تتغير الحكومات الجزائرية باستمرار، وكلها تعمل بجد لتطبيق البرنامج الناجح والثابت وهو برنامج فخامة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ولأربع عهدات متوالية، يتم تغيير رئيس الحكومة وبعض الوزراء غير أن الأغلبية تبقى في منصبها متأبطة حقائبها لتستمر في مسيرتها ونضالها من أجل مواصلة الإصلاحات بنتائج ايجابية أكثر، ولكن المفارقة التي تفرض نفسها هو استمرار الأزمات رغم تعاقب الحكومات الناجحة طبعا.
وبوجود الانجازات العظيمة والمشاريع الكبرى التي نسمع ونقرأ عنها يوميا، يبقى المواطن الجزائري يعاني وعلى مستويات مختلفة، فمن علبة الدواء المفقودة إلى كيس الحليب النادر تستمر رحلة البحث.
أزمة الدواء
منذ سنوات تم تداول مصطلح “مافيا الدواء” كمظهر من مظاهر الاختلاس والسرقة والابتزاز في تسيير أموال الصحة العمومية وتحويلها وبأرقام كبيرة كبر حجم معاناة المرضى الذين لا يجدون الدواء إلا بحلول موازية ليست في متناول الجميع.
وعلى وجه التحديد أصحاب الأمراض المزمنة والمستعصية مثل السرطان، وتوقفهم عن أخذ الدواء سيؤدي إلى تعقيدات صحية خطيرة قد تفضي إلى الوفاة.
السيد أحمد متقاعد ومصاب بداء القلب ويحتاج يوميا لأخذ جرعة من دواء السانتروم، ولكنه للأسف غير متوفر في الصيدليات ومنذ مدة، غير أن أبناءه في الخارج يرسلونه له على الدوام.
وهكذا صار كل من يملك قريبا أو صديقا مقيما بالخارج أو يسافر يوكل له مهمة إحضار الدواء.
أما البقية فيلجأون إلى التجار الذين يعرفون بباعة دواء الكابة أي الحقيبة، لأنهم البديل الوحيد لهم أمام عجز الصيادلة، غير أن السعر يتضاعف ولكن المرضى راضون عن ذلك لأنه قد ينقذ حياتهم ولا حيلة أخرى لهم أمام غياب البديل محليا في الصيدليات والمستشفيات كما هو حال مصلحة طب العيون أو التوليد، فعدة أدوية غير متوفرة بها مثل أدوية توبركس.
قائمة طويلة للأدوية المفقودة في الجزائر وفي مقدمتها الموجهة لمرضى القلب وضغط الدم والعيون، وحتى النساء الحوامل ليبقى هؤلاء ينتظرون حلا لهذه الأزمة التي قد تودي بحياتهم.
أزمة الحليب
ولأن المواطن اعتاد الانتظار ومضى يواصل مهمته بالاصطفاف في طوابير الحليب التي تعد أكثر الطوابير طولا واستمرارا، ومع وجود المحسوبية في التوزيع وعدم احترام الدور تبدأ الخلافات لتصل حد الشجار، عن اقتناء الحليب المعلب الذي يعادل سعر اللتر الواحد منه سعر أربع لترات من حليب الأكياس خلق معه أزمة أخلاقية وزادت اللهفة ولو بشراء أكثر من الحاجة وتخزينه مما جعل بعض التجار لا يبيعون أكثر من كيسين للزبون.
أما عن التصريحات الجديدة للمسؤولين فهي لا تختلف عن السابقة بتحميل أصحاب مصانع الألبان الخاصة مسؤولية الوقوف وراء الأزمة للضغط على الحكومة التي راجعت الحصص الموزعة على هذه المصانع، وكذا لرفع السعر، كما أن خفض نسبة استيراد مسحوق الحليب ساهم في تأزم الوضع أكثر.
أما البعض فيرى أن هذه الأزمة مفتعلة لإلهاء الرأي العام عن قضايا أهم وأولها المشاكل السياسية.
هكذا يبقى المواطن منشغلا لساعات ينتظر أمام المحلات والمراكز التجارية في انتظار مرور شاحنات التوزيع، وإلا انتقل إلى مكان آخر مواصلا رحلة البحث عن كيس حليب وكذا عن حاجيات أخرى.
أزمة الكتاب المدرسي
في كل مرة قرارات جديدة وكتب مستحدثة، ومن الاصطلاح للاصطلاح تشتغل المطابع أكثر ويعمل المنتفعون بشكل أكبر ومع هذا تجد الكثيرين يركضون من هنا إلى هناك بحثا عن كتاب مدرسي، فقد اتصلت بي صديقة وهي تسألني إن كنت أستطيع أن أجد لها كتاب اللغة الفرنسية للرابعة متوسط لأن المؤسسة وفرت الكتب ما عدا هذا الكتاب وعلى الأولياء تدبر آمرهم”.
كما أكد البعض أنهم اشتروا الكتب من مراكز تجارية ومكتبات الخواص ولكن بفارق كبير عن السعر الأصلي والذي هو أيضا مرتفع، والسؤال المحير هو لماذا لا تباع الكتب في المدرسة فحسب، وهكذا يتم الحد من جشع التجار وتلاعبهم بالسعر، كما أن عملية بيع الكتب تربوية وليست تجارية لتحقيق الربح على حساب جيب المواطن الذي إن حاول الاعتراض تم إسكاته بجملة التعليم مجاني في الجزائر.
التعليم مجاني في أغلب بلدان العالم حتى في أوروبا، أما محاولة ترسيخ فكرة أن التعليم بالدفع في الغرب فليس صحيحا، بالفعل هناك مدارس خاصة مثلما توجد عندنا، ولكن القطاع الحكومي عندهم يوفر التعليم، فضلا عن أن الدعم الاجتماعي كفيل بضمان وتغطية الاحتياجات كافة، كما أن الجزائر جمهورية وليست مملكة، وبها موارد طبيعية هائلة وما حققته من مداخيل كان كفيلا بإنشاء مدارس وتوفير النقل والكتب وكل الإمكانيات ولكل القطاعات، ولكن هدر المال العام وجعل المشاهير مثل مارادونا وشوازنيجر أولى بالأموال من أولاد البلد هو ما جعل الأزمات تتفاقم ولا مخرج ملموس منها في ظل حكومات راشدة تحسن إلقاء الخطابات، لأننا أولى بلدان العالم من حيث حرية التعبير بلا تغيير.
أزمات لا تنتهي وتنعكس دوما على المواطن البسيط والمهموم بتوفير علبة دواء، كيس حليب وكتاب مدرسي وهلم جرا.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.