هكذا تبيّن الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ، بعد توقيف كل من الجنرالين توفيق وطرطاق، ومستشار الرئيس بوتفليقة وشقيقه السعيد، فهذا الثلاثي يختزل برأي المتتبعين كل المتناقضات، وكل المصائب التي ألمت بالبلاد، والتقاء عناصره في نقطة تقاطع مشتركة، يثير العديد من التساؤلات، على اعتبار أننا قبل انطلاق الحراك الشعبي، كنّا نعتقد أن الثنائي السعيد بوتفليقة وطرطاق، هما في مواجهة كسر العظم مع الجنرال توفيق، وأنه من غير الممكن أن يصلا إلى أرضية توافق، بخاصة بعد انقلاب السعيد بوتفليقة على الجنرال توفيق، وإلحاق جهاز المخابرات برئاسة الجمهورية.
لكن بعد تصريحات عبد الرزاق مقري، التي أكد فيها لقاءه مع السعيد بوتفليقة، واتفاقهما على تمديد العهدة الرئاسية الرابعة للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، وكشفه أن جهة في السلطة رفضت التمديد، تساءل بعض المحللين عن هوية هذه الجهة، وكيف أنها ترفض اتفاقا بين “رئاسة الجمهورية” وحزب معارض، واليوم بعد تبين الخيط الأبيض من الأسود، بات شبه واضح أن هذه الجهة، لا يمكن أن تكون سوى مؤسسة الجيش الوطني الشعبي، وهذا ما يفسر رُبّما إقدام السعيد، على ترشيح الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة، دون علمه، أو دون موافقته، وهو ما تؤكده رسالة بوتفليقة التي أكد فيها أنه: “لم يكن لديه نية للترشح للانتخابات”، وقوله: “حالتي الصحية وسِنّي لا يتيحان لي سوى أن أؤدي الواجب الأخير تجاه الشعب الجزائري، ألا وهو العمل على إرساء أسُس جمهورية جديدة تكون بمثابة إطار للنظام الجزائري الجديد الذي نصبو إليه جميعًا”..
من هنا يمكن القول إن مؤسسة الجيش كانت على اطلاع بتفاصيل ما يُخطط له السعيد، وحاشيته، وعلى رأسها طرطاق، كما أنها تكون أي مؤسسة الجيش، برفضها التمديد، قد انحازت إلى إرادة الشعب الجزائري، قبل حتى أن ينطلق الحراك الشعبي، لكن مؤسسة الجيش، ورغم خطورة المؤامرة، لم تقدم على أي تحرك خارج نطاق الدستور، وفضلت انتهاج الحكمة والتروي، حتى لا تُعطي أية حجة لقوى الشرّ التي تتربص بالبلاد، لتأزيم الوضع أكثر، والزج بالجزائر في مستنقع التدخلات الأجنبية، ولذلك بارك الجيش الحراك الشعبي، وأمنّه، وتمسك بالشرعية الدستورية برغم أنها لم تكن تستجيب لتطلعات الشعب، في بعض مناحيها، وأكثر من ذلك رافق الجيش الشعب الجزائري، ليوصله إلى معرفة تفاصيل ما جرى وما كانت قوى الشر تخطط له، وهنا نعود من جديد إلى التحالف الغريب بين عناصر الثلاثي سالف الذكر، أي السعيد وطرطاق وتوفيق، فالمعلومات التي سبق أن نشرناها في وقت سابق في موقع “الجزائر كل ساعة” كانت تفيد بأن الجنرال توفيق، أقام غرفة عمليات بالجزائر العاصمة، وشكّل خلايا من متقاعدي المخابرات في كل ولايات الوطن، لإشعال فتنة كبرى عن طريق اختراق الحراك الشعبي، وتوجيهه، لإسقاط نظام بوتفليقة، لكن يبدو أنه مع دخول المؤسسة العسكرية في قلب اللعبة، واكتشافها لتفاصيلها ومراميها، أعاد التوفيق حساباته، وهذه المرة بالاستعانة بالمخابرات الفرنسية، التي هيّأت الظروف لتلاقي كل من السعيد وطرطاق، تحت إشرافها، لإيجاد