زاد دي زاد - الخبر مقدس والتعليق حر

ملاحظة: يمكنك استعمال الماركداون في محتوى مقالك.

شروط إرسال مقال:

– النشر في “زاد دي زاد” مجّاني
– أن يكون المقال مِلكا لصاحبه وليس منقولا.
– أن يكون بعيدا عن الشتم والقذف وتصفية الحسابات والطائفية والتحريض.
– الأولوية في النشر للمقالات غير المنشورة سابقا في مواقع أو منصات أخرى.
– الموقع ليس ملزما بنشر كل المقالات التي تصله وليس ملزما بتقديم تبرير على ذلك.

في خطاب الوحدة لدى حركات الإسلام السياسي بالجزائر

في خطاب الوحدة لدى حركات الإسلام السياسي بالجزائر ح.م

عناوين فرعية

  • أي مضمون وأية بواعث؟

لا ينفك الخطاب السياسي لدى الإسلاميين الحركيين في الجزائر، يعبر عن تراجعه فيما يتعلق بموضوع الوحدة، أعني وحدتهم الموءودة بفعل استمرار خلافاتهم بشأن عديد قضاياهم الداخلية والخارجية..

ولكنهم لا ينتبهون أن استمرار ذلك التغاضي عن هذا الموضوع قد حولهم إلى حالة سائلة، كما هو شأن الأفكار والروابط والعلاقات في زمن ما بعد الحداثة، الذي تهيمن عليه إرادة التحرر من كل الموارد الصلبة القديمة، والتي تغدو معها المرجعيات المركزية في المجتمع، مجرد هياكل خالية من أدوارها الاجتماعية، بسبب أن تلك السيولة تحرر الجميع من قيم المسؤولية الاجتماعية.

بينما انتهت حركات اليوم وفي الجزائر على وجه الخصوص، بانقسامها وتشتتها وتمزقها لأن تكون حالة وظيفية بامتياز، تتغذى عليها دولة الاستبداد المعاصر، وتطيل من أمدها، وهي التي تظن أنها تخوض تجربة ثرية ومتنوعة، لمعاضدة تلك الدولة، فأي انطماس للرشد وللوعي هذا؟

وأمام خطر الحداثة السائلة التي تُغَيِّبْ الأدوار الاجتماعية وتبددها، تتولد مهمة التفكير في المصائر والنهايات، إذ من المعيب أن تمضي تلك الحركات إلى مصيرها المحتوم، بمزيد من التفتيت والتشظي، وهكذا هو حال الإسلاميين الحركيين في الجزائر يمضون إلى مصير لا يبقى لهم فيه لا دور ولا قيادة سياسية ولا مسؤولية اجتماعية.

ربما هي سمة ما بعد الحداثة التي أتت على الإسلاميين الحركيين، من حيث لم يدروا، فتجاوبوا معها واستأنسوها، فصار التشظي والانقسام هو ديدنهم، وربما أوحى لهم ذلك بأنهم صاروا حداثيين أكثر من الحداثة ذاتها، فتسابقوا في رسم الرؤى والسياسات، على مستوى عال جدا من الدقة والحداثية، من أجل التغيير الاجتماعي والسياسي المنشود، الذي يحفظ مجتمعاتهم عبر تمكينهم سياسيا واجتماعيا، واقتصاديا وثقافيا، وما إلى ذلك كما يدعون، دون أن ينتبهوا أنهم هم ذاتهم، صاروا مادة مستهلكة ومفضلة في ذلك الزمن الحداثي السائل، وأن سلوكهم السائل هذا لن يسهم في حفظ مجتمعاتهم تلك، مادام أن سياسات السيولة صارت تحيط بها من كل جانب، وأنها بحاجة إلى مواد صلبة ومرجعيات جامعة، تحفظها من ذلك الخطر الداهم، وليست بحاجة إلى مواد سائلة ومرجعيات مفككة، كحال حركات الإسلام السياسي في الجزائر التي استوت على عود التشظي ورضيت به.

