من النظريات المعروفة لدى أجهزة الاستخبارات العالمية، هي النظرية التي طبقت في دول المعسكر الشرقي وفي كثير من دولنا العربية ولا تزال تطبق بحذافيرها وبنجاح منقطع النظير، هي تلك النظرية القائلة بأنك إذا أردت تدمير دولة ما، فإنه يجب عليك أن تحرص على نشر الاستبداد والفساد في أعلى الهرم السلطوي فيها، وأن تحرص كذلك على اختيار ودعم النخب الفاسدة وفي جميع المجالات والميادين، وهذا ما نجحت الدوائر المعادية للجزائر في تكريسه كأمر واقع لا مناص منه..
إذ أن الاستبداد بالحكم وتهميش الرأي الآخر والاستفراد بالقرارات الهامة والمصيرية للدولة، وتضارب الرؤى والبرامج بين أركان السلطة السِّياسية المختلفة، وأخرها ربما اللغط وعملية الشدِّ والجذب التي حدثت بين مؤسسة الرئاسة والحكومة، فيما يخص فتح رأسمال المؤسسات المتوسطة والصغيرة أمام القطاع الخاص… الخ.
فالجزائر وبحسب التقارير الصادرة عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2016م، حلت في المرتبة 108 عالمياً، وفي المرتبة 17 إفريقياً و10 عربياً، وهذا ما يعكس المستويات العالية التي بلغها الفساد كآفة مجتمعية في الجزائر، وكظاهرة اقتصادية ومالية تهدد كيان الدولة ووحدتها الترابية وترهن استقلالها الاقتصادي والسِّياسي الخارجي..
فهناك الكثير من المحللين والمختصين والخبراء يؤكدون على أن الفساد المستشري في دواليب الحكم في الدولة، هو السبب الرئيسي في الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد حالياً، وهو نتيجة طبيعية لسوء التسيير والبيروقراطية الإدارية والاعتماد على الو لاءات في التعيينات المهمة في هرم المسؤولية داخل أجهزة الدولة المختلفة، وعدم الاعتماد على الكفاءات الوطنية النزيهة التي غادر الكثير منها أرض الوطن..
حيث وبحسب دراسة أعدها الأستاذ محمد صايب موسات الباحث في علم الاجتماع ومدير المركز الوطني للاقتصاد التطبيقي، فإن هناك حوالي 228 ألف من الكفاءات الوطنية والأدمغة التي غادرت الجزائر باتجاه دول الاتحاد الأوروبي وكندا في سنة 2014م لوحدها، بنسبة بلغت 27 بالمائة بالنسبة للرجال، و24.8 بالنسبة للنساء، وهي نسبٌ لم تعرفها الجزائر حتىَّ في عهد العشرية السوداء بالرغم من كل الأحداث الأليمة التي عرفتها البلاد وقتها.
فالدولة الجزائرية التي بالرغم من الترسانة القانونية والتشريعية الخاصة بالقوانين الزجرية والعقوبات التي كان الهدف من وراء إقرارها هو محاسبة الفاسدين، وإن شكلياً، لا نجد لها تطبيقاً على أرض الواقع، وأكبر دليل على ذلك هو العدد الكبير من القضايا التي تورط فها مسئولون كبار في السُّلطة، سواء قضية الطريق السَّيار شرق، غرب، أو قضية سوناطراك، والمدينة الجديدة في سيدي عبد الله، وغيرها والتي تجاوز رقمها حوالي 2000 قضية، وهو ما يطرح عدَّة تساؤلات محقة، حول جدوى تلك القوانين إذا كانت لا تطبق إلا على صغار القوم، أو من ليس محسوباً على جهة نافذة ما داخل السُّلطة.
