اشتركت يوميتا ''الخبر'' و''الوطن'' وsimple production في إصدار كتابات المرحوم سقية زايدي. إنه عمل يثلج القلب؛ فمثلما فرحنا بنشر مقالات المرحوم عمر أورتيلان، هذه سنوات خلت، نفرح اليوم بإصدار كتابات زميله في العمل ورفيقه في جنان الله الواسعة. لكم نتمنى أن يتحول نشر كتابات الأدباء والصحافيين المتوفين إلى تقليد حميد كما هو معمول به في الكثير من البلدان. فكما قال محمود بلحيمر في مقدمته لكتاب سقية زايدي: ''إن الواجب يقتضي ـ على الأقل ـ ألا نبقى مكتوفي الأيدي ونحن نرى آفة النسيان تطال أفكارهم وأعمالهم''.
ولم تكن ”الأفكار”، خاصة الوطنية، لتنقص المرحوم سقية زايدي. كان مناضلا يؤمن ”بدور الإعلام في عملية الانتقال الديمقراطي”. وكانت الجزائر ”همّه الأول” فترك جامعة بريستول و”إنجلترا الأحلام” وعاد إلى وطنه، سنة 1988، آملا في المساهمة الجدية في بناء تلك الديمقراطية التي طالما حلم بها. بالرغم من ”سنوات النار والدّمار” كان سقية زايدي يرى ـ دائما ـ بصيصا من الأمل سيشق ظلام الكابوس كما ”الليزر” يخترق عفن الدّملة المهددة للجسد المريض. كل كتابات المرحوم، اللاذعة في أغلب الأحيان تضم بين سطورها هذا ”الأمل الليزر”: ”الدبلوماسية.. الشجرة التي تخفي غابة الأزمات” (ص50) و”جيل الانتظار” (ص58) و”العندليب يعرّينا جميعا” (74) و”التاريخ المحظور والذاكرة المشلولة ”(ص157) ..إلخ…
إن بناء الديمقراطية في بلد يواجه ”خطر الحرب الأهلية” (سنوات التسعينيات السوداء) لم يكن أولوية قصوى في نظر غالبية الجزائريين. بيد أن سقية زايدي ظل مؤمنا بضرورة هذا ”البناء” حتى وافته المنية يوم الخميس 28 جوان سنة .2007 لم يكن قد تجاوز السابعة والأربعين من عمره. كان يعتقد، أو بالأحرى كان مقتنعا تمام الاقتناع، أن النخبة المثقفة، وإن ”قلت” هي نبراس المجتمع الجزائري ومصباحه للخروج من ”ظلام الأزمات”. لذلك كان يدعو دوما إلى ”الاستماع لهذه النخبة”. كما كان يدعو إلى الجدية والصمود والتحلّي بالأخلاق النضالية. دون هذا لا يمكن أن ”نبني وطنا قويا”. لقد صرّح ليومية ”الخبر” في 28 جانفي 1992 غداة تسريحه وزملائه من السجن (1): ”كل شيء يضرّ بالبلاد وبالشعب غير مقبول على الإطلاق، فالمسألة ليست قانونية فحسب، بل أخلاقية أيضا” (ص91). كان زايدي لا يتنازل ولا يُساوم في ”المسائل الوطنية”.
وكان بعيد النظر. فقد كتب مثلا، بجريدة الحدث الصادرة في 21 مارس 1994 مايلي: ”إن الحل الأمني غير ممكن، وإن الحوار من دون إقصاء هو الطريقة الوحيدة لوضع حدّ للنزيف المتواصل منذ أكثـر من عامين”. وانتظرت السلطة الجزائرية حتى.. سنة 1999 لتشرع في تطبيق هذه الفكرة.
ماذا لو كانت قد طبقتها في حينها؟ كانت الجزائر ستحافظ على عشرات الآلاف من أبنائها البررة الذين ماتوا غدرا كما كانت ستربح ملايير الدولارات التي ”أحرقت” على شكل مصانع أو عتاد أو غلل أو… ذخيرة!
بالرغم من مصائب الجزائر في التسعينيات، لم ينس زايدي ”إخوان المقهورين” في العالم الثالث عامة وفي الوطن العربي خاصة. كان يرى أن ”الأنظمة العربية لا بصر ولا بصيرة لها”. ومازال رأيه صالحا، كما كان يرى أن العالم الثالث لن يخرج من ”أزماته” دون الاعتماد على نخبه الوطنية ودون ديمقراطية حقيقية.
أخيرا، إن ”مقالات سقية زايدي” (2) لمرآة كاشفة لكل ما جرى في الجزائر، سياسيا واقتصاديا، في الفترة الممتدة من 1988 إلى .2006 إنه كتاب مرجع لأيام مليئة بالآلام.. والدروس.
1) من حوار أجري مع المرحوم بعد الإفراج عنه هو وزملاؤه المسؤولون في جريدة ”الخبر”. وكانوا قد اعتقلوا إثر نشر الجريدة لبيان اعتبرته السلطة خطيرا.
2) توزع الكتاب دار simple production وتعود حقوقه لعائلة المرحوم.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.