يعتبر الإعلام ثالث أكبر صناعة في العالم بعد الأسلحة والمواد الكيماوية، فقد قارب عدد القنوات الفضائية العربية عتبة الألف قناة تتوزع عبر مختلف الأقمار الصناعية العربية منها أو الغربية. ويثير الانتشار المذهل لهذه المنابر الإعلامية تساؤلات الكثير من الناس حول طريقة إنشائها، المعدات الضرورية لضمان البث فضلا عن الميزانية المخصصة لكل قناة. ومع الانفتاح الإعلامي الذي تشهده الجزائر بعد إعلان الحكومة عن قرار فتح المجال السمعي البصري أمام الخواص، سيشهد الإعلام الجزائري طفرة نوعية من حيث عدد القنوات التي ستبرز إلى الوجود خلال الأسابيع القليلة القادمة، وعليه قررت "الجزائر" نشر دراسة خاصة حول السبل المتبعة لإنشاء قناة فضائية حسب الفئة التي تنتمي إليها.
وقبل التعمق في الموضوع، ينبغي التوضيح أن القنوات التلفزيونية تنقسم حسب نوعية البرامج التي تبثها، فهنالك قنوات عامة تعرض برامج منوعة مثل الجزائرية الأولى بالنسبة للعمومية أو “أم بي سي” فيما يخص القنوات الخاصة، إلى جانب أخرى متخصصة تتوزع بين الرياضية، الإخبارية، الاقتصادية، الموسيقية، الدينية، التربوية، التعليمية، الوثائقية، فضلا عن تلك الخاصة بالأفلام والمسلسلات أو برامج الأطفال.
وتؤكد الدراسة التي تحصلت “الجزائر” على نسخة حصرية منها، أنّ أقصى تكلفة لإطلاق قناة جزائرية ضمن الفئة العامة، تعرض حصصا مباشرة أو مسجلة في شتى البرامج فضلا عن أفلام ومسلسلات عربية وأجنبية ورسوم متحركة وبعض لقاءات كرة القدم الأوروبية تبث مادة برامجية لمدة 14 ساعة مع إمكانية تمديد البث إلى 24 ساعة مع بعض الإعادة للحصص، تقدر بحوالي 200 مليار سنتيم شاملة التكاليف المتبقية المتعلقة بالحجز على 3 أقمار صناعية هي “هوتبيرد”، “نايل سات” و”عربسات”، تضاف إليها المعدات والموارد البشرية من مسيرين وطاقم صحفي وتقني.
وتتوزع التكاليف على حجز سعة مناسبة على القمر الصناعي وهي الأكثر ارتفاعا مقارنة بباقي المراحل، أما المحاور التي تلي هذه الخطوة فهي نقل إشارة البرامج من الأستوديو إلى محطة البث ثم إلى القمر الصناعي، إلى جانب دفع مستحقات الإنتاج والمواد البشرية العاملة بالشركة.
وتختلف أسعار الحجز في القمر الصناعي من شركة لأخرى، غير أن القيمة المطلوبة للبث عبر “نايل سات” بالمدار الفلكي 7 درجات غربا أو “عربسات” 26 درجة شرقا، أقل بكثير من تلك المطبقة على الحجوزات بالقمر الأوروبي “هوتبيرد” بالمدار 13 درجة شرقا أو “أسترا” في المدار 19.2 درجة شرقا، ومعلوم أن شراء فضاء بث يختلف حسب المدى المطلوب سواء KU الذي يقدر في حدود 5000 دولار أمريكي شهريا لكل ميغا هيرتز واحدة، فيما يعتبر المدى C أقل سعرا بكثير من نظيره KU.
وبالعودة إلى الأحجام التي تعمل عليها القنوات الفضائية المعروفة على غرار “الراي” الكويتية أو الفضائية اللبنانية “أل بي سي” فإن شراء فضاء رقمي من 4 إلى 6 ميغابيت للثانية الواحدة يقدر بين 150 ألف و 200 ألف دولار أمريكي سنويا، مع الإشارة إلى أن مساحة الفضاء مرتبطة بجودة الصوت والصورة فكلما كان الفضاء أرحب كلما زادت نقاوة الصوت والصورة. فإذا كانت هذه تكلفة الحجز عبر الأقمار الصناعية، فكيف يتم نقل الإشارة من الأستوديو إلى “الساتل”؟.
الأرباح مضمونة ورخصة البث لم تعد عائقا !
