زمن العولمة تعددت جهات التعليم والتوجيه وصارت عدة عوامل تشارك في التربية وأغلبها عاجزة عن تقديم تنشئة سوية أو الأصح أنها وجدت للإفساد تبعا لمشروع هدم القيم والأخلاق وتفكيك المجتمع، فالطفل اليوم صار يتلقى تربيته من جهاز التلفاز أو الحاسوب ولا يخفى على أحد فحوى هذه البرامج، رسوم متحركة سيئة لاقت رواجا كبيرا بين الأطفال مثل سبونج بوب، غامبولو العم جدو والتي تجسد شخصيات بعيدة كل البعد عن المثالية إذ أنها غريبة الأطوار، ضعيفة إتكالية أو عنيفة أنانية، غبية لا تهتم إلا بتحقيق رغباتها، بليدة المشاعر تبالغ في اهتماماتها بالأمور التافهة وتعظم أشياء سخيفة، كما أنها لا تهتم بالنظافة بل منها ما يتناول القاذورات دون نسيان تمرير رموز الماسونيةفي مشاهدها، فالأمهات أوكلن مهمة التربية لهذه البرامج وإن حاول أبناؤهن الاقتراب منهن فإنهن سيتقاسمن مشاهدة المسلسلات المدبلجة معهم، وبعدها سيخرج الطفل إلى الشارع الذي صار به كل محظور مستباح والمفردات التي سيتعلمها مستمدة من قاموس الانحطاط والرذيلة، لتجمع بعدها المدرسة كما هائلا من الأفكار الهدامة حتى ذاك الطفل الذي تلقى تربية سليمة في بيته ونشأ على القيم والأخلاق الفاضلة سيصدم بما سيواجهه من انحلال خلقي ولكنه سرعان ما سيصاب بالعدوى.
لتتحول المدارس إلى صورة مستنسخة عن أوكار العصابات انعدام الاحترام، عنف وشجارات يومية بيع للمخدرات كقطع الحلوى، تبادل للفيديوهات الإباحية وملابس فاضحة زد على ذلك نكتا منحطة، وبعدها نستغرب إن فقد أحدهم عينه أثناء شجار أو أصيب بكسور وجروح بليغة أو حتى الوفاة، لنصدم بأخبار لا يمكن تصديقها كما حدث في متوسطة مالك بن نبي ببشار أين عثر على قنبلة تقليدية الصنع.
إن ما تمر به المدرسة الجزائرية يعد نقيصة في حق هذا البلد الذي ضحى من أجله أبطال أبرار، والمسؤولية تقع على عاتق الجميع ولا أحد يمكنه الاستقالة، ابتداء من الأسرة مرورا بالمجتمع وصولا إلى المنظومة التربوية ككل، فتدارك الوضع يحتاج إلى تكافل، وسلامة البناء من متانة الأساس وإن أردنا مجتمعا فاضلا متعلما وناجحا علينا توعية الأسرة والتأكيد على فاعليتها في وضع اللبنة الأولى، والتعجيل في إصلاحالإصلاحات والاهتمام أكثر بالبرامج التعليمة لا إتباع سياسة الحشو والكم الهائل دون استيعاب وتوظيف المكاسب كما يجب إسناد مهمة التعليم لمن هو كفؤ لها، وعدم التغافل أو تجاهل ما يحدث من تجاوزات حتى وإن كان من جهات رسمية وهيئات عليا بدعوى التطور والعصرنة والانفتاح على برامج تعليمية جديدة أثبتت فشلها في المجتمعات الغربية فألقي بها إلينا لنتعلم الإخفاق تلوى الآخر، فالجزائر لا تخلو من مصلحين ومتخصصين في مجال التعليم والتربية، ووضع البرامج الناجحة فضلا عن تشبعهم بثقافة إسلامية عربية ولكن أمثال هؤلاء لم يجدوا إلا التضييق على مساعيهم بالتهميش أو الإقصاء.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.