كشفت مصادر موثوقة لجريدة "المساء” أن المجموعة الإرهابية التي تم القضاء عليها شهر ماي الماضي بمنطقة وادي العطش، من طرف مفرزة للجيش الوطني الشعبي التابعة للقطاع العسكري والعملياتي بسطيف، تمت بناء على عمل استخباراتي دام لأشهر تم التخطيط له بدقّة عالية إلى غاية الإطاحة بهذه العناصر المجرمة في كمين محكم لم يعط أية فرصة للمجموعة للتخفّي أو الفرار.
وأكدت ذات المصادر أن هذه العناصر تعتبر من أخطر الجماعات الإرهابية التي تنشط في الجزائر. لقد تم رصد نشاطها على محور ولايات بومرداس، باتنة وجبال البابور. هذه الأخيرة يمكن اعتبارها المنطلق الرئيسي لتحركها ومخططاتها. وكذا المقر الرئيسي لقيادتها الإجرامية ومركزا لهندسة وتخطيط جميع عملياتها الإرهابية. مصادرنا أكدت بأن العناصر التي تم القضاء عليها تضم في صفوفها انتحاريين كانوا بصدد التحضير لأعمال استعراضية مروّعة، ولجملة من العمليات الإجرامية خلال شهر رمضان الجاري، عبر عدد من الأماكن العمومية والمراكز التجارية من بينها “بارك مول” المتواجد وسط مدينة سطيف، الذي يستقطب قرابة الخمسة ألاف زائر يوميا من المواطنين. واستنادا لذات المصدر، فإن القضاء على هذه المجموعة الإرهابية جنّب البلاد كارثة حقيقية، وأجهض مخططا إجراميا ـ لا قدّر الله ـ لو أفلح البغاة في تنفيذه لشكّل خبرا يهزّ العالم بأسره. وقد تستغله عديد الأطراف في الداخل والخارج سياسويا أو لزرع الشك في نفوس الجزائريين على أن لا شيء تغيّر أمنيا. بل قد يعيد صور سنوات الجنون والمجازر إلى الأذهان.
الإلتفاف حول الجيش والأمن: فرض عين
لذلك ـ كما تؤكد مصادر “المساء” ـ بأن هذا الإنجاز النوعي للجيش الوطني الشعبي يجب أن يثمّن بمنتهى الجدية والفخر والاعتزاز. ويكون مدعاة للالتفاف حول الجيش والمنظومة الأمنية بمختلف أسلاكها في معركتها ضد الإرهاب وفلوله وشبكات دعمه. والجزائريون دون استثناء الذين يحملون في قلوبهم حب الوطن مطالبون بتقديم كل مساعداتهم لقوات الجيش والأمن لإجهاض مخططات العصابات والتنظيمات الإرهابية التي تتحرك في مجموعها بفتائل خارجية وفق أجندة أجنبية. المصادر أضافت بأن المصالح المختصة في مكافحة الإرهاب تملك معلومات عن ارتباط قيادة هذه المجموعة المقضى عليها بتنظيم داعش. وأن بعض عناصر هذا التنظيم كانت تحاول الدخول والتسلل إلى التراب الجزائري، بل وبصدد وضع آخر الترتيبات لدخول التراب الجزائري عبر الحدود الليبية لتنفيذ مخططهم الإجرامي.
جماعة القلتة الزرقاء مرتبطة بداعش
يذكر أن هذه المجموعة التي تم القضاء عليها من قبل عناصر الجيش الوطني الشعبي نهاية شهر ماي الماضي، بمنطقة وادي العطش، بلدية القلتة الزرقاء شرق سطيف، تتكون من ثمانية عناصر كانوا في طريقهم من جيجل نحو ولاية باتنة على متن سيارة تجارية نوع “بوكسير” عثر بحوزتهم على ست بنادق آلية نوع كلاشنيكوف، وبندقية نصف آلية نوع سيمينوف، ومسدس من نوع بيريطا، بالإضافة إلى حزام ناسف وقنبلتين تقليديتين وكمية معتبرة من الذخيرة من مختلف العيارات. تم التعرّف على 4 إرهابيين مجرمين من بين الثمانية الذين تم القضاء عليهم ويتعلق الأمر بكل من آ ـ سالم “المدعو حمزة “ وط ـ عبد الحفيظ المدعو “أيوب”، وع ـ عبد الوهاب المدعو “هارون”، وس ـ محمد المدعو “يعقوب”.