تعتبر عملية نقل إشارة برامج القناة من محطة البث إلى الأقمار الصناعية بسيطة وغير مكلفة تماما تتراوح في حدود بضع المئات من الدولارات، ويتطلب لذلك محطات بث خاصة تنقل الإشارة الرقمية إلى القمر يطلق عليها اسم UPLINK، حيث ظهرت منذ قرابة سنتين عشرات الشركات في الوطن العربي تعمل بالشراكة مع المدن الإعلامية والأقمار الصناعية “نايل سات”، “عربسات”، “هوتبيرد” و”أتلانتيك بيرد 2″ المجاور للنايل سات بالمدار الفلكي 8 درجات غربا.
وقد ساهم هذا الواقع في ظهور الكم الرهيب من القنوات الموسيقية والتعارف والدردشة والمعاملات التجارية، نظرا لتكلفتها البسيطة مقارنة بما تجنيه من أرباح من عائدات الرسائل النصية القصيرة “أس أم أس”، فإذا قدر سعر الرسالة الواحدة بـ 60 دينار، فإن صاحب القناة يربح نحو 45 دينار أو أكثر، وهو ما يسمح لصاحب القناة بتمويل إنتاجه من هذه العائدات التي يمكن أن تغطي جميع النفقات السنوية فضلا عن الحصول على قسط كبير من الأرباح الصافية.
غير أن الشروع في هذه الخطوات ينبغي الحصول على رخصة البث، فباعتبار أن الحكومة الجزائرية لم تعلن بعد عن إنشاء المجلس الأعلى للسمعي البصري الذي سيتكفل بعد تأسيسه بمنح رخص البث للمستثمرين بما يتوافق مع دفتر الشروط المناسب، وأمام التأخر الكبير في الجزائر، لجأ العديد من المستثمرين إلى استصدار رخص بث من دول أخرى سواء من أوروبا أو من المدن العربية الإعلامية الحرة بتكلفة أقل تتراوح بين 1000 و2500 دولار حسب البلد.
قنوات فضائية ابتداء من 250 مليون سنتيم
وفيما يخص الفئة الثانية من القنوات التي تعتبر متخصصة وذات توجه محدود، فإن حجز السعة بالقمر الصناعي لمثل هذه الفضائيات غير مكلف ولا يحتاج لمساحة أكبر، حيث لا تتجاوز هذه الأخيرة 1.5 ميغابيت للثانية الواحدة. ويتوقف تجهيز قناة فضائية بالمعدات اللازمة للبث والتشغيل على نوعية بثها، فإذا كانت قناة تعتمد على الصور الثابتة مع خلفية موسيقية وشريط للرسائل القصيرة فإن صاحب هذه القناة لن يصرف أكثر من 250 مليون سنتيم، وأما إذا حافظت القناة على نمطها وتحولت من عرض الصور الثابتة إلى الفيديو فسترتفع الميزانية بـ3 أضعاف لتقارب 750 مليون سنتيم، وهو رقم بسيط مقارنة بما ستجنيه القناة من عائدات الرسائل التي قد تصل في الشهر الواحد إلى نحو 500 مليون سنتيم أو أكثر.
فلو أرادت القناة أن تتحول إلى موسيقية تعرض أغاني الفيديو كليب فهذا لن يكلفها أكثر من 600 مليون سنتيم أو 1 مليار سنتيم كأقصى حد في حالة ما إذا أراد صاحبها أن تظهر للجمهور بصورة وصوت يتمتعان بجودة حسنة، مع العلم أن أفلام الفيديو كليب تهدى من قبل الفنانين وشركات الإنتاج للترويج للألبومات والتعريف بالمغنيين، باستثناء حالة واحدة وهي العقود الحصرية التي تبرم بين المطرب وشركات الإنتاج أو القنوات الموسيقية الكبرى، إذ ينبغي على القناة الراغبة في بث الكليب دفع مبلغ معين مقابل ذلك، وهو ما يحدث عادة مع الأغاني التي تنتجها شركة “روتانا” التي تبيع الكليب الواحد بـ100 إلى 700 دولار أمريكي. وفيما يخص القنوات السياحية، فهي لا تختلف كثيرا عن سابقتها ما عدا في طريقة الإنتاج، حيث تقوم بإنتاج مادة برامجية ممولة من قبل شركات فندقية ومنتجعات سياحية، أو تقبض مبلغا ماليا من دول ما مقابل عرض صور مناطق سياحية.
ولتشغيل مثل هذه القنوات، يحتاج أصحابها إلى جهاز تخزين من نوع خاص يتراوح سعره بين 2000 إلى 10 آلاف دولار أمريكي حسب الشركة المصنعة والحجم، تجمع فيه جميع المواد البرامجية المطلوب عرضها على الشاشة، مرتبة حسب موعد العرض مع المراعاة في ذلك توقيت عرضها. ويتم بعد ذلك ربط السيرفر بجهاز كمبيوتر وتشغيل برنامج العرض أوتوماتيكيا، وهي الميزة التي ستجعل صاحب القناة يستغني عن الموظفين والتقنيّين وبالتالي توفير تلك المصاريف لقسم الإنتاج.
