يبدو أن أحداث تونس, وثورة الشعب المصري، فيما سمي بجمعة الغضب وثورة التغيير, وجمعة الرحيل، قد أكدت وضع حرية التعبير في الوطن العربي، وأصبح - من خلال ما يجري على الساحة السياسية والإعلامية والجماهيرية- يتضح جليا الأثر الذي تحدثه الصورة المتحركة العابرة للحدود، بالإضافة إلى أن هذه الأحداث الجارية حاليا وغيرها, باتت تصور الواقع الأليم الذي تعيشه اغلب البلدان العربية.
ففي الوقت الذي تسعى فيه دول أوروبا الشرقية واسيا وأمريكا اللاتينية، وبعض البلدان العربية التي كانت إلى وقت قريب تعتبر دولا ضاربة في التخلف والبدائية والغوغائية, إلى إيجاد أسهل الحلول واقصر الطرق لتعزيز الثورة التكنولوجية والاقتصادية, والانفتاح السياسي والإعلامي، والتحضر الاجتماعي، الذي وصلت إليه، تسعى في المقابل الكثير من الأنظمة العربية إلى سد الأفواه الإعلاميين، وإغماض أعين الشعوب، من اجل ماذا…؟؟؟
ليس من اجل إخفاء سر، سيعلن عنه قريبا، فحواه اكتشاف تكنولوجي عظيم أو علاج طبي حديث…لا…بل من اجل التغطية على وضع اجتماعي واقتصادي وسياسي وإعلامي فاسد، بل ومتعفن، وتستخدم لذلك مختلف الطرق، وتسخر لذلك وسائل وتجهيزات، وتصرف له أموال لو صرفت في غير ذلك لصارت الدول العربية في مضمار السباق من اجل امتلاك ما تمتلكه الدول الأوروبية الكبرى بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.
لهذا فان الأنظمة العربية، التي يقوم علي شؤونها أفراد يخدمهم بقاء الوضع على حاله – أي حالة التخلف الفكري والاقتصادي والتكنولوجي- أكثر مما يخدمهم وضع خطوة أخرى إلى الأمام، وصعود درجة أخرى، (إن لم نقل الدرجة الأولى) في سلم الحضارة. هذه الأنظمة تستعمل الانفجار التكنولوجي في كل ما من شأنه الحفاظ على “الاستقرار” (الذي يخدمهم طبعا)، ايجابيا وسلبيا.
وهنا فإننا لا نعني بالايجابي والسلبي أمرين وهدفين متناقضين, بل سبيلين يخدمان هدفا واحدا وهو “الاستقرار” الذي تحدثنا عنه.
فمن جهة تسخر (هذه الأنظمة) قنوات تلفزيونية محسوبة على “النظام” لتمرير السياسات الإعلامية التي تخدم “المصالح العليا للبلاد”، ومثال ذلك تسخير النظام المصري لترسانة من المؤسسات الإعلامية التي تخدم الهدف الأوحد للحزب الوطني, وهو الحفاظ على “النظام”، وإذا قلنا مؤسسة إعلامية فإننا لا نعني بذلك إذاعة وتلفزيون وصحف…الخ، وهي الجسد الطبيعي المشكل للمؤسسة الإعلامية- وهذا ما يعلمه كل الفاعلين في الرسالة الإعلامية – بل إننا نعني في هذه الحالة أجزاء الرسالة الإعلامية لهذه المؤسسات، (الصورة والصوت، النص الإعلامي، المحللين السياسيين، الإعلاميين، الخبر…) المحسوبين على “النظام”، وهذا الأمر قد لا يلاحظه ويفهمه، إلا رجال الإعلام والمثقفين القادرين على قراءة ما وراء الرسالة الإعلامية، أو الخلفيات الإعلامية، وبالتالي فإنهم يستطيعون استنتاج ما يراد تمريره من هذه الرسالة الإعلامية آو تلك.
هذا عن السبيل الايجابي، آو الاستخدام الايجابي للتكنولوجيا، وهو خدمة مصالح “النظام”، أما عن الاستخدام السلبي، فهو منع “الآخر” من خدمة مصالحه، أو إن صح التعبير حجبه بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة عن تمرير رسالته، وهذا لمسناه من خلال السعي الحثيث “للنظام المصري” لكتم بعض المنابر الإعلامية المصنفة في خانة “خطير جدا” أو “عدو لدود للنظام” أو “مؤسسة إعلامية بلطجية”.
ومن هنا فإننا نتساءل عن الآليات التي تحكم البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية؟، وهل من حق الدولة المالكة لهذا القمر الصناعي أو ذاك، منع أو حجب القنوات التي قد تضر “المصالح العليا للبلاد” في حال استخدامها “المفرط” لمبدأ حرية التعبير الذي اقره ميثاق الأمم المتحدة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 10 ديسمبر 1948، والذي صادقت عليه معظم دول العالم؟ وهل من حقها فعل ذلك في أي وقت شاءت؟ أم هناك ضوابط وقيود يفرضها القانون الدولي تمنع الدولة المالكة للقمر الصناعي من استخدام هذا الحق كيفما شاءت؟ أم يبقى ذلك رهين تنديدات وتقارير المنظمات الحكومية وغير الحكومية المختلفة المهتمة بحماية حق حرية الرأي والتعبير؟ والى متى تبقى حرية التعبير في البلدان العربية مقيدة بأغلال “الأمن القومي” و”المصالح العليا للبلاد”…؟؟؟
mahmoud_aiad09@yahoo.fr
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 1652
بارك الله فيك أستاذ محمود، والله سلطت الضوء على راهن الإعلام لا سيما في الأحداث الراهنة، أما الأسئلة التي طرحتها في النهاية
فننتظر إجاباتها في رسالتك التي بدأت إعدادها
بالتوفيق