زاد دي زاد - الخبر مقدس والتعليق حر

ملاحظة: يمكنك استعمال الماركداون في محتوى مقالك.

شروط إرسال مقال:

– النشر في “زاد دي زاد” مجّاني
– أن يكون المقال مِلكا لصاحبه وليس منقولا.
– أن يكون بعيدا عن الشتم والقذف وتصفية الحسابات والطائفية والتحريض.
– الأولوية في النشر للمقالات غير المنشورة سابقا في مواقع أو منصات أخرى.
– الموقع ليس ملزما بنشر كل المقالات التي تصله وليس ملزما بتقديم تبرير على ذلك.

العيد في حضرة الأسرى والشهداء

العيد في حضرة الأسرى والشهداء

أليس من حقنا نحن الفلسطينيين أن نفرح كغيرنا من العرب والمسلمين في يوم عيدنا، فهذا يومٌ أراده الله لنا لنفرح فيه، نلبس فيه الجديد، ونزور فيه القرب والبعيد، ونقدم فيه الهدايا للصغير والكبير، ونخرج إلى الشوارع مبتهجين، ونأخذ معنا أطفالنا إلى الملاهي ومراجيح العيد، نربت على ظهورهم، ونملأ جيوبهم بالحلوى وبنقودٍ من حديد، نفرح ونحن نرى البسمة على شفاههم، وهم يركضون ويلعبون ويمرحون، ويقفزون ويتمرجحون، يسابقون بعضهم، ويلفتون أنظار أهلهم، يلوحون لهم بأيدهم الصغيرة، وينادون عليهم لينظروا إليهم، ينفقون ما بقي في جيوبهم على ألعابٍ انتظروها وعشقوها، ودراجاتٍ يحبون أن يركبوها، وخيولٍ يتمنون أن يمتطوها، إنه يوم الزينة والفرحة، ومناسبة البسمة والرحمة، يومٌ ننسى فيه الحزن ونستولد منه الفرحة، نمسح فيه الدمعة ونرسم مكانها البسمة، نعض على جراحنا ونكابر، ننسى همومنا وأحزاننا ونحيي مكانها أحلامنا وآمالنا.

أكثر من ستين عاماً مضت علينا ونحن نستقبل أعيادنا في المقابر، نزور شهداءنا، ونطرح عليهم السلام، ونقدم لهم التهنئة في يوم العيد، وشهداؤنا يزدادون عاماً بعد آخر، يصلون القديم بالجديد، والولد بأبيه، والشقيق بأخيه، يحافظون على دفق الدم، وعبق رائحته، مقابرنا لم تعد تتسع لمزيدٍ من الشهداء، فآلة البطش والقتل الإسرائيلية الهمجية لا تتوقف، وأعمال القنص والغدر والاغتيال والتوغل تتواصل، وشعبنا يتمنى المواجهة ولا يخشى القتل، لا يجبن ولا يخاف، ولا يفر ولا يهرب، ولا يتوب ولا يندم، يتقدم ولا يتأخر، يعشق الشهادة ولا يخاف من الموت، يخلق من الموت لأمته الحياة، ولشعبه الخلود والبقاء.

في يوم العيد منذ أكثر من ستين سنة ونحن نزور مقابر الشهداء، نجدد البيعة لمن سبق من الشهداء، ونجدد العهد معهم، أننا ماضون على ذات الدرب، متمسكين بحقوقنا، ثابتين على نهجنا، راضين بقدرنا، سعداء بما لحق بنا، مستبشرين بنصر الله لنا، لا نفرط ولا نساوم، لا نسالم ولا نستسلم، ولا نخون ولا نغدر، نحفظ العهد، ونصون الأرض، وندافع عن الحق والوطن والمقدسات، ولكن يحزننا أن يحل علينا العيد وهم عنا غائبين، ومن أولادهم محرومين، لا يستطيعون أن يقبلوا يد أمهاتهم، ولا أن يصافحوا إخوانهم، ولا أن يدخلوا الفرحة إلى قلوب أطفالهم، والبهجة والمسرة إلى صدور أمهاتهم وأخواتهم وأحبابهم، ولكنهم ينتظرون أحبتهم ممن بقوا خلفهم، ليأخذوا بأيديهم إلى جناتٍ عرضها السماوات والأرض، ليكونوا في صحبة رسول الله وخيرة الخلق من النبيين والشهداء والصالحين في مقعدِ صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.

