تمييع الدين بفتاوى التطاول وشيوخ أجهزة التحكم، غياب الرقابة والمحاسبة، تفشي الرشوة والمحسوبية، زرع اليأس وتكريس سياسة الرداءة، تقديس الفاشلين، مكافأة المفسدين والمتزلفين للتضييق على أصحاب العقول والانجازات الحقيقية، اضطهاد أصحاب الحق، قتل القيم الإنسانية والنوازع البشرية، محاربة الثوابت ولو بتغيير مناهجنا التعليمية وركائزنا الاجتماعية بدعوى الانفتاح والتطور، كل هذا سيغني عن إجراء قرار تحديد النسل والذي هو مخالف تماما لشريعتنا، فالبرامج المسطرة والمخططات المعتمدة إن لم تجد من يوقفها ستنجح في القضاء على الأجيال المستقبلية.
للعنوسة مستقبل في الجزائر
بعيدا عن الإحصائيات والأرقام التي لا تعكس الواقع لأنها مسيسة أو موجهة من قبل منظمات عميلة فإن نسبة العنوسة أكبر مما يتم تداوله، نساء ورجال تعدوا عتبة الخمسين ومازالوا من غير زواج، إما بسبب المعوقات المادية وما أكثرها أو لأفكار غريبة هربا من تحمل المسؤولية وللتحرر من أي قيد ولو بدخول عالم الرذيلة، فالحريات مكفولة وكل له الحق في اختيار نمط حياته الشخصي بعدما قطعنا شوطا في عالم العصرنة.
عصر التكنولوجيا
بشعار مواكبة التطورات الحديثة في عصر التكنولوجيا وتطور الاتصالات صارت كل الأيادي تعبت بالأزرار وإن لم يكن فالأنامل تمسح على شاشات ومن كل الأحجام حتى غاب التمييز بين ما يصاغ للراشد وما يوجه للقاصر وخلطت بين المحظور والمباح، كما تجاهلت الجهات المسؤولة عن رعاية الطفل ما يجب أن يولى به من عناية كبرى مقارنة بالفئات الأخرى، لأنه بحاجة إلى تقويم سليم وتقييم عادل فهو أساس الغد وبناء المستقبل مرهون بمتانة هذا الأساس ولكن من الواقع المؤسف ومن رحم المجتمع تولدت صور ومشاهد أبطالها أطفال اتخذوا من التقليد شعارا لهم وصارت هويتهم في الانتماء لمجتمع عربي مسلم مقرونة بهاوية “آخر صيحة” تتناقلها الفضائيات آو مواقع الانترنت في ظل غياب قانون يحجب المواقع الإباحية لأن ذلك مس بالحريات وليترك كل لضميره.
جيل الرقميات
“جيل الرقميات” الاسم الذي يحلو للبعض تسمية النشء الجديد به، فالتكنولوجيات الحديثة طرقت كل الأبواب ووصلت لكل الأمكنة وعليه فقد صار أطفالنا هم الآخرون من المهتمين باستعمال تقنيات جديدة في ممارساتهم اليومية وهذا شيء ايجابي ولكن ما لا يبشر بالخير هو نوعية هذه الاستعمالات، فبالمرور أمام المؤسسة التعليمية ستجد التلاميذ المتجمعين أمام البوابة أو الموزعين على الأرصفة منهمكين بالعبث في الهواتف النقالة آو الألواح الرقمية يشاهدون مقاطع فيديو ويستمعون لأغاني هابطة بمستوى السراويل التي يرتدونها، أما تسريحات الشعر فكأن البعض أصيب بصدمة كهربائية والبعض الآخر لم يزر الحلاق منذ ولاته أما البقية فيسرحون شعورهم الملونة على طريقة نصب خصلات الشعر والقلة المتبقية ما زالت لم تنل من التحضر جانبا.
