بينما يستمر القصف الجنوني والوحشي الذي دخل أسبوعه الثالث، على المدنيين العزل في قطاع غزة، والذي أدى إلى تدمير نصف غزة، ونزوح 70 بالمائة من سكانها، وسقوط قرابة الخمسة آلاف شهيد وآلاف الجرحى، في مشهد همجي لم تشهده الإنسانية قط في العصر الحديث، يعيش الكيان الصهيوني، وجيشه المهزوم سؤالا وجوديا مرعبا عن كيفية تنفيذ الهجوم البري ضد قطاع غزة، من أجل استئصال المقاومة فيه، حيث تكرر تأجيل الإعلان عن ساعة الصفر مرات عديدة في آخر لحظة، وتغيرت الخطط الموضوعة مرارا وتكرارا، خوفا ورعبا من الجحيم الذي ينتظرهم داخل القطاع المقاوم.
ويكشف تكثيف الطيران الصهيوني قصفه الوحشي على غزة، مدى الرعب الذي يتملك قادة الجيش المهزوم من دخولهم المعركة البرية، رغم الإمكانيات الضخمة التي جهزوها لذلك بدعم كامل من الولايات المتحدة..
حيث يسعى هؤلاء القادة المرعوبين إلى تقليص حجم الخسائر في صفوفهم، باعتماد الأرض المحروقة لأطول وقت ممكن، حتى يسهل عليهم التوغل داخل القطاع كما يتوهمون، بينما لا تكاد صور البطولة الاحترافية القتالية للفلسطينيين التي أدهشتهم في السابع من أكتوبر الماضي، تطاردهم وتقض مضاجعهم.
وما يزيد في رعب جيش الكيان المهزوم، الذي لم يتعود من قبل مواجهة برية مباشرة مع المقاتلين بهذا الشكل، وكان يعتمد دائما على التفوق الجوي والقصف من بعيد، أن المقاومة تعلن استعدادها التام للمواجهة، وأنها تجهزت جيدا لاحتمالات الهجوم البري، وأنها وضعت في حسابها كل السيناريوهات الممكنة، وأن لديها خططا للمواجهة وقدرات قتالية واسعة لا يعرفها العدو وسيفاجأ بها أكثر من مفاجأته الأولى بالهجوم على مستوطنات غلاف غزة.
وقد كشف إعلان كتائب القسام الجناح العسكري لحركة “حماس”، مساء الأحد، عن إيقاع قوة إسرائيلية مدرعة في كمين محكم، شرق خان يونس جنوب قطاع غزة، بعد عبورها السياج الفاصل بعدة أمتار فقط، ودمروا جرافتين ودبابة وإصابة من فيها وهروب بقية الجنود جريا على أرجلهم، مدى الضعف الكبير الذي يعانيه الجيش الصهيوني في اقتحام غزة، وكذا مدى الاستعداد الكبير الذي يتحلى به مقاتلو المقاومة لصد أي هجوم، وإلحاق هزيمة تاريخية أخرى أشد وأقسى من هزيمة السابع أكتوبر الجاري بجيش الاحتلال.
لماذا الكيان مرعوب من الهجوم البري؟
وبالعودة إلى التهديدات الصهيونية باجتياح القطاع، نلاحظ أن حدة هذه التهديدات وأهداف العملية البرية تتراجع يوما بعد يوم، لبروز حجم المخاطر التي تنتظر جيش الاحتلال في غزة، وهو السبب الذي دفع بتأجيل الهجوم البري أكثر من أربع مرات في آخر لحظة، خشية من المفاجآت الضخمة التي قد تواجههم داخل القطاع، قد تتجاوز بكثير مفاجآت اليوم الأسود.
ويمكن إجمال أسباب رعب الصهاينة في هذا الصدد في ما يلي:
1/ تسريب المخابرات الروسية عن وجود ما لا يقل عن 40 ألف مقاتل من حماس والفصائل الفلسطينية المقاومة في القطاع، مدربين تدريبا عاليا باعتبارهم قوات خاصة يشبهون في قوتهم المجموعة التي قامت بالهجوم الكبير قبل أسبوعين، والتي كسرت نظرية التفوق الإسرائيلي للأبد.
