زاد دي زاد - الخبر مقدس والتعليق حر

ملاحظة: يمكنك استعمال الماركداون في محتوى مقالك.

شروط إرسال مقال:

– النشر في “زاد دي زاد” مجّاني
– أن يكون المقال مِلكا لصاحبه وليس منقولا.
– أن يكون بعيدا عن الشتم والقذف وتصفية الحسابات والطائفية والتحريض.
– الأولوية في النشر للمقالات غير المنشورة سابقا في مواقع أو منصات أخرى.
– الموقع ليس ملزما بنشر كل المقالات التي تصله وليس ملزما بتقديم تبرير على ذلك.

محاولة اغتيال الجنرال صالان في 16 جانفي 1957 بالجزائر العاصمة

محاولة اغتيال الجنرال صالان في 16 جانفي 1957 بالجزائر العاصمة

ما الدور الذي لعبه ميشال دوبري لصالح ديغول، وهل كان هذا الأخير على علم بها؟

النوايا الحقيقية لعودة الجنرال إلى الحكم في ماي 1958


محاولة اغتيال، ضحية، واتهامات، هل بإمكاننا أن نحلل كيفية جريان الأحداث، دون الانحياز لهذه الرواية أو تلك؟ لا بد أن التحليل سيقود لاستخلاصات يمكن تعليلها.


لابد أن العارفين بخبايا التاريخ متأكدون بأن عودة الجنرال إلى الحكم، لم تكن صدفة تبعت أحداث 13 ماي 1958 التي جرت بالجزائر العاصمة، واستيلاء المتظاهرين على قصر الحكومة، وتشكيل لجنة الإنقاذ، وأن أسباب هذه العودة كثيرة، وأن الجزائر كانت أكثر مكان ملاءمة لتنفيذ هذه الخطة لأسباب عديدة :


– وضعيتها، باعتبارها مقاطعات فرنسية ثلاث، أي جزء لا يتجزأ من فرنسا في تلك الحقبة.

– بعدها عن الإقليم القاري، في حال ما خرجت الوضعية عن السيطرة لكي لا تعرف فرنسا حربا أهلية تماثل ما عرفته إسبانيا خاصة في ظل الحرب الباردة.

– كونها موضوعا متقدا يؤرق السياسيين الفرنسيين، والكل يستغله لصالحه، ما يجلب اهتمام قسم كبير من الشعب، وخاصة العسكر، الذين سيكون دورهم رئيسيا في أي تغيير للسلطة.


جرت محاولة الاغتيال هذه كالآتي :

في 16 جانفي 1957، على الساعة السابعة مساء، أطلق صاروخان من المبنى المجاور باتجاه المبنى الذي يأوي قيادة الناحية العسكرية العاشرة، ساحة إيسلي سابقا (شارع العربي بن مهيدي حاليا) بالجزائر العاصمة. لم يكن الجنرال صالان موجودا في المبنى في ذلك الوقت، ولكن الصاروخ الذي انفجر في مكتب الديوان العسكري أدى إلى مقتل أحد معاوينه المقربين، الرائد روديي.


كانت البازوكا عبارة في الواقع عن أنبوب من صهارة الحديد ركب عليه نظام كهربائي لإطلاق الصاروخ. كان مقترفو محاولة الاغتيال هم : الخبير في مكافحة الإرهاب المختص في المتفجرات فيليب كاستي بمساعدة ميشال فيشو؛ شريكهم في العملية، روني كوفاكس، طبيب من الجزائر العاصمة منخرط في النضال من أجل الحفاظ على الجزائر الفرنسية، كان يأمل أن يؤدي ذلك لنجاح مسعى استبدال صالان بالجنرال روني كوني، الذي يعرف عنه أنه أكثر تصميما على الإبقاء على المقاطعات الجزائرية تابعة لفرنسا، مقارنة بصالان وبيير منداس المتهمين بالتفريط في الهند الصينية (الفيتنام). بعد فشل المحاولة، أو فشلها المخطط له، وخلال التحقيق مع المتهمين، زج كوفاكس بشخصيات مرموقة في القضية، من بينها ميشال دوبري.


