أسرَت زلابية بوفاريك قلوب العديد من الجزائريين وحتى الأجانب، جعلتهم "يحجّون" إلى المنطقة من مختلف الأماكن لاسيما في شهر رمضان، وعلى مر السنين حافظت الزلابية على ريادتها وصدارتها رغم غزو الحلويات الشرقية المدججة بالفستق والبندق والجوز واللوز، إلاّ أنها وببساطتها قهرت كل المنافسين والدخلاء..
عندما وصلنا مدينة بوفاريك التي تبعد عن العاصمة بحوالي 35 كلم شد انتباهنا الطوابير الطويلة في منتصف النهار والسبب كان الحصول على زلابية تحضرها عائلات عريقة ومعروفة لا يرضون عنها بديلا..
حاولنا تقفي أثر تلك العائلات التي تحضر نساؤها الزلابية فلم نجد إليهن سبيلا، الجميع يؤكد “النساء لا يحضرن الزلابية الآن.. الرجال هم من يقومون بذلك”،
ورغم هذا تمسكنا بخيط أمل رفيع عندما رأينا باب أحد المساكن مفتوحا في مكان يسمى زنقة العرب “قيل لنا إنه لعائلة أكسيل” وأمامه طوابير الانتظار لرجال ينتظرون عند المدخل والنساء يسمح لهن بالدخول وبمجرد اقترابنا سمح لنا بالدخول ظنا منهم إننا نريد الشراء وبالفعل دخلنا، لكننا لم نجد غير سيدة متقدمة في السن ترحب بالوافدين وتسجل طلبهم لتحوله إلى فريق العمل الرجالي.
بادرت بسؤالها “أين اختفت النساء، ولماذا انسحبن من الساحة؟”، فقالت بتنهيدة طويلة “يا حسراه على بكري كي كانت الصحة خدمنا ولكن جيل اليوم من البنات اهتم بالدراسة والصنعة فتولى الرجال المهمة الرابحة”.
محطة أخرى اصطف أمام متجرها الصغير مواطنون كثر، تقدمنا من عمي الطاهر شيراف، أحد أعرق العائلات وهناك كانت لنا دردشة مع زوجته الحاجة مسعودة البالغ عمرها 76 عاما، ورغم حالتها الصحية المتعبة، إلا أنها تأبى إلا أن تمد يد المساعدة ولو بلف الزلابية في ورق التغليف وقصه وبعض المهمات السهلة.
الحاجة مسعودة عادت بنا إلى سنوات مضت أين تلقت الصنعة من جارة لها لتساعد بها عائلتها التي كانت تواجه في ذلك الوقت ظروفا صعبة، واستمر الحال بعد ذلك مع بناتها اللواتي انضممن للمهنة وساعدناها.
النساء يورّثن زلابية بوفاريك للرجال
استقالت نساء بوفاريك من منصبهن الرائد في صناعة زلابية بوفاريك لصالح الرجال، بعد أن بات الطلب كبيرا جدا وبعد أن أصبح المجال تجاريا بامتياز.
وتقول كريمة شيراف التي دخلت عالم تحضير الزلابية في سن مبكرة جدا أنها وأخواتها وأمها كنّ يعكفن على إعداد هذه الحلوى منذ سنوات، لكن بعد زواجهن وتقدم سن والدتهن، تعلّم إخوتها الوصفة وعكفوا على إعدادها بكميات أكبر نظرا للإقبال الكبير الذي تشهده من لدن المواطنين والتجار.
زلابية بوفاريك شيّدت الفيلات واشترت السيارات و”جهّزت” البنات
زلابية بوفاريك حقّقت ثروة بالملايير لكثير من العائلات، حيث قفزت بها إلى مراتب أعلى وأصبحت بالنسبة لكثير من هؤلاء مصدر الدخل الوحيد وهو ما أدى بهم إلى توسيع مجال الاستثمار العائلي وانتهاج طريق الاحترافية لتصبح الزلابية بذلك مهنة ومصدر رزق على مدار السنة تعيل بيوتا كثيرة.
تقول الحاجة مسعودة شيراف “الزلابية ساعدتني في حل كثير من المشاكل المادية.. كنت أضع الدينار على الدينار من أجل توفير حياة كريمة لأولادي، والحمد لله بحسن تدبيري استطعت المساهمة في تسديد ثمن قطعة الأرض التي شيدنا عليها البيت الذي نسكنه وبعدها اشترينا قطعة أرض أخرى في الصومعة أنجزنا عليها مسكنا آخر للأولاد بعد زواجهم”.
وتضيف الحاجة مسعودة أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إنها استطاعت بفضل أموال الزلابية أن تزوّج بناتها الثلاث و”تجهزهن” بالذهب واللباس وكل ما يلزمهن، كما أنها اشترت للأولاد سيارات ومساكن…
“كل هذا ما كان بإمكاننا الحصول عليه لولا فضل الله وفضل الزلابية” تستطرد الحاجة مسعودة.
التكنولوجيا تزحف على زلابية بوفاريك
تقول كريمة شيراف ابنة الحاجة مسعودة أن نساء بوفاريك كنّ يحضرن الزلابية باليد ودون الاعتماد على الخلاط الكهربائي، أما الرجال اليوم ونظرا لتضاعف الكمية المنتجة أصبحوا يلجأون إلى هذه الوسيلة من أجل توفير الجهد والوقت.
ويكون العمل عادة تحت درجة حرارة عالية، لذا يلجأ هؤلاء إلى المكيفات والمروحيات قصد امتصاص جزء من الحرارة.
ولأن الزلابية تحولت إلى تجارة قائمة بنفسها، يخصص العاملون فيها مساحات كبيرة مستقلة تكون عادة في الطابق الأرضي من المسكن.
يقول فاتح أن العمل متعب وشاق جدا، لذا ينقسم الفريق إلى مجموعتين، ساعة بساعة من أجل أخذ قسط من الراحة.
زلابية الشعير تدخل على الخط..
يشتهي كثير من الأشخاص أكل الزلابية لكن بعض أنواع الريجيم التي يتبعونها تمنع عنهم، الأمر ورغم هذا وجد معدو الزلابية حلا لهم في زلابية الشعير، وهنا تقول كريمة شيراف “عندما يتعلق الأمر ببعض الحالات الخاصة يجلبون لنا كمية من الشعير ونحضر لهم ما يرغبون، قصد عدم حرمانهم من أكل الحلوى التي يشتهونها”.
وتقول كريمة أن “بعض الزبائن أيضا يطلبون منهم إعداد زلابية بالمكسرات على غرار اللوز أو الفول السوداني “الكاوكاو” أو الفستق أو الجوز.. كل حسب ذوقه”.
عائلات تبيع 15 طنا من الزلابية يوميا
تعد عائلات بن شرقي وشيراف وموساوي وأكسيل وشنون من أعرق العائلات في تحضير الزلابية وهي تعمل على مدار السنة، غير أنها تضاعف منتوجها في رمضان نظرا للإقبال المتزايد من كل الضواحي، حيث يؤكد لنا بوعلام شيراف أنهم يحضرون يوميا حوالي 15 طنا من الزلابية وأحيانا أكثر من هذا وهو أيضا ما أكدته عائلة بن شرقي وغيرهم.
ويتنوع زبائن تلك العائلات بين مستهلكين عاديين وتجار ينقلونها لولايات أخرى مجاورة على غرار العاصمة وبومرداس والبويرة والمدية، فالكل يتباهى بزلابية بوفاريك التي توفر لهم سمعتها الطيبة مدخولا رابحا.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.