منذ أكثر من ستين عاماً ونحن نستقبل العيد وعشرات الآلاف من رجالنا الأبطال خلف السجون والقضبان، مغيبين عن الحياة، بعيدين عن الناس، محرومين من الأهل والأحباب، وممنوعين من الاتصال بأسرهم أو الحديث مع أطفالهم، يعانون من ضيق السجن وقسوة القيد وحقد السجان، يواجهون بإرادتهم الصلبة إجراءات سلطات الاحتلال التي حرمتهم من كثيرٍ من حقوقهم، فمنعت زيارتهم، وحرمتهم من حقهم في لقاء محاميهم، ومنعتهم من مواصلة تعليمهم، وزادت في إجراءات عزلهم وعقابهم، وباعدت بينهم في السجون، وأقصت كثيراً منهم في عمق الصحراء أو في منافي السجون، وقد بالغت في محاكمتهم، فاشتطت في أحكامها، وضاعفت في سني اعتقالهم وسنوات سجنهم، وعقدت ظروف اعتقالهم، وتشددت في شروطها عليهم.

في يوم العيد منذ أكثر من ستين عاماً ونحن نحلم أن يلتئم شملنا مع من نحب من أسرانا ومعتقلينا، ونتطلع إلى اليوم الذي نراهم فيه أحراراً، يغدون مثلنا ويروحون، يزورون ويزارون، يخلعون بزاتهم البنية والبرتقالية، ويلبسون مكانها أبهى حلة وأجمل زينة، والفرحة تلون وجوههم، والبسمة تزين شفاههم، يجتمعون بأطفالهم كغيرهم، يعطونهم العيدية التي ينتظرونها، ويحملونهم معهم إلى الملاهي والمراجيح ليفرحوا كما كل أطفال الدنيا، ولكن الأسرى لا يخرجون، وفي السجون يزدادون ولا ينقصون، ولكنهم ثابتون صامدون، يقوون ولا يضعفون، يتشامخون ولا يتضاءلون، ترتفع أصواتهم ولا تخفت، وتشتد عزيمتهم ولا تضعف، ويتعاظم لديهم الأمل لا يضعف، فغداً سيغدون أحراراً رغم أنف الاحتلال، وسيجبرونه على فتح أبواب السجن، وكسر أغلال القيد.

إنه من حقنا في يوم عيدنا كغيرنا أن نفرح، وأن نبتهج ونسعد مع أهلنا وأحبابنا، بلا حزنٍ يلون أيامنا، ولا آهةٍ تضعف أصواتنا، ولا غائبٍ سجينٍ أو مشتت نتحسر على غيابه، ونتمنى حضوره، ونتطلع إلى يوم عودته، ولا شهيدٍ قتله العدو فواريناه الثرى، فغاب عن عيوننا، ولم يعد بيننا رغم أنه مازال يسكن في قلوبنا، ويحوز على ذاكرتنا، فهو حاضرٌ في حياتنا بأفكاره وثوابته وحقوقه ووصاياه وكلماته الأخيرة، ليكون وصياً على العهود، أميناً على الحقوق، فنحفظها ولا نفرط بها.

إنه من حقنا في يوم عيدنا بعد أكثر من ستين عاماً من الحزن والحرقة والألم أن نفرح في ظل دولتنا وعلى أرض وطننا، وراية علمنا تخفق فوق رؤوسنا، وشمس الحرية تسطع فوق رؤوسنا، نتمتع بسيادتنا على كامل أرضنا، فلا عدو يحتل أرضنا، ويستولي على ممتلكاتنا، ويسلبنا حقوقنا، ويقتل أبناءنا، ويعتقل رجالنا، ويشرد أهلنا، فقد آن الأوان لأن يكون لنا يوم عيد، نفرح فيه مع أسرانا الأحرار، بعد أن نكسر قيدهم، ، ونفكهم من أغلالهم، ونحررهم من سجنهم، ولا يكون فيه شهداءٌ جدد، ولا رجالٌ يوارون الثرى بعد أن نسكت فوهات مدافع الاحتلال، ونعطل آلة القتل عنده، لنشد الرحال، ونغذ الخطى نحو القدس، لنصلي في مسجدها الأقصى صلاة العيد، رجالاً ونساءاً، كباراً وصغاراً.
 


moustafa.leddawi@gmail.com   

ads-300-250

المقالات المنشورة في هذا الركن لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

كن أوّل من يتفاعل

تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.

فضلا.. الرجاء احترام الآداب العامة في الحوار وعدم الخروج عن موضوع النقاش.. شكرا.