زاد دي زاد - الخبر مقدس والتعليق حر

ملاحظة: يمكنك استعمال الماركداون في محتوى مقالك.

شروط إرسال مقال:

– النشر في “زاد دي زاد” مجّاني
– أن يكون المقال مِلكا لصاحبه وليس منقولا.
– أن يكون بعيدا عن الشتم والقذف وتصفية الحسابات والطائفية والتحريض.
– الأولوية في النشر للمقالات غير المنشورة سابقا في مواقع أو منصات أخرى.
– الموقع ليس ملزما بنشر كل المقالات التي تصله وليس ملزما بتقديم تبرير على ذلك.

مؤتمر حركة مجتمع السلم الثامن: أيّ رهان؟

مؤتمر حركة مجتمع السلم الثامن: أيّ رهان؟ ح.م

يشكل مؤتمر حركة مجتمع السلم الثامن المزمع انعقاده منتصف شهر مارس للسنة الجارية (2023)، محطة مهمة في المسار السياسي المثير للجدل لهذه الحركة السياسية، التي مافتئت تنافح عن كثير من القضايا المهمة في الشأن السياسي الجزائري..

وبالنظر إلى التحولات التي تطبع الحركية السياسية في الجزائر، خاصة ما بعد الحراك السياسي الشعبي الذي عرفته الجزائر إبتداءا من فيفري 2019، فإن سؤال الرهان في مؤتمر الحركة الثامن يبدو أكثر من ملح، فأي رهان يحمله هذا المؤتمر؟

ألا يعتبر خيار المعارضة خيارا غير متناسب مع طبيعة الحركات السياسية الإسلامية ذات الطبيعة الوسطية؟ خاصة بعد نكسة النكوص الديمقراطي التي تعرفها مختلف الأنظمة السياسية الشرقية منها والغربية؟

وهل سيستجيب المؤتمر لمختلف الرهانات المطروحة في الساحة السياسية في جزائر ما بعد الحراك الشعبي؟ أم أنه سيظل رهينا لمختلف التجاذبات الداخلية المشروعة ربما؟، والمتعلقة أساسا بحسم مسألة القيادة، كأهم تحدي داخلي من شأنه أن يمس التماسك السياسي والتنظيمي لهذه الحركة كما حدث في مؤتمرات سياسية سابقة؟.

في البداية يبدو أنه من الصعب تقدير أهمية سؤال الرهان الذي يستصحبه هذا المؤتمر، بالنظر إلى حالة الرتابة السياسية التي تعرفها الساحة السياسية في الجزائر، حيث تبدو الحركية السياسية على المستوى الحزبي على الأقل، قليلة التفاعل مع مختلف القضايا السياسية المطروحة..

ويبدو أن مستوى النضالية السياسية في هذا الشأن يشهد تراجعا مخلا، مقارنة بما عرفته الحياة السياسية في فترات سابقة، والتي بلغت أوجها في فترة الحراك السياسي الشعبي، على عكس ما يبدو في فضاءات التواصل الاجتماعي الشديدة الاستقطاب في ما تعلق من تناول لقضايا مختلفة كقضايا الهوية على سبيل المثال..

وإزاء ذلك يبدو أن سؤال الرهان في مؤتمر حركة مجتمع السلم الثامن، لا يشكل استثناءا لما تحمله الحياة السياسية من مؤشرات هدوء واستقرار ورتابة، اللهم إلا إذا استطاعت هذه الحركة من خلال مؤتمرها هذا طرح أجندة سياسية معبرة عن مختلف القضايا السياسية الجوهرية التي تشكل رهانا حقيقيا للحياة السياسية في الراهن الجزائري، كطموح مشروع لقيادة الحياة السياسية بعد المؤتمر الثامن.

من وجهة نظر أخرى يمكن القول أن مؤتمر حركة مجتمع السلم في سياقه هذا تتوافر له أجواء من الهدوء السياسي غير مسبوقة لم تتوفر في مؤتمرات سياسية من قبل، فلا يوجد في الساحة السياسية من القضايا ما يشكل عنصر ضغط أو توجيه، يجعل من الحركة تسعى عبر مؤتمرها الثامن لحسم توجهات مركزية أو إستراتجية..

وقد كان للتحول من إستراتجية المشاركة إلى إستراتجية المعارضة عبر مؤتمر سابق، وقعه في الساحة السياسية نتيجة لجملة الضغوطات الخارجية والداخلية أيضا، والتي كانت تدفع في اتجاه أن تستمر الحركة في لعب ورقة المساندة للنظام السياسي الذي عصفت به رياح التغيير بعد ذلك إثر الحراك الشعبي..

