ما صاحب إحتجاجات جانفي 2011 بالجزائر كشف الستار عن الكثير من العيوب الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والنقابية والإعلامية وبدا كل طرف متقدم في هذه الصفوف مشتاق للكلام وللتصريح وللفضفضة سواء لقناتنا التلفزيونية أو للقنوات العربية والأجنبية التي كانت هي الأخرى تبحث عن كيفية إصطياد كل طيور الخبث والمعارضة من أجل المعارضة، وانتهجت كل وسيلة إعلامية مرئية أسلوب التنقية والتصفية الصوتية التي تخدم تلك القناة وتعطي لها دورالمصداقية والتوجيه سواء كان ذلك من أجل الإستمرار في صفة الرسمية بالنسبة للتلفزيون الجزائري أو صفة المصداقية الملونة من قبل بعض قنوات أشقاءنا العرب وأصدقاءنا الأجانب
لكن ما لوحظ في هاته الأيام التي تحولت كل ساعاتها إلى ساعات ليل بالنسبة لكل الجزائريين الذين عايشوا هذه الأحداث بقلوب ممزقة هو عودة الخطاب التحريضي في تلك القنوات التلفزيونية الخارجية بألسنة الجزائريين الذين تعلموا في الجزائر وأخذوا شهادات عليا في جامعاتها وشهدوا بأعينهم ما جنته الجزائر بعد أحداث أكتوبر 1988والزوابع الأمنية والإعلامية والحزبية التي حولت هذه الوطن العزيز إلى دولة لا تختلف كثيرا عن دول وسط إفريقيا وجنوبها وجعلت هذا الشعب تائه ومختلف فيما بينه دينيا وحزبيا وإختلطت حجارة الدومينو في أيدي من كانوا يطمحون للوصول للحكم من الإسلاميين الجاهل معظمهم لأمور السياسة والحكم أو من الطبقات التي لا دين لها ولا دولة لها سوى فرنسا الأم.
إن ما يعترض عليه هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم معارضين بالمفهوم السياسي لما تقدمه السلطات العليا والحكومة لهذا الشعب من برامج تشغيل وتوظيف وتحسين لظروف المعيشة يثير الغرابة والتساؤل وكأن الجزائر كانت في عالم الرفاهية والإزدهار والبحبوحة المالية وتدحرجنا في سلالم التخلف والإنحطاط مع أن الجميع يعلم بأن الحياة المعيشية في الجزائر هي نفسها منذ سنوات طويلة وأن السياسة المتبعة هي نفسها بإستثناء بعض التضييقات التي تم تطبيقها في عدد من الزوايا التي أظهرت التجارب بأنها ستجلب لنا المشاكل وستوسع من دائرة الخلاف والإختلاف.
قد يظن هؤلاء بأنني أنكر بأن هناك مظالم وهناك تقصير في صنع حياة أفضل لكل الجزائريين ولكل الفئات المحرومة وهناك أيضا تقدير خاطيء للسلطة الحاكمة فيما يتعلق بتوزيع القفف المالية المعتبرة التي سمحت لنا بتسجيل مشاريع ضخمة بملايير الدولارات دون أن يستفيد معظم الشباب من تلك المشاريع وإقتصرت عملية تقسيم المال العام على أقطاب حسمت كل الأشواط لصالحها وسيطرت على كل المنافسات منذ البداية ، وتحول المجتمع بعدها إلى مجتمع طبقي جزء صغير منه يمتهن المقاولة وجزء كبير بيده سيجارة وكأس قهوة ممزوجة بقطرات من الحليب ينتظر مرور عصفورة عليه للترويح عن نفسه ونسيان همومه.
لكن رغم كل ذلك فهذا الشاب أو ذاك المغبون لا يقبل تماما أن تعود الجزائر إلى مسلسل دامي آخر يشتت صفوف أبناءها ويبعدهم عن التفكير في المستقبل بهدوء وسكينة وأمل في الحياة بعدما شاهد الأبناء الحقيقيين لهذا الشعب كل المنازلات وفضلوا بعد مرور عشرية سوداء أن يغيروا تلك الرياضة والملعب معا بعدما أحسوا بأنها مملة وأنها لم تجلب لهم سوى كراهية الحياة وزرعت في نفوسهم الخوف والرعب في كل شارع وحي ومدينة وطريق يريدون المرور عبرها، وهي كلها أماني قد لا تتكرر في حالة ما تم إستيعاب الدرس من الجميع بما في ذلك من يبحثون عن مكانة لهم في قوائم المحللين والخبراء والإعلاميين التي تضعها الفضائيات العربية والغربية في مقراتها ليكون الإتصال بهم في الأوقات التي يختارها مدراء تلك القنوات ورؤساء تحريرها.
صحفي جزائري
Smehira@gmail.com
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.