في كتابه يزعم صالان أن هذه المؤامرة كانت مدبرة من قبل رجال ديغول، ومن بينهم ميشال دوبري، وهذا بعلمه. عزز فرانسوا ميتيران، وزير العدل في زمن وقوع الحادثة، هذا الطرح في 18 ماي 1962، عندما استدعي للإدلاء بشهادته في محاكمة الجنرال صالان. في شهادته حول القضية التي صارت تعرف “بقضية البازوكا”، أيد ميتيران فرضية المؤامرة التي دبرها محيط ديغول (وإن كان الأمر بشكل غير مباشر)، من طرف ميشال دوبري تحديدا (ذكرت شخصيات أخرى مثل روجي فراي و ألان غريوتوري).


في هذه القضية ما يمكن أن يثير الاستغراب، هو أن الدافع المزعوم لمحاولة الاغتيال هذه يرتبط بالحفاظ على الجزائر الفرنسية، التي يحتمل أن يفرط فيها صالان، حسب مجموعات منظمة المقاومة للحفاظ على الجزائر الفرنسية (ORAF)، في حين أن صالان في وقت لاحق :

سيتولى المسؤولية المدنية والعسكرية بالجزائر خلال أحداث 13 ماي 1958، وسببها الرئيسي كما هو معلوم معارضة أية إمكانية لاستقلال الجزائر، وسيشارك في انقلاب الجزائر 1961، وأيضا سببه رفض مفاوضات إيفيان الأولى التي يفترض أن تؤدي للاستقلال، كما سيصبح قائد المنظمة المسلحة السرية!!!


حسب بعض المؤرخين، فإن انقلاب 13 ماي 1958، كان مخططا له من قبل رجال ديغول من أجل إبراز عودته إلى الحكم كاستجابة للتطلعات الشعبية ومطلبا للجيش، ومن ثم فإن دور الجنرال صالان كان كبيرا في عودة ديغول للسلطة، إما قناعة بأنه رجل المرحلة، أو لأن العسكر لم يجدوا من هو أفضل، وفقا للصيغة الشهيرة التي استخدمها الجنرال ماصو خلال حوار صحفي، وتعرض بسببها للمعاقبة باستدعائه إلى باريس.


إذا ما عدنا إلى الوقائع، محاولة الاغتيال في حد ذاتها، وفقا لأقوال المنفذ الرئيسي، روني كوفاكس، الذي تحدث في البداية عن شركاء سياسيين مرموقين في القضية، ثم تراجع عن هذه الأقوال، فإنه يروي : “في بدايات شهر ديسمبر 1956، تلقيت زيارة السيد فرانسوا كناشت، المقيم بباريس، زوج إحدى صديقات الطفولة بالجزائر العاصمة. تحدث لي عن الوضعية التي يمكن اختصارها كالآتي : توجد بباريس لجنة تتكون من ستة أفراد، من بينهم ميشال دوبري… مكلفة بالتواصل معنا من أجل إعلامنا بالوضع وإخطارنا مسبقا بالزيارة المرتقبة للسيد أريغي و السيد غريوتوري، ضابط بهيئة أركان الجنرال كوني”.

يواصل قائلا : “خلال هذا اللقاء تم التحدث عن الجنرال صالان. بما أن المحادثة كانت تدور حول الأحداث وإمكانية حلها بأفضل طريقة، أشار غريوتوري إليه بهذه الكيفية : ولكن يوجد صالان، إذا ما اختفى، سيكون الواقع مغايرا وسيتم تذليل الصعوبات”.


تعزز تصريحات الرائد أونري، قائد الأمن العسكري والمقدم شاكن، قائد المخابرات الفرنسية، اللذين طلبا التحدث مع الجنرال صالان هذا الطرح، حينما قالا له : “سيدي الجنرال، بعد محاولة الاغتيال هذه، أصبح من الضروري إعلامكم بالأخبار الرائجة… منذ 15 ديسمبر المنصرم، تتعرضون في شخصكم لحملة تشويه كبيرة، مصدرها الرئيسي بباريس. نرى أن لا جبهة التحرير الوطني ولا الحزب الشيوعي الجزائري مسؤولان عن الهجوم، بل فرنسيون من الجزائر العاصمة، بتخطيط من بعض الأطراف بباريس… الأكيد أن هذه الوشايات قد بدأت تسري بعد زيارة الجنرال كوني… في 15 ديسمبر المنصرم”.