أليس من المعيب في حق هذه الإستراتيجية أن يجد هذا الجيل الجديد الذي أفرزته في مواجهة جيل المؤسسين والقيادات المرجعية للحركة؟ ألا يمكن أن يعد ذلك انتكاسا خطيرا قد يودي بالحركة وبرصيدها المتراكم عبر أجيال من النضال، فتغدو الحركة منبتة مقطوعة الصلة بماضيها وبرصيدها وبتاريخها؟ .

أما وأن حالة الرتابة قد ألقت بظلالها على المشهد السياسي في عمومه، فلا يتصور أن يكون للرهان الخارجي وقع وتأثير على مجريات المؤتمر بشكل جوهري.

سيكون من المهم إزاء هذا الهدوء السياسي العام- حتى لا نقول الرتابة مرة أخرى- أن تكون الأولوية في مناقشة أوراق المؤتمر وقضاياه بإتاحة المجال لتقييم الأفكار والبرامج، وهذا رهان حقيقي غالبا ما يتم القفز عليه.

فمن الواجب على المؤتمر في ظل هذا الهدوء أن يستجيب له، فالمحطة محطة تقييم واستشراف ورسم للرؤى والسياسات، والفصل في القضايا الكبرى محل الجدل والنقاش والخلافات، وما يسجل بهذا الصدد أن المؤتمرات السابقة غالبا ما غضت الطرف عن هذا الجانب تحت وطأة الضغوطات الخارجية، وحدة الصراع الداخلي.

فقد وجدت مؤتمرات الحركة -في مرحلة ما بعد الشيخ المؤسس محفوظ نحناح رحمه الله- نفسها أمام مسألة جوهرية وأساسية وملحة ومحط ضغوطات مختلفة داخلية وخارجية تتعلق باختيار القيادة السياسية، كأولوية غير قابلة للتأجيل..

أما هذا الرهان المتعلق بالبت في الأوراق المرجعية والتأسيسية فغالبا ما يحال إلى المؤسسات الناتجة عن المؤتمر، تحت مبرر أنها قد أشبعت نقاشا في مؤتمرات محلية وجهوية عديدة، فيتم القفز على مرجعية المؤتمر في هذا الشأن..

ويتم بالتالي تغييب أهم ميزة يرسخها القانون الأساسي للحركة بشأن المؤتمر، فهو صاحب الشرعية في إضفاء الشرعية على كل المخرجات، إبتداءا من القيادة السياسية إلى مختلف الأوراق المرجعية التي يتناولها بالنقاش، ويفترض في هذا الشأن أن تتساوى الأولويات بالنسبة للمؤتمر في تناول كل تلك الملفات.

بهذا الصدد لا مبرر أمام المؤتمر الثامن في عدم تناول عديد القضايا، ذات الأبعاد المختلفة، وسيكون من الواجب على المؤتمر إعادة طرح مسألة الخط السياسي القائم على تبني المعارضة كخيار مرجعي، فإلى أي مدى يمكن القول بنجاح هذا الخيار؟ أليس من المجازفة السياسية أن يضع حزب سياسي نفسه أمام مبدئية هذا الخيار دون استناد إلى معطيات العملية السياسية وتحولاتها؟

@ طالع أيضا: “القرضاوي”.. مُرشد “الوعي الحركي” في الجزائر (ملف)

ألا يعتبر خيار المعارضة خيارا غير متناسب مع طبيعة الحركات السياسية الإسلامية ذات الطبيعة الوسطية؟ خاصة بعد نكسة النكوص الديمقراطي التي تعرفها مختلف الأنظمة السياسية الشرقية منها والغربية؟

zoom

أليس من الأجدى أن تكون معطيات العملية السياسية هي الناظم للمواقف والتوجهات السياسية؟ فيترك المجال أمام القيادة السياسية لتقدير المواقف وتبني الخيرات السياسية الممكنة وفقا لمعطيات الموقف السياسي وفرصه أو إكراهاته؟ بدلا من الوقوع في مصيدة الخيارات الكبرى: مشاركة ومعارضة؟

أو ما عبر أنه أحد القيادات الحركية مؤخرا: بين المشاركة والشراكة، والذي كان عليه أن يضيف لها متغيرا ثالثا هو الشرك، فقد تكون اللعبة السياسية بمجملها مصيدة لوقوع الحركة في شرك يرهن مرجعيتها وتوجهاتها ويشل خياراتها؟.

