حينما نشاهد القنوات التلفزيوية لجيراننا "التوانسة" وبرامجها المتميزة، نشعر بمتعة لا تضاهيها متعة، للمستوى الرفيع الذي تنعم به السلطة الرابعة عندهم.
تحاليل راقية في شتى المجالات، سياسية واقتصادية وغيرها، يشارك فيها اختصاصيون، وصحفيون متميزون يديرون الحوارات بكل احترافية، يسألون رؤساء الأحزاب وينتقدون برامجهم من دون أن يمسوا أو يشتموا أصحابها .
وعندما نحول أنظارنا إلى قنواتنا “المستقلة”، فنشعر بحسرة ما بعدها حسرة، صحفيون يلهثون وراء الأخبار التافهة والسخيفة سخافة أبطالها، تحت غطاء السبق الصحفي.
صحفيون يتهافتون على حكايات هزلية مثل حكاية تصفية سعداني من الساحة السياسية التي لوثها هو وأمثاله وكم هم كثيرون.
فرغم أن الحدث عادي جدا – بل هو “لا حدث” أصلا-، استطاع النظام الجزائري أن يوهم جميع وسائل الإعلام الجزائري بأن الأمر جلل، وقد يؤثر على التوازنات العالمية وقد تنجر عنه حرب عالمية ثالثة، بسبب رحيل هذا الرجل الفذ عن العمل السياسي.
كيف يمكن لخبر تنحية سعداني من الأمانة العامة حزب جبهة التحرير الوطني، أن يأخذ هذا الحجم الكبير وهذا الزخم، ليصبح مادة إعلامية دسمة في كل الصحف والقنوات، فلا تكاد تضغط على قناة إلا وتشاهد بلاطوهات وحصص خاصة وتغطيات متواصلة لتحليل ظروف وأسباب استقالة هذا الشخص الوصولي، الذي ليست له أية علاقة بالسياسة وفنونها، كان هدفه الوحيد هو تحقيق أغراض سياسة ضيقة.
رغم أن الحدث عادي جدا – بل هو “لا حدث” أصلا-، استطاع النظام الجزائري أن يوهم جميع وسائل الإعلام الجزائري بأن الأمر جلل، وقد يؤثر على التوازنات العالمية وقد تنجر عنه حرب عالمية ثالثة، بسبب رحيل هذا الرجل الفذ عن العمل السياسي…
هذا المخلوق العجيب الذي صدق نفسه أنه رقم صعب في معادلة معقدة، جيء به من أجل مهمة “قذرة”، وبعد أن أتمها… تم رميه في سلة المهملات، فكان له جزاء سنمار.
أمين عام لأكبر حزب سياسي في الجزائر، لم يكن له أي مشروع سياسي واضح المعالم، كل مداخلاته اختزلت في قدح وشتم من كانوا أصحاب الفضل عليه، ولولاهم لما كان شيئا مذكورا، فرد الجميل بطريقته الخاصة، وعض اليد التي مدت له، فخان من كانوا أسيادا له، في وقت قريب، وطعنهم في الظهر، بعد أن نعتهم بأبشع الأوصاف.
طبعا، هم يستحقون أكثر من ذلك، فهؤلاء اختاروا الرداءة والعفن، وفضلوا الولاءات على الكفاءات، فأوصلوا البلاد إلى ما وصلت إليه من هوان ما بعده هوان.
صحيح أن السلطة في الجزائر، استطاعت أن تنحرف بالرأي العام الوطني عن واقعه الأليم، عندما استغفلته وأنسته ولو لحين في معاناته ومكابدته لمشاكل يومية مازال يتخبط فيها منذ عقود من الزمن.
غير أن هذه السلطة لم تكن لتنجح لولا أقلام مأجورة من وسائل إعلام هابطة، لم تتوان في منح حيز كبير لمثل هكذا أخبار، وعوضا أن ترتقي بعملها الصحفي في تزويد المتلقي بمادة إعلامية تساعده على رؤية ما يحدث في وطنه من تجاوزات واختلاسات، وعوضا أن تُشْعِرَ الشعب الجزائري بالخطر المحدق به، وتحثه على التغيير السلمي باعتباره صاحب السلطة التأسيسية لدولة الحق والقانون، بكل ما للكلمة من مدلول، راحت تروج لأخبار لا تهم المواطن لا من بعيد ولا من قريب، فنفرته من الحياة السياسية الموبوءة بالسفهاء والمجانين، وترك الجمل بما حمل وفر بجلده، وقرر أن يدير ظهره لمن اغتصبوا وطنه، وقدم استقالته، فلم يبق لهذه الصحافة الصفراء إلا أن تحذو حذو الشعب الجزائري وتقدم هي الأخرى استقالتها من هذه المهنة النبيلة.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.