أثار استحواذ رجل الأعمال الجزائري يسعد ربراب على المجموعة الإعلامية “الخبر” تساؤلات مقلقة لدى الإعلاميين الجزائريين حول مستقبل سقف الحريات في ظل هيمنة رجال المال مؤخرا على المشهد الإعلامي بالبلاد.
وتعد مجموعة الخبر الإعلامية -التي تضم قناة وصحيفة وأربع مطابع- أحد أبرز المؤسسات الإعلامية الخاصة في الجزائر نظرا لارتباط نشأتها بالانفتاح الديمقراطي بداية تسعينيات القرن الماضي، وهو الانفتاح الذي سمح ببروز عناوين صحفية مستقلة عن سطوة وهيمنة السلطة.
ومنذ تأسيسها، ظلت “#الخبر” عنوانا للصحافة المستقلة إلى جانب صحف أخرى رديفة ظهرت بعد الانفتاح الإعلامي على يد مجموعة من الإعلاميين مثل الوطن ولوسوار دالجيري (مساء الجزائر) الناطقتين بالفرنسية.
لكن مسار هذه الصحف لم يكن مفروشا بالورود، وظلت تدفع فاتورة سقف الحريات الذي منحته لصحافييها عن طريق التضييق عليها من طرف السلطة باستعمال سيف الإعلانات التي تتحكم فيها بشكل مطلق، حيث أعلنت صحف عديدة الإفلاس وتسريح صحافييها، وزاد الوضع تأزما مع دخول البلاد في سياسة التقشف على خلفية أزمتها الاقتصادية.
.
سيف الإعلانات
يشير تقرير المبادرة الوطنية من أجل كرامة الصحفي الجزائري -وهي هيئة مستقلة للدفاع عن حقوق الصحافيين- إلى أن نحو خمسين صحيفة مهددة بالإغلاق نتيجة تراجع الإعلانات الحكومية.
وذكر التقرير أن الوكالة الوطنية للإعلانات عاجزة عن تزويد الكم الهائل من العناوين الإعلامية التي يتجاوز عددها 150 ما بين صحيفة ومجلة بالمواد الإشهارية والإعلانية، التي تراجعت نسبتها بـ 50% من مجموع 250 صفحة يوميا إلى 130 صفحة.
الأزمة المالية دفعت بالعديد من الصحف لتسريح موظفيها على غرار صحيفة الأحداث التي سرحت في فبراير/ الماضي 48 صحافيا ومراسلا، بينما يعيش العشرات من الصحافيين بدون رواتب منذ أشهر.
وتفاديا للإفلاس والإغلاق، وجدت مؤسسات أخرى نفسها في قبضة رجال المال، وهو ما حدث مع قناة الجزائرية الخاصة التي تم بيعها لرجل الأعمال أيوب ولد زميرلي بأربعة ملايين يورو (حوالي أربعة ملايين ونصف مليون دولار).
وتأثرت السياسة التحريرية للقناة وتحولت من قناة مستقلة إلى داعمة للرئيس #عبد_العزيز_بوتفليقة، وهو المصير نفسه الذي آلت إليه مجموعة الخبر بعد بيع 98% من أسهمها بعد صراع طويل مع أزمتها المالية.
الأزمات المتعددة التي يعاني منها الإعلام الجزائري الخاص كتراجع المبيعات نتيجة توجه القراء للصحافة الإلكترونية، وتراجع عائدات الإعلانات بسبب التقشف أثر وفق أستاذ الإعلام بجامعة سطيف يامين بودهان على اقتصاديات الصحف الخاصة، وقال للجزيرة نت إنها لم تستطع الصمود أمام هذه التحديات مجتمعة.
.
ضغط وإخضاع
بيع مؤسسات الإعلام لرجال المال يهدد -وفق بودهان- مستقبل الممارسة الصحفية بالجزائر، وسيحول “مؤسسات الإعلام لأدوات في يد رجال الأعمال، والصحفيين إلى بيادق في يد ملاك الصحف يخضعونهم لأجنداتهم”.
ويعتقد الصحفي بيومية الوطن الناطقة بالفرنسية فيصل مطاوي أن الساحة الإعلامية تشهد تطورا سريعا، بيد أن هذا التطور -كما يقول للجزيرة نت- مخيف في بعض جوانبه، قائلا “هناك عناوين تتلاشى وتختفي بسبب الإعلانات المصادرة من طرف الحكومة، ويقابل ذلك اهتمام بالغ من طرف رجال المال لإنشاء تكتلات إعلامية.
ويضيف مطاوي أن هذا الوضع يهدد إلى حد ما حرية التعبير لأن لدى رجال المال أجندة مرتبطة بمصالحهم التجارية والمالية، ومما يزيد المخاوف من مصادرة حرية التعبير وفق مطاوي “انفراد أرباب المال بالمشهد الإعلامي في ظل غياب نقابات صحفية قوية تدافع عن حرية التعبير، وعن حق المواطن في الإعلام، إلى جانب غياب سلطة ضبط للمشهد الإعلامي”.
.
وضع طبيعي
رئيس تحرير قناة الخبر رياض هويلي من جهته يعتبر أن شراء رجال المال للمؤسسات الإعلامية عودة للوضع الطبيعي، وقال للجزيرة نت “كل التجارب العالمية قامت على قاعدة أن ملاك المؤسسات الإعلامية إما حكومات أو مستثمرون، وفي الجزائر فقط يحدث العكس”.
وتساءل هويلي “لا أفهم أن صحفيا ينشئ قناة إخبارية أين هي الموازنات المالية؟” معتبرا أن المخاوف الخاصة بسقف الحريات في ظل هيمنة المال تحدد بمدى قرب المستثمر أو بعده من دائرة السلطة، مشيرا إلى أن القانون المنظم للقطاع السمعي البصري (الإذاعة والتلفزيون) لم يدخل حيز التنفيذ ما يسمح بالحديث عن إعلام مهرب خارج القانون”.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.