منذ اعتلائه سدّة الحكم كرئيس لوزراء تركيا المسلمة والسيد رجب طيب أردوغان يتحفنا ويثلج صدورنا - كعرب ومسلمين - بالمواقف المشرفة والمبهرة الواحدة تلو الأخرى، فالرجل الذي ولد من رحم حزب العدالة والتنمية يعتلي هذا المنصب لعهدتين متتاليتين بتزكية ومباركة السواد الأعظم من الشعب التركي، فهو لم يتقلد هذا الوسام بقرار رئاسي فوقي أو انقلاب أو ائتلاف حزبي كما يحصل عندنا وفي دول العالم المتخلف، وإنما بعمله وأداء حكومته التي يترأسها وكذا جهوده وعرق جبينه، نقول هذا الكلام لا لنعرّف بالرجل أو نسرد مناقبه فهو أشهر وأكبر من أن نزكّيه أو أن نغدق عليه "بصدقة" من المديح والثناء فأفعاله المقترنة دائما والمطبقة لأقواله هي اكبر شاهد على مآثره، بل جئنا بهكذا تقديم لنقوم بمقارنة بسيطة بينه وبين حكامنا العرب.
فالسؤال الذي يتبادر إلى ذهني كلما سمعت خبرا أو انجازا ” للحفيد العثماني الجديد” هو لماذا يعجز الحكام العرب فعل نصف أو ربع ما يقوم به رئيس الوزراء التركي؟ أو بعبارة أكثر مباشرة، لماذا يمقت هؤلاء الحكام الجاثمين على صدور شعوبهم عنوةً وقهرا منذ عشرات السنين هذا الزعيم التركي؟! ألأنه يفضحهم يوما بعد آخر ويكشف “سوآتهم” السياسية وعجزهم وتقصيرهم عن نصرة قضايا شعوبهم وأمتهم؟ أم لاعتبارات ودواعي أخرى كوسامته أو شبابه أو تدينه ؟! أم لأنه يزاحمهم في شعبيتهم وسط شعوبهم إن كانت لهم شعبية أصلا!.
فهذا ملك السعودية اتخذه هو والجمهورية الإسلامية الإيرانية كألد أعدائه بمعية الشيطان طبعا!!، وأمريكا والغرب اقرب إلى قلبه من هذين البلدين المسلمين!، وذاك مبارك المخلوع ونظامه “المقبور” ناصبه العداء وما فتئ يصمه بعدو السلام ومفتعل المشاكل وناصر قضايا التمرد والتطرف بل والإرهاب (في إشارة إلى حركة حماس نصرةً وإسرائيل عداءا)، ناهيك عن علاقات باقي الحكام العرب إزائه الذين لا نعتقد مطلقا بأنهم يكنون له أي ودّ، بل بالعكس سخروا وجندوا له كل ما على الأخضر واليابس من وسائل إعلام ثقيلة وخفيفة ليحجّموا ويقزّموا دوره وانجازاته الباهرة، وان سنحت لهم الفرصة ليقدحوا فيه ويشيطنوه ما ادّخروا ذلك قيد أنملة، ونحن هنا لا نفتري أو ننجّم بقدر ما هي سلوكات ومواقف يومية ماثلة أمام أعيننا للأسف، أو بماذا نفسر عدم إشادة الإعلام العربي الرسمي بأفعال ومواقف وانجازات الرجل؟ أو على الأقل إعطائه حقه بنزاهة وموضوعية وفق ميثاق الشرف المهني للإعلام، لأنهم إن ذكروه فلا تعدو أن تكون كلمات أو أحرف يسيرة ضمنية إيحائية لا أكثر ولا اقل حسدا من عند أنفسهم!
أمام كل هذا “الحصار الإعلامي” العربي والغربي الخسيس بغية تقزيم وتقويض دوره وبراعته وشهرته وسط الشعوب العربية والإسلامية، أردوغان لم يضره هذا ولم تزعزعه الأزمات التي مر بها داخلية كانت أو خارجية، بداية من استقالة كبار جنرالاته للضغط عليه وثنيه عن مواقفه الرجولية والبطولية والتهورية أحيانا وبسبب مواقفه العدائية للكيان الصهيوني، ووصولا إلى الضغوط السياسية والدبلوماسية التي تمارسها الإدارة الأمريكية لإعادة العلاقات الثنائية مع إسرائيل، بل اعتبر ذلك تدخلا سافرا في الشأن التركي، كل هذا وأشد لم يحرك في معنوياته أو يثبط عزيمته بل ازداد قوة وشموخا وتصلبا، لأنه ببساطة شديدة يستمد –أردوغان- قوته وإرادته –بعد الله عزوجل- من القاعدة الشعبية المتينة التي يرسو عليها منتزعها بدهائه وحنكته وإخلاصه لشعبه أولا ثم لقضايا أمته الإسلامية – كما يكرر دائما- وتأييده المطلق لقضايا العرب في سرايا المنابر الدولية، وما مواقفه النبيلة من حصار غزة واللاجئين السوريين من بطش نظام الأسد إلى أراضيه إلا اقرب وابسط مثالين لكل مكابر وجاحد وحقود عربي.
في الأخير يطيب لنا هذا المقام أن لا ننس أو نبخس “الطيب” حقه كأقراننا من الحكام والمحكومين “الرسميين” العرب وننوّه بالمرتبة الاقتصادية السابعة أوربيا التي أضحت تركيا أردوغان تحتلها والخامسة عشر عالميا، وهذا انجاز لم تحققه لا تركيا سابقا ولا أي دولة عربية أو مسلمة، لان العرب ليس هذا هو الديدن الذي يذكرون فيه وإنما ديدن ذكرهم الديكتاتورية والاستبداد والتخلف وجرائم الحرب والجهل والبطالة وانتهاك حقوق الإنسان والتعذيب والاعتقالات والانقلابات وهلمّ جّر من مفردات السوء المتبقية والعياذ بالله!!
(*) أستاذ بجامعة باتنة
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 507
اولا شكرا على هذا المقال ..، ثانيا لماذا لم تذكر فضائح الحكام العرب يا استاذ ابراهيم ام لم تشأ تنوير الشارع العربي بمهازلهم اليومية ومجازرهم الاقتصادية والامنية والسياسية في حق شعوبهم المعدمة ؟؟ هل اخذتك بهم الرأفة وهم الذين لم يرقبوا فينا الا ولا ذمة ؟!
تعليق 2821
هل شاهد حكامنا العرب الاشاوس جنازة والدة اردوغان وكيف خالف كل قواعد البروتوكولات حينما رفع نعش والدته فوق اكتافه وكانه مواطن بسيط عادي؟!
أحسن الله عزاءه
أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يرحمها و ان يغفر لها و أن ينور قبرها هي و جميع أموات المسلمين اللهم آمين يارب العالمين.
قلوبنا معاك ياأردوغان ودعواتنا للفقيدة بالرحمة والمغفرة..وجزاها الله خيرا على إنجابها بطل مسلم عنده كرامة وعزة نفس وشجاعة لاتتوفر فى أحسن وأقوى حاكم موجود حاليا على ظهر البسيطة.
تعليق 2824
السلام عليكم
اخي ابراهيم…لو كان ربع حكامنا العرب فقط يملكون نصف مبادئ وشجاعة اردوغان لما كان على الخارطة مكان لاسرائيل ولا حتى لامريكا .
مايسعنا ان نقول الا حسبنا الله ونعم الوكيل.
الف رحمة تنزل على من انجبت البطل اردوغان.