2/ تصريحات المسؤولين السياسيين والأمنيين الأمريكان الذين حذروا من تكرار التجربة الأفغانية والعراقية في قطاع غزة، بل وحذروا صراحة من أن ما تعرض له المارينز الأمريكي في مقديشو الصومالية، لن يكون شيئا في مقابل ما ينتظر الصهاينة في شوارع وأزقة غزة، وبنياتها المدمرة.
3/ قدرة المقاومة في استثمار ملف الأسرى، الذين يتجاوز عددهم 210 أسير وأسيرة، خاصة بعد إطلاق الأسيرتين الأمريكيتين، وعرضها إطلاق أسيرتين أخريين، ورغبة واشنطن في استعادة أسراها في الوقت الذي لا يعير فيه الجانب الإسرائيلي اي اهتمام لأسراه في مواجهة شهوة الانتقام التي تسكنه، خاصة بعد الفتاوى الحاخامية بجواز التضحية بالأسرى واعتبارهم قرابين لدولة “إسرائيل”؟..
إلا أن تزايد الضغط الشعبي الإسرائيلي وخروج المظاهرات الحاشدة لمطالبة حكومة نتانياهو بالتفاوض مع حماس لإطلاق سراحهم، وعدم التضحية بهم إذا ما تم الهجوم البري، سيكون أحد أهم العوامل التي قد تغير خطط الهجوم البري كما يريدها قادة اليمين المتطرف داخل ما يسمى بحكومة الطوارئ.
4/ تهلهل وعدم استعداد داخل الجيش الصهيوني، وانهزامية نفسية فاضحة بين جنوده كشفت عنها النسب المرتفعة في رفض الخدمة العسكرية من بين صفوف الاحتياط، ورغم محاولات الكيان التغطية على هذه الفضيحة التي تكشف جبن جنوده، وخوفهم من القتال في غزة..
إلا أن الأرقام والدلائل تشير كلها، إلى أن الجيش الصهيوني في مجمله، غير راغب ولا قادر على الدخول في معركة برية، سيفقد فيها لأول مرة عامل التفوق الجوي، في ظل النقص الفادح في التدريب على مثل هذه الأوضاع خاصة بين قوات الاحتياط المتراخية، وقد تؤدي به إلى هزيمة منكرة لن يخرج من تبعاتها أبدا بعد ذلك.
5/ البنية الجغرافية والديمغرافية للقطاع يجعله معقدا جدا للاختراق، خاصة مع وجود شبكة الأنفاق التي تسميها إسرائيل بـ “ميترو غزة”، حيث يتوفر القطاع على أكبر عدد من الأنفاق ذات الاستعمال العسكري في العالم بعد كوريا الشمالية، والتي لا يمكن معها لبرامج الرصد والرادات العثور عليها، وهو ما اعترف به رئيس أركان الجيش الإسرائيلي نفسه، هيرتسي هليفي عندما قال إن “غزة معقدة ومكتظة، وإن “العدو” يحضر لنا الكثير من الأمور”، وهو التصريح الذي أحدث ارتباكا بين الجنود، ما دفع القيادة إلى سحبه.
6/ مخاوف واشنطن وتل أبيب، من احتمالية انضمام حزب الله ومحور المقاومة لهذه الحرب، في حال الشروع فعليا في الهجوم البري على غزة، والذي إن حدث فسيدفع أمريكا للتدخل مباشرة، وقد أرسلت بالفعل حاملات طائراتها إلى شرق المتوسط، لتتدخل إيران بدورها في هذا الصراع، ما سوف يؤدي إلى حرب إقليمية واسعة، قد تشمل دولا أخرى، بمن فيها تركيا وبعض الدول العربية الأخرى، حتى تلك التي لم تكن راغبة في ذلك.
هل اقتربت الحرب الشاملة؟
ورغم هذا الرعب الذي يسكن الكيان وجيشه المهزوم نفسيا، إلا أن قادة الكيان وعلى رأسهم نتنياهو ووزراء اليمين المتطرف يصرون على استكمال الهجوم البري، للقضاء على حماس والمقاومة، واستعادة هيبة الكيان وجيشه، بينما يجد نتنياهو نفسه أمام معادلة صعبة: إما الدخول إلى غزة، أو دخوله هو إلى السجن، بسبب مسؤولياته الواضحة في كل ما جرى.
