غزّة تحت نيران حرب الإبادة المتواصلة، والمحاصرة بالتجويع، وتحت عروض التفاوض الصعبة والمذلة، تتواصل وعود توقيف الحرب وآمالها الزائفة، والذي يعتقد أن حرب غزّة ستتوقّف فهو يحلم، لأن ملحمة غزّة هي بداية لتاريخ إنساني جديد، سيشهد تحوّلات كبرى، والذي يعتقد أن ما يجري في غزّة هو عابر فهو واهم..
غزّة هي بداية ومقدّمة بسيطة، أمام التحوّلات والحروب العالميّة القادمة، فالعالم عليه أن يكون مستعدّا لدفع فاتورة خذلان غزّة، لأنّ العالم سيجوع كما جاعت غزّة، والعالم سيحترق كما احترقت غزّة، والعالم سيخاف كما خافت غزّة، والعالم سيهجر كما هاجر أهل غزّة..
طوفان غزّة هو طوفان التحوّلات، الذي سيُعيد بناء عالم الغد، ولكن بمخاض عسير تحكمه وحشيّة الأسلحة الفتّاكة، وانهيار القيم الإنسانية، وتلاشي صورة القانون الدولي على زيفه…
طوفان غزّة هو طوفان التحوّلات، الذي سيُعيد بناء عالم الغد، ولكن بمخاض عسير تحكمه وحشيّة الأسلحة الفتّاكة، وانهيار القيم الإنسانية، وتلاشي صورة القانون الدولي على زيفه، ومعالم تلك التحوّلات هي:
– أوّلا: تحوّلات تصبّ في نظام عالمي جديد لما بعد العولمة الأمريكية، إلى عالم الأقطاب، ومحاولات الولايات الأمريكية لاستشراف هذا التحوّل، جعلها تستنفر هيبتها، لتحقيق حالة الردع، وهي علامة ارتباك وليست علامة قوّة، كما تظهر من أداء الرئيس ترامب، فالولايات المتحدة مثل إسرائيل تشعر بالتهديد الوجودي…
وبالمنافسة الاقتصادية، والتخلي عن أوكرانيا هو أقرب من الخروج من هزيمة، وتداعيات معركة لم تعد من الأولويات أمام معارك وصراعات أخرى بدأت، جعلت أمريكا بقيادة ترامب تدخل عصر الصفقات، تحت شعار كلّ شيء قابل للتفاوض، وكلّ شيء قابل للبيع، والغاية تبرّر الوسيلة…
@ طالع أيضا: غزة، وسقوط الأقنعة الزائفة..!
– ثانيا: تحوّلات اقتصاديّة تجعل من الصّين وقوى أخرى، تنتظر لحظة التتويج الاقتصادي العالمي، وهو أمر مزعج لأمريكا، التي تقف بين مطرقة التحوّلات الاقتصادية، المهدّدة للهيمنة الأمريكيّة ومستقبل الدولار من جهة..