أرضية اتفاق، تسمح لكلا الطرفين بتحقيق مصالحه، وتسمح كذلك لفرنسا بتعزيز هيمنتها على الجزائر، وهنا يبدو أن المؤسسة العسكرية، قد استشعرت المخاطر الحقيقية والكبيرة التي تُحذق بالبلاد، الأمر الذي جعلها تدخل على الخط مباشرة، وتُطالب عبر قائد أركانها الفريق أحمد قايد صالح، بتفعيل المادة 102 من الدستور، وهو ما تمّ بالفعل، لكن ردات فعل الثلاثي والجهات التي يسنده كانت عنيفة للغاية، حيث بدأنا نلحظ عبر بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي، وحتى عبر الشعارات التي رفعتها مجموعات تمّ تجنيدها من طرف الثلاثي المذكور، أن هنالك حملة تصاعدية للتحرش بالجيش وقائده على وجه الخصوص، وهو ما تطلب إطلاق الفريق قايد صالح لتحذير شديد اللهجة للجنرال توفيق، هذا الأخير الذي يبدو أنه لم يستوعب الدرس جيدا، وتمادى في تنفيذ مُخططه لزعزعة الجيش، وهو التمادي الذي بلغ مستويات خطيرة، بعد اعتقال الذراع المالية للجنرال توفيق، المتمثلة في ربراب، واستدعاء الذراع السياسية له التي جسدها لسنوات عديدة أحمد أويحيى أمام القضاء، حيث إننا خلال مسيرات الجمعة الحادية عشر، لاحظنا، اتساع دائرة المتحرشين بالجيش، عبر العديد من الولايات، وهو الأمر الذي يؤشر على أن المُحرّكين، قد يصلون في الجمعات القادمة، إلى استعمال العنف، وتعبيد الطريق لتدويل الأزمة الجزائرية، وبالفعل فإن أحد بيادق توفيق، عقد لقاء ببروكسل، لما سمّاه “مجلس الثورة السلمية في الجزائر” يوم 30 أفريل الماضي، وبالتالي تأكّدت مؤسسة الجيش أن تحذيرها لم يجد صداه عند الجنرال توفيق والمتحالفين معه، وحلفائهم في الخارج، لذا قررت استعمال الطرق القانونية لردعهم، فكان أن تمّ اعتقال الثلاثي المذكور، وهو الاعتقال الذي يبقى ناقصا برأينا، ما لم تتحرّك العدالة للجم “كلاب توفيق” و”كلاب منظمات الربيع العربي”، الذين لم يهدأ نباحهم، بل تصاعد بمجرد توقيف هذا الثلاثي، حيث عجت صفحات الفتنة على مواقع التواصل الاجتماعي، بتعليقات تُقدم ما جرى على أنه تصفية حسابات بين قائد الأركان قايد صالح، ومُعارضيه، في حين أن غالبية الشعب على قناعة بأنّ ما يجري هو تدفيع للثمن لمن خانوا الجزائر وشعبها.
ما دام أن مؤسسة الجيش الوطني الشعبي، قد رافقت وواكبت الحراك الشعبي، ووفرت الضمانات للقضاء كي يحارب المتآمرين والفاسدين والمُفسدين، فإنه من الواجب أن يسنِد الشعب جيشه، وأن يحارب “البعوض الإلكتروني” الذي يحاول التشويش على الحراك، وتشويه سمعة الجيش الوطني الشعبي، مدفوعا في ذلك بأوامر “العلبة السوداء” والمنظمات الداعمة لها في الخارج، فاليوم لا خيار لنا سوى دعم جيشنا، إن نحن أردنا التخلص من “الدولة المُوازية” ..”الدولة الشيطانية” التي فقرت الشعب، ونهبت ثرواته، فالجيش بدأ في عملية تدمير أبراج الدولة الشيطانية المُوازية، وسيستمر في تدمير أساساتها، لتمكين الشعب الجزائري من إعادة بناء الدولة الجزائرية، على أسس صحيحة وصلبة.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 6965
الكاتب في بداية الحراك كان يدافع عن الرئيس المستقيل و الآن أصبح يدافع عن الحراك و الجيش …تحيا نخبتنا و ليسقط كل شيء