إعتبر الروائي الكبير رشيد بوجدرة، بأن وقفة “سعيد بوتفليقة” إلى جانبه في واقعة الكاميرا الخفية التي قدّمتها قناة النهار شهر رمضان الفارط والتي وصفت بالمهينة، بأنها تأكيد على مساندة الدولة له باعتبار سعيد بوتفليقة المستشار الشخصي لرئيس الجمهورية، وهي المرة الأولى ـ يقول بوجدرةـ التي تقف فيها الدولة إلى جانبه منذ بداية مسيرته الروائية التي تزيد عن الـ 52 عاما.
بالمقابل قال بوجدرة في حوار مطول مع TSAعربي، بأنه رفض تكريم رئيس الجمهورية بوسام العشير شهر جويلية الفارط بسبب وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، موضحا بأن الدعوة ودت إليه عن طريق ميهوبي الذي رفض الوقوف إلى جانبه في قضية “النهار” وهو ما جعله يرفض التكريم الذي أتاه عن طريق ميهوبي.
ويكشف بوجدرة عن جديد قضيته مع قناة النهار التي قال بأنها امام العدالة وبأنه تأسس من أجلها 13 محاميا كلهم متطوعين.
كما يتحدث بوجدرة في هذا الحوار عن علاقته بالراحلين “رضا مالك” و“الشيخ نحناح”، وعن علاقته بأبو جرة سلطاني والإسلاميين. كما يتحدث عن موقفه من بوعلام صنصال وكمال داود وأمين الزاوي وواسيني الاعرج و أخرون ..
في روايتك الجديدة”الخطف”، التي ستصدر شهر سبتمبر القادم تعود للكتابة بالفرنسية. ما هو سبب تراجعك عن مشروع الكتابة بالعربية بعد 12 رواية؟
منظومة النشر في الجزائر لا تضمن لك العيش، فانا أعيش على مداخيل ما أكتب، عدت للكتابة بالفرنسية لأضمن دخلا محترما وتوزيعا مهما لأعمالي ومن ثمة تبقى عملية الترجمة الى العربية.
عملت مع دور نشر جزائرية اكلت حقوقي من بينها دار البرزخ التي استولت على حقوقي واضطررت لأكثر من مرة لمقاضاتها. ولكنها ليست أحسن حالا من دور أخرى فالناشر الجزائري زيادة على انه غير مثقف ولا يقرأ فهو أيضا يتعامل بمنطق صاحب الفضل عليك في النشر كل هذه الظروف جعلتني اقرر التوقف عن الكتابة بالعربية وعدت للكتابة بالفرنسية.
حين كتبت “التفكك” عام 1982 باللغة العربية، حوربت من قبل حراس الفرنسية “الفرونكوفونيين“ من جهة، ومن المعربين من جهة أخرى.. كيف واجهت كل هذا؟
أصريت على الإستمرار والكتابة بالعربية وفعلا قدمت 12 رواية باللغة العربية رغم أنني حوربت ومحاربي الشرس كان “الطاهر وطار”، الذي كان صديقي ورفيقي لأننا كنا في خلية واحدة في الحزب الإشتراكي. وأصبح يقول بأن بوجدرة لا يكتب بالعربية وإنما يكتبون له.
ولكن كان هناك أكاديميون معربون على غرار “واسيني الأعرج” و“أمين الزاوي” و“جيلالي خلاص” الذين كانوا مشايخ العربية وأقاموا القائمة وأصبحوا يحاربون وطار ويهاجمونه بشراسة.
كما حاربني أيضا الفرنكوفونيون في الجامعة، على غرار السيدة “حدة “و“دليلة مرسلي” وآخرون هاجموني لأنني كتبت بالفرنسية.
وفي فرنسا أصبح هناك تيار ضدي في الصالونات والصحافة، وقل وجودي كثيرا في الصحافة الفرنسية ولكن دار النشر ساندتني.
ما موقفك من الذين يكتبون اليوم بالفرنسية؟
“أمين الزاوي” كتب بالفرنسية المليئة بالأخطاء، ولغته ضعيفة جدا و”بوعلام صنصال” حاقد على الجزائر بشكل رهيب. حتى أنه أصبح يقذف الثورة ويقول أن كل ضباط الجيش الجزائري من النازيين وهذا خطير.
