كشف تحقيق أجرته وحدة التحقيق في راديو فرنسا، مع كونسورتيوم Forbidden Stories أن وراء قضية الصحافي في القناة الفرنسية BFMTV رشيد مباركي -وهو من أصول مغربية- دور لوكالة تضليل إسرائيلية يديرها أفراد سابقون في الجيش والمخابرات.
يأتي هذا التطور بعد شهر من توقيف إدارة BFMTV مذيعها المشهور رشيد مباركي، بشكل مؤقت، وفتحها تحقيقا داخليا حول تعرض الأخير لتأثير خارجي من خلال تقديمه على مدى أشهر وعلى المباشر لمحتوى ‘‘لم يخضع للتحقق أو التدقيق’’ من قبل المسؤولين عن النشرات الإخبارية الليلية التي يقدمها. وأكثر من ذلك، لاستخدامه مصطلح ‘‘الصحراء المغربية’’، بدلا من “الصحراء الغربية”، كما أوردت وسائل إعلام فرنسية عديدة.
التحقيق الداخلي للقناة الفرنسية يريد معرفة ما إذا كان مباركي قد تصرف بمفرده، وتحديد الأعطال التي سمحت بوصول هذه المتفرقات على الهواء خارج جميع القواعد الداخلية المعتادة، وما إذا كانت الصور التي تم بثها على الهواء “جاءت من الخارج”.
في قلب التساؤلات، موضوع حول منتدى اقتصادي بين المغرب وإسبانيا، نظم في شهر يونيو الماضي. حيث يشير رشيد مباركي، وفقاً لمقتطف ما يزال متداولاً على منصات التواصل الاجتماعي، إلى أن هذا المنتدى ‘‘تحقق بفضل دفء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ اعتراف إسبانيا بالصحراء المغربية’’.
ووسط حالة من الذهول، يتساءل صحافيو BFMTV كيف أقدم زميلهم المخضرم على بث معلومات متحيزة على الهواء دون التحقق من صحتها من قبل المسؤول عن النشرة، في تحد للخط التحريري للقناة.
رداً على سؤال إدارة BFMTV التي فتحت تحقيقاً داخلياً حول الموضوع، أقرّ مباركي، البالغ من العمر 54 عاماً، والذي التحق بالقناة كمذيع رئيسي منذ انطلاقتها عام 2005، بعمليات “تدخل” واعترف باحتمال خطأ صحافي في الحكم كان من شأنه أن أدى به إلى “تقديم معروف لصديق”.
تم إيقاف الصحافي في 11 يناير 2023 من قبل مدير القناة مارك أوليفييه فوجيل، الذي أوضح للموظفين أنه كان عليه اتخاذ هذا القرار بعد أن تم تنبيهه إلى وجود معلومات متحيزة محتملة يتم بثها على الهواء.
الشخص الذي نبهه هو الصحافي فريديريك ميتزو، الذي كان يعمل حينها في وحدة التحقيق براديو فرانس، كجزء من تحقيق واسع يسمى “Story Killers” بتنسيق من اتحاد Forbidden Stories. وقد أبلغ فريديريك ميتزو، مارك أوليفييه فوجيل باكتشاف الصحافيين من أجل الحصول على رد فعله، ليقوم الأخير باستدعاء رشيد مباركي.
شركة وهمية
نقطة الانطلاقة في هذه القضية ليست في فرنسا، بل في إسرائيل. هناك، اخترق، وعلى مدى عدة أشهر، فريديريك ميتزو مع جور مجيدو (الصحافي الاستقصائي في صحيفة The Marker الإسرائيلية) وعمر بنجقوب (الصحافي الاستقصائي في صحيفة هآرتس الإسرائيلية)، اخترقوا هيكلا متخصصا في التأثير والتلاعب الانتخابي والتضليل.
المؤسسة ليس لها وجود قانوني. مكاتبها وظيفية لكنها سرية. ويستحيل إجراء مقابلة مع أي شخص، بالنظر إلى انعدام الثقة السائد فيما يتعلق بالصحافة وحساسية الأنشطة التي يتم تطويرها هناك. يقدم الموظفون أنفسهم على أنهم ضباط سابقون في الجيش الإسرائيلي أو أجهزة المخابرات، وخبراء في المعلومات المالية، والشؤون العسكرية، والحرب النفسية، أو وسائل التواصل الاجتماعي.
لفهم ما يفعلونه حقًا، لم يؤكد الصحافيون أنه لم يكن لديهم من خيار سوى تقديم أنفسنا “كمستشارين مستقلين” بتكليف من زبون أفريقي أراد التأثير على الاقتراع الانتخابي في بلاده.
يؤكد أحد المديرين التنفيذيين في المؤسسة الوهمية، قائلاً: “في معظم الأوقات، لا يريد الزبائن منا الظهور. نحب أن نكون خلف الكواليس. هذا ما يجعلنا أقوياء. مؤسستنا نشطة في جميع القارات. لقد تدخلنا في 33 حملة انتخابية على المستوى الرئاسي، ثلثاها في البلدان الناطقة بالإنكليزية والفرانكفونية في إفريقيا.
ويوضح زميل آخر له أنهم “يمتنعون عن التدخل في ثلاثة مجالات فقط: السياسة القومية الأمريكية وروسيا وإسرائيل”.
الآلاف من الملفات الشخصية المزيفة
في قلب نشاط المؤسسة، التضليل عبر الإنترنت، حيث طورت منصة رقمية تتيح إنشاء ملفات تعريف مزيفة وتنشيطها على أكبر الشبكات الاجتماعية. وتؤكد المؤسسة أنها باعت النظام للعديد من أجهزة المخابرات الحكومية.
ينتج هذا النظام صورا رمزية: أشخاص غير موجودين ولكن لديهم مظهر حقيقي على الإنترنت ومراكز اهتمام موثوقة. تنشر هذه الملفات الشخصية المزيفة ما يسمى بآرائها على أمل التأثير على أكبر عدد ممكن على “تويتر”.
في بداية يناير 2023، استغل النظام 39213 ملفا شخصيا مزيفا مختلفا، والتي يمكن الرجوع إليها في نوع من الكتالوغ. هناك صور رمزية من جميع الأعراق والجنسيات والأجناس. وجوههم عبارة عن صور لأشخاص حقيقيين مستمدة من الإنترنت، وألقابهم هي مزيج من الآلاف من الأسماء المخزنة في قاعدة بيانات.
اختراق BFMTV
مهما كان الأمر، ومع الأدلة الداعمة، تؤكد المؤسسة الوهمية أنها تستطيع أيضاً “تجنيد” صحافيين من وسائل الإعلام الأجنبية الكبرى. ويؤكد التحقيق أن العميل قد يحصل مقابل ذلك على 20 ألف يورو؛ يتم دفع 3 آلاف منها نقداً للصحافي.
كما يؤكد الصحافيون أن قادة المؤسسة الوهمية الإسرائيلية أظهروا لهم مقطع فيديو يعود ليوم 19 سبتمبر 2022 حيث نرى رشيد مباركي يتحدث مع الصور الداعمة، عن الصعوبات التي واجهتها صناعة اليخوت في موناكو بعد فرض عقوبات على الأوليغارشية الروسية.
بمجرد البث، تم عزل هذا المقتطف وتوزيعه على نطاق واسع على تويتر بواسطة المنصة الخاصة بالمؤسسة. وبالتالي، فإن الغرض من هذا التدخل، هو تشويه سمعة العقوبات المفروضة على روسيا.
@ المصدر: القدس العربي
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.