وبالانتقال إلى البرمجة، تعتبر أسعار الأفلام والمسلسلات الأمريكية في الوطن العربي أرخص بكثير من الإنتاج المحلي، فبعملية حسابية بسيطة يمكن شراء 3 مسلسلات أمريكية مر على تاريخ إنتاجها نحو 3 إلى 4 سنوات بسعر مسلسل مصري واحد من إنتاج 2011، وهو نفس الأمر بالنسبة للأفلام الأمريكية التي تباع في منطقة الشرق الأوسط بنحو 4000 دولار أمريكي.
التسيير مفتاح النجاح والقنوات الخاصة قريبا على TNT
من جهة أخرى، تعتبر مرحلة إدارة تشغيل قناة فضائية من أهم الخطوات نظرا لأنها مرتبطة بالخط الافتتاحي للمنبر الإعلامي. وتشرف عليها إدارة البرامج وأخرى فنية تهتم بكل ما هو تقني، بما في ذلك تشغيل القناة بما يحقق رؤية وطموحات الإدارة العامة، فضلا عن تطوير وتسويق القناة بمعايير محددة تستهدف المشاهد والمعلن معا من جهة لتوسيع دائرة المشاهدة والحصول في مقابل ذلك على الإشهار وبالتالي رفع الأرباح، ولكن هل ستنجح القنوات الجزائرية الخاصة في مهمة التسيير وخلق قنوات راقية ومشرفة؟.
فبعد إطلاق القناة وشروعها في البث الرسمي أو التجريبي، ينصبّ التفكير في الطريقة المناسبة المتبعة لتسويق القناة والتعريف بها لدى الجمهور الواسع، من خلال اعتماد ألوان وشعار مناسب وشكل فني متكامل يعطيها طابع خاصا ويميزها عن باقي القنوات المنتشرة على الأقمار الصناعية، فضلا عن تطبيق خريطة برامجية مستقرة ومتنوعة وتلبي مختلف أذواق شرائح المجتمع، مع الإنفراد ببعض البرامج لجب فئة كبيرة من المشاهدين، ترقى لمستوى تطلعاتهم وتجد فيها الإنفراد والحصرية.
وفي انتظار ظهور قنوات جزائرية تضاف للحالية التي شرعت في البث على غرار “بور تي في”، باقة “بربار تيفي” المتكونة من 3 قنوات تتنوع بين عامة، موسيقية وشبابية، فضلا على قنوات “الشروق”، “دزاير شوب” و”المغاربية”، تسعى مؤسسة البث الإذاعي والتلفزي TDA لتغطية أكبر عدد ممكن من مناطق الوطن بشبكة التلفزيون الرقمي الأرضي أو ما يعرف بـ TNT. فبفضل هذه التقنية سيكون بإمكان المشاهد الجزائري استقبال القنوات التي تبث عبر هذه الشبكة باستخدام هوائي صغير وجهاز لفك التشفير.
وحسب المعلومات التي تحصلت عليها “الجزائر” من مصدر مسؤول بمؤسسة البث الإذاعي والتلفزي، فإن هذه الهيئة تستطيع ضمان بث 50 قناة على الشبكة الأرضية الرقمية، مع الالتزام بوصول هذه القنوات بصورة وصوت عاليي الجودة إلى المشاهد وبنوعية أكبر من تلك التي يستقبلونها حاليا عبر الأقمار الصناعية باستخدام هوائيات مقعرة وأجهزة استقبال.
ومن المنتظر أن يغطى شمال الوطن كاملا بما فيه الولايات الداخلية قبل نهاية السنة، ومعلوم أن مباشرة تغطية بعض المناطق بالشبكة تمت بصفة كاملة، وصار في إمكان المواطنين استخدام هذه التقنية في استقبال التلفزيون الرقمي، غير أن الإشارة لا تحتوي حاليا إلا على الباقة الجزائرية المتكونة من القنوات الخمس: الأولى، كنال ألجيري، الجزائرية الثالثة، الرابعة الناطقة بالأمازيغية والخامسة للقرآن الكريم إلى جانب الإذاعات الوطنية والمحلية.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 3100
شكرا لك يا عبد الرحمن جعيد على هذه الاضافات القيمةن للعلم ينتمي هذا الصحفي لجريدة نالت حيزا كبيرا من الانتقادات والشتائم. ربما الرد يكون بالعمل وليس شيئا آخر
تحياتي
تعليق 3098
حسب ما فهمت 250 مليون تكاليف البث والارسال ولكن البرامج والأفلام يبقى أكبر عائق أمام ملاك هذه القنوات