“كمال داود” أيضا في رواية “البير كامو” يكتب رواية عنه ويبرر فيها موقف كامو الذي كان ضد إستقلال الجزائر. من أجل كل هذا أحضر لنشر كتاب جديد عن طريق دار نشر “فرانس فانون” في تيزي وزو، وهو كتاب نقدي ضد تلك الأسماء الأدبية التي تسيء للجزائر. وهو مكتوب بالفرنسية لأن المقروئية اليوم في الجزائر فرنسية فأغلب الجزائريين المعربين لا يقرؤون.
وجاءتني الفكرة منذ استفزازات بنت” الباشاغا بن غانا”، التي أفاضت الكأس فقررت فضح هؤلاء الذين يزورون التاريخ والكتاب يتحدث عن “صنصال وكمال داود وسليم باشا..”.
الجزائر اليوم تعاني من مشكل حاد في الهوية ينعكس مباشرة على اللغة، الجزائري العربي الوحيد غير المرتاح في لغته. ما هو السبب في رايك؟
كان هناك نوع من الحرب بين المعربين والفرنكفونيين، واليوم المعرب أصبح يكتب الفرنسية وهو لا يعرفها والمثال أمين الزاوي وواسيني الأعرج. مشكلتنا مع اللغة طبيعي فنحن كزناتة من بداية تاريخنا مستعمرون، مررنا بحقبة استعمارية كبيرة ضربتنا في الصميم خاصة الفترة الفرنسية. تاريخنا شرس وصعب جدا. والفرنسيون قتلوا اللغة العربية واليوم نحن ننطلق من جديد.
خمسون سنة غير كافية لإسترجاع اللغة وغير كافية أيضا لتكوين دولة جديدة وسلطة جديدة وعقلية جديدة. وأولاد فرنسا لن ينجحوا في مخططاتهم رغم أن اللغة الفرنسية مسيطرة في الشارع الجزائري اليوم.
هناك من يقول اليوم بأن بوجدرة خفف خطابه المعارض للسلطة وبأنه إستسلم لخطابها.. ما تعليقك؟
مواقفي السياسية واضحة فيما أكتب، كما أنني رفضت مرتين تكريم السلطة. وكلام البعض ضدي هجاء سأرد عليه في وقته. لم أخفف من مواقفي السياسية مواقفي ثابتة وظاهرة في نصوصي، فحين تأخذ نص مثل نص الأخير “الخطف ” الذي سيصدر شهر سبتمبر المقبل، تكتشف بأنني مازلت على مواقفي ومبادئي التي تثير السلطة وتضايقها.
مارست حقدا كبيرا في روايتك “حقد الفيس” الذي يصفه البعض بانه نص “متطرف”؟
أكيد لأنهم حاربوني وأهدروا دمي أكثر من مرة، آخرها منذ سنتين من خلال فتوى “حمداش” الذي أصدر وحده في حقي فتوتين خطيرتين. عانيت كثيرا وقت الإرهاب. والوحيد الذي وقف الى جانبي وقتها من الدولة صديقي ”رضا مالك” هو الذي وقف إلى جانبي وساندني.
وأصدقك قولا إذا قلت أنني كنت في وقتها أحمل مسدسا وكان من الوارد أن أقتل وقتها لأنني كنت مهدد. حقدت عليهم لأنهم حقدوا علي كروائي رغم انني كنت على علاقة جميلة مع بعض الاسلامين على غرار “الشيخ نحناح” الذي كان يدعوني على الأقل مرة في الشهر لآكل الكسكس في بيته في البليدة مع أنه كان يعلم أنني ملحد. كنا نتناقش ونتكلم في قضايا الدين والتصوف والإلحاد وكنت أقضي يوم الجمعة معه كاملا.
هناك من يقول أنك تصالحت مع الإسلاميين، هل هذه حقيقة؟
ليس مع الإسلاميين بل مع اشخاص نزهاء و مثقفين، من بينها “أبو جرة سلطاني” الذي إلتقيته في برنامج تلفزيوني وأصبح صديقي لأنه قارئ جيد ويتحدث عن نصوصي بإعجاب، وهو يتحدث في أمور كثيرة نتفق معا فيها وفعلا أصبحنا أصدقاء يأتي لبيتي وأزوره في بيته ونتناقش في أمور كثيرة. أنا مشكلتي ليست مع الإسلام بل مع المنافقين، شخصيا أعتبر “القرآن الكريم” أرقى كتاب سماوي وشخصيا أقراه مرتين في السنة على الأقل.
