مصر العظمة والعظيـمة كما سمّنوها وسمموها لعقود تحت مسميات أنها أم الدنيا تصنع الحدث، حدث وحديث أن تلك العظيمة قد تمكنت من خلال ميدان تحـرير ”شعبوي” أصبح هو الدولة وهو الأمة وهو التاريخ، أن تجرجر عجوزا معتـلا وأعزل من سريره لترمي به أمام كاميرات العالم وتقدمه وجبة رمضانية لعدالة لا نشك لحظة في أنها ستنال شرف و”قرف” إحالة أوراق المتهم المدعو حسني مبارك على فضيلة المفتي قبل أن تنتهي مسرحية محاكمة الزعيـم، فالتهمة ثابتة وجرم من كان ”عزيز” قومه و”ريسهم” أنه تمسك بحقه في الموت والدفن في أرض مصر، فوفر له غلمان وخدم ”أمسه” من ”طنطاوين” كانوا أدوات حكمه ومصدر ألوهيته بالإضافة إلى أمنيتي الموت والدفن بتربة القاهرة كما أراد. محاكمة، مهما كان عنوانها ومبرراتها، فإنها محاكمة لمصر من طرف ”شبيهة” مصر التي حبلت بها ثورة ميادين التحرير و”التغرير” بأمة الغـلابى..
في مشهد مأساوي دامع سيظل مشهدا حصريا على أرض الكنانة حيث العجب عجب لا غبار عليه، اقتيد العاجز من طرف من كان ”بوليسه” وحرسه الشخصي ليساق إلى القفص وهو محنط مثل أي أبي هول انتهى دوره فتحول إلى ”تحفة” تاريخية يتنافس على الاستمتاع بالتفرج على تجاعيدها ملايين البشر من هواة التماثيل الفرعونية، وفي مشهد لا يمكن أن يعرض إلا على ”ركح” أمة تعودت أن تعزف بإتقان لحن ”مات الملك عاش الملك”، تمدد من كان لثلاثين عاما رجل مصر وكبيرها الأوحد على سرير خشبي، ليـمثل ”شبيه” مبارك آخر مشهد من مسرحية الريس ”الكـومبارس” أو البديل الذي عاش في كنفه ومن كتفه لأكثر من ربع قرن من يحاكمونه” الآن” باسم الشعب وثورة الشعب ومبررهم أن ”كومبارس” النظام آن له أن يدفع الثمن عن الآخرين حتى يستمروا ويستـمر زمن الطنطاوي وزمن عـنان وزمن الجنرالات في غياب لأي مبارك وأي حسني يمكنه أن يحسن صورة ”العسـكر” الذين اختاروا بعد ثلاثين عاما من الأكل والتفاوض والتطبيع باسم آل مبارك أن يأكلوا ”الكباب” و”المهلبية”، لكن هذه المرة بفم الشعب وبفم الثورة وباسم أن مصر أرادت فالمشير و”المشيرات” المتخفون استـجابوا..
والنهاية كما ترون أن بشار الأسد وفرت له مصر حجة أن يبقى فيها إلى أن تزول سوريا أو يسقط ”صريعا” قبل أن تطال عنقه أيادي الغـوغاء، فالقضية بشكلها الحالي خرجت من المعارك النظامية إلى معارك الدفاع عن النفس.. فهل بعد هذا يمكننا أن نقول إن محاكمة حسني مبارك قد تحولت إلى”عـبرة”؟
أصدق مشهد في مسرحية محاكمة ”الزعيم” المنتهي الصلاحية، هي تلك الابتسامة الصـفراء التي غادرت فيه المتهم حسني مبارك بالرغم عنه، حين فجر أحد المحامين على طريقة ”خليفة خلف خلف الله خلف خلاف” المحامي المشهور في مسرحية ”شاهد مشافش حاجة” قنبلة ”ألولو” والتي ظهرت ملامحها هذه المرة في كشفه أن مبارك الممدد ليس سوى شبيه حسني مبارك الذي قال المحامي إنهم ”ألولو” بأنه توفي في سنة 2004، وبالطبع الريس ”القرفان” قاوم ابتسامـته لكنه فشل في منعها ليترك للآخرين الحق في التعجب عن سر أن يبـتسم ”الفرعون” وهو في عرض الغرق، وبين أن يكون مبارك قد تذكر محامي مسرحية ”شاهد ماشفش حاجة” المدعو ”خليفة خلف خلف الله خلف خلاف”فابتسم مرغما، أو أن الرجل قد وصل إلى قناعة أن الشبيه في قضية الحال هو شبيهة مصر التي تحاكم مصر كما تحاكم شبيه مبارك، فإن المهم في ابتسامة الريس وفي محاكمته ”السريرية” أن البقر تشابه على الكل وأن المسرحية بعرضها الحالي ”بايخة جدا”، ليس لأن مـبارك بريء وليس لأن دماء من سقطـوا في ثورة ”مصر” برفس البغال والجمال لا تعني شيئا وإنما لأن من ”جرجر” سرير الريس إلى القفص ليس إلا جزءا من نظام لم يرحل، فمـبارك في البداية والنهاية كان رئيسا أما من كان قاضيا وجلادا فإنه لم يكن إلا نظاما رحل رئـيسه لكن أداوته لاتزال هي ذاتها، الشخوص نفسها و”المشـيرون” أنفسهم والدروع نفسها.. ووحدها مصر من فقدت أمنـها لتفقد مصر مصرها وتطفو إلى العلن شبيهة مصر فتـعري بمحاكمتها الجثث حقيقة أن مصر الكبيرة انتهت وأن ما هو موجود الآن شبيهة مصر التي يراد لها أن تكون مصـر التي أول ما تخدع وتخادع تخدع أهلها الطيبـين.
