كلمات القرآن دقيقة ومضبوطة أكثر من الرياضيات، وسأعطيك مثالا تمرّ عليه في كل مرة تقرأ القرآن ولكنك قد لا تنتبه له.
يقول تعالى: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة)- الآية
لاحظ بأنه لم يقل: كم من فئة ضعيفة غلبت فئة قويّة، ذلك لأن ميزان الغلَبة عند الله ليس الضعف والقوة، لا.. بل هو ميزان آخر تماما جاءت به الآية التالية: (وما النصر إلا من عند الله)- الآية
النصر يعطيه الله وحده ولا تمنحه لك قوتك وكثرة عددك..
النصر بمفهوم القرآن لا تصنعه القوة أو العدد الكبير أبدا، وقصص القرآن دليل دامغ على ذلك…
فها هو ذا طالوت قاد بني إسرائيل لمعركة ضد جيش جالوت، وعندما وصل طالوت بجنوده إلى ميدان المعركة ورأوا كثرة عدد وعتاد جيش جالوت قالوا لطالوت: “لا طاقة لنا اليوم بجالوت ىجنوده“..
لقد حسبوها بميزان الضعف والقوة، ولكن فورا جاءهم الردّ من المؤمنين منهم من داخل جيشهم: “قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين“..
اليوم، أنت ترى هذا الدرس أمامك، أمامك ملياريان يرتعشان أمام كمشة من ملاعين التاريخ.. وترى بالمقابل قلة قليلة من المؤمنين الصابرين يواجهون الملاعين الذين يخشاهم الملياران، ويواجهون أيضا القوى العظمى الداعمة للملاعين..
@ طالع أيضا: عن نزع السلاح..
وفورا أيضا يصدّق الله على قول الأخيرين ويجازيهم بالنصر، حيث يقول سبحانه: (فهزموهم بإذن الله)-الآية.
لقد دُحر جيش جالوت الجرّار بعدما كان جنود جالوت يقول لا طاقة لنا به.. إذا فالكثرة والقوة لا وزن لها في ميزان ربّك إن أنت التزمت بشروطه، وطبعا بعد أن تكون قد أعددت العدة المطلوبة منك..!
هذه الآية وغيرها من القصص في القرآن الكريم تثبت أن القلّة المنبوذة عند الله هي القلة التي لا تؤمن ولا تصبر..
فالصحابة الذين انتصروا في مغركة بدر وهم قلة – أيها السادة – هم أنفسهم انهزموا في أحد رغم كثرة عددهم، وهم أنفسهم أيضا انهزموا وهم أكبر عددا وعدة في معركة حنيْن بعدما أعجبتهم كثرتهم.. كما وصفهم القرآن..
حيث يقول: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين)..
لاحظ بأنّه ذكّرهم بأنّه نصرهم قبل هذه الهزيمة في معرك عديدة ثم يقول لهم إنكم انهزمتم اليوم رغم كثرتكم، وكأنه يقول له بالمقابل؛ إنني كنت أنصركم وأنتم قلة.. فما الذي حدث حتى هُزمتهم اليوم، رغم أنكم كثرة؟
إنه يقول لهم بأنّ القلّة التي تتوكل عليَّ قويّة، والكثرة إلتي تتوكّل على كثرتها وقوتها ضعيفة مهزومة..
واليوم، أنت ترى هذا الدرس أمامك، أمامك ملياريان يرتعشان أمام كمشة من ملاعين التاريخ..
وترى بالمقابل قلة قليلة من المؤمنين الصابرين يواجهون الملاعين الذين يخشاهم الملياران، ويواجهون أيضا القوى العظمى الداعمة للملاعين..
يواجهونهم هناك في بيت المقدس لا يضرّهم من خذلهم ولو كانوا مليارين كثيرين كبيرن بأموال مقنطرة وجيوش من المسلمين جرارة..
أليس لزاما علينا اليوم العودة إلى أيام طالوت وحنين لنعرف أي قعر سحيق سقطنا فيه..!!؟
@ طالع أيضا: يومُ بدر.. بدر لم ينتهِ.. لا يزال وسيبقى
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.