بهذا المنطق ربما يكتسب موضوع الوحدة في حركات الإسلام السياسي أهميته، بل ويتجلى بعده الفلسفي أيضا، الذي لا يجعل منه مجرد ضرورة من ضرورات التكتلات السياسية العابرة، التي تضمن لهم التمثيل والحضور السياسي والاجتماعي، ولكنها مسألة وجودية، تتعلق بوجودهم أصلا، فهل ستقف تلك السيولة الجارفة بمنطقها التفتيتي، عند ذلك الحد الذي انتهى له هؤلاء الإسلاميين، أم أنها ستمضي إلى مزيد من التشظي والتفتيت؟ وهو حد سيؤدي لا محالة إلى فقدان المرجعية الاجتماعية، وربما ينتهي الوجود بذلك الفقدان المشين.

لقد نشأت حركات الإسلام السياسي في العالم الإسلامي مواكبة لتجلي عصر الحداثة، وحينها كانت أداته الاستعمارية قد بسطت نفوذها على مجمل العالم الإسلامي، ودونما عناء فكري كبير، تشكل في وعي النخب الإسلامية الجديدة آنذاك، أن بسط ذلك النفوذ الاستعماري وتمدده، إنما يستمد قوته، لا من تفوقه العسكري فحسب، وإنما من حالة التشظي والتفتيت في الأمة، التي عمل المستعمر على تغذيتها وتفشيها، بحيث تؤول إلى حالة وظيفية، يستفيد منها في استدامة السيطرة والتمدد، فكان رد الفعل والاستجابة لهذا التحدي، بأن جعلت تلك الحركات حين نشأتها، موضوع الوحدة من ركائزها الفكرية الثابتة، كركن ركين تقوم عليه في مواجهة ذلك المشروع التفتيتي الضخم.

وبذلك الوعي استقر الفهم لدى الجيل المؤسس في الحركات الإسلامية المعاصرة، فجعل الإمام الشهيد حسن البنا (رحمه الله) أول مستويات الوحدة، وحدة الصف، أو ما أطلق عليها ركن الأخوة، باعتبارها الرابط الذي يوحد جماعة المسلمين، وقال في هذا الصدد: “أريد بالأخوة: أنْ ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها، والأخوَّة أخت الإيمان، والتفرُّق أخو الكفر، وأول القوة: قوة الوحدة، ولا وحدة بغير حب، وأقل الحب: سلامة الصدر، وأعلاه: مرتبة الإيثار”.

خطاب الوحدة في حركات الإسلام السياسي في الجزائر، خطاب تبريري لواقع الحال وللذات الممزقة، وإذا كان ذلك الواقع قد شكل باعثا لتأسيس مرجعية الوحدة الفكرية والتنظيمية مع العمل للوصول لوحدة الأمة، فإن هذا الواقع لم تشفع له تلك المرجعية كي يتمثل الدور ذاته، فانبرى تحت وقع إلهاء المناصب ومغريات السياسة والخصوصيات الذاتية لكل فصيل…

وهكذا كان، فالوحدة الإسلامية بمضمونها العام والخاص، تعتبر من الأصول الفكرية التي قامت عليها الحركات الإسلامية المعاصرة، ضمن تصور تدرجي، ينطلق من وحدة الجماعة والتنظيم وصولا إلى وحدة الأمة في نهاية المطاف، فتأسست بذلك الدعوة في إطار منظم، كما يقرر الدكتور فتحي يكن(رحمه الله)، في كتابه أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي، رافضة للفوضوية والعفوية باعتبارها نقيض الوحدة، وبما في ذلك من دفع للمسلمين إلى مزيد من التفكك والتشرذم والخلاف، لأن وحدة المسلمين ووحدة العمل الإسلامي، وهما مطلبان شرعيان، لا يمكن تحقيقهما إلا بالتنظيم، فالوحدة وليدة التنظيم وليست وليدة الفوضى، ووليدة التخطيط وليست وليدة العفوية، وهو أمر يفرضه ضخامة التحدي الذي يواجهه الإسلام على الصعيدين المحلي والعالمي، فأصبح التنظيم في العمل الإسلامي، الذي هو صنو الوحدة، واجبًا بالضرورة إن لم يكن واجبًا شرعًا.