ومن جهة أخرى سندان التحدّيات العسكريّة في فلسطين وعلاقتها بالملف الإيراني شديد الأهميّة، وهذا يدفع بأمريكا في ظل إدارة ترامب إلى مزيد من محاولة الهروب بسياسة العصى والجزرة، ولكن بارتباك سياسي واضح، يدفعها في النهاية إلى طريق المواجهة…
– ثالثا: تحوّلات العالم العربي نحو زوال مزيد من الأنظمة التقليدية، التي تُعاني من جبهات داخليّة مترديّة، يجعلها أقرب ما تكون من السقوط، والكيفيّة التي سقط بها نظام بشار الأسد هي حالة مكرّرة وستتكرر بسبب تداعيات طوفان الأقصى، وبسبب الارتباك الأمريكي…الذي يدفعه إلى بيع بعض حلفائه، وعجزه أمام جبهات متعدّدة وترامي قوّاته، وصراعه الاقتصادي القويّ، مع قوى لا تتوقّف عن المنافسة، والحلم بالسيّادة الاقتصادية على العالم… وستكون بعض الأنظمة العربيّة ضحيّة لهذا الواقع الجديد…
– رابعا: تحوّلات علمية و رقمية في عصر يكون للذكاء الاصطناعي دوره في مزيد من التوحّش العسكري… ينتج عنه صراعات وحروبا إقليمية، ويلعب ضعف القانون الدولي، و تجاوز المحكمة الدولية، ذريعة لظهور حروب النزاعات الإقليمية…
وستصبح هذه التحوّلات العلمية أداة حربية للصراع، وتغيير الحدود والخرائط، من أجل الهيمنة على مصادر القوّة، والمواقع الإستراتيجية، والمعادن النفيسة… ويبقى التهديد النووي قائما في هذه الحروب التي تتجاوز القواعد الأخلاقيّة والإنسانيّة…
@ طالع أيضا: هكذا ستتهاوى الإمبراطورية الأمريكية في عصر “ترامب”
– خامسا: عودة صراع الحضارات، والحروب بالعناوين الدينيّة، مع صعود اليمين المتطرف، وتنامي خطاب الكراهية، والتحوّلات الشعبويّة الانتخابية المؤثرة على حياة المهاجرين، وتنامي الإسلام فوبيا، ضدّ تنامي انتشار الإسلام داخل مجتمعاتها، وانبعاث الحركات الإسلاميّة من جديد، من بوابة طوفان فلسطين، كلّ هذه التحوّلات سيُعيد العلاقات الدولية إلى التوتر والمناكفات… ويكون ملف الهجرة والمهاجرين أحد ملفات الصراع ووقوده…
ستصبح هذه التحوّلات العلمية أداة حربية للصراع، وتغيير الحدود والخرائط، من أجل الهيمنة على مصادر القوّة، والمواقع الإستراتيجية، والمعادن النفيسة… ويبقى التهديد النووي قائما في هذه الحروب التي تتجاوز القواعد الأخلاقيّة والإنسانيّة…
– سادسا: قريبا سيصبح الغذاء مشكلة عالمية، بسبب غلق الممرّات البحرية وصعوبتها، بسبب تلك التحوّلات القريبة، والحروب التجاريّة والعقوبات الاقتصادية، سيجعل من الغذاء مشكلة في كثير من البلدان، وينتج عن ذلك الهجرة و الثورات الداخلية… وسيكون هناك عودة لشبح الجوع وتداعياته…
– سابعا: وهو تحوّل مسار الحرب، بتوسّعها إلى جبهات أخرى، محتملة أن تكون جبهات استقطاب للجماعات الإسلاميّة الجهاديّة، منها الجبهات: اليمنيّة والعراقيّة والسوريّة واللبنانيّة… ممّا يتطلب عمليّة استشراف للأنظمة العربيّة والإسلاميّة، حول موقفها الذي في مرحلة ما تتجاوزه، قطاعات شعبية بالمشاركة في هذه الجبهات الجهاديّة، وهذا التحوّل الذي يجعل الكيان الصهيوني في حالة استنفار، لاسيما من الجبهة السوريّة، أن تصبح جبهة للجهاد الإسلامي مع استمرار الإبادة في غزّة، وأنّ مخطط إبادة غزّة قد يتحوّل في أي لحظة لمخطط هجومي إسلامي، يجعل من الحرب السير في اتجاه معاكس…
كلّ هذه التحوّلات تحدث متزامنة ومتداخلة، ولذلك فإن الدول والمجتمعات التي لا تمتلك قراءات استشرافية للتحوّلات القادمة و مشروع مواجهة للتحديّات الوشيكة، وجبهات داخلية قويّة،، ستُعاني، ونحن هنا لا نتكلم عن مستقبل بعيد، بل عن مستقبل قريب خلال الأشهر والسنوات القادمة..
وأعتقد أن أهمّ سلاح استراتيجي هو قوة الجبهة الداخلية، وهذا كذلك يحتاج إلى مشروع وطني لمقاربة الملفات الداخلية بشكل يقنع الأغلبية، ويبني مواطنة تمتلك كثيرا من الوعي وروح الانتماء، وهذا يتطلب حوكمة رشيدة… تقرأ معاني الطوفان وأهميّة السفينة…
@ طالع أيضا: نهاية العولمة وخارطة العالم الجديدة
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.