صحيح أنني حزين وحزين جدا لرسوب ولدي وفلذة كبدي في امتحان العار، الذي سموها ظلما وبهتانا "شهادة البكالوريا"، لكن حزني على وطني الجريح لا يقاربه حزن، ولا يضاهيه ألم .
ولدي لم يكتب له اجتياز هذا الامتحان بنجاح، لكنه لم يفشل، بل تأجل نجاحه إلى العام القادم -إن شاء الله-، لكن وطني، فقد يأتي العام والعامين وتمر السنون والسنون، ولن يندمل جرحه، فجرحه عميق، والألم لا يكاد يفارقه.
ولدي تعب واجتهد، لكنه لم يصب، فكان له أجر الاجتهاد، أما وطني، فكم ضاعت منه الفرصة تلو الأخرى، لكنه بقي في آخر الركب ينتظر من ينقذه من أيادي مغتصبيه، لكن لا حياة لمن تنادي.
ولدي بكى طويلا من حرقة المصاب، لكنه وجد من يشد أزره ويمسح دموعه ويخفف عنه أحزانه، لكن وطني الحبيب بقي وحيدا، يتوجع ويشكو هوانه لله، فحكامه خذلوه، وعندما رأوه غاليا باعوه، وجعلوا من شعبه راش ومرتش وجبان، بل أكثر من ذلك، فقد استطاعوا أن يقنعوه بأن يقبل بحياة الذل، حتى اعتاد عليها وأصبح يأبى أن يكون حرا طليقا.
ولدي ستنسيه الأيام هذه العثرة، وسيبدل الله حزنه إلى فرحة، لأن الدنيا أصلها إخفاق مرة ونجاح مرات، أما وطني فسيبقى يذكره التاريخ ويكتب عنه بأحرف من نار أحرقت كيانه، وشتتت شمله، سيذكر أن حكامه اغتصبوه وأن شعبه أدار له ظهره، فكيف له أن ينسى من خان دماء الشهداء، وكيف له أن ينسى كل ذلك والمصاب جلل.
ولدي سيجتاز تلك الصدمة، لأن من حوله أقنعوه أنها سحابة صيف وستنجلي، لتترك مكانها لشمس ستسطع تحت سماء زرقاء، كلها أمل بقدوم يوم جديد مشرق بأنوار النجاحات، لكن وطني المفدّى لن يجد من يخرجه من تحت الأنقاض، فطال عليه أمد الألم، لأنه يعلم جيدا أن جرح القريب أمر وأفظع من جرح الغريب.
لكن، رغم الداء والأعداء، فلا بد- يا وطني- للّيل أني ينجلي، ولا بد أن يأتي اليوم الذي نرى فيه نور الله، ويأتي من يفديك بالنفس والأموال والأولاد، وسيأتي بعد هؤلاء، خلف -وكم هم كثيرون-، وسيحملون لواء الشهداء ويصونون دماءهم الزكية الطاهرة، بعدما أراد هؤلاء أن يلحقوا بك الأذى والدمار، سيأتون لنجدتك وسيرفعون راية عالية، وستنتصر، وسيبقون أوفياء لك ما دامت الأرض والسماء، فهؤلاء أبناؤك البررة، لم يبق لهم وطن يؤويهم غيرك، ولم يعد لهم حضن يضمهم سواك، فآه وألف آه على وطن فرط فيه السفهاء !
zagadfaycal@gmail.com
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.