سيسجل التاريخ أن الجزائر التي بادرت في الساعات الأولى من وقوع الزلزال المدمر في جنوبي تركيا وشمال سوريا، وأدى لموت الآلاف من السوريين والأتراك، لتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة، هي أول بلد يكسر الحصار الأوروبي الأمريكي المفروض على سوريا بموجب قانون “قيصر”..
وأنها أول من قامت بتقديم المساعدات اللازمة عبر طائرات تحمل الإغاثة الإنسانية والطبية، دون الحاجة إلى إذن أمريكا أو الغرب، وأنها وهي تقوم بواجبها الديني والإنساني تجاه إخوانها في سوريا وكذا في تركيا، تثبت سيادتها الكاملة، وأنها لا تخضع لأوامر أحد.
وأدى كسر الجزائر للحصار الغربي الأمريكي الظالم على سوريا، بدعوى الحصار على النظام السوري، ليس فقط إلى كشف فضيحة الغرب وازدواجية معاييره في قضايا حقوق الإنسان..
حيث لم يبادر هذا الغرب حتى بالتعبير عن مواساته للشعب السوري في مأساته علاوة على أن يقدم له المساعدات أو يرفع عنه الحصار، إلى التحاق بعض الأنظمة العربية بالموقف الجزائري الذي فتح لهم المجال، لتقديم المساعدات الإنسانية..
على غرار كل من الأردن والعراق ولبنان والإمارات ومصر إلى جانب المساعدات المباشرة التي قدمتها على الأرض كل من روسيا وإيران.
كما مهدت المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس عبد المجيد تبون مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، للتعزية وتقديم يد العون، الطريق للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ليهاتف بدوره نظيره السوري للمرة الأولى منذ 11 عاما من القطيعة.
ليتبعهما فيما بعد العاهل الأردني عبد الله الثاني، وسلطان عُمان هيثم بن طارق إلى الشيء نفسه، الأمر الذي قد يؤدي قريبا إلى عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية كما ظلت تطالب بذلك الجزائر منذ مدة طويلة..
ويميط اللثام أكثر عن خيوط مؤامرة الغرب الذي ظل يتغنى بشعارات زائفة مثل حقوق الإنسان وغيرها بينما في أول امتحان إنساني يسقط هذا السقوط المدوي.
ويفرض ما يسمى بقانون “قيصر” حصارا غير إنساني على الشعب السوري بدعوى معاقبة النظام السوري، الأمر الذي يعرقل بشكل كبير قدوم المساعدات الدولية وعمليات الإنقاذ الإنسانية إلى سوريا.
والغريب أنه حتى في مثل هذه الكوارث الطبيعية المدمرة، حيث الضحايا هم من المدنيين ومن عموم الشعب السوري، لم يقم الغرب بأدنى خطوة لرفع هذا الحصار ولو استثنائيا، بحجة أن النظام السوري هو من سيستفيد منه، الأمر الذي يزيد في تعقيد المشكلة ويعرقل جهود احتواء الكارثة.
وبغض النظر عن المأساة الهائلة التي وقعت في تركيا، التي لقيت حملة تضامنية عالمية، فإن المأساة في سوريا التي دمرتها الحرب الأهلية طوال العقد الماضي، جعلت من تداعيات هذا الزلزال المدمر مضاعفا خاصة في محافظات حلب واللاذقية وحماة وريف إدلب وطرطوس، وهي مناطق متداخلة تخضع بعضها لسيطرة النظام السوري..
بينما تخضع مناطق أخرى لسيطرة المعارضة السورية، في ظل نقص حاد في الإمكانات البشرية والمادية الضرورية لمواجهة الوضع الخطير.
الهبة الجزائرية وتجار السياسة
وشكلت المساعدات الجزائرية الضخمة والسريعة التي بادرت بها إلى الشقيقة سوريا، وبغض النظر عن المساعدات المقدمة لتركيا، صدمة كبيرة لدى أعداء الجزائر وأعداء سوريا والعرب..
خاصة وأنها لم تكن فقط الأولى من نوعها التي تتحدى الحصار الغربي والأمريكي على هذا البلد الشقيق، وإنما لأنها جاءت كبيرة ومتنوعة غذائية وطبية، ومدعومة بفرق كاملة من الحماية المدنية المتخصصة للمشاركة في عمليات الإنقاذ والإغاثة.
وقد حاول المتصيدون في المياه العكرة كالعادة تسييس هذه الهبة الإنسانية الصادقة تجاه إخوانهم السوريين الذين يعيشون حاليا ظروفا إنسانية صعبة، بمحاولة الإيهام أن المساعدات الجزائرية ذهبت إلى مناطق سيطرة النظام السوري وليس إلى مناطق سيطرة المعارضة..
وبالتالي فإن تلك المساعدات هي للنظام وليست للشعب السوري كما يزعمون، بينما الحقيقة أن أكثر المناطق الشعبية المتضررة بالزلزال تقع بالفعل تحت سيطرة نظام الأسد، وفيها أكبر كثافة سكانية كما هي حال حلب وحماة وطرطوس..
وأن المناطق المتضررة التي لا تخضع لسيطرته هي محدودة في ريفي حلب وإدلب فقط، علاوة على أن تقديم المساعدات عبر الأروقة الرسمية ليس خيارا جزائريا بل هو حتمية إنسانية..
على اعتبار أن المساعدات للمناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام تتحكم فيها قوى خارجية والوصول إليها شبه مستحيل خاصة وأن معظم المعابر الإنسانية لتلك المناطق تم إغلاقها..