نفوس ضائعة وعقول فارغة
ولعل المظهر مخادع وما الضير في محادثتهم، لكن المفاجأة أنهم انحرفوا قلبا وقالبا واعتنقوا ثقافة لا تمد لثقافتنا العصماء بصلة، واهتماماتهم لا تتجاوز التفاهات ومحقرات الأمور وتقديس كرة القدم وما شابهها، فجل إجاباتهم كانت أنهم يمضون وقتهم بعد الدراسة في الفايسبوك، السناب شات، السكايب، الواتس آب واليوتيوب كما كونوا صداقات كثيرة ومن مختلف الجنسيات والعقائد، كما أنهم يحبون مشاهدة الكليبات والغناء ويحفظون أسماء المشاهير عن ظهر قلب، ومن كثرة ما ذكروا من الأسماء يجب إضافة عشر صفحات لاحتوائها، وهم يرون من متطلبات العصر وعلى الواحد منهم أن يساير التطور ويعيش حياته من غير قيود فهم يحيون مرة واحدة.
عجبا كيف لم يمر معم حديث أنس – رضي الله عنه – فقد قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -((اللهمَّ لا عيش إلا عيش الآخرة)) وهو حديث متفق عليه، فمن صميم عقيدتنا أننا نعيش في هذه الدنيا إلى أجَلٍ معدود، وكل ما بها من زينة وزُخرف زائل، لا تساوي عند الله جَناح بعوضة، ولا تمام لشيء فيها أبدًا، فلا سعادة تدوم لصاحبها، ولا غنى ولا سلطان دائم، ومهما ذاق العبد فيها من حلاوة، فإنها فانية ما عدا حلاوة الطاعة والإيمان ؛ فهي الباقية إلى يوم الدين، وهي زاد الإنسان الذي ينفعه يوم لا ينفع مال ولا بنون.
من أين لأطفالنا تعلم هذا وقد غفلت أنه تم تقليص عدد ساعات التربية الإسلامية إلى ساعة واحدة أسبوعيا حتى لا يتخلف أبناءنا عن ركب الحضارة الذي ستعطله البسملة؟
في زمن الرداءة
إن استمر الوضع هكذا ولم يتحرك أصحاب الألباب ويوقفوا العابثين والمندسين، فإن الأجيال القادمة ستبيع الوطن لأول مشتر بل ستسلمه بالمجان، لأن الروح الانهزامية ستسكن أجسادهم والدونية ستطبع فكرهم، وبوادر هذه المخالفات بدأت بالظهور في المجتمع فالمتحولون جنسيا صاروا يمشون في الشوارع من غير خجل آو خوف، ومحلات بيع الشيشة صارت تفتح أبوابها حتى للمراهقات.
تحديد النسل سيكون أهون من المخططات المفخخة، والطريق معبد بعدما انشغل الكبار بالأزمات المفتعلة وصار ديننا دين إرهاب ودمار بل هو تهمة يعاقب عليها القانون ولو بالشبهة.
أين الأمل في الإصلاح؟
لقد كنا ننتظر مجتمعا فاضلا بإنشاء أفرادا صالحين، فالولد يولد وهو لا يعرف شيء، سليم الفطرة لذا فهو أمانة يجب صونها والمهمة موكلة للوالدين بتوجيهه والتكفل به ومنحه حقوقه الأدبية من تربية وتأديب، تعلم، تكوين وحسن معاملة فيكون نافعا لنفسه ولغيره وقد قال صلى الله وسلم :” لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع”، وهم أدرى منه بما ينفع أم أننا وصلنا لزمن حتى الأولياء تم إشغالهم ونزع السلطة من أيديهم بإتباع سياسة “جوّع يتبع” فالآباء والأمهات مشغولون بتوفير لقمة العيش، المعلم جرّد من كل حقوقه وصار لا يهمه إلا التحصيل المادي ولو بالتركيز على الدروس الخصوصية وإهمال عمله أما الأئمة فصاروا يتكلمون من أجل قول اللاشيء، إذن كل أمل في الإصلاح تم شله بثورة شاملة لا لرفع غبن آو رد مظلمة إنما لمحاربة دين وهدم قيم وطمس هوية وإسكات الأصوات المتعالية أو تغييرها وأولها الأذان فهل من آذان صاغية لقول الحق؟.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.