اِلْتَقَى شاب عربي بشاب ألماني جاء لأداء عمرة في البقاع المقدسة، فقال العربي في قرارة نفسه: "هي فرصة جيدة لأعرفه على تعاليم الإسلام وأزيد تعلقه بهذا الدين العظيم، فيكون لي بذلك أجر وثواب عمله الصالح".
تجاذب الشابان أطراف الحديث مطولا، فاندهش العربي لسعة معرفة الألماني بأركان الإسلام وإلمامه بالكثير من المسائل الفقهية، فقرر أن يجعل من هذا اللقاء العابر صداقة دائمة..
وطلب منه معلوماته الشخصية واقترح عليه البقاء على تواصل حتى يعززا هذه المعرفة وتكون رابطة أخوة الدين قوية، فأعطاه الألماني رقم هاتف، فقال العربي: “حسنا هل هذا رقم الواتس آب والفايبر؟”
رد الألماني: “لا.. لا هذا رقم خط هاتفي الجوال فقط، فأنا لا أملك حساب في الفايبر ولا الواتس”.
فقال العربي: “إذن هلا أعطيتني حساب الفايس بوك أو أنستغرام فضلا؟”.
رفع الألماني هاتفه النقال وأراه للعربي قائلا: “هاتفي الخلوي عادي غير مزود بميزات متقدمة، كما ترى هو ليس بهاتف ذكي”.
تفاجأ العربي وعقب: “أظنني أتكلم مع ألماني ينتمي لبلد أوروبي متقدم ويحتكم على تكنولوجيا متطورة”.
ابتسم الألماني قائلا: “أظنك لم تفهمن، أنا لا أستخدم ولا أحتاج لهاتف ذكي، أخبرتك أني لا أملك أي حساب على مواقع التواصل الاجتماعي لأن هذه الوسائط تضيّع الكثير من الوقت والفائدة المرجوة منها ضئيلة مقارنة بسلبياتها..
اسمع يا أخي لقد اعتنقت الإسلام منذ ثلاث سنوات، وبدخولي في هذا الدين الصحيح تعلمت أن وقتي قيم، وسأُسأل عن كل لحظة فيما أمضيتها، ولست مستعدا لأحاسب عن مشاكل كنت في غنى عنها، إن وقت المسلم ثمين وحري به أن يحسن إنفاقه فيما ينفع”.
@ طالع أيضا: ظاهرة التفاهة في عصر الأنترنت… وزمن الرويبضة
هذه الكلمات البسيطة استوقفت الشاب العربي وجعلته يراجع نفسه وكأنه يسمع هذه المعلومة أول مرة في حياته.
فرغم أنه ولد في عائلة مسلمة وتشبع بأصول العقيدة الإسلامية، ويحفظ عن ظهر قلب قول رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجلٍ وهو يَعِظُه:
“اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ : شبابَك قبل هِرَمِك، وصِحَّتَك قبل سِقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك”، إلا أنه غدا مندهشا بهذا الطرح.
لقد تدرج في الدراسة ونال أعلى الشهادات الأكاديمية، غير أن معلومة “وقت المسلم ثمين” بدت له آخر تحديث قديم لم ينصبه..
وقرر أن يبدأ من فوره في تثبيت هذا التحديث بغلق كل حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي وترك مئات الآلاف من المتابعين لأنه شخصية عامة ولها معجبين كثر، لكن الوقت أنفس في أن يهدر في سفاسف الأمور ولو كانت من المباحات..
فقد كان لقاؤه بالشاب المسلم الألماني نقطة تحول في حياته.
لحظتها تذكر الشاب العربي قصة قرأها في سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي في ترجمة مالك بن دينار، وهي:
“دَخَلَ لِصٌّ على الإمام مالك، فَمَا وَجَدَ مَا يَأْخُذُ، فَنَادَاهُ مَالِكٌ: لَمْ تَجِدْ شَيْئاً مِنَ الدُّنْيَا، فَتَرغَبُ فِي شَيْءٍ مِنَ الآخِرَةِ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: تَوَضَّأْ، وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ.فَفَعَلَ، ثُمَّ جَلَسَ، وَخَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ، فَسُئِلَ: مَنْ ذَا؟ قَالَ: جَاءَ لِيَسرِقَ، فَسَرَقْنَاهُ”.
وكان يروي لي الحادثة وهو في حالة من التأثر والاستغراب، ليختم كلامه: “حقا الإسلام يقدم مخططا ناجحا وفق نمط منظم ومنضبط للحياة، فتعجب كيف لا ننتبه لذلك”.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.