يثار في الآونة الأخيرة موضوع حول بشاعة البنايات الفردية في الجزائر ككل، وحول المخطط البنائي الذي يعتمد على مستودعات في الطابق الأرضي وشقق في الطوابق الباقية، دون أن ننسى جزئية عدم الاهتمام بطلاء المباني أو توحيد المخططات في مناطق البناءات الذاتية أو حتى احترام التناسق العام وغيرها.
وفي الواقع هناك مقارنات غير منطقية مع البناءات في الدول الغربية والجزائر تعرض بشكل استهزائي لا يستقرء الواقع الذي دفع المواطن لمثل هذه البنايات ونحاول أن نقدم بعض الأسباب في هذا المقال…
1- الانفجار الديمغرافي وأزمة السكن:
من منا لا يقر بهذا الانفجار الديمغرافي بداية من السبعينات من القرن الماضي والذي طغى على قدرة المرافق العامة في استيعابه، سواء صحة، تعليم أو حتى السكن، انفجار عقب استقلال الجزائر والتي حين استقلالها كان تعداد سكانها يقارب التسع مليون نسمة، تعداد تحكمت فيه قوى الظلام بالقتل والتنكيل ما جعل التعداد السكاني منكمش جراء المجازر والقتل الممنهج، لكن بعد الاستقلال الفتي كانت معادلة بناء الدولة صعبة فبعد عشر سنوات من الاستقلال تجاوز تعداد السكان 14 مليون نسمة، وفي سنة 1980 تعدى 19 مليون نسمة حسب البنك الدولي، أي بمعدل زيادة خمس مليون في كل عشر سنوات، هذا التزايد السكاني تقابله دولة هشة لم تستطع أن تتحكم في مواردها وتوزيعها أو حتى الاستجابة لهذا التزايد السكاني الذي تزيد معه المطالب على الأساسيات لاسيما السكن…
2- البحث عن الحل من طرف الشعب:
التشوهات البصرية التي نشاهدها في المدن وحتى في القرى هي في الواقع ما اقترحه الشعب كحل لأزمة السكن التي لم تستطع الدولة أن تستجيب لها، فبات المواطن يحاول أن يجد حلولا في غياب تام لرؤية الدولة أو حتى اللمسة الهندسية التي يؤخذ بها في باقي الدول التي تحترم الجانب الجمالي في البناء العمراني للمدن..
التشوهات البصرية التي نشاهدها في المدن وحتى في القرى هي في الواقع ما اقترحه الشعب كحل لأزمة السكن التي لم تستطع الدولة أن تستجيب لها، فبات المواطن يحاول أن يجد حلولا في غياب تام لرؤية الدولة أو حتى اللمسة الهندسية التي يؤخذ بها في باقي الدول التي تحترم الجانب الجمالي في البناء العمراني للمدن، فنجد أن هناك مخطط موحد لهذه البناءات واحترام الواجهات الموحدة حتى لا يكون هناك التشوه العمراني الذي ذكرناه آنفا.
وأما في النموذج الجزائري الذي بدأ بشكل متسارع منذ الثمانينات وكذا التسعينات مع النزوح الريفي المبرر فنجد فيلات بشكلين لا ثالث لهما إما مربع كبير أو مستطيل ضخم، دون مراعاة للشكل الجمالي سواء للبناء في حد ذاته أو لما يحيط به، مدننا خالية تقريبا من المساحات الخضراء، ومساحات اللعب والترفيه هناك محتشدات وفقط ما يوحي بتفكير بدائي جداً ينحصر بين التجارة (مستودعات الطابق الأرضي) والغرف أو الشقق (في باقي الطوابق)، هذا هو الحل الذي أوجده المواطن للأسف ولا يلام بالنظر لأزمة السكن التي تعصف بالمواطن لاسيما في المدن الكبرى الواقعة شمال الجزائر، وربما نستدل بمشاريع الدولة التي تأخذ من الوقت ما يجعل طالب السكن يشيب قبل حصوله على السكن وسكنات عدل مثال حي عن ذلك.
ما لاحظناه أيضاً هو أنه حتى القرى لم تسلم من هذه المربعات والمستطيلات في حين كانت البناءات في الريف تستجيب للطبيعة والمناخ، أما حاضراً فباتت تشبه بنايات المدن التي يمكن أن تصنف بالبنيات الفوضوية لكنها في شكل فيلات والذي يريد التأكد ما عليه سوى أن يزور أي منطقة سكنية ببناءات فردية ليصاب بشلل بصري فعلي…
3- لا يهم الجمال المهم الفسح والاتساع..
نحن لا نحاول أن نحاكم المواطن الذي لم تبق له سبلا سوى هذه الحلول الذاتية التي تنم عن بحثه عن مكان أوسع للحياة وهذا من حقه، لكنه بالمقابل لا يهتم بجعل البناء جميل من الخارج وهذه النقطة هي التي تعتبر الأخطر لأنه مؤشر عن تهاوي مفهوم الانتماء العام للوطن…
كما أشرنا سابقا نحن لا نحاول أن نحاكم المواطن الذي لم تبق له سبلا سوى هذه الحلول الذاتية التي تنم عن بحثه عن مكان أوسع للحياة وهذا من حقه، لكنه بالمقابل لا يهتم بجعل البناء جميل من الخارج وهذه النقطة هي التي تعتبر الأخطر لأنه مؤشر عن تهاوي مفهوم الانتماء العام للوطن… أي لا يهم أن يكون بنائي جميلا ومطليا خارجاً المهم أن يكون منزلي من الداخل الأجمل…
ولعل انسحاب الركن الجمالي من تفكير الإنسان عامة هو دليل تهاوي القيم الحضارية التي تستند للجمال في الهندسة والتناسق بين المباني التي من المفروض أن يخطط لها على مستوى الدولة، حتى قبل بيع قطع الأراضي وأن يراعى الجانب الجمالي والترفيهي والحياتي لهذه المدن الفوضوية…
أخيرا الفيلم الجزائري عايش باثناش للمخرج محمد حلمي قد يجيبك عن التساؤل الأول الذي طرحناه في بداية المقال، أين يجبر ضيق المسكن بطل الفيلم وجاره الاستيلاء على شقة جارهما الثالث الذي كان غائبا، بالإضافة لمشاكل أخرى تلخص حالنا الآن… أنصح بمشاهدته…
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 7432
مقال أتفق مع ما قيل فيه