زاد دي زاد - الخبر مقدس والتعليق حر

ملاحظة: يمكنك استعمال الماركداون في محتوى مقالك.

شروط إرسال مقال:

– النشر في “زاد دي زاد” مجّاني
– أن يكون المقال مِلكا لصاحبه وليس منقولا.
– أن يكون بعيدا عن الشتم والقذف وتصفية الحسابات والطائفية والتحريض.
– الأولوية في النشر للمقالات غير المنشورة سابقا في مواقع أو منصات أخرى.
– الموقع ليس ملزما بنشر كل المقالات التي تصله وليس ملزما بتقديم تبرير على ذلك.

هل تساهم اللغة الفرنسية في تكريس طبقية المجتمع الجزائري؟

هل تساهم اللغة الفرنسية في تكريس طبقية المجتمع الجزائري؟ ح.م

إذا كنت طالبا جزائريا لا يتحدّث والداك اللغة الفرنسية بطلاقة فلديّ أخبار سيّئة لك: غالبًا لن تذهب بعيدا في مشوارك الدراسي.

العبارة السابقة ليست تثبيطا للعزائم وتكسيرا لهِمم الطلاّب الجزائريين، بل هو استنتاج – قد يكون صادما- وتوصيف للأزمة والوضع الشاذ الغريب، الذي تعيشه المدرسة الجزائرية.

هذا الوضع يتمثل في تدريس اللغة الفرنسية منذ السنة الثالثة من المرحلة الابتدائية حتى السنة النهائية من المستوى النهائي ورغم ذلك تشتكي وزارة التربية الوطنية من ضعف الطلبة الشديد فيما يخص إتقان الفرنسية، مما ينعكس سلبا على حظوظ الطلبة في النجاح في الجامعة، التي تتم الدراسة فيها في أغلب التخصصات العلمية بالفرنسية.لكن كيف يؤدي كل هذا إلى تكريس الطبقية في المجتمع الجزائري؟

تقول الدراسات الأكاديمية إن الطفل الذي يتقن أكثر من لغة فرص نجاحه الأكاديمية أكثر من غيره.

نلاحظ في الجزائر وجود طبقة معيّنة غالبا متمركزة في الشمال، مرتاحة ماديّا، يتحدّث أفرادها الفرنسية بطلاقة، بل إن الكثير من أفراد هذه الطبقة يتحدثون الفرنسية حصرا مما يجعل لأبناء هذه الطبقة ميزة إضافية على أبناء الشعب الذين لا يتحدث أغلبهم إلّا العربية/ الأمازيغية الدارجة.

نلاحظ في الجزائر وجود طبقة معيّنة غالبا متمركزة في الشمال، مرتاحة ماديّا، يتحدّث أفرادها الفرنسية بطلاقة، بل إن الكثير من أفراد هذه الطبقة يتحدثون الفرنسية حصرا مما يجعل لأبناء هذه الطبقة ميزة إضافية على أبناء الشعب الذين لا يتحدث أغلبهم إلّا العربية/ الأمازيغية الدارجة

إتقان هذا الطالب اللغة الفرنسية يجعله في الرواق الأّول -مقارنة بغيره- في الامتحانات الوطنية كالبكالوريا. ومعروف أن شهادة البكالوريا تشهد تنافسية شديدة على المقاعد المحدودة، خاصة بالنسبة للتخصصات المطلوبة بشدة كالمدارس العليا والطب والصيدلة، فالطالب الذي تتحدث أسرته الفرنسية مرشّح ليأخذ هذه المراكز أكثر من غيره من أبناء الشعب، فكلّ نقطة في الإمتحانات الوطنية حرفيّا تصنع الفرق.

لكن قد يسأل سائل: ألا يدرس جميع الطلبة بدون تمييز اللغة الفرنسية في المدرسة؟ أين التمييز أو التفرقة؟ صحيح، لكن هذا لا يغيّر من الأمر شيئا. إذا افترضنا جدلا أن جميع أبناء الشعب يدرس الفرنسية – وهو غير حاصل في الكثير من المناطق النائية التي لا تملك في كثير من الأحيان مدرّسا للفرنسية في الطور الإبتدائي، حتى ينتقلوا إلى المتوسطة بعد أن فاتهم القطار-، رغم ذلك تعترف وزارة التربية بأن تدريس اللغات الأجنبية غير ناجح، فبعد أن يدرس الطالب الفرنسية مدة 10 سنوات (اللغة الصينية من أصعب اللغات، يتم إتقانها في 3 سنوات!) نلحظ أن نتائج الأغلبية العظمى من الطلبة في البكالوريا دون المستوى، بالإضافة إلى المشكل اللغوي الكبير الذي يعانيه الطلبة عند انتقالهم إلى المرحلة الجامعية.
أن تنشأ في أسرة تتقن الفرنسية يعني أن تملك حظوظا أكبر للحصول على التخصصات المرغوبة في البكالوريا، كما يؤهلك أيضا لإكمال دراستك العليا في فرنسا، التي تسهّل إجراءات الدراسات العليا للجزائريين، بشرط إتقان اللغة، ومع الوقت، وتراكمية هذا الوضع، تتكوّن طبقة من الناشئين في بيئة متقنة للغة الفرنسية، ذوي تعليم متقدم ومناصب مرموقة، ليس بالضرورة بسبب ذكائهم وبروزهم الأكاديمي أمام أقرانهم، ولكن بحكم التعليم المتقدم الذي يحصلون عليه – مصدره الأساسي فرنسا- واعتماد الدولة على الكفاءات المفرنسة كونها اللغة الأولى في التعاملات الإدارية، يكوّن هؤلاء أسرا تتحدث الفرنسية بدورها، ينشأ عنها أبناء يتحدثون الفرنسية، منذ نعومة أظافرهم، وهكذا تستمر الدائرة. والمشكلة الكبيرة حين تستشهد وزارة التربية على هذه العيّنات قائلة “أنظروا إلى مخرجات المدرسة الجزائرية!” متجاهلة الوضع المتميّز الذي استفاد منه هؤلاء.