كيف كانت علاقتك برئيس الحكومة الأسبق رضا مالك؟
إلتقيته أول مرة في واشنطن سنوات الثمانينات حين ذهبت إلى هناك و كان وقتها سفيرا جاءني شخصيا إلى الطائرة و استضافني في إقامة السفارة الجزائرية في واشنطن، و بعدها أيضا جاءني في موسكو إلى الطائرة أيضا و هو سفير هناك . رغم أن تقليد الدبلوماسيين الجزائريين أنهم يبعثون لي برجال الأمن إلى الفندق ليطالبوني بزيارة السفير.
و للأمانة هنا أشير انني في تاريخي لم اسجل حضور سفير جزائري واحد في محاضراتي في الخارج .فيما لا تخلو ابدا من سفراء المغرب و تونس .ما عدا رضا مالك الذي كان يستقبلي بحفاوة و يحضر محاضراتي.
أيضا رضا مالك كان يزورني في بيتي و نتناقش مطولا في رواياتي، و نتحدث في الكثير من القضايا الفلسفية باعتبار تكوينه الفلسفي فهو خريج السوربون. نتحدث أيضا في السياسة. كما انه جاءني الى المنزل في حادثة النهار ووبخني كثيرا لأنني قبلت دعوتهم.
في أحد حواراته مع الكاتب “سعيد خطيبي”، يتّهمك المخرج العالمي “لخضر حمينا” بأنك لم تشارك في كتابة سيناريو ”وقائع سنين الجمر” وبأنك غافلته وأدرجت إسمك في الجينيريك، ما تعليقك؟
لازلت أحتفظ بعقدي مع لخضر حمينا بخصوص فيلم “وقائع سنين الجمر”. أنا أعطيت السيناريو لحمينا ولم يكن لي دخل في أي شيء بعد ذلك، ثم كيف لي ان اخدعه و هو كان “سلطان البلاد” وقتها، لأنه كان صديق حميم للرئيس السابق “هواري بومدين”، وكان قريبه مدير ديوان بومدين. يعني هذا الكلام لا محل له من الصحة. لخضر حمينا جاءني الى الرباط في المغرب وطلب مني أن اكتب له سيناريو الفيلم وأعطاني القصة في “كاسيت” سمعتها وكتبت السيناريو وبدأنا العمل، وبقيت معهم لمدة 9 أشهر باعتباري مدير فني للعمل فكيف لا أكون ضمن فريق العمل.
ولأكون واضحا فلخضر حمينا هو الذي سرق مني سيناريو فيلم “الريح الرملية” فأنا كتبت قصة الفيلم عن الفلاحين في الواد. وقدّمت له سكريبت العمل وليس فقط القصة وأخذها لخضر حمينا ولم يذكر إسمي.
وكتبت أيضا الكثير من الاعمال السينمائية من بينها 30 سيناريو في الجزائر و10 في الخارج، وهناك عملين أيضا كتبتهم لوزارة الثقافة ”زيغوت يوسف” و“فريق جبهة التحرير” منذ وقت خليدة ولم ينجز العملين منذ 10 سنوات.
كما أنني كتبت سيناريو فليم “نهلة” لبلوفة عن القضية الفلسطينية وهو أجمل عمل جزائري بعد “وقائع سنين الجمر”.
أما ما يتحدث عنه “سعيد خطيبي” الذي اعتبره كاتبا فاشلا و مأجورا، مجرد هجاء لا ألقي له بالا لأنني اعتبره لا حدث واعتبره صحفي فاشل وحتى روائي فاشل.
حادثة “الكاميرا الخفية” التي أوقعتك فيها قناة النهار اثارت ضجة شعبية وإعلامية كبيرة. الى اين وصلت القضية اليوم؟
هو فخ وقعت فيه، بعدما جاءني صحفيان قالا بأنهما يعدان برنامج بعنوان “النادي الأدبي” وافقت حينها وكنت أضن أنني سأسجل الحصة في مقر القناة لأجد نفسي في فندق معزول. أمام ممارسة لا يمكن وصفها إلا بالإرهابية. القضية اليوم أمام العدالة وأسست في حقهم 13 محامي تطوعوا من أجل الدفاع عني في مقدمتهم المحاميين “مولود إبراهيمي” و”خالد بورايو” الذين إتصلا بي ليلة الوقفة التي نظمتاها اما سلطة الضبط، وفعلا الملف أمام العدالة اليوم. كما أنني أشير أني رفضت إعتذار أنيس رحماني الذي سحبه فيما بعد.