الرسالة: من البابور وبوطالب إلى.. القلتة الزرقاء
يقول خبراء الأمن أن المجرمين يعودون على الدوام إلى موقع الجريمة بدواعي وأسباب مختلفة. لذلك أن تكون منطقة البابور منطلقا مجددا لتحرك هذه العناصر الإرهابية يمكن اعتباره أمرا محتملا على الأقل. إذ يجدر
التذكير أنه في مثل هذا الشهر من عام 2001 قاد اللواء السعيد باي (قائد الناحية العسكرية الثانية حاليا) معركة حقيقية ضد أكثر من 100 إرهابي من “الجيا” تخندقوا في كازمات وأدغال جبال البابور. واستمرت المعركة والحصار أياما معدودات قبل أن يتمكن باي، وجنوده من القضاء على غالبية الآرهابيين الذين لم يستسلموا. وتوقيف 23 قياديا من رؤوس “الجيا” بمن فيهم عناصر جامعية مختصة في صناعة القنابل والمتفجرات. إضافة إلى تحرير 83 طفلا ولدوا في المغاور والجبال وكبروا إلى غاية 12 سنة دون أن يحتكّوا بالعالم الخارجي. فلم يختلفوا عند تحريرهم عن قصة أصحاب الكهف!؟. كانوا ينظرون إلى من حولهم باستغراب كبير ومثير وكأنّهم نزلوا من كوكب آخر!؟ . أمر استدعى الدولة إلى تخصيص مراكز للعلاج النفسي والرعاية لإدماجهم في مجتمعهم الذي ولدوا منفصلين عن ظروفه وتركيبته.. كما تم في معركة التحرير تلك عشرات العثور على النّساء الناجيات من الذبح واللواتي كنّ من المختطفات والمرغمات على زواج بالإكراه فيما كان يعرف بالسبي. معركة تحرير البابور التي حضرتها الصحافة لأول مرة سبقتها معركة تحرير أخرى أكثر ضراوة في جبال بوطالب. لقد كانت منطقة “محرمة من قبل” تأوي إليها الجماعات الإرهابية من كل أنحاء الوطن. فهي بمثابة منطقة عبور واسترخاء وتنسيق وتخطيط… قوات الجيش التي كانت مدعومة بفرق الدرك والأمن والحرس البلدي والمقاومين خاضت معركة حقيقية ضد مئات الإرهابيين المدججين بمختلف أنواع الأسلحة والذين حوصروا بشكل لم يمكنهم من الفرار. تجمعت عناصرها في خنادق فاق طولها أربع كلم. وتحصّنت في أعلى قمم جبال بوطالب وسط تضاريس صعبة وصخور كبيرة صعبت مهمة اللواء باي، وضباطه وجنوده … التذكير بهذين المعركتين يهدف إلى القول بأن الإنجاز الذي تحقق بالقلتة الزرقاء في ماي الماضي، يجب تثمينه بشكل ملموس ومحسوس وليس مجرد خبر عاجل أو عادي. لقد تمكنت قوات الجيش بعيدا عن الأضواء من الحيلولة دون أن ترتكب جماعة إجرامية مجزرة قد تعيدنا أمنيا إلى نقطة الصفر.
الجيش يواصل معارك.. التحرير
مصادر “المساء” أكدت أن قوات الجيش المدعمة بمختلف المصالح الأمنية بلغت من الخبرة والاحترافية درجة عالية ومتميّزة ليس إقليميا فحسب ولكن باتت ذات مرجعية دولية بما في ذلك للدول القوية عسكريا وأمنيا كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها… هذه الدول وغيرها باتت لا تتردد في طلب الخبرة والمساعدة الجزائرية في المجال الاستخباراتي والتنسيق الأمني فيما يخص مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة التي أصبحت عابرة للحدود والأوطان. وأبرزت كل الجهود واليقظة المستمرة في ملاحقة هذه الجماعات. حرب لن تتوقف حتى يتم القضاء على آخر أفرادها وتفكيك جميع عصاباتها وعناصرها. وهو الوعد الذي جاء على لسان رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، وزير الدفاع القائد الأعلى للقوات المسلّحة. وكذا في الالتزام المعلن مجددا من طرف الفريق قايد صالح، خلال ماراطون اجتماعاته مع قيادات وإطارات وجنود النواحي العسكرية. إن الاحترافية العالية التي باتت تتمتع بها مختلف وحدات الجيش والأمن وكذا وسائل الدعم والتجهيزات العسكرية التي أصبحت متوفرة إضافة إلى التكوين المتواصل (وهي معطيات لم تكن متوفرة في التسعينيات. على اعتبار أن ظاهرة الإرهاب كانت ظاهرة غير مألوفة لدى مجتمعنا ومصالحنا الأمنية في تلك السنوات) كلها تفاصيل وإمكانيات أهلت الجيش الجزائري ومصالح الأمن المختلفة أن تعتمد إستراتيجية استباقية في مكافحة الإرهاب، بكلمة فاصلة: لقد غيّر الخوف معسكره.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.