زاد دي زاد - الخبر مقدس والتعليق حر

ملاحظة: يمكنك استعمال الماركداون في محتوى مقالك.

شروط إرسال مقال:

– النشر في “زاد دي زاد” مجّاني
– أن يكون المقال مِلكا لصاحبه وليس منقولا.
– أن يكون بعيدا عن الشتم والقذف وتصفية الحسابات والطائفية والتحريض.
– الأولوية في النشر للمقالات غير المنشورة سابقا في مواقع أو منصات أخرى.
– الموقع ليس ملزما بنشر كل المقالات التي تصله وليس ملزما بتقديم تبرير على ذلك.

ليتني كنت مؤرخا وكتبت تاريخ الثورة فقلت..!

ليتني كنت مؤرخا وكتبت تاريخ الثورة فقلت..! ح.م

ولماذا إلى اليوم نقرأ تاريخ ثورتنا من وجهة نظر عدوها المهزوم؟

كلما حلت مناسبة وطنية إلا وعاد الحديث عن ضرورة كتابة تاريخ الثورة ليطفو على السطح من جديد...

ومناسبة ذكرى غرة نوفمبر لهذه السنة (2023) وهي التي تسبق الذكرى السبعين لثورتنا المجيدة قد تعيد طرح حديث من هذا القبيل على مدى الشهور القادمة.

إذا كان المنهزم الفرنسي كتب تاريخه، فلماذا لا يكتبه الجزائري المنتصر؟. ولماذا إلى اليوم نقرأ تاريخ ثورتنا من وجهة نظر عدوها المهزوم؟…

@ طالع أيضا: المجال الحيوي.. أو الحرب العالمية الصامتة!

وقد تحاول أن تجيب العالم على السؤال المحير: إذا كان المنهزم الفرنسي كتب تاريخه، فلماذا لا يكتبه الجزائري المنتصر؟. ولماذا إلى اليوم نقرأ تاريخ ثورتنا من وجهة نظر عدوها المهزوم؟.

البعض يعوز الأمر إلى أن أرشيف الثورة بيد هذا العدو المهزوم، والبعض الآخر يقول أن تاريخ الثورة لو كتب بالشكل الصحيح قد يفجر صراعات بين الفرقاء الأحياء من المجاهدين وأبناء الشهداء وعموم الأسرة الثورية وحتى الوطنيين الأحرار.

لهذا يرى البعض أن كتابة هذا التاريخ ستصبح ممكنة بعد رحيل جيل الثورة الذي مازال يفرض منطق الشرعية الثورية في الفكر وفي السياسة..!

أنا من خريجي معهد التاريخ بجامعة الجزائر، ممن تلقوا العلم نهاية السبعينيات على يد مشاهير دكاترة الاختصاص مثل شيخ المؤرخين الدكتور أبو القاسم سعد الله، والدكتور جمال قنان، والدكتور ناصر الدين سعيدوني والدكتور عبد الحميد حاجيات وغيرهم كثير. لكنني كنت من أولئك الذين تحصلوا على منحة دراسية للخارج وحولوا التخصص في الدراسات العليا من التاريخ إلى العلوم السياسية.

والنتيجة أننا أصبحنا مخضرمين أكاديميا، لم ننفع في التخصص لا العلوم السياسية ولا التاريخ، وهذا خطأ لا أنصح به الجيل الجديد.

وكنت وأنا من صار غير مؤهل لكتابة تاريخ الثورة أرى في زملاء لي بقسم التاريخ بجامعة الخروبة بالعاصمة من أمثال الدكتور محمد الأمين بلغيث، والدكتور محمد لحسن زغيدي والدكتور يوسف مناصرية وغيرهم كثير ممن تحدوهم الرغبة والحيوية لكتابة تاريخ الثورة يكبل جموحهم بنقص الامكانيات وانسداد الآفاق.

لو كنت مؤرخا لكتبت في باب تاريخ الثورة الجزائرية أنها ثورة أنجبت بالموازاة مع المجاهدين الأفذاذ جيلا من السياسيين البارعين، رغم أنهم لم يدرسوا لا في الجامعات ولم يتمرسوا على السياسة في فضاءات تسمح بصقل مواهبهم…

لهذا لا نجد في مؤلفاتهم على كثرتها إلا ما يحوم حول أطراف الثورة التحريرية، لكنه لا يغوص في أعماقها. لهذا صرت أمني نفسي في أحلام يقظة بكتابة تاريخ الثورة فأقول:

ــ لو كتبت تاريخ الثورة التحريرية المجيدة لشرحت ووضحت كيف أنجبت هذه الثورة رجالا لم يدرسوا في الكليات والأكاديميات الحربية، ورغم هذا دحروا جيشا قوامه أضعاف مجاهديهم عدة وعتاد.

كانوا يرسمون خططهم العسكرية بعود حطب على التراب لجنودهم، لينتصروا على جنرالات فرنسا الذين اعتمدوا خرائط ومجسمات لشرح الخطط التي عادة ما تكون مسندة عملياتيا من الأرض والجو وحتى البحر، ورغم هذا ينتصر عدوهم المسلح ببضع بنادق رشاشة..!