ليست المسألة إذا مسألة خيارات سياسية وتنظيمية، اقتضت أن تكون الوحدة بذلك التصور، جزءا من إستراتجية النضال والمقاومة الواجبة فقط، ولكنها مسألة هيكلية وبنائية بالأساس، يستمد منها الوجود الحركي الإسلامي المعاصر أهم أبعاده وأجلّ معانيه، كحالة وحدوية عامة تتمدد لمحاصرة تلك السيولة وذلك التفتيت في عالم الحداثة، فما بالها حركات الإسلام السياسي في الجزائر اليوم تصاب بلوثة الوعي الزائف، وترتمي من حيث تدري أو لا تدري في أتون الشتات، وتنتكص بحيث تكون لقمة سائغة لعالم ما بعد الحداثة بمنطقه التفتيتي المستشري؟.

حالة النكوص تلك، هي حالة مزمنة يتجلى فيها تراجع الوعي، بل وفتوره فيما يتعلق بالتمسك بموضوع الوحدة، وذلك حينما رفضت حركات النشأة الأولى، أن تكون هي ذاتها مسوغا وظيفيا للاستعمار وأذنابه، فتأسست في إطار الوحدة، وعملت على أن تكون مشروعا وحدويا، تشيعه بين الناس، وتأسس بذلك سياساتها في إطاره..

بينما انتهت حركات اليوم وفي الجزائر على وجه الخصوص، بانقسامها وتشتتها وتمزقها لأن تكون حالة وظيفية بامتياز، تتغذى عليها دولة الاستبداد المعاصر، وتطيل من أمدها، وهي التي تظن أنها تخوض تجربة ثرية ومتنوعة، لمعاضدة تلك الدولة، فأي انطماس للرشد وللوعي هذا؟

تقدم الحالة الجزائرية لحركات الإسلام السياسي، أنموذجا مثاليا ومتفردا، في مناكفتها للوحدة، فقد نشأت تلك الحركات، من رحم الانقسام والتشتت، وهكذا كانت بداياتها الأولى، حينما شقت طريقها في النضال الاجتماعي والسياسي على التوازي من بعضها البعض، على الرغم من وحدة المرجعية الفكرية، التي شكلت سندها الأساسي في الوجود..

بينما أدى عجزها المزمن في إدارة حوار حقيقي وجاد، إلى تشتتها إلى مرجعيات تنظيمية مختلفة، عالمية وإقليمية ومحلية، أو هكذا بدا المشهد الذي ما انفك يتطور نحو مزيد من الانقسام مع إرهاصات كل مرحلة مستجدة، فدخلت عهد التعددية منقسمة ومجزئة، وعصفت بها تحولات منظومة الحكم نحو المزيد من التجزئة والانقسام، وتكسرت مجاديفها حينما لم تستطع إدارة اختلافات قياداتها بآليات تسمح باحتواء الجميع تحت مظلة التنظيم، وحفظ ذاتها في إطار الوحدة وعدم التشتت.

مشهد غريب حقا، أن تجد المرجعية الفكرية للحركات الإسلامية المعاصرة نفسها، في واقع التجربة السياسية الجزائرية المعاصرة، محل تنازع وممثلة بعدد غير معتبر من التنظيمات السياسية والاجتماعية المختلفة، بل والأغرب من ذلك أن يتم وسم ذلك الواقع، بأنه تعبير عن إقرار مبدأ التعددية والحق في الاختلاف، في إطار تحول مفهوم الأمة عبر مسارها التاريخي منذ حادثة السقيفة..

فأي غفلة هذه؟ بل وأي التباس وتناقض في المنطق هذا؟ حينما تتنكر تلك الحركات إلى مرجعيتها الفكرية الأساسية، التي يعتبر جوهرها الأساسي هو الوحدة كما رأينا..

تقدم الحالة الجزائرية لحركات الإسلام السياسي، أنموذجا مثاليا ومتفردا، في مناكفتها للوحدة، فقد نشأت تلك الحركات، من رحم الانقسام والتشتت، وهكذا كانت بداياتها الأولى، حينما شقت طريقها في النضال الاجتماعي والسياسي على التوازي من بعضها البعض، على الرغم من وحدة المرجعية الفكرية، التي شكلت سندها الأساسي في الوجود..