صحيح أن الكثيرين الآن يتداركون هذا الوضع من خلال الدروس الخصوصية ومدارس اللغة وحتى الدراسة عبر الإنترنت، لكن تبقى هذه الجهود محدودة أو شخصية، كما أن الكثير من الأسر الجزائرية لا تسمح ظروفهم المادية لإدخال أبنائهم لمدارس لغات خاصة، هذه المدارس التي تبقى ذات أثر محدود ولا ترتقي إلى نفس جودة الإتقان الذي يحصل عليها من يملك أمّا ناطقة بالفرنسية منذ نعومة الأظافر في المنزل!

 لكن ماذا عن الإنجليزية؟ هل يمكن الهرب من هذه الدائرة بتعلّم اللغة الإنجليزية؟ مشكلة هذه الفكرة من جانبين، الجانب الأوّل: أنه لا يمكن تطبيقه على مستوى واسع scalability.

فتعليم الإنجليزية في الجزائر يتم باستخدام الفرنسية، فكثير من أساتذة الإنجليزية يشرحون – كما تعلّموا- بالفرنسية ويعطون قواعد اللغة وقوانينها باستخدام الفرنسية parallels كمرجع كونها أقرب إلى الإنجليزية من الفرنسية، والمأساة هنا أنه إذا فاتك قطار الفرنسية في المدرسة فغالب الظنّ أن قطار الإنجليزية سيفوتك أيضا.

أما الجانب الثاني فهو الذي تعاني منه المدرسة ككل والمذكور سابقا بالنسبة لتعليم الفرنسية كضعف تكوين الأساتذة وفقر المناهج وطرق التدريس الجافة المتخلفة.

صحيح أن الكثيرين الآن يتداركون هذا الوضع من خلال الدروس الخصوصية ومدارس اللغة وحتى الدراسة عبر الإنترنت، لكن تبقى هذه الجهود محدودة أو شخصية، كما أن الكثير من الأسر الجزائرية لا تسمح ظروفهم المادية لإدخال أبنائهم لمدارس لغات خاصة، هذه المدارس التي تبقى ذات  أثر محدود ولا ترتقي إلى نفس جودة الإتقان الذي يحصل عليها من يملك أمّا ناطقة بالفرنسية منذ نعومة الأظافر في المنزل!

أكيد أن هنالك نماذج استطاعت أن تتحايل على النظام وتنجو بجلدها من هذه المنظومة المعيقة والمعاقة، ولكنها تبقى حالات خاصة  لا يعوّل على الإقتداء بها، فنتائج المنظومة التربوية ينبغي أن تظهر ثمارها في الغالبية الساحقة من الطلبة، في أبناء الأرياف والقرى والمداشر والمناطق النائية، لا في ابن عاصمة أو ولاية كبيرة أو أسرة غنيّة تملك كل مقوّمات النجاح.

ملاحظة: كنت أتمنى أن أطعّم هذا المقال -إن صحت تسميته بذلك- بإحصائيات تدعم وجهة نظري وتقوّيها، ولكن ندرة المصادر من جهة ورغبتي في أن يكون مجرد دردشة بصوت عال تفتح نقاشا حول الموضوع جعل المقال يخرج بهذا الشكل.

ads-300-250

المقالات المنشورة في هذا الركن لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

1 تعليق

تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.

  • تعليق 6009

    مراد الجزائري من احدى القرى

    بوركت يا كاتب المقال تحليل دقيق لواقع مرير فالكثير من العقول النيرة تضمحل و تتدهور مع التقدم في المسار الاكاديمي نحو الجامعة ,,, لكن هيهات فالكثير كما قلت لم ينجو من هذه المنظومة المعيقة والمعاقة فكل عام يتخرج ألاف الطلبة من الجامعة أغلبهم معاقين لغويا فلا هم أتقنو لغتهم الأم العربية و لا هم أتقنو اللغة الفرنسية ,,,,

    • 0

فضلا.. الرجاء احترام الآداب العامة في الحوار وعدم الخروج عن موضوع النقاش.. شكرا.