ولم يبق منها سوى معبر باب الهوى مع تركيا، والذي بدوره تأثر كثيرا بعد أن خرب الزلزال جزء كبيرا من الطريق المؤدية إليه، والانتظار حتى يتم إصلاح هذا الطريق والمرور عبر هذا المعبر هو مخاطرة بحياة آلاف المنكوبين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام الذي كان قد اشترط أن تمر جميع المساعدات الدولية عبر دمشق، الأمر الذي يزيد في تعقيد أي مساعدات إنسانية عبر الحدود.
والأخطر من ذلك، أن أصواتا حاقدة على الجزائر وعلى مواقفها القومية، حاولت نزع الطابع الإنساني من المساعدات الجزائرية لإخوانهم السوريين، وإعطائها طابعها سياسيا، عبر ربطها بدعم النظام الجزائري لنظام بشار الأسد.
في محاولة بائسة للتغطية على تخلف تلك الجهات وعلى رأسها نظام المخزن المغربي في تقديم المساعدات المطلوبة للسوريين.
حيث عملت بعض أبواقه كالعادة لطرح مبررات مضحكة عن هذا الخذلان المغربي للسوريين عبر تحميل الجزائر مسؤولية ذلك، من خلال التحجج بإغلاق الأجواء الجزائرية عنهم، في حين أن الوصول إلى سوريا وتركيا عبر البحر أو أوروبا متاح وبكل يسر.
لقد غاب عن تجار السياسة ومرتزقتها أن المواقف الجزائرية القومية مبدئية ولا تخضع للمساومة أو الابتزاز، والتحجج بجرائم النظام السوري ضد شعبه، أو الخراب الذي أصاب هذا البلد جراء الحرب الأهلية، لا يمكنه أن يعطل المشاعر الإنسانية للجزائر والجزائريين تجاه إخوانهم بعيدا عن الخلافات السياسية العقيمة..
خاصة ونحن أمام زلزال مدمر لا وقت فيه لمثل هذه المهاترات التي لا تخدم إلا أعداء الشعب السوري، وتعمل على عرقلة وصول أي شكل من أشكال المساعدات الإنسانية إليه.
أرقام مرعبة لزلزال العصر
وأمام هول الفاجعة في تركيا وسوريا، يتوقع أن تصل أرقام الضحايا والخسائر المادية والسكينة إلى “أرقام مرعبة” بحسب المراقبين، قد تتجاوز بكثير الأرقام الحالية التي هي في حدود العشرة آلاف قتيل في البلدين، وعشرات الآلاف من الجرحى، وانهيار عشرات الآلاف من السكنات وتضرر مئات الآلاف من الوحدات السكنية، ما يعني أن ملايين الأتراك والسوريين هم اليوم مشردين بلا مأوى في هذا البرد القارس.
وتشير التوقعات إلى أن أعداد الضحايا سيرتفع بشكل كبير بسبب وجود أعداد كبيرة من المواطنين في البلدين تحت الأنقاض، ومع مرور المزيد من الوقت تتضاءل الآمال في إنقاذ الأرواح أو العثور على ناجين..
الأمر الذي قد يصل معه أعداد الضحايا إلى عشرين أو ثلاثين ألفا في البلدين، خاصة وأن التقديرات تشير إلى أن فرق الإنقاذ المتخصصة لا تعمل في جزء يسير فقط من العمارات والبنايات السكنية المنكوبة..
وأن الغالبية العظمى من السكنات المدمرة في البلدين لم تصل إليها لحد الآن فرق الإنقاذ وبالتالي فإن حجم الكارثة بعد أن تنجلي في النهاية ستكون مرعبة وصادمة جدا.
نفاق الغرب والإنسانية المتوحشة
ومثلما كشفته الحرب الأهلية السورية التي أتت على قرابة المليون سوري علاوة على قرابة العشرة ملايين مشرد ومهجر في الداخل والخارج، عن نفاق لا محدود للغرب الذي لم تثره صور الدمار والخراب والقتل والترويع لشعب كامل، ورفض حتى استقبال اللاجئين عنده بعكس استقباله بالورود لأصحاب العيون الزرق من الأوكرانيين..
جددت هذه الكارثة الطبيعية الكشف عن هذا النفاق الغربي من خلال التجاهل شبه الكامل لمأساة السوريين مقارنة نسبيا للمأساة في تركيا، ومن خلال الإصرار الأمريكي على تطبيق قانون “قيصر” حتى في مثل هذه الظروف غير الطبيعية..
الأمر الذي يجعل من عرقلة الغرب بقيادة الولايات المتحدة لجهود الإغاثة وخاصة في سوريا في ظل الأوضاع السيئة أساسا في البلاد جراء تداعيات الحرب والحصار، جريمة ضد الإنسانية تضاف إلى مجمل الجرائم الأخرى التي ارتكبتها.
ولعل الصورة الأكثر وضوحا عن نفاق هذا الغرب، وعدم إنسانيته بل ووحشيته التي تجاوزت كل الحدود، ما نشرته صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية من رسومات سخرت فيها من ضحايا الزلزال في تركيا وسوريا..
فقط لأن الضحايا عرب ومسلمون، لا يستحقون برأيهم الموت فقط بالدبابات والطائرات وإنما بالزلازل والكوارث الطبيعية أيضا انتصارا لإنسانية مشوهة يتبناها هذا الغرب، ولمثل أخلاقية متوحشة كشفها في الماضي عبر حملاته الاستعمارية ويكشفها اليوم في هذا التشفي المرضي في رؤية أطفال المسلمين ينتشلون جثثا هامدة تحت أنقاض الحقد الصليبي والحضارة الزائفة.
@ المصدر: الإخبارية
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.