كلما تمنينا أن يحدث التلفزيون الجزائري وثبة تقنية وبرامجية جديدة تليق بقيمة وسمعة الدولة الجزائرية كلما تيقنا بأن ذلك سوف لن يحدث وأن الآمال المتوقعة تبقى تسير عكس الموجة الإعلامية والبرامجية التي حققتها جل القنوات العربية..
حتى تلك التي جاءت من وراءنا وأثبتت فعلا بأنها الأحسن منا وفي أبسط البرامج والحصص التلفزيونية ونحن الذين نملك تلفزة رسمية واحدة لم نجد بعد أين يكمن المشكل الذي جعل أحسن الأسماء تغادر مبنى شارع الشهداء لأنها لم تعد قادرة على احتمال تلك الرداءة المرئية والاختيارات الفوضوية التي تكسر في الغالب رغبات معدي البرامج الذين يوجد منهم من يعمل بصدق وحب لمهنة ويرغب فقط أن يجعل برنامجه من أحسن البرامج “لكن الله غالب” فالرداءة أصبحت ملح طعام التلفزيون الجزائري و لا يمكن التخلي عنها لأنها مثلما يقول المثل الشعبي هذا ما تسعى” الحرة في السرة” لأن التغيير قد يبعث من يطالب به إلى خارج المبنى ويجعل صاحب فكرة أو مقترح التغيير يتسول من وسيلة إعلامية لأخرى لكي يضمن حق الطعام والنقل لنفسه أو لأهله .
إن تلفزتنا الجزائرية سوف لن تبرح مكانها وسوف تبقى تسوق لنا ولكل العالم صفحات برامجية تتشابه فيما بينها بمرور الأيام والأشهر ولا تختلف عن زمن الأبيض والأسود إلا في الألوان وتسريحة الشعر والإكسسوارات والألبسة التي تشعرك فعلا بأنك في ألفين وعشرة وماعدا ذلك فالتبريرات كثيرة ومتعددة من قبل من تجذروا في التلفزيون ولم يعد بإمكانهم تنمية قدراتهم أو قدرات من جاؤوا بعدهم بسبب العقلية المنحطة التي تكون قد سيطرت عليهم بعد كل صراع يحدث على مقربة من كراسي الزعامة التي تحيط بالمدير العام ويريد كل واحد من هؤلاء” الشيوخ” كيف يحافظ على المكانة أو الترقية التي منحها إياه مديره ورئيسه حتى لو كان ذلك على حساب زملاءه وطموحات من يريدون أن تسجل حصصهم وبرامجهم من ضمن أحسن البرامج العربية على غرار ما كانت تفعله حصص في “لقاء الصحافة و”ملاعب العالم” و”حصة الحدث” للإعلامي العملاق “مدني عامر “الذي جلب “نيلسون مانديلا” و قلب الانتفاضة الفلسطينية الراحل “ياسر عرفات” وقائمة طويلة من العظماء السياسيين إلى مقر هذا التلفزيون في أعداد سجلت في المدونة الإعلامية العربية وصنعت لهذا الجيل الذي وجد خلفه رجالا ومسؤولين كانت غايتهم الوحيدة المنافسة وتسجيل النقاط والصعود في سلم ترتيب بطولة التنافس التلفزيوني الذي أنجب مخرجين ومنتجين ومبدعين ومعلقين ومنشطين خطفتهم الامتيازات التي منحت لهم من طرف الفضائيات الخليجية .
ومثلما قالت نجمة نشرات الأخبار في قناة الجزيرة الجزائرية “خديجة بن قنة” في حوار لإحدى اليوميات الجزائرية بأن التلفزيون الجزائري غير قادر على منافسة التلفزيونات العربية، بل هو ليس قادرا حتى على منافسة تلفزيونات بلدان القرن الإفريقي، التي لا تمتلك ربع إمكانات الجزائر المادية والبشرية……لتكرر ما قالته في حوارات كثيرة وفي جملة بسيطة معناها واضح “رأفة بالمشاهد الجزائري، لأن البدائل موجودة “.
وإذا كانت هذه هي النتيجة المستخلصة من طرف عصفورة كبرت في عش هذا التلفزيون التي تعرف جيدا ما تقول وتقصد فكيف إذا بنا نحن البعيدون عن ما يطبخ ويحضر في كل يوم داخل استوديوهات المباشر والتسجيل من إشهار مجاني لأشخاص مللنا من رؤيتهم في حصص مختلفة ومتنوعة تحتاج دائما إلى وجوه جديدة تساهم في إثراء موضوعاتها وتحليلاتها والغريب في كل ذلك أن “اليتيمة” أضحت غير قادرة على التكفل بضيوفها الساكنين خارج إقليم العاصمة مثلما تقوم به قنوات عربية لدول صغيرة في قدراتها التقنية والبشرية وإقتصرت الولائم البرامجية على ضيوف باب الواد والزوار وبرج الكيفان والحراش وغيرها من الأحياء العاصمية حتى أننا ظننا بأن ما يقدم لسكان المناطق الشرقية والغربية والجنوبية هي ماهي سوى وصفات مرئية لتلفزة ليست بالوطنية وإنما هي تلفزة عاصمية لا يسمح فيها لهم بدخولها بألسنتهم وأساتذتهم مع أننا نملك محطات جهوية بإمكانها إزاحة هذا التفكير الجهوي الذي طغى في هذه السنة على عدد من البرامج بمختلف أصنافها بما في ذلك الرياضية التي تستضيف ضيوفا ومحللين تاريخهم يتحدث عنهم لا يفقهون شيئا في التحليل والنقد الكروي وتعطى لهؤلاء الفرصة من أسبوع لآخر لصناعة إسم لهم سيتيح لهم إمكانية الفوز بعقد مع إحدى الفضائيات العربية للجلوس في موائد التحليل للمباريات والمقابلات بمستوى علمي متوسط يظهر بمرور الوقت ضعفا صنعه الحبيب أو الصديق في هذا التلفزيون وبانت عيوبه على تلفزيونات إخواننا العرب ونتأكد في الأخير بأننا لا نخدم مشاهدنا الجزائري والعربي الذي ق….اد يشاهدنا وإنما نخدم مشاهدنا العاصمي الذي لا ننكر بأنه هو أيضا إبن الجزائر وقد يكون شرقاويا أو غرباويا أو جنوبويا لكن السياسة المتبعة في هذا المبنى قد تحول في المستقبل تلفزة وطنية إلى تلفزة حومة أوحي أو مجموعة أحياء يشاهدها ويلتقط برامجها من يسكن في تلك الأقاليم العمرانية فقط .
(*) صحفي جزائري
smehira@gmail.com
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.