زاد دي زاد - الخبر مقدس والتعليق حر

ملاحظة: يمكنك استعمال الماركداون في محتوى مقالك.

شروط إرسال مقال:

– النشر في “زاد دي زاد” مجّاني
– أن يكون المقال مِلكا لصاحبه وليس منقولا.
– أن يكون بعيدا عن الشتم والقذف وتصفية الحسابات والطائفية والتحريض.
– الأولوية في النشر للمقالات غير المنشورة سابقا في مواقع أو منصات أخرى.
– الموقع ليس ملزما بنشر كل المقالات التي تصله وليس ملزما بتقديم تبرير على ذلك.

خرافة الزعيم

خرافة الزعيم ح.م

لا زالت طائفة كبيرة في مجتمعنا تؤمن إيمان العجائز بالخوارق وكرامات الأولياء، وبركة شيوخ الزوايا، وبالقدرات فوق الطبيعية للرقاة والسحرة والمشعوذين.

لكن إذا أردنا أن نقرأ قراءة سوسيولوجية لهذه الظاهرة قلنا أن هذه الأخيرة لها دلالات إيحائية تحيل إلى سلطة رمزية، فالاعتقاد الراسخ في المخيال الجماهيري الذي مؤداه أن هؤلاء الناس يملكون القدرة على فعل أشياء لا يستسيغها العقل، يدل على الاعتقاد الراسخ لهذه الجماهير بأن مآربهم وحوائجهم يستحيل أن تٌقضى دون تدخل سلطة فردية متميزة. أي ما يمكن أن أسميه تعطيل الإرادة الفردية لدهماء الناس.
هذا ما يدفع عامة الناس في مجتمعنا إلى البحث عن هذه السلطة، رمزية كانت أم رسمية، بشتى الطرق، بحيث أصبح إبرام علا قات الصداقة مع الموظفين الحكوميين الكبار أو مع الإطارات العسكرية والأمنية بمثابة المفتاح السحري الذي يفتح كل أبواب الامتيازات.

السوبرمانية هي صفة القائد أو الحاكم الذي ترسخ في اعتقاده أنه هو المخلص الوحيد للبلاد والعباد، الرجل الذي يصل دائما في الوقت المناسب، الرجل الذي يقضي على الأشرار وينقذ الضعفاء والمساكين و”المحقورين”. لا وجود لقائد من هذا النوع على أرض الواقع، إلا في مخيال الشعوب التي تتميز بالكسل الثقافي والتخلف الحضاري..

هذا الوهم الذي يعطل إرادة الأفراد بحيث يرسخ الاعتقاد السائد بأن الفرد عاجز عن قضاء حوائجه دون وساطة سلطوية، ثم أنه يدعم ثقافة الشخص المتميز القاضي للحوائج الذي قد يأخذ العديد من الصفات والمكانات الاجتماعية، فقد يملك هذا الشخص سلطة رسمية، كأن يكون موظفا حكوميا ساميا أو إطارا عسكريا أو أمنيا، أو أن يملك سلطة رمزية، فقد يكون شخيا لزاوية، أو راقيا، أو ساحرا، أو مشعوذا.
هذه الظاهرة تمثل استمرارا للسلطة الأبوية التقليدية (الدولة الأبوية) التي تستمد قوتها من خضوع واستسلام الأفراد لهيمنتها وتسلطها، واختزال الدولة بأكملها في شخص واحد، وهي تتعارض كلية مع مبادئ الدولة الحديثة التي تستند إلى النظام المؤسساتي لا الشخصاني.
حين تتمركز كل السلطات الرسمية في هيئة واحدة تسمى “التوتاليتارية ” أو الشمولية، لكن حين تجتمع السلطات الرسمية والرمزية في شخص واحد فيحق لنا أن نسميها بـ “السوبرمانية”، التي يمكن أن نطلقها على ذلك النوع من الأشخاص المصابين بداء “الدونكيشوتية”، الذين يتوهمون أنهم أبطال عظام يحاربون وحوش أسطورية لا توجد إلا في مخيلاتهم.
السوبرمانية هي صفة القائد أو الحاكم الذي ترسخ في اعتقاده أنه هو المخلص الوحيد للبلاد والعباد، الرجل الذي يصل دائما في الوقت المناسب، الرجل الذي يقضي على الأشرار وينقذ الضعفاء والمساكين و”المحقورين”.
لا وجود لقائد من هذا النوع على أرض الواقع، إلا في مخيال الشعوب التي تتميز بالكسل الثقافي والتخلف الحضاري والهزل الوجودي والطفولة المعرفية، لن تنهض الشعوب الراكدة إلا إذا تحررت من أوهامها الأسطورية وتجاوزت مخيالها الخرافي، لم تٌبن الحضارات إلا بالتشارك بين الحكام والمحكومين، فقد كان تقسيم العمل بداية لنهضة حضارية، اقتصادية واجتماعية غيرت وجه العالم.

الذين يؤمنون بالزعامات الفردية هم أولئك الأفراد المنهزمين إراديا، العبيد المملوكين الذين لا يقدرون على شيء، هم أولئك الذين تنازلوا عن حريتهم واستسلموا للقضاء والقدر وللعطاء الذي ستجود به عليهم يد حاكمهم العليا..

الذين يؤمنون بالزعامات الفردية هم أولئك الأفراد المنهزمين إراديا، العبيد المملوكين الذين لا يقدرون على شيء، هم أولئك الذين تنازلوا عن حريتهم واستسلموا للقضاء والقدر وللعطاء الذي ستجود به عليهم يد حاكمهم العليا.
ليست الزعامة أن يمتلك شخص قدرات خارقة للعادة، أو أن يحتكر العديد من السلطات ويتحكم في مصائر الناس، ويقضى حوائجهم وقت ما شاء أو بالكيفية التي تروقه، إنما الزعامة هي قدرة الحاكم على تجاوز أناه المتضخمة، والسيطرة على نرجسيته، وتنازله على السلطات التي ليست من شأنه.
لا تقاس الزعامة بالفترة التي تربع فيها الحاكم على عرشه، بقدر ما تقاس بتضحياته المادية والمعنوية في سبيل قضاء حوائج الضعفاء والمساكين، إذا أخذنا بهذا القياس فسندرك للتو أن فكرة الزعيم هي فكرة خرافية، لا يعتقد في صحتها إلا السذج والحمقى والمغفلين.

ads-300-250

المقالات المنشورة في هذا الركن لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

كن أوّل من يتفاعل

تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.

فضلا.. الرجاء احترام الآداب العامة في الحوار وعدم الخروج عن موضوع النقاش.. شكرا.