لفهم الوضعية بشكل أفضل ينبغي العودة إلى بداية سنوات 1950، حين كان أحد السياسيين يبذل مساعي حثيثة، ويفعل كل شيء من أجل إتاحة الفرصة للجنرال للعودة إلى الحكم. نشر كتابين، وأسس صحيفة، أحدث محتواها رجة كسرت جدار اللامبالاة التي كان عرضة لها. إنه ميشال دوبري. بالنسبة له كان الأمر واضحا : “يتعين إثارة حادث بالجزائر يمكن استغلاله سياسيا بالميتروبول”، أو وفقا للصيغة التي استخدمت حينها : “إيقاد بالجزائر العاصمة، قنبلة يدوي انفجارها بالميتروبول”.


بتحمسه وحركيته أصبح ميشال دوبري الفاعل الرئيسي في مجموعة الستة. اتصلت هذه المجموعة بنشطاء بالجزائر العاصمة يعملون للإبقاء على الجزائر “فرنسية”. هؤلاء النشطاء بدورهم، ممن كانت نشاطاتهم تتم بدعم من جهاز الاستعلامات الخارجية ومكافحة التجسس (SDECE)، كانوا يسعون لإيجاد روابط مع سياسيين بباريس من أجل رعاية نشاطهم، وإنجاح أي تغيير حقيقي في السلطة؛ استغل رجال ديغول الفرصة.


في مذكراته، يروي صالان محادثة جرت بعد أسابيع من الحادثة مع الجنرال ديغول، الذي أتى في زيارة شخصية إلى الصحراء الجزائرية :

“تحدثنا أولا لقرابة ساعة من الزمن عن الوضع العام بالجزائر… ثم فجأة، قال لي الجنرال : 

– إذن صالان، قضية البازوكا هذه… لابد أن جذورها تعود إلى عقوبات فرضتها على جنود في الهند الصينية، لا يزالون يحقدون عليك بسببها!

فاجأني ما قاله لي، ولكن بسرعة استرجعت أنفاسي، وقلت له :

– لا سيدي الجنرال، لا يتعلق الأمر مطلقا برجال من الهند الصينية، فهم متعلقون بي كثيرا، بل إنها قضية سياسية قذرة. صدقوني، عندما تبدأ المحاكمة، ستكتشفون بنفسكم فداحتها.

حينها رمقني الجنرال بنظرة حادة، ثم قال لي وكأن شيئا لم يكن :

– نلتقي في العشاء”.


تتضمن مذكرات الجنرال راوول صالان اتهامات موثقة أخرى، من بينها رسالة إلى ميشال دوبري، حين أصبح وزيرا أول، يتهمه فيها بمحاولة الاغتيال، مع نسخة موجهة إلى وزير الحربية وأخرى إلى وكيل الجمهورية بلاسان :

“29 جانفي 1962

سيدي،

إلى غاية الآن، ألزمت نفسي بالصمت في هذه القضية المؤسفة… ولكن حكومتكم اتخذت إجراءات تهدف لمكافحة الوطنيين [يقصد نشطاء المنظمة المسلحة السرية] الذين باشروا إنجاز المهمة التي كنتم تزعمون العمل عليها قبل ثلاث سنوات… لقد وصفتموهم بالقتلة والمجرمين. لذا أجد نفسي مضطرا لأذكركم بأنكم أيضا متورطون في قضية اغتيال.


لقد ثبت لي تورطكم في مناسبتين خلال سنة 1958. في شهر جويلية، أتى العقيد ألان دوبواسيو ليراني، ليطلب مني باسمكم، عدم متابعة قضية البازوكا، خشية أن يزج باسمكم وباسم الجنرال ديغول فيها… وقد رفضت أن أوافق على مسعاكم… في شهر أوت، أتى السيد دولامالان، الذي يعمل بمكتبكم إلى الجزائر العاصمة وقد استقبله الجنرال دولاك، بحضور العقيد غاردون، مستشاري القانوني… استخدم السيد دولامالان نفس حجج العقيد دوبواسيو. دون العقيد غاردون كل ما تضمنه هذا اللقاء، وقد أفلتت هذه الوثيقة الثمينة من مصادرات وتحقيقات شرطتكم. ثم كما تعلمون بإسبانيا، التقيت أولئك الذين خدعتهم [يقصد النشطاء الذين انخرطوا في وقت لاحق وأسسوا المنظمة المسلحة السرية ومن بينهم كوفاكس مرتكب محاولة الاغتيال الذي التقى بصالان لدى هروبه هو الآخر إلى إسبانيا]، عن طريق دفعهم لارتكاب فعل يخدم طموحاتكم أكثر من كونه يهدف لخدمة قضية الجزائر الفرنسية… أنتم أول من تنطبق عليكم الإجراءات التي اتخذتموها ضد من تصفونهم بالمجرمين.

