تهتم الشعوب بمثقفيها، روادها، أكادمييها، فنانيها، وكل الفئات التي تساهم في صناعة مجتمع قوي، لتبني التاريخ والدولة في نسق عالمي يعتمد على تنمية الإنسان، بأن يجد مكانته في وطنه، ويبقى ذلك الأثر الذي يشبه أثر الفراشة (بغض النظر عن حقيقة هذه النظرية التي تنتمي إلى نظرية الفوضى)ّ، غير أن هذا الاستثمار لا نشعر به في الدول العربية التي تدفع بمختلف مبدعيها إلى الذهاب بعيدا نحو أفق آخر، يعطي لهم مكانةً يستحقونها ولطالما حلموا بها في أوطانهم الأم، ونقترح في هذه المقال مقارنة بسيطة بين فنانين يتقاطعان في كونهما مبدعين الفنان الراحل كمال مسعودي، والفنان الفرنسي جون هولداي والذي توفي منذ أيام بسبب مضاعفات لسرطان الرئة، المفارقة أن شمعة كمال مسعودي انطفأت، في حين وهج هولداي أنار كل فرنسا حزننا واعترافا له.
كمال مسعودي ذكرى الفنان المنسي 10 ديسمبر 1998
في البداية نوضح نقطة أساسية وهي أننا لا نقترح المقاربة الدينية في المقارنة بين موت الفنانين والتي نؤمن بها، لكننا نقترح المقاربة التي تعتمد على تنمية المبدع والاستثمار فيه، فالبارحة مرت الذكرى العشرين لوفاة الفنان الشعبي كمال مسعودي صاحب رائعة يا الدنيا، والشمعة وأنا وأنت يا غيتارا، صاحب الصوت الحزين، والذي جعل من أغانيه فرجة للمتذوق الجزائري، ولاسيما شباب العاصمة، كمال مسعودي ابن بوزريعة روى حكايات الشباب وآماله التي يتمناها الشباب، كمال مسعودي ذلك الملك الحزين، قدر الله له أن يتوفي في حادث مرور، ورغم أن وفاته شكلت حزنا للمعجبين به إلا أن شمعته انطفأت، كغيره من شموع الجزائر التي لا كثيرا لا نقف عندها وهي في أوج شعلتها ولا نوفيها حقها لما تأفل، هو واقع وقفنا عندها في ذكرى وفاتها –رحمه الله- ففي كل المواقع الالكترونية الجزائرية المنتشرة عبر الواب لم يتذكره إلا موقعين اثنين، وبمرور “الذكرى” فقط دون فعاليات او وقفة جادة أو وقوف على حقوق اغانيه التي تسرق بدعوى “الإعادة لاحيائها”، مفارقة خطيرة جدا لا بد من الوقوف أمامها، من باب الاعتراف بفنان مبدع، رحل ذات شتاءٍ في سنن لم يتجاوز السابعة والثلاثين، مخلفا وراءه حكايات لم ترو بعد، ومصنف عنائي راقٍ جدا ومكانة في قلوب المعجبين، لا يزالون لغاية الآن وبعد مرور عشريتين يتذكرون مسعودي بمسحة الحزن التي تخفي وراءها آمال كل فنان جزائري يريد مكانته هنا في وطنه ورد اعتبار، رغم كل الحب الذي يحوزه من طرف الجزائريين، كمال مسعودي نجم آخر يرحل في صمت، في المقابل هناك استثمار خيالي للمبدعين في الضفة الأخرى، سواء أحياءٌ أو أموات، حيث أن كل المجتمع ومن يمثل السلطة يشارك في إعطاء المبدع ما يستحق من اهتمام والتفاف حوله ليشعر أن ما قدمه مهم وذا قيمة بغض النظر عن مجال إبداعه.