ألم تتأسس تلك الحركات من أجل مجابهة مخطط التفتيت والتقسيم في الأمة؟ ألم تتبن الوحدة كمنظور تدرجي، ينطلق من وحدة الصف والتنظيم، وصولا إلى وحدة الأمة؟ فما بالها تتشظى وتنقسم إذا؟ وما بالها تخضع لإكراهات التحولات والتغيرات، فتتجاوز وحدتها في الأصل، إلى محاولة الاستثمار -إن وجد- في الكليات بمنطق توازن الوحدة والتنوع وتسيير الاختلاف؟

أليس ذلك تعبيرا عن تناقض منهجي بين المرجعية والواقع؟ ألا يعد الإقرار بهذا الواقع المشتت والمجزأ إنقاصا من منسوب الشرعية بالنسبة لهذه الحركات؟ باعتبار أن تلك الشرعية إنما تستقي أساسها من تلك المرجعية الفكرية الناظمة لأصل الوجود وليس من الواقع المشتت والمنقسم على ذاته؟.

بهذا يكون خطاب الوحدة في حركات الإسلام السياسي في الجزائر، خطاب تبريري لواقع الحال وللذات الممزقة، وإذا كان ذلك الواقع قد شكل باعثا لتأسيس مرجعية الوحدة الفكرية والتنظيمية مع العمل للوصول لوحدة الأمة، فإن هذا الواقع لم تشفع له تلك المرجعية كي يتمثل الدور ذاته، فانبرى تحت وقع إلهاء المناصب ومغريات السياسة والخصوصيات الذاتية لكل فصيل، ودعوى تقديم البديل والتجديد والتجربة الرائدة والمتفردة، لتبرير ذلك التشتت والانقسام، على تناقض تام لذلك الخط الذي ارتسمت فيه ملامح تلك المرجعية، وضمن مبررات لا ترى في وحدة الأمة، إلا قيمة عليا مهيمنة، بينما تحتاج وحدة الفرق والجماعات والأحزاب والتنظيمات إلى تدبير جديد، فأي وحدة إذا تسعى لها تلك الحركات؟، وما هو أفقها ومنتهاها؟، وما هو منهجها؟، ولماذا التفكير في الوحدة أصلا، إذا كان واقع الحال المشتت والممزق، مبررا تحت سقف الأمة كقيمة عليا؟، طبعا هذا إذا تجاوزنا مسألة المرجعية كأساس لوجود كل تلك الحركات والتنظيمات، عبر هذه الاستهجانات والاستفهامات.

إن أي خطاب عن الوحدة اليوم من قبل حركات الإسلام السياسي في الجزائر، ينبغي أن يكون باعثه ومنتهاه، تلك المرجعية الفكرية والتنظيمية، وأن أي تجاوز لتلك المرجعية أو محاولة القفز عليها، سيجعل من يقول بذلك خارج دائرة المشروعية الحركية الإسلامية المعاصرة، إذا لا يحق لمن لا يتبنى تلك المرجعية أو أصبح يتحرك خارج إطارها، مهما كانت مبرراته، أن يتبنى منطق الوحدة، ما دام أنه مناقضا له في الأصل، كما أن أي احتكار لتلك المرجعية الفكرية والتنظيمية، أو أي إدعاء بالتمثيل لها دون سواه، هو مناقض بالضرورة لمضمون وحدة المرجعية ذاته، ومقتضاها، كما تأسست في أصلها الأول: وحدة الصف كمقدمة لوحدة جماعة المسلمين، فليست المرجعية صك يعطى وإنما واقع ومضمون يتجلى، وإزاء ذلك يفرض خطاب الوحدة كما ينبغي أن يكون، تحرير تلك المرجعية الفكرية والتنظيمية من كل استقطاب فكري أو سياسي أو غيره، فتحرير المرجعية هو أساس الوحدة في تلك الحركات..

فهل يتجلى الوعي من جديد كي ترتسم معالم التجديد؟ أم هو التشتت والذهول والغفلة إلى غير رجعة؟…

@ طالع أيضا: حركة “حمس”.. جدل الممارسة السياسية والانتقال القيادي؟

ads-300-250

المقالات المنشورة في هذا الركن لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

كن أوّل من يتفاعل

تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.

فضلا.. الرجاء احترام الآداب العامة في الحوار وعدم الخروج عن موضوع النقاش.. شكرا.