الواقعة أظهرت القاعدة الشعبية التي تتمتع بها كروائي جزائري حيث لقيت مساندة شعبية وإعلامية وحتى عربية كبيرة؟
أكيد فالحادثة أظهرت مستوى الإنفتاح الشعبي الكبير، حيث أصبح الجزائري يعرف كيف يحترم المعتقد، و هذا أصبح واضحا لدي منذ قضيتي مع قناة الشروق في برنامج “المحاكمة”، حيث لم أتعرض وقتها لأي إعتداء أو تهجم من في الشارع رغم انني قلت اني “ملحد”. الكل اليوم يحترمني ويحييني ويشد على يدي في الشارع. وبكل تواضع أنا اليوم “أيقونة” إيجابية في الجزائر لأنني قدمت أمورا إيجابية للشعب تفيد في تنمية المجتمع و تطوره.
وأقولها بصراحة أنا لم أندم على أي شيء قدّمته خلال مسيرتي الإبداعية، فأنا أردت أن أبدع على مستوى عالي، منذ بدأت الكتابة قلت لوالدي وأنا في سن 12: ”سأكون كاتب ياسين أو لن أكون”، فكاتب ياسين كان أيقونتي وإلى اليوم هو بالنسبة لي القامة الوحيدة التي لا يمكن زعزعتها في الجزائر.
لكن تجربتك الروائية مختلفة عن تجربة “كاتب ياسين“؟
فعلا هي تجربة مختلفة، فانا قمت بثورة في الرواية العربية أدخلت الثلاثي المحرم (السياسة والجنس والدين)، الثلاثي الذي لم يسبقني إليه أحد وحتى من الناحية التقنية أستعمل الرياضيات من أجل بناء نصي الروائي. لأنني لا اعترف بالنصوص البسيطة مثل روايات “نجيب محفوظ” التي أراها حكايات وسرد بسيط (فعل فاعل مفعول به). وبالنسبة لي هذا إبداع. وشخصيا أرى بأن نجيب محفوظ لم ينل جائزة ”نوبل” عن أدبه بل عن مواقفه السياسية.
كيف وجدت خرجة “سعيد بوتفليقة” يوم الوقفة ومساندته لك في حادثة النهار؟
موقف شجاع لم استغربه من رجل مثقف، كما أنه حمل موقف السلطة الجزائرية التي ساندتني وهي التي لم تساندني يوما على مدار تاريخي. فموقع سعيد بوتفليقة كمستشار شخصي للرئيس يعكس أكيد مساندة الدولة لي في تلك الحادثة.
كما أن سعيد بوتفليقة هو زميل في النضال في الحزب الاشتراكي، وكان هو وزوجته يطلبون رواياتي بإستمرار فقد كانا مثقفين وقارئين جيدين، لكنني لم أره منذ تولى أخوه “عبد العزيز بوتفليقة” الحكم إلى يوم الوقفة حين كنت في الشدة.. يومها طلبت منه التحرك لتدارك الوضع ووعدني بإتخاذ الإجراءات اللازمة وقال لي بالحرف الواحد: “ستفاجأ عن قريب”.
لكنك في المقابل رفضت في تكريم رئيس الجمهورية بوسام العشير شهر جويلية الفارط؟
فعلا لأنني إنسان علمي وحين تجمعين الرياضات والفلسفة تعطيك رشيد بوجدرة، تلقيت بالفعل الدعوة موقعة من وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، الذي لم يساندني في محنتي مع النهار رغم أنني اتصلت به شخصيا ولكنه لم يحرك ساكن ولم يرد على اتصالاتي ولا على الرسائل النصية التي بعت بها له، وعليه لم يكن بالإمكان أن أقبل التكريم الذي أصلا كنت رفضته منذ عهد الرئيس السابق “الشادلي بن جديد”.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.