وليس للمؤتمر أيضا أن يتجاوز تناول مسألة جوهرية عميقة، أثرت في توجهات الحركة بشكل أساسي، تتعلق بتقييم الخيارات الداخلية الكبرى، وذلك حينما تبنت في محطات سابقة إستراتجية الفصل الوظيفي، وهي إستراتجية كان لها وقعها على نشاط الحركة وعلى طبيعتها وعلى تنظيمها وهيكلتها..

والتي اعتبرت كرؤية تجديدية وإصلاحية كبرى، ارتبطت بشخص رئيسها الدكتور عبد الرزاق مقري المنتهية عهدتيه خلال هذا المؤتمر، فيكون على المؤتمر أن يجيب بالتالي على أسئلة عالقة مهمة..

فإلى أي مدى استطاعت هذه الإستراتجية أن تعيد الحيوية السياسية لهذه الحركة السياسية؟ أليس من المناسب أن نخلص إلى أن هذه الإستراتجية قد حولت هذه الحركة إلى مجرد مؤسسة أكاديمية كبرى، تحرص على التكوين والتدريب والارتقاء بأفرادها؟ على حساب الوظيفة السياسية التي هي بشكل أو بآخر المعبر عن هويتها الأساسية، باعتبار الطبيعة السياسية للحركة؟

ألا يمكن القول أن هذه الإستراتيجية الكبرى قد ابتعدت بالحركة عن مرجعيتها الأساسية، حينما تبنت وسائل تربوية وتنظيمية مستحدثة وغير مألوفة في الخط المرجعي للحركة؟

ألا يمكن التساؤل عن سر استمرار التوتر والقلق التنظيمي والسياسي في كيان الحركة رغم تبني هذه الرؤية الموصوفة بالتجديدية؟ وإزاء ذلك ألا يمكن القول أن هذه الإستراتجية التنظيمية كانت وراء إحالة جيل كامل من القيادات التربوية والتنظيمية والفاعلين في مختلف الميادين على مشجب التهميش بدعوى التجديد والتشبيب والترجيح وما إلى ذلك؟

لماذا تحولت الحركة من حركة مشروع إلى حركة ذات بعد شخصي ومستقطبة حول القيادة السياسية بامتياز؟ فتحولت بذلك من حركة مشروع قائد إلى حركة قائد لمشروع؟

@ طالع أيضا: الشيخ محفوظ نحناح.. رجل “الشوراقراطية”

أليس من المناسب أن نخلص أيضا إلى أن هذه الإستراتجية قد أفرزت جيلا مهما من القيادات والفاعلين في مختلف الميادين لكنه يفتقد إلى اللمسة التربوية المألوفة في أجيال الحركة في ما سبق؟ على اعتبار النفس الصراعي الغالب على هذا الجيل المستجد؟

أليس من المعيب في حق هذه الإستراتيجية أن يجد هذا الجيل الجديد الذي أفرزته في مواجهة جيل المؤسسين والقيادات المرجعية للحركة؟ ألا يمكن أن يعد ذلك انتكاسا خطيرا قد يودي بالحركة وبرصيدها المتراكم عبر أجيال من النضال، فتغدو الحركة منبتة مقطوعة الصلة بماضيها وبرصيدها وبتاريخها؟.

كما يبقى على المؤتمر أن يوضح معالم المشروع السياسي للحركة، فما الجديد فيه؟ وماذا بقي من مشروع الشيخ المؤسس رحمه الله؟ وما مدى انسجام الرؤية العامة للحركة في واقعها الجديد مع الرؤية العامة للحركة التي تأسست في إطارها؟..

ولماذا كل هذا التنازع حول المشروع النحناحي الذي تولدت عنه انشقاقات وحركات عصفت به وبطموحاته الكبرى؟، وإلى جانب ذلك ماهي آفاق استعادة وحدة الحركة؟ وهي التي تفخر بأنها استطاعت أن تنجز جزءا مهما منه حينما نجحت في استعادة الوحدة مع جبهة التغيير؟ وهل يمكن التسليم أن معالم الوحدة لا تزال قائمة مع حركة البناء الوطني في ظل الرؤية التجديدية المتبناة؟

ألا يمكن القول بأن معالم الرؤية الفكرية قد صارت شديدة التباين بين الحركتين؟ وهو ما يدل على تعمق الشرخ الفكري بين الحركتين أكثر من أي وقت مضى؟ إذ لم تكن إبان مرحلة الانشقاق والانقسام تباينات فكرية يمكن أن تذكر؟

وإزاء ذلك ألا يمكن القول أيضا أن الأجيال الجديدة في الحركة صارت تسابق الزمن في قطع الطريق أمام أي وحدة ممكنة؟ على أساس أن لها تجربتها الخاصة التي تطورت بعيدا عن حلم الوحدة؟ ولها أيضا رؤيتها الخاصة في العمل التربوي والتنظيمي والسياسي؟ بشكل يصعب معه تجسير أي عمل وحدوي مستقبلا على أساس المرجعية المشتركة؟.