أحملكم المسؤولية الشخصية لاغتيال الرائد روديي”.


“عن طريق دفعهم لارتكاب فعل يخدم طموحاتكم أكثر من كونه يهدف لخدمة قضية الجزائر الفرنسية” هذه الجملة هي مربط الفرس؛ ربما اعتقد منفذو محاولة الاغتيال أنهم يهدفون للحفاظ على الجزائر الفرنسية، رغم أن صالان من أكبر المتمسكين بها، في حين أن المخططين كانوا يسعون لهدف آخر.


ينبغي الإشارة أيضا إلى زوجة ضحية الهجوم، السيدة روديي، التي تأسست كطرف مدني وقد تعرضت لضغوطات كبيرة. تروي : “مرت الأشهر، ولم يكاتبني المحامي فلوريو سوى في 30 ديسمبر 1957 (بعد مرور قرابة سنة على موت زوجي)… أكد لي أن المتهمين قد استفادوا من انتفاء وجه الدعوى بفرنسا، وأن المحاكمة لن تجري بالجزائر العاصمة بل بالميتروبول، وقال لي بأنه يجهل أسباب هذه القرارات… وبالفعل، في نهاية جانفي 1958، تم استقبالي من طرف السيد غيبار، مدير القضاء العسكري،… أخبرني بأسماء المتورطين في المؤامرة ثم أضاف :

– استفادة غريوتوري، كناشت و سوفاج من الإفراج المؤقت يعود لكونهم قد تلقوا أوامر ولا يمكن تجريمهم دون تجريم شخصيات مرموقة. وهذا يمكن أن يثير الرأي العام ويؤدي إلى 6 فيفري جديد…

طلب مني العزوف عن ذكر الجانب السياسي لهذه المحاكمة، متحججا بذكرى زوجي وارتباطه بالجنرال صالان وحسي الوطني… “، ولكن رغم الوعود، تؤكد أنها بعد هذا اللقاء “لم تتلق أية أنباء لا من السيد غيبار ولا من المحامي فلوريو”.


مهما يكن الأمر، فإن زيارات الجنرال منذ 1953، إلى إفريقيا الإستوائية، جيبوتي، والمحيط الهندي، وخاصة في 1956 إلى الأنتيل والمحيط الهادي وأخيرا في 1957، إلى الصحراء وموريتانيا تظهر أنه كان يتم التخطيط لأمر ما، ومن المرجح إذا ما نظرنا لمجريات الأحداث أن محاولة الاغتيال هذه قد خطط لوقوعها في وقت لا يكون الجنرال صالان في مكتبه لتحدث الأثر المنشود من جهة، وللحفاظ على رجل سيكون ضروريا فيما سيأتي من جهة أخرى.


بعد اندلاع أحداث 13 ماي 1958، ومناداة البعض بعودة الجنرال، ومخاوف البعض الآخر من استيلائه على السلطة بشكل غير شرعي، رد على المخاوف، بحنكته المعهودة، مستخدما الجملة الساخرة الشهيرة : “لن أبدأ مسار دكتاتور بعمر 67 سنة”.


في هذه القضية، كما في غيرها من القضايا، كانت الجزائر في قلب الاهتزازات التي عرفتها فرنسا، وجمهورياتها التي تعاقبت منذ بدأ احتلال الجزائر، التي كانت سببا، علاوة على ذلك، في سقوط الجمهورية الرابعة منها، ما يبرز أهمية الجزائر بالنسبة لفرنسا، وأن الرجال الذين ساهموا في إنهاء احتلال البلاد، نالوا جدارة، أيا كان ما نعيبه عليهم، تحقيق المستحيل، لأن مغادرة الجزائر كانت غير واردة البتة بالنسبة لكثير من الفرنسيين، عسكريين ومدنيين، ممن كانوا يعتبرون أن فرنسا هي الجزائر والجزائر هي فرنسا.

ads-300-250

المقالات المنشورة في هذا الركن لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

كن أوّل من يتفاعل

تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.

فضلا.. الرجاء احترام الآداب العامة في الحوار وعدم الخروج عن موضوع النقاش.. شكرا.