حين نشر الصحفي الأمريكي ديوينديكر عام 1962 مقالا عن ظاهرة غريبة طالت رؤساء الولايات المتحدة، أصيب العالم بالذهول.
فقد لاحظ أن كل الرؤساء الأمريكيين الذين تولوا الحكم في سنة تنتهي بعدد زوجي بعده صفر أو تنتهي بصفرين يكون مآلهم الموت قبل انقضاء فترتهم الرئاسية سواء بطريقة عنيفة أو بموت مفاجئ غامض.
سنة 1840 سجلت بداية لعنة الصفر الأمريكي. ففي تلك السنة انتخب الرئيس ويليام هاريسون، لكنه توفى في ظروف غامضة شهر واحد بعد أدائه اليمين الدستورية.وبذلك صار أقل رؤساء أمريكا حكما، وأولهم الذي يموت وهو في الحكم.
سنة 1860 شهدت انتخاب الرئيس ابراهام لينكولن الذي يعتبره الأمريكيون رمزا للديمقراطية. لكن هذا لم يمنع من اغتياله عام 1865 على يد جون ويلكس بوث برصاصة في مؤخرة الرأس، فكان أول رئيس أمريكي يُغتال وهو في الحكم. وثاني رئيس تلاحقه لعنة الصفر الأمريكي.
سنة 1880 ينتخب الرئيس جيمس جارفيلد، لكنه يتعرض للاغتيال في السنة الموالية، بعد أربعة أشهر من أدائه اليمين الدستورية، على يد شخص اسمه تشارلز جيه غوتو، في محطة بالتيمور بالعاصمة واشنطن.
وكان الدافع للقتل هو الثأر لأنغوتو اعتقد أنه من الواجب مكافأته بمنصب دبلوماسي على دعمه المزعوم لجارفيلد أثناء حملته الانتخابية.
سنة 1900 انتخب مع بداية القرن الرئيس ويليام ماكينلي لعهدة ثانية، لكنه يغتال في السنة الموالية في قاعة معبد الموسيقى ببافالو بولاية نيويورك، على يد ليون تشوجوز.
وقد حاول السكرتير الخاص للرئيس شطب الزيارة من جدول أعمال الرئيس مرتين خوفا على أمنه. وفي كل مرة كان الرئيس يعيدها. حتى قيل أن هذا الرئيس مشى إلى حتفه بنفسه.
سنة 1920 انتخب الرئيس وارن هاردينغ، الذي تم التخلص منه في السنة الموالية بالسم. ولم يعرف الفاعل إلى اليوم.
وقد طفت إلى السطح بعد وفاته عدة فضائح مالية وجنسية ساهمت في انحطاط شعبيته التي كانت من قبل جارفة.
سنة 1940 انتخب الرئيس فرانكلين روزفلت للمرة الرابعة. وإن كانت عهداته الثلاثة الأولى التي لم تبدأ بسنة تنتهي بصفر قد مرت بسلام، فإن لعنة الصفر الأمريكي للعهدة الرابعة لاحقته فمات بالبيت الأبيض بالسكتة الدماغية قبل انقضاء عهدته الرئاسية.
سنة 1960 انتخب الرئيس جون كينيدي. وأثناء رئاسته كتب ديكر مقاله، مختتما إياه بالقول: “أتمنى أن يكسر الرئيس الحالي دائرة النحس”.
لكن ذلك لم يعصم الرئيس الشاب من دائرة النحس التي رفضت أن تتوقف. فقد اغتيل بعد أشهر قليلة من نشر مقال ديكر، على يد لي هارفي أوزوالد بمدينة دالاس وعلى المباشر.
سنة 1980 انتخب الرئيس رونالد ريغن، فكان أول رئيس أمريكي يكسر دائرة النحس، رغم أنه تعرض لمحاولة اغتيال على يد جون هنكلي، في فندق الهيلتون بالعاصمة واشنطن، لكنه نجا من الموت بأعجوبة؛ حيث لم تصبه إلا رصاصة واحدة من الرصاصات الستة التي أطلقت عليه.
ولم تتم إدانة هنكلي، بل أودع مصحة أمراض عقلية لإصابته بالجنون. وقد خرج منها عام 2016.
سنة 2000 هي السنة التي انتخب فيها الرئيس جورج بوش الابن. وخلال فترة رئاسته وقعت هجمات 11 سبتمبر 2001، وما أعقبها من غزو لأفغانستان والعراق.
