لم أصدر أي كتاب منذ خمس عشرة سنة، فلقد كان كتابي الذي يحمل كلمات عابرة أول كتاب تصدره لي في ذلك الوقت دار الغرب الجزائري في مدينة وهران، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات الصحفية التحليلية التي كنت أنشرها بشكل أسبوعي ضمن كتّاب أوراق الخميس بجريدة الشروق اليومي التي كان يشرف عليها مدير التحرير بشير حمادي والذي كلفني حينها برئاسة التحرير وطلب مني إلى جانب ذلك، أن ألتحق بفريق كوكبة الأقلام !.
كان أملي بعدما صدر كتاب كلمات عابرة، أن أصدر بعد ذلك سلسلة من الكتب، ذات الصلة بالمقالات أو ذات الصلة بالمذكرات وحتى ذات الصلة بالمجموعات الشعرية أو بالكتابات القصصية، ولا أدري لماذا قد صرت بعد ذلك كثير التردد في نشر تلك الكتب والتي تبقى شاهدة على مختلف الأحداث السياسية والإعلامية والثقافية، بل إنها شهادة تاريخية على العصر، ولا أرى ما هو أقرب إلى التاريخ من الصحافة، خاصة الصحافة الورقية.
ومع ذلك فإنني منذ عشرية ونصف لم أصدر أي كتاب، فإذا بالحرم المصون زوجتي الكريمة التي قبلت بأن تكون ضرة للصحافة تفاجئني وهي تقول لي لماذا لا تشرع في طبع تلك الكتب التي بقيت مجرد مخطوطات منذ عدة سنوات، ولكنني تذرعت لها بالسبب المادي بحيث أن نشر الكتاب يتطلب المال، فلقد انقلبت الآية فلم يعد الناشر هو الذي يدفع للكاتب بل إن الكاتب هو الذي قد أصبح يدفع للناشر، إن الكتاب أشبه بالمولود، فإذا ما تمخض الكاتب، فإن دور النشر مثل عيادة الولادة الخاصة، فالحامل لابد أن يدفع المقابل، وإن لم يكن يقدر على الدفع فما عليه إلا أن يسقط الحمل قبل أن يتشكل الجنين!!..
قالت لي زوجتي بعدما تذرعت لها بالسبب المالي الذي يحول دون إصدار الكتب، إنني على أتم الاستعداد لكي أبيع ما أملك من الذهب لكي تصدر تلك الكتب، فيا لها من امرأة تبيع الذهب من أجل الكتب، بل يا لها من امرأة تنفق ذهبها بل مهرها على ضرتها!.
وبالفعل، فإن المرأة لا يوجد عندها ما هو أغلى مما تملكه سوى ما تدخره من الذهب، وبالنسبة إليّ، فليس عندي ما أملك أغلى من تلك الكتب، فهي تريد أن تبيع أغلى ما عندها من أجل أغلى ما عندي، فهل يهون الذهب من أجل الكتب؟.
لم يفعل هذا غير الخليفة المأمون الذي كان ينشر الكتب ويمنح الكاتب وزن الكتب من الذهب، فعلى قدر ما تزن الكتب يقبض الكاتب وزن ذلك من الذهب، تلك هي زوجتي التي ترفض أن تتزيّن بالذهب فتتزيّن بالكتب!!!…
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 7482
ما ذكرته مأساة، يجبر الإنسان أن يقرض المال من أجل نشر كتاب، و أحيانا يسدد تكلفة طبعه بالتقسيط عن طريق الحساب البريدي، حدث هذا مع أحد الكتاب الناشئين مع دار نشر في الجزائر
بعد صدور كتبي الأربعة، أردت أن أطبع كتاب جمعت فيه أعمدتي منشورة في منتديات الشروق، و في مواقع عربية و صحف الكترونية وضعت له مقدمة و خلفية الكتاب، دخلت إلى إحدى دور النشر بولاية قسنطينة و طرحت عليها طلبي ، لم أكن أنتظر ردها، كنت لأأتابعها و هي تحسب في الآلة الحاسبة، ثم رفعت راسها و قالت: طبع كتابك يكلفك 07 مليون سنتيم ، لأننا نطبع 1000 نسخة ، قلت لممثلتها ماذا افعل بألف نسخة ، ثم أن الكتاب حصرته في 80 صفحة فقط، ( اي انه كتيب ) و رفضت الطريقة التي اقترحتها و هي طبع الكتاب بالعدد الذي تريده الدار ، شرط أن تسلم لي 50 أو 100 نسخة فقط ..
خرجت من مطكتب الدار و قد غاب عني النور رغم أن ذلك اليوم كان مشمسا ..
الآن لي مشروعين بدأت العمل عليهما لكن عقلي مُجَمّدٌ لأنني لا أملك المال لطبعهما، و من هي دار النشر التي تتنازل و تساعدنا حتى يخرجا إلى النور، و تترفع عن التفكير في المادة فقط
علجية عيش