وهج جون هالداي.. 11,5 مليون متابع عبر القنوات
توفي في السادس ديسمبر 2017 الفنان الفرنسي جون فيليب ليو سمات والمشهور باسم جوني هالداي والذي اشتهر باسلوب “الروك اند ررول” وأيضا في البوب، والذي يعد أيضا من بين الفنانين الفرنسيين المشهورين، غير أن التركيز الإعلامي الذي ساير وفاته تجعلنا نتساءل عن حقيقة الفرق بينه وبين المرحوم كمال مسعودي، وفي أن يشارك الرئيس الفرنسي مانوايل ماكرون في وقفة العرفان التي نظمت في التاسع ديسمبر بالإضافة للتغطية الإعلامية الضخمة التي واكبت كل مراحل التأبينية التي خصت للفنان الفرنسي، وبلغ المتابعون للجنازة عبر وسائل الإعلام 11,5 مليون مشاهد تابع عبر قناة TF1 التي تجاوزت 6 مليون مشاهد بنسبة 37,8 بالمائة، وقناة BFMTV القناة المتخصصة في الأخبار بلغت نسبة المشاهدة عبرها 1,3 مليون مشاهد، والذين تابعوا في عددهم الإجمالي المباشر الذي نقلته القنوات الفرنسية لتنقل حيثيات الوقفة الشعبية التي نظمت لوداع جون هالداي والذي شيع كبطل أسطوري في طريق الاليزيه، وبمراسيم رئاسية شاركت فيها كل الطبقة السياسية بما فيها رئيسة الحركة اليمينية المتطرفة ماري لوبان والتي رغم رفض حضورها من طرف عائلة الفنان، إلا أنها أعلنت تضامنها وحزنها لفقدان هالداي، الموكب الجنائزي جاب شوارع باريس محاطا بعشرات الدراجات النارية وصولا للكنسية التي تم فيها القداس بحضور الرئيس الفرنسي يوحي بتلك المكانة الهامة للمبدع والفنان الفرنسي الذي واكب غناؤه أجيالا من الشباب الفرنسي، وهو ما نقف أمامه باحترام، وأما المفارقة التي نقف عندها هي هل النسق المجتمعي الذي نعيشه هو المختلف، أو أن الوعي غير متوفر، لما نتحدث عن النخبة العربية بصفة عامة، والتي تنزح وتهرب آملةً أن تجد مساحة أمل تنقل عبرها أملا آخر لنخبة مثقفة تريد أن تبني الوطن الذي ينجب ويكَّون نُخباً مميزة، علها لا تأفل في الوطن….
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 6581
يا سلام…مقال في الصميم، ويبقى السؤال قائم هل المجتمع أدار ظهره للفنان أم أصحاب الشأن عندنا يكيلون بمكيالين أم أننا نعيش فترة إنفتاح على ثقافات عالمية فيها الصالح والطالح، فبتالي القنوات الحكومية والأخرى الخاصة في بلادنا البعض منها لا تسلط الضوء على النخب المتميزين حقا أيما تميز ولديهم مواهب وأفكار عظيمة في مجال تخصصهم، وأصبحت بفعل فاعل تركز فقط على تتتفيه المجتمع ببرامجها كـ (رانا حكمناك، إستدعاء مغنيات الملاهي الليلية، على بلاطو قناة الإخبارية الأولى في إستغباء المشاهدين الكرام)، والأدهى والأمر في التحقيقات الكبرى على غرار القنوات العالمية والعربية الرائدة في مجال الأخبار، والتي قام بها فريق عمل القناة…، تحقيق عظيم أنجزته في أعالي جبال الونشريس بحثا عن بقايا آثار الديناصورات!!! عفوا بل صعدت جبال الونشريس التي دوخ فيها في زمن ليس بالبعيد الأبطال الأشاوس ضباط الإستعمار الفرنسي تعتبر واحدة من أقوى الترسانات الحربية في منظمة حلف الناتو، ربورتاج وتحقيق القناة كان حول الفاعل الرئيسي في الفيديو والذي بث عبر اليوتيوب “تاكلي الجاج”، كيف لنا أن نرقى بالشعب ولدينا إعلام أمثال هؤلاء، هو الرداءة بعينها، أسمحوا لي على هذا التعليق بهذه الكيفية والأسلوب على حد قول الإعلامي أسامة وحيد: في برنامجه “عمر راسك” -يا سكان الأرض قيلونا-