أخي الذي صرت لا أراه إلا في منامي:
قد يكون ما أكتبه اليوم في ذكرى رحيلك السادسةآخر ما أكتبه. فلَعَلِّي لن أجد بعد عامي هذا من يقبل بنشر مرثيات عنك، بعد أن أثقلنا كاهل الأستاذ محمد يعقوبي وجريدته الحوار بحوليات رثائية يرفض أن ينشرها من كانوا تلامذتك وشركاؤك وخلصاؤك..!
لَعَلِّي (والبعض يكتبها لعلني والاستعمالان صحيحان، إلا أني أفضل لعلي على منوال الآية الكريمة: “لعلي أعمل صالحا”) لن أكتب بعد عامي هذا ليقيني أنني لن أضمن مقروئية عالية لما اكتب. بل قد لا تزيد المقروئية عن عدد سطور المقال نفسه.
رغم أن ما أكتبه هو بالكاد ما يكتب عنك بعد أن جفت محبرة كل من ادعى معرفتك والتعلم منك وتعهد بعدم نسيانك، فإذا به لا يكتب عنك حتى في ذكرى وفاتك..!
لَعَلِّي لن أكتب عنك بعد عامي هذا، لأن حديث أولئك الذين تعهدوا أمام أضواء الكاميرات يوم تشييعك إلى مثواك الأخير بألا ينسوك خفت وصمت كصمت الرماد.
بل تمادى بعضهم في النسيان على غير العادة، فلم يعد يرد حتى على مكالماتنا نحن أهلك، كأن مكالماتنا تذكرهم بما يريدون نسيانه. فلمن نكتب إذا أراد القوم النسيان..!؟
لَعَلِّي لن أكتب عنك بعد عامي هذا، لأنه لم تبق في جعبتي كلمات عنك تحقق المقروئية. فقدألفت عن سيرتك ومسيرتك كتابا طبعته من مالي الخاص بعد أن تنكر لذكراك الناشرون ومن تعهدوا يوما بأن يحولوا أي مؤلف عنك إلى وثائقي يبث في كل القنوات عرفانا لك.
لكني لم أكن أطمح في كل هذا الكرم. طموحي لم يكن يتجاوز في أن يتلقى أي مؤلف عنك سواء من تأليفي أو تأليف غيري القبول لدى من عرفوك من خلال اقتناء الكتاب.
لقد توقعت للكتاب شبه رواج، مستنيرا بتشجيعات لفظية أيام تحضيره واتصالي بمن يمكنهم توفير مادة الكتاب.
لكن ما حدث أن القوم الأقربين عزفوا عن اقتناء الكتاب بعد أن اشتراه الأغراب. بل وانتظر كل واحد منهم أن نهديه نسخة مع ضمان التوصيل على عاتقنا.
وربما يتحجج بعضهم بعدم العلم بأمر نشر الكتاب، لولا الترويج الكبير الذي قامت به جريدة الحوار والأستاذ يعقوبي عبر صفحته التواصلية، وبعده موقع زاد دي زاد، ثم الأستاذين ابراهيم قارعلي والطيب التهامي من خلال صفحتيهما التواصليتين الرائجتين..
نم قرير العين أخي العزيز، فقد عشت كبيرا متواضعا، وفارقتنا كبيرا متواضعا. ولن يقزمك جفاف حبر محبرة أو خفتان حديث مقبرة..!
مضافا لكل هؤلاء التحليل المطول للإعلامي القدير المغترب بوعلام رمضاني على المنبر الثقافي العربي “ضفة ثالثة”؛ ما أوصل خبر الكتاب لجل من عرفوك أو قرؤوا لك (وليس قرأوا كما يكتبها البعض).
بدليل أن من طلبوه من الولايات الداخلية ممن لم يسبق لهم اللقاء بك والتعرف عليك يدحض هكذا ادعاءات..!
لَعَلِّي لن أكتب عنك بعد عامي هذا، لكني لن أختم موضوعي قبل أن أشير إلى وميض الضوء الوحيد وسط هذه العتمة..
وهو تكريمك بالدرع الفخري الإعلامي لهذا العام من طرف مؤسسة زاد دي زاد، وبالتزامن مع ذلك الإعلان عن جائزة تحمل عنوان “جائزة بشير حمادي للصحافة المكتوبة”؛ اشتركت في تمويل جوائزها المؤسسات الثلاثة: موقع زاد دي زاد للإعلامي الأستاذ نسيم لكحل، قناة الإخبارية للأستاذ كمال دوحة، وجريدة الحوار للأستاذ محمد يعقوبي.
وفعلا تم الإعلان عن الجائزة وشروطها وكيفيات المشاركة فيها؛ وكان مفترض أن تمنح جوائزها هذا العام، إلا أنها تأجلت لأسباب أجهلها أنا وقد يعلمها غيري..!
لَعَلِّي لن أكتب عن ذكرى وفاتك السنة القادمة إن كان في العمر بقية، لكن قد أكتب عن هذه الجائزة إن رأت النور ومنحت جوائزها لمن يدافعون عن الحرف العربي وعن الثوابت الوطنية وعن حقوق أصحاب مهنة المتاعب كما فعلت أنت ودفعت لأجل ذلك الثمن الباهض..!
إلى حينها نم قرير العين أخي العزيز، فقد عشت كبيرا متواضعا، وفارقتنا كبيرا متواضعا. ولن يقزمك جفاف حبر محبرة أو خفتان حديث مقبرة..!
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.