شهدت أسعار الأضاحي في معظم ولايات الجزائر ارتفاعا رهيبا ومستمرا كل سنة، ومنذ حوالي شهر إلى عشية عيد الأضحى في جولات بين مختلف نقاط بيع الأضاحي، كان المشهد موحدا..
فالعرض في سوق الماشية يقيّم بأثمان ملتهبة، تتجاوز ميزانية المواطن وتعدى الأجر القاعدي بأضعاف، وعلى أمل اقتناء أضحية ملائمة انتظر الكثيرون اللحظات الأخيرة قبيل يوم العيد لعل الأسعار تعرف انخفاضا معتبرا، لكن السوق لم ينكسر في ارتفاع تاريخي بشهادة الجميع باعة وزبائن.
كبش العيد لمن استطاع إليه سبيلا
خرفان لم تصل بعد سن الجواز للنحر بسعر 4 ملايين سنتيم، وكباش مناسبة لتكون أضحية لا يقل سعرها عن 8 ملايين سنتيم، أما العجول والأبقار فقد تعدت سقف الخمسين مليون بالنسبة للحجم الكبير لأن هذا النوع من الأضاحي يكون اشتراكيا بما لا يتجاوز سبعة مشاركين.
ورغم انتشار نقاط البيع النظامية والعشوائية في مختلف المناطق تظل حركة البيع والشراء ضعيفة، بسبب الارتفاع المحسوس في الأسعار، في حين يرى الباعة والموالون أن الغلاء طال كل السلع مما انعكس على تكلفة الأضاحي، من غلاء الأعلاف، والدواء، زد على ذلك موجة الجفاف التي اجتاحت العديد من مناطق البلاد.
زبدي: من غير المعقول أن يصل سعر الخروف الذي لا يتجاوز وزنه 30 كغ إلى 80 ألف دينار، وبالتالي فإن سعر لحمه يتجاوز الـ2500 دج للكيلوغرام الواحد، وهو أمر لا يتقبله المنطق.
في حين تبرأ بعض الموالين من هذه الزيادات الكبيرة ونسبوها لجشع التجار، موضحين أنهم يبيعون المواشي بأسعار معقولة في الجملة على الرغم من أن عيد الأضحى هو أكثر المواسم للكسب لكنهم يراعون ظروف الناس، بينما يقوم الباعة بزيادة هامش الربح والتلاعب بالأسعار لاسيما مع غياب الرقابة والمحاسبة القانونية.
وقد دعا السيد مصطفى زبدي رئيس المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك، إلى ضرورة إعادة النظر في سياسة دعم أعلاف الماشية التي لم يستفد منها المستهلك في أي شيء.
مشيرا إلى أنه من غير المعقول أن يصل سعر الخروف الذي لا يتجاوز وزنه 30 كغ إلى 80 ألف دينار، وبالتالي فإن سعر لحمه يتجاوز الـ2500 دج للكيلوغرام الواحد، وهو أمر لا يتقبله المنطق.
وفي السياق ذاته أكد زبدي، أن أسعار الأضاحي المسجلة هذه السنة بلغت مستويات قياسية في ظل تسجيل نقص في العرض وفي أماكن البيع بالمدن الكبرى، بالإضافة إلى غياب أسواق الرحمة والتي لم يظهر لها أي أثر كبير في هذه الساعة.
وأفاد المتحدث أن هذا الغلاء غير مرتبط بقانون العرض والطلب، وإنما مرتبط بالشعيرة الدينية والمضاربة، فسعر الأضحية بما تحمله من لحم فهو غال جدا وقيمته تجاوزت قيمة سعر الكبد، وبالتالي فإن استغلال الموالين لهذه المناسبة، هو أمر غير مقبول تماما، والتبريرات المرتبطة بارتفاع الأعلاف ليست حقيقية.
سعر الأضحية بما تحمله من لحم فهو غال جدا وقيمته تجاوزت قيمة سعر الكبد، وبالتالي فإن استغلال الموالين لهذه المناسبة، هو أمر غير مقبول تماما، والتبريرات المرتبطة بارتفاع الأعلاف ليست حقيقية.