من ركب موجة أن ”بهدلة” حسني مبارك بتلك الطريقة عبرة للحـكام العرب، فقد نظر إلى نصف الكـأس المليان، فالقراءة الحقيقية لنصف الكأس المغضوض عنها البصر، أن إذلال ريس مصر المخلوع بتلك الطريقة المشينة رسالة إلى الحكام العرب، وعلى رأسهم ”أسد سـوريا” الذي تبنى سياسة الإبادة في حق شعبه دفاعا عن عرينه، بأنه ليس أمامهم إلا التمسك بسلطانهم إلى آخر عنق شعبي موجود على أرض العرش، فمادام حال ومآل مبارك قد انتهى إلى محاكمة ”سريرية” بذلك الشكل المخزي، فإن البقية الباقية من الحكام قد اعتبروا وعبرتهم من نهاية مبارك أنهم لن يغادروا المعبد إلا بعد فنائه أو فنائهم وهم فوق رأسه.. والنهاية كما ترون أن بشار الأسد وفرت له مصر حجة أن يبقى فيها إلى أن تزول سوريا أو يسقط ”صريعا” قبل أن تطال عنقه أيادي الغـوغاء، فالقضية بشكلها الحالي خرجت من المعارك النظامية إلى معارك الدفاع عن النفس.. فهل بعد هذا يمكننا أن نقول إن محاكمة حسني مبارك قد تحولت إلى”عـبرة”؟
نهاية الأمر.. مهما قلنا عن حسني مبارك الذي حكم ثلاثين عاما أمة بمكانة وتاريخ وتفريخ مصر أو عن ”شبـيهه” الذي حنـطوا جثته حتى يتم عرضها أمام كاميرات العالم في مسرحية ”حاكم ما بقـالوش حاجة”، فإن الثابت أن هذه المصر التي تحاكم ”فرعونها” قد نسيت أن تسأل الشـبيه المدد والمقيد في القفص، ترى بأية طريقة استطاعت أن توفر الغـذاء ولو بدرجات متفاوتة لتعداد سـكاني قدره 80 مليون ”شحات” رغم أنه لا بتـرول ولا ”نفط” في آبار ولا موارد في تلك المسماة مصر، وكيف في الحين الذي تتسول فيه دول نفطية تعداد سكانها لا يتجاوز الثلاثين مليون كائن قوت يومها، استطعت أنت أن تدخل مصر عصر ”الميتـرو” وعصر الفضائيات ووعصر الأقمار الصناعية.. كيف أنك رجل تستـحق الإعدام، فلك الله يا مصر ولك الله أيضا يا مبارك؟
oussamawahid@yahoo.fr
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 2536
تجوع الحرة و لا تأكل بثدييها
أستاذ وحيد لقد حيرك السؤال التالي : ترى بأية طريقة استطعت (مبارك ) أن توفر الغـذاء ولو بدرجات متفاوتة لتعداد سـكاني قدره 80 مليون ”شحات” رغم أنه لا بتـرول ولا ”نفط” في آبار ولا موارد في تلك المسماة مصر، وكيف في الحين الذي تتسول فيه دول نفطية تعداد سكانها لا يتجاوز الثلاثين مليون كائن قوت يومها، استطعت أنت أن تدخل مصر عصر ”الميتـرو” وعصر الفضائيات وعصر الأقمار الصناعية.. كيف أنك رجل تستـحق الإعدام، فلك الله يا مصر ولك الله أيضا يا مبارك؟ انتهى كلامك
استغربت كثيرا يا استاذ من هذا السؤال الذي ربما كنت اتقبله من عجوز أوشيخ أمي لا يعرف أين تقع مصر ولا يعرف حدودها مع الحبيبة اسرائيل ولا شاهد قبلات الود بين حاكمها وبين جروج بوش الصليبي
اسمحلي يا أستاذ أن أجيب على سؤالك هذا بسؤالي التالي : ترى كيف كان سيكون وضع العالم العربي لو كانت مصر لا تزال تحافظ على ناصريتها وكيف كانت ستكون غزة وأطفالها وإسرائيل وعملاؤها وأمريكا وإذنابها….. هل تحسب أن مصر مبارك تنازلت لإسرائيل عن ناصريتها ببلاش
للأسف فإن مبارك لم يكن يطعم 80 مليون مصري ببركة مشتقة من اسمه وإنما كان يأكلهم بأثداء نسائهم والمثل العربي يقول تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها ، حول الشعب المصري إلى مصاصي دماء وأي دما ء دماء الأطهار في أرض الطهارة غزة و القدس ولبنان وحتى يورث فلسلفة الأثداء لعقود أخرى حرض كلابه الضالة على رفات شهداء الجزائر فانهالت عليها نهشا طيلة شهرين من الزمن
إن تحول كرسي الحاكم المتكبر إلى سرير المحكوم عليه المذلول تنبأ به كل من زار غزة أورأى عبر الفضائيات دموع أطفالها اليتامى وأراملها و ثكالاها لأن دعوة المظلوم لا ترد
تعليق 2607
تحية طيبة
وهل اغفلت ثلاثين عام مضوا وكما نقول اهل مكه ادرى بشعابها فلا يدرى عن مبارك غير قومه وشعبه ثم تأتى لحظات او ساعات لكى تبخر كل شئ ولا تظهر سوى مشهد العجوز رحمه الله
العدل رحمه ايضا