العالم بأسره يواجه فيروس كوفيد-19 بالحجر الصحي الجدي، لأنه سريع الانتشار وقد يفضي إلى الوفاة في حالات كثيرة.
موجة الذعر التي صحبت جائحة كورونا أعادت ترتيب البيت العالمي والمحلي أيضا، لكن ومن باب سلامة المعتقد يجب التفريق بين هذا الوباء في ديار الإسلام وخارجها.
فرغم كل الاجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية إلا أن خطر هذا الفيروس المميت مازال قائما، فكيف للإنسان عموما وللمسلم تحديدا أن يواجه هذا المصاب؟
تراجع رهيب لإجراءات الحجر الصحي في الجزائر
ما يحدث اليوم في الشوارع والأسواق دليل واضح على الاستهتار واللامبالاة وانعدام روح المسؤولية والنتيجة قد تكون كارثية لا قدر الله، فالناس في ازدحام يومي على المحلات والأسواق العشوائية وطاولات البيع المكشوفة في كل مكان، ومشهد الأطفال يلعبون في الخارج يتكرر من حي لآخر، وجماعات تتسامر وتناقش كل المواضيع على قارعة الطريق، وشبان يخرجون للسهر في مداخل العمارات، وعائلات تتبادل الزيارات، فأين هو الحجر الصحي؟.
هل قرار حظر التجول من الخامسة مساء حتى السابعة صباحا قرار صائب؟
من باب العدل هناك من دفعت بهم الحاجة والعوز للخروج والاسترزاق خاصة أصحاب الدخل الضعيف والمهن الحرة، ومهزلة قفة رمضان الهزيلة التي وزعت في المساجد لا تعين الصبي فكيف بالأسرة.
ورفع قيمتها للمعوزين في البلديات إلى مليون سنتيم لا يسمن ولا يغني من جوع في ظل ارتفاع الأسعار وأزمة كورونا.
لكن هذه المبررات لا تعني التراخي وتجاهل قواعد السلامة، فكأمة مسلمة علينا التزام الحجر الصحي طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس اتباعا لقوانين وضعية مرنة تتغير على غير هدى.
إن أراد أي فرد النجاة فعليه أن يعرض ما يجده من مفاهيم أو خطط علمية وعملية على هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم فإن وافقه اتبعه وإن خالفه فعليه تركه والابتعاد عنه، فسيد الخلق عليه السلام أعلم بحقيقة الأشياء وعلى بصيرة من وحي رباني منزه عن الخطأ تجاوز كل العلوم والمعارف دقة ووضوحا وشمولية.
قواعد الحجر الصحي الصحيح
وضع النبي صلى الله عليه وسلم أهم القواعد في الحياة ومواجهة متاعبها، ومنها قواعد الحجر الصحي تفاديا لانتشار الأوبئة والمراض والفتك بالمجتمعات.
للحد من نشر الوباء: قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوا عليه وإذا وقع بأرض فلا تخرجوا منها فراراً منه) رواه الشيخان.
ولم يكتف بالمنع ترهيبا بل رغب فيه ووضع له حوافز وجوائز وجعل لكل عمل جزاء قد يرقى لدرجة نيل الشهادة، إذ قال عليه الصلاة والسلام: (الفار من الطاعون كالفار من الزحف ومن صبر فيه كان له أجر شهيد) رواه أحمد.
فالمسلم لا يهرب من مكان انتشار الوباء ولا يرتحل إليه امتثالا وطاعة لأمر نبي الحكمة عليه الصلاة والسلام وفي ذلك حفاظ على الحياة، وحتى لا يختلط بالأصحاء ويتسبب في أذيتهم.
وبهذا امتثل الصحابة رضي الله عنهم، فقد روى البخاري في صحيحه موقف الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين خرج إلى الشام، فلما وصل إلى منطقة قريبة منها يقال لها “سرغ”، بالقرب من اليرموك، لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه رضوان الله عليهم، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام، فقال عمر ادع لي المهاجرين الأولين، فدعاهم فاستشارهم حول الدخول لأرض انتشر بها الوباء،فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجتَ لأمر ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نرى أن تُقْدِمَهم على هذا الوباء، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادعوا لي الأنصار، فدعاهم فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعاهم فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تُقْدِمَهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس إني مُصَبِّحٌ على ظَهْرٍ فأَصْبِحوا عليه، فقال أبو عبيدة بن الجراح: أفراراً من قدر الله؟ فقال عمر لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة نعم، نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله، أرأيتَ لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبا في بعض حاجته، فقال: إن عندي في هذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه) قال: فحمد الله عمر ثم انصرف.
وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون، قلت: يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟ قال: غدة كغدة البعير، المقيم بها كالشهيد، والفار منها كالفار من الزحف).
وعليه فالتزام المسلم لهذه القواعد لا يكون من أجل وقايته فحسب بل لسلامة غيره من الإصابة بفيروس كورونا المستجد، وهذه عبادة حقيقية بطاعة نبيه عليه الصلاةوالسلام والأخذ بوصايا.
تحذير قبل الكارثة
ليست مبالغة أو تهويلا ولكنه خطر محدق ينبئ عن كارثة حقيقية، فالوباء لم يرفع بعد، والتهاون وعدم أخذ الحيطة والالتزام بقواعد الحجر الصحي كاملة من شأنه أن ينشر الفيروس أكثر ويخرج عن السيطرة وكل واحد مسؤول أمام الله عن ما سببه من ضرر لنفسه أو لغيره فما خلقنا الله عبثا وإليه سيرجع الجميع ويحاسبون على كل شاردة وواردة.
خلاصة الكلام فلنمتثل للحجر الصحي طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك نجاة في الدارين، أم أن الحجر الشامل خاص بالمساجد فقط؟
الله خير حافظ وحثنا على إتخاذ الأسباب توكلا لا تواكلا.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.