الظاهر أن اللحوم الحمراء ستبقى بعيدة المنال حتى في المواسم والأعياد، فمن جهتم يؤكد المواطنون أن إمكانياتهم المادية محدودة، وقدرتهم الشرائية عاجزة، ولم يعد كبش العيد في متناولهم، أو على حد تعبير أحد الباعة ببلدية حسين داي لما واجهه الزبائن بحقيقة عجزهم عن اقتناء الأضحية بسبب الأسعار الخيالية رد قائلا: “كبش العيد.. لمن استطاع إليه سبيلا”.
الولايات الداخلية أوفر حظا
ازدحمت أسواق المناطق الداخلية والولايات الصحراوية وعلى رأسها منطقة أولاد جلال ببسكرة ، تيارت أدرار، الجلفة والأغواط وغيرها.
حيث يجلب التجار رؤوس الأغنام منها مع اقتراب موعد عيد الأضحى لبيعها بأثمان مرتفعة في المدن الكبرى كالجزائر العاصمة، وهران، وقسنطينة وغيرها من الولايات لاحتكار السوق.
لهذا فإن نسبة كبيرة من المواطنين قرروا تجاوز الوسطاء وتوجهوا مباشرة لأسواق المناطق الرعوية وتربية الماشية لتكون عملية اقتناء الأضحية مباشرة من عند المربي أو الموال، وبهذا ربح الزيادة التي تتجاوز 2 مليون سنتيم باحتساب تكلفة النقل.
وفي هذا الشأن توجد مجموعات كاملة انتقلت من أحياء العاصمة نحو الأسواق الداخلية وجلبت رؤوس أغنام لعوائلها وأقاربها وحتى أبناء الحي، وقد تم إحضار كباش بسعر 7 ملايين يتجاوز سعرها 10 ملايين في العاصمة، لكن هذا الخيار يظل غير متاح للجميع.
ورغم خيبة الأمل في عديد من المرات تواصلت رحلة البحث عن أضحية العيد من مكان لآخر وحتى في العالم الافتراضي.
أضحية أونلاين
تجندت مختلف صفحات التواصل الاجتماعي، ومواقع التسويق لعرض رؤوس الماشية بمناسبة عيد الأضحى، حيث آثر التجار فتح نشاط السوق الإلكتروني من خلال عرض صور وفيديوهات للكباش والأبقار والجذيان، مع منح امتيازات للزبائن، مثل التوصيل المجاني، ضمان الاحتفاظ بإقامة الأضحية لعشية يوم العيد، مع توفير خدمة الذبح والسلخ بأسعار تنافسية.
رغم أزمة الغلاء التي تشهدها البلاد يظل عيد الأضحى مناسبة دينية مقدسة، يعظم الجزائريون شعائرها ويتوسمون أن ييسر الله أمورهم ويمكنهم من تأديتها على أكمل وجه وسط أجواء مفعمة بالفرحة والنشاط…
غير أن المعاينة الميدانية تبقى مخالفة لما يعرض عبر الانترنت، والصورة قد تختلف كثيرا مما يجعل الآراء تتغير.
لماذا يُحرم المواطن البسيط فرحة العيد؟
أضحية العيد من أعظم القربات التي يقدمها العبد في هذه الأيام المباركة، لكن بين الرغبة والقدرة فارق كبير، ومن المحسنين من يأبى إلا مقاسمة المحتاجين فرحة العيد ويقدم له أضاحي تسعد قلوبهم وترفع عنهم غبن الحاجة.
ففي عدة أحياء شعبية قام ميسورون بتوزيع عدد من الخرفان على العائلات الفقيرة، لكن ذلك يظل محدودا لاسيما مع ازدياد نسبة المعوزين وتضرر أصحاب المهن الحرة وأصحاب الدخل الضعيف جراء أزمة وباء كورونا.
ورغم أزمة الغلاء التي تشهدها البلاد يظل عيد الأضحى مناسبة دينية مقدسة، يعظم الجزائريون شعائرها ويتوسمون أن ييسر الله أمورهم ويمكنهم من تأديتها على أكمل وجه وسط أجواء مفعمة بالفرحة والنشاط، ترسم أبعادها حركة الأطفال الدؤوبة وهم يسوقون الماشية في الأحياء، ويلاعبونها بود وحيوية، مع انهماك الكبار في التحضيرات الأساسية من شحذ للسكاكين وإعداد للمصليات وغيرها من الأعمال المباركة.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.