ما جعل الكثيرين يتمنون للعنة الصفر الأمريكي أن تطال هذا الرئيس تحديدا. لكنه صار أول رئيس لا يطاله النحس. إذ أكمل عهدته الرئاسية، وأعيد انتخابه لعهدة ثانية عام 2004.
سنة 2020 انتخب الرئيس الحالي جو بايدن. فوقف المتابعون لهذه الظاهرة يترقبون وإلى اليوم.
ليظل التساؤل قائما: هل انتهى زمن لعنة الصفر الأمريكي بحلول القرن الواحد والعشرين، أم أن طاحونة النحس ستعود للدوران من جديد؟.
ما هو مؤكد أن كثيرين في أمتنا يتمنون لطاحونة النحس هذه ألا تتوقف لما فعلته وتفعله أمريكا فينا.
حيث عاقبتنا نحن العرب أكثر مما عوقبت ألمانيا النازية التي تسببت في حربين كونيتين. رغم أننا فقدنا وطنا تشرد شعبه وتحول إلى شتات بفضل الدعم الأمريكي اللامشروط لإسرائيل.
هناك من يقول أن زمن لعنة الصفر الأمريكي وإن كان على ما يبدو قد انتهى، فإن ما ينتظر أمريكا أشد.
هم يقولون أو قل يؤمنون أن الله الذي أرسل سيدنا موسى إلى فرعون وقومه وأيده بتسع آيات كل واحدة تشتد عن سابقتها حتى وصل الأمر إلى إغراق فرعون في اليم، أخذ يرسل الآيات إلى أمريكا..
وقد تكون نهايتها مع الآية التاسعة، والتي قاربت الوصول إليها، بعد تفجيرات بيروت عام 1983 والتي ذهب ضحيتها 245 أمريكيا، ثم تفجير طائرة بانام فوق لوكربي عام 1988 ومقتل 270 راكبا..
فإلى تفجيرات أوكلاهوما عام 1995 التي خلفت 168 قتيل، ثم تفجير السفارتين الأمريكيتين بنيروبي ودار السلام عام 1997 مخلفة 244 قتيل..
مرورا بتفجير المدمرة كول في سواحل اليمن عام 2000 وصولا إلى تفجيرات 11 سبتمبر 2001 بنيويورك والتي خلفت أكبر عدد من القتلى تجاوز 3300 قتيل.
لكن أمريكا ترد على هؤلاء بالقول أن العالمين العربي والاسلامي ضربتهما في نفس الفترة كوارث هي الأخرى بمثابة آيات مثل زلزال إيران وفياضات باب الوادي بالجزائر، وتسونامي جنوب شرق آسيا الذي حصد من المسلمين أكثر مما حصد من غيرهم، وزلزال باكستان المدمر، وغرق أجزاء كبيرة من بنغلاديش بفعل الفيضانات التيجعلت 10 ملايين نسمة تتقطع بهم السبل، وأخيرا الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا مطلع هذا العام. كلها من منظور مؤمني أمريكا آيات لنا قبل الضربة القاضية..
بل إن هؤلاء يقولون: أن الآيات التي نزعمها لأمريكا هي من صنع البشر، أما الآيات المرسلة إلينا فهي من الله ولا دخل للبشر فيها. وقد نضطر للقول هنا: فبهت الذي آمن وليس الذي كفر!؟.
كل هذا يجرنا إلى القول بأن الإيمان بوجود دوائر النحس سواء عن طريق لعنة الصفر أو الآيات المزعومة، هي محاولة منا للتعويض عن ضعفنا وهزائمنا النفسية قبل الهزائم السياسية العسكرية.
@ طالع أيضا: جيش نتوكأ عليه.. ولنا فيه مآرب أخرى!
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 8568
مقال رائع، فقط يرجى تصويب عوض 1960، الرجاء قراءة 1860!
(سنة 1960 شهدت انتخاب الرئيس ابراهام لينكولن الذي يعتبره الأمريكيون رمزا للديمقراطية. لكن هذا لم يمنع من اغتياله عام 1865 على يد جون ويلكس بوث برصاصة في مؤخرة الرأس، فكان أول رئيس أمريكي يُغتال وهو في الحكم. وثاني رئيس تلاحقه لعنة الصفر الأمريكي.)