غياب المحاسبة والمساءلة القانونية، وتكريس مبدأ من أين لك هذا؟، وهو المبدأ التي حمى دولاً كبرى في الغرب من القلائل والاضطرابات الشعبية، وبنا جسور الثقة بين المواطنين وحكامهم، كما وقع في بريطانيا العظمى عندما نشر رئيس وزرائها السَّابق ديفيد كاميرون صورة له وهو جالس على مكتبه وبيده ماكينة لصناعة القهوة، فثارت ثائرة الشعب البريطاني وحدثت ضجة إعلامية كبيرة، حتى اضطر كاميرون إلى أن ينشر على حسابه في توتير فاتورة شراء تلك الماكينة والتي كانت من ماله الخاص.
فهذه التعاملات المالية الشفافة هي التي بنت دولاً عظمى، وجعلتها في مقدمة الأمم، بينما انتشار الفساد المالي والاقتصادي وحتىَّ الأخلاقي، والاستبداد، وتهريب الأموال بالعملة الصعبة إلى خارج البلاد، وشراء مجموعات من العقارات لمسئولين معروفين وتسجيلها بأسماء أقاربهم أو ذويهم، وذلك دون حسب أو رقيب، بالإضافة إلى قيامهم بعمليات لتبيض الأموال بالعملة الصعبة، هذه الممارسات البيروقراطية والتي هناك من يدعمها ويحميها من عملاء الدول الغربية في الجزائر، والذين يراهنون على أن الشعب الجزائري لا بد أن ينتفض على موجات الفساد المالي التي قسَّمت المجتمع إلى طبقات مختلفة، على رأسها ما يعرف بطبقة الأغنياء الجدد والذين لم يكن أحد يسمع بهم قبل عقد من الزمن تقريباً، وطبقة من الفقراء الكادحين الذين لا يجد أحدهم ما يسدُّ به رمقه اليومي..
فالاحتقان الاجتماعي الداخلي يزداد يوماً بعد يوماً، ويقابله ازدياد مطرد في حجم الفساد الذي أصبح المتحكم بمفاصل الاقتصاد الوطني، وحتىَّ في السِّياسة لا يمكنك أن تترشح لتكون على رأس قائمة حزب ما سواء كان كبيراً أو صغيراً في الأغلب الأعم في المواعيد الانتخابية المختلفة، إلاَّ إذا قمت بشراء مقعدك وبمبالغ خيالية في كثير من الأحيان..
فإذا كانت السُّلطة جادة فيما تقوله بأنها تريد تطوير البلاد وإخراجها من الأزمة المالية التي تعصف بها، فإن عليها أن تقوم بعملية تطهير واسعة، وتقلل من حجم الفساد الموجود داخلها، وتقوم بمصادرة أموال هؤلاء الفاسدين وإعادتها إلى خزينة الدولة، وهذا ما سيزيد من شعبيتها، وسيشكل لها صمام أمان في مواجهة أية انزلاقات قد تحدث في الشارع الجزائري مستقبلاَّ كما يتوقع الكثيرون.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 6594
لك كل الشكر و التقدير أيها الكاتب الوطني الأصيل، فقد وضعت يدك على الجرح الخطير الذي تنزف منه الجزائر منذ مدة طويلة ، هذا الجرح الذي شل حركة الجزائر نحو أي تقدم و ازدهار و تطور ، بل أرجعها القهقرى وجعلها تنحدر انحدارا خطيرا جدا نحو أعماق التخلف و التلاشي في غيابات جبّ الفناء و الزوال. فهذا الجرح المتمثل في الفساد الرهيب و الشنيع الذي ينخر كيان الجزائر نخرا فظيعا ، حيث صارت تعاني من جميع الأمراض الاجتماعية المختلفة ، وابتعدت كل البعد عن آمال و طموحات الشعب الجزائري،نتيجة هذا الفساد المستشري على جميع المستويات ، فقد صار قاعدة صلبة متينة وما دونه استثناء، وانقلبت القيم رأسا على عقب . فلا شيء من الخير ينبت مع الفساد، فهو بمثابة روح الملح يدمر كل شيء يقع في طريقه. فلم يبق لوسائل الإعلام المختلفة سوى التصدي له بكل حزم وعزم وصرامة شديدة، وإعادة الجزائر إلى سكتها السليمة، ولتتعافي من هذا المرض الخطير و الفتاك. وشكرا جزيلا.