عناوين فرعية
-
بين الخروج على الحاكم والدخول عليه
تجد فئاما من الناس لا شغل لهم غير تتبع العورات –بمعنى المُستتر عن أعين البشر أو بعبارة أخرى... لا أمتلك الجرأة على التصريح بها لأنها من المُستتر-، يُدخلون من يشاؤون إلى جنة النّعيم بينما يتفنّنون في بناء الطرق السّريعة وفق النموذج "العمّاري الغُولي" لتسهيل إرسال خلق الله إلى السّعير، سعير الدنيا قبل سعير الآخرة، لأسباب عديدة أبرزها السبب المناخي المرتبط بدولة عظمى أو تعتقد نفسها كذلك، تتهم جماعة طائفية باستهداف مقدسات المسلمين بينما هي تستهدف المسلمين ابتداء، وإذا أُفني المسلمون فما الحاجة إلى مقدساتهم؟
المهمّ أنّ جلّهم متخصص في شؤون المواطنين المسلمين الصغيرة والكبيرة على مستوى القول، وفي تجارة الملابس الداخلية النّسوية على مستوى النّشاط اليومي، وما على المشكك إلا التجوّل في أسواق مدننا وقُرانا ليتوقف على الخبر اليقين، ولعلّ تخصّصهم في هذه التجارة نابع من تخصصهم الأكبر المتمثل في تتبع العورات، فهذه من تلك.
المهم أنك لا تجد همّا لهؤلاء غير الانصباب على ضرورة طاعة ولي