نوفمبر غيرت مجرى الحياة ، قالها شاعرنا الثوري رحمه الله مفدي زكرياء في حق ثورة وشعب وكفاح هزت الأركان وأقامت كيان الدنيا بأسرها عند الساعة الصفر من نوفمبر عام 1954، لينبلج النور وتشرق شمس الحرية في سماء الجزائر التي تلبدت بغيوم الويلات والتنكيل الاستعماري عن ما يزيد من قرن ونصف.
في هذا اليوم العظيم نتذكر كيف توجت الجزائر تضحياتها بالغالي والنفيس من أجل نيل حقها الذي استباحه غاشم محتل، ارتدى ثوب القذارة والنذالة واللارحمة بكل ما تحمله هذه الأخيرة من معنى، لكن الجزائر نالت المنى، نالت استقلالها، وخرج المحتل يجر أذيال هزيمة شهد لها التاريخ الإنساني ولازال.
لكن لنقف وقفة المتدبر ولنقرأ ما تحت السطور في جزائرنا اليوم، لن تصل إلى أي نتيجة قبل أن تطرح سؤال هو: هل حققنا الإستقلال فعلا، هل حقا خرج الظالم الفرنسي من أرضنا ولم يعد له اثر ، هذا ماينبغي الوقوف عنده كلما دقت ساعة الصفر من الفاتح نوفمبر كل عام، جيل الثورة الذي ضحى بماله ونفسه من أجل أن يرى الجزائر وردة كالدهان، ونتلقاها نحن أبناء الجيل الجديد كأمانة نحفظها ونصونها من كل مكروه، ونسير في خط موازي لما صنعه شهدائنا وثوارنا ونفرش الابتسامة دائما على قبورهم الطيبة.
فيا ترى هل كلنا على قدر هذه الأمانة، وهل كنا خير خلف لخير سلف، ما نعيشه وكواليس الواقع الجزائري كفيل بإعطاء جواب شاف، جواب مر من واقع أمر ولا مفر من الحقيقة مهما كانت مراراتها ، فمن كان يعتقد أن الجزائر اليوم تنعم في الإستقلال فليتصفح صفحات هذا الواقع ليدرك أن الاحتلال لم يكن يوما فقط مجرد سلب للأرض والعرض بالقوة العسكرية بل الأدهى هو سلب الهوية و تشويه الشخصية الوطنية والقومية، وهذا أكبر أنواع الاحتلال، فعندما نرى الجزائري اليوم يتعثر في لغته العربية والتي هي لغته الأم في حين تراه بلسان طلق وسلامة نطق وهو يتكلم لغة الاخر ، لغة المحتل الجائر، وعندما ترى الفرد الجزائري قد تفرنسة قلبا وقالبا في طريقة التفكير واللباس والسلوك وحتى في علاقاته الإنسانية، فإننا سندرك أن الشخصية الثقافية الجزائرية باتت على المحك، وعندما تذهب بعض الجهات إلى السعي لإلغاء قانون تجريم الاستعمار، والرضوخ لحكومة فرنسا التي رفضت الإعتراف بجرائمها و تقديم الاعتذار، فهذا أم الكارثة، هذا يعني أن الهوية الجزائرية بكل مركباتها من دين ولغة وثقافة وتاريخ وشعب قد ضربت عرض الحائط، هذا يعني أن الجيل الجديد خان الأمانة ، أمانة المليون ونصف مليون شهيد. ففي ظل هذه الظروف نحن مازلنا تحت وطئة الإحتلال ولم نحقق بعد الحرية والاستقلال بمفهومه الجديد، والاحتفال بذكرى الفاتح من نوفمبر هي من حق ذلك الجيل الذي فجر تلك اللحظة ، ذلك الجيل الذي فعلا نال الاستقلال و الحرية وهو الأحق بالإحتفال بإستقلاله وحريته، أما نحن اليوم علينا أن نفجر لحظة جديدة في وجه محتلنا الجديد الذي تغلغل في كنف الجزائر، وبعدها سيحق لنا أن نحتفل ونقولها بالفم المليان عاشت الجزائر. حرة مستقلة، المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.