ــ لو كنت مؤرخا لكتبت في باب تاريخ الثورة الجزائرية أنها ثورة أنجبت بالموازاة مع المجاهدين الأفذاذ جيلا من السياسيين البارعين، رغم أنهم لم يدرسوا لا في الجامعات ولم يتمرسوا على السياسة في فضاءات تسمح بصقل مواهبهم.

@ طالع أيضا: بومدين وعبد الناصر وآخرون.. لماذا لا يتكررون؟

لكنهم أنشأوا حكومة مثلت الجزائر خير تمثيل في المحافل الدولية سواء في المحيط الإقليمي كالعالم العربي وحركة عدم الانحياز أو في المحيط الدولي كمنظمة الأمم المتحدة.

هؤلاء الساسة عرفوا كيف يقدموا القضية الجزائرية في المحافل الدولية لتنال التعاطف والاعتراف والتأييد الدوليين، منتصرين في ذلك على كبار دبلوماسيي فرنسا..!

ــ لو كنت مؤرخا لما نسيت أن أتوقف لأسجل بإعجاب مقدرة أولئك المفاوضين في إيفيان الذين ضمنوا للجزائر استقلالا غير منقوص.

التفاوض الدولي والتفاوض لحل الأزمات تخصصان معقدان يتم تدريسهما اليوم في الجامعات في إطار تخصص علمي أكاديمي عنوانه: استراتيجيات التفاوض الدولي.

لكن الذين مثلوا الجزائر في إيفيان لم يدرسوا هذا التخصص عكس نظرائهم، ورغم هذا حصلوا على من لا يمكن ربما لواحد من جيلنا الحصول عليه..!

ــ لو كنت كاتبا لتاريخ الثورة لما نسيت أن أكتب أنه حتى في الرياضة انجبت الثورة فريقا وطنيا لكرة القدم مثلها خير تمثيل في المحافل الرياضية الدولية، رغم أنه لم تكن للجزائر لا بطولة كروية ولا فرق كبيرة تؤهل لاعبين كبار.

كل ما في الأمر أن الروح الوطنية كانت تحمس هؤلاء الشبان أن يرفعوا الراية الوطنية عاليا لأن ذلك يخدم القضية الوطنية. وليس عيبا أن نقول أن انجازات فريق جبهة التحرير فاقت بكثير انجازات المنتخبات الوطنية لما بعد الاستقلال..!

الانقلاب الوحيد الذي عرفته البلاد كان سلميا ودون إراقة الدماء وسجل في خانة التصحيح الثوري لا أكثر. بينما كان الجيش الشعبي سليل جيش التحرير في مراحل لاحقة وإلى اليوم صمام الأمان للوحدة الوطنية. بل وصار اليوم من أكثر جيوش العالم قوة واحترافية..!

@ طالع أيضا: جيش نتوكأ عليه.. ولنا فيه مآرب أخرى!

ــ لو كنت مؤرخا لوقفت متأملا في كيفية حدوث ذلك التحول العجيب غداة الاستقلال لجبهة التحرير الوطني من حركة تحرير إلى حزب سياسي حاكم، دون كبير أثر لولا بعض المناوشات بين الإخوة الفرقاء لم تؤثر كثيرا على المسار العام للنهوض بالدولة الجزائرية المستقلة.

لقد شهد تحول كثير من حركات التحرر في إفريقيا جنوب الصحراء إلى أحزاب حاكمة إلى سلسلة من الانقلابات العسكرية والانقلابات المضادة، الأمر الذي رهن استقلال تلك الدول وأبقاها تحت هيمنة مستعمر الأمس. بينما عرفت جبهة التحرير كيف تتحكم وتسير بلد بحجم قارة، رغم نقص الوسائل والامكانيات.

حتى الانقلاب الوحيد الذي عرفته البلاد كان سلميا ودون إراقة الدماء وسجل في خانة التصحيح الثوري لا أكثر.

بينما كان الجيش الشعبي سليل جيش التحرير في مراحل لاحقة وإلى اليوم صمام الأمان للوحدة الوطنية. بل وصار اليوم من أكثر جيوش العالم قوة واحترافية..!

إن بلدا حقق كل هذه المنجزات لهو جدير بكتابة تاريخ مفصل قد لا تسعه مجلدات. بينما نحن اليوم للأسف لا نكاد نعثر على كتاب أكاديمي جاد بقلم جزائري يتحدث عن الثورة ومآثرها وما حققته من إنجازات كما أسلفنا ذكره.

لقد سمحت لنفسي هذه الأيام المفعمة بنسمات الثورة أن أتخيل جمهرة من مؤرخينا، وفي مقابلهم ذوي الحل والعقد من سياسيينا، وأنا أصرخ فيهم: لماذا كل هذا التقصير، ومن منكم مسؤول عنه؟

لكن للأسف لن يتسنى لي التخيل فما بالك بطرح مثل هكذا سؤال، لكن قد يسأله يوما غيري…!؟

@ طالع أيضا: ماكرون يلتحق بغرفة العمليات.. باريس تساوي تل أبيب!

ads-300-250

المقالات المنشورة في هذا الركن لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

كن أوّل من يتفاعل

تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.

فضلا.. الرجاء احترام الآداب العامة في الحوار وعدم الخروج عن موضوع النقاش.. شكرا.