ومن المهم أيضا أن يقدم المؤتمر إجابات واضحة عن الحالة السياسية التي تعيشها الحركة مع كل مؤتمر؟ ولماذا تبدو صراعية أكثر من اللزوم؟ ولماذا هذا الاستقطاب اتجاه الداخل أكثر من الخارج في الساحة السياسية؟

ولماذا تحولت الحركة من حركة مشروع إلى حركة ذات بعد شخصي ومستقطبة حول القيادة السياسية بامتياز؟ فتحولت بذلك من حركة مشروع قائد إلى حركة قائد لمشروع؟

zoom

ألا يمكن التسليم أن معالم المشروع الحضاري الكبير الذي سعت الحركة في كل مراحلها السابقة إلى تجسيده وتمثله كحركة قيادية وقدمت في سبيله التضحيات الجسام وبذلت من أجله الغالي والنفيس تكاد تتفلت من بين أيديها بعد أن استهلكها الصراع أو يكاد حول من يقود؟ في شكل خيارات ضيقة للغاية؟.

ولماذا يرضى الجيل القيادي المنشود في أدبيات الحركة ومرجعياتها بأن يحصر أمر القيادة في خيارات ضيقة؟ يجري تغذية الاستقطاب نحوها بشكل يستفز القواعد ويربكها؟ ويرهن مستقبل الحركة ويسمه بالضبابية وعدم الوضوح؟ هل ضاقت الحركة بقيادييها الذين تتوفر فيهم مواصفات المنافسة باقتدار على منصب القيادة إلى الحد الذي جعلت أحدهم يتساءل بشكل مستفز: من أنا ومن أنافس؟…

ولماذا كل هذا الغموض والضبابية في إبراز الشخصيات المنافسة على كرسي القيادة؟ ثم ألا يعد العجز عن تقديم شخصيات سياسية وازنة في الساحة السياسية تعبير عن فشل المشروع السياسي للحركة وتراجعه؟

وبعد كل ذلك ألا يمكن التسليم أن معالم المشروع الحضاري الكبير الذي سعت الحركة في كل مراحلها السابقة إلى تجسيده وتمثله كحركة قيادية وقدمت في سبيله التضحيات الجسام وبذلت من أجله الغالي والنفيس تكاد تتفلت من بين أيديها بعد أن استهلكها الصراع أو يكاد حول من يقود؟ في شكل خيارات ضيقة للغاية؟.

ربما لن يستطيع المؤتمر الإجابة على كل ذلك الزخم من الأسئلة؟ ولكن ما يمكن التأكيد عليه أن الحركة ما لم تستجب لتلك الرهانات الداخلية الملحة، والتي تستبطنها كل تلك الأسئلة فإنها لن تستطيع أن تستجيب لرهان الساحة السياسية التي تبقى بحاجة إلى محرك سياسي حقيقي بحجم حركة مجتمع السلم من أجل تجاوز حالة الرتابة السياسية وفقدان المبادرة السياسية والعمل على المساهمة في تطوير العمل السياسي المشترك..

وتزويد الساحة السياسية بالأفكار والرجال والبرامج والبدائل، خاصة وأن الساحة السياسية تنتظرها استحقاقات سياسية مهمة رئاسية وبرلمانية ومحلية على أمل المساهمة في تسيير الشأن العام وخدمة المجتمع على كل المستويات.

نعم إنه رهان برهان ولن يكون للحركة القدرة على الاستجابة لرهان الساحة السياسية ما لم تواجه رهانها الداخلي والإجابة على كل تلك الأسئلة باقتدار.

zoom

ads-300-250

المقالات المنشورة في هذا الركن لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

كن أوّل من يتفاعل

تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.

فضلا.. الرجاء احترام الآداب العامة في الحوار وعدم الخروج عن موضوع النقاش.. شكرا.