وبحسب معظم المراقبين والمحللين، فإن الهجوم البري الإسرائيلي على القطاع حتمي، وإلا تكون “إسرائيل” قد خرجت منهزمة بشكل رسمي من هذه المواجهة، وما يؤكد ذلك المؤشرات التالية:
1/ إعلان واشنطن هذا السبت، الرفع من جاهزيتها العسكرية في الشرق الأوسط، بعد دخول أذرع إيران العسكرية في المنقطة، الحرب بشكل صريح، سواء من خلال الهجمات التي تتعرض لها القواعد العسكرية الأمريكية في سوريا والعراق، من طرف قوات الحشد الشعبي الشيعية الموالية لإيران، أو الهجوم الذي نفذته قوات الحوثي بالصواريخ والطائرات المسيرة على المدمرة الأمريكية في البحر الأحمر، أو التصعيد الكبير الذي يقوم به حزب الله في شمال الكيان.
وزيادة على إرسال حاملات الطائرات والمدمرات الأمريكية إلى سواحل الكيان، يأتي الإعلان الجديد عن نشر منظومة “ثاد” المضادة للصواريخ بطاريات “باتريوت” إضافية للدفاع الجوي عبر المنطقة، مع وضع عدد أضافي من القوات الأمريكية في حال تأهب، تضاف إلى ألفين من القوات الخاصة الأمريكية من قوات “دالتا فورص” التي يرجح أن تكون رأس حربة للاختراق المنتظر في حرب الشوارع في غزة.
2/ دعوة مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الإسرائيليين إلى مُغادرة الأردن ومصر والإمارات، والبحرين وتركيا، فورًا والامتناع عن السفر إلى المغرب وإلى مغادرتها إلى أي وجهة أوروبية أو غيرها، مؤشر كبير على أن الحرب ستستعر أكثر، وقد لا تتوقف عند حدود غزة وحدها.
لهذا قاطعت الجزائر قمة الاستسلام بالقاهرة
وحيال هذه التطورات الخطيرة، ومع استمرار الصمت العربي والتآمر على القضية الفلسطينية من بعض الدول العربية، قررت الجزائر عدم المشاركة في قمة القاهرة للسلام، على الرغم من تلقيها دعوة رسمية، وقد أيدتها في ذلك تونس، بينما خفضت بعض الدول العربية من حجم مشاركتها بإرسال ممثلين عنها فقط، بدل المشاركة على مستوى الرؤساء أو الملوك.
وقد تبين بعد انتهاء هذه القمة، صحة الموقف الجزائري حين انتهت إلى اللاشيء، حيث اختتمت هذه القمة التي دارت والقصف الصهيوني متواصل على أهل غزة، دون القدرة على التوصل إلى قرارات أو حتى إصدار بيان ختامي عن نتائج هذه القمة الفارغة.
وكشفت كواليس القمة، بُعد النظر الجزائري في المشاركة في مثل هكذا قمم فارغة، حيث شهدت الجلسة المغلقة الخاصة بإصدار البيان الختامي للقمة، خلافات حادة بين المجموعة العربية والمسؤولين الأوروبيين بسبب وضع جملة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” وإدانة صريحة لحماس في البيان الختامي..
علما أن الموقف الجزائري بالأصل، كان متحفظا حتى على الموقف العربي في اجتماع وزراء الخارجية العرب الماضي، والذي ساوى فيه بين الضحية والجلاد، ورفض قتل المدنيين من “الجانبين”.
كما شكل موقف أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي قرر الانسحاب من القمة، دون إلقاء كلمته، بعد أن تبين أن معظم الحضور جاء لإدانة حماس والضحايا، تدعيما لموقف الجزائر من رفض حضور هذه القمة الفارغة، مع تخصيص جهودها في كيفية مساعدة الفلسطينيين تحت القصف، والتي كان من بين ملامحها الظاهرة، إطلاق جسر جوي إلى مطار العريش شرقي مصر، من أجل إرسال مساعدات إنسانية “عاجلة وهامة” إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، أما الأمور الخفية فإن الجزائر كدولة تعرف تماما كيف تضبطها جيدا.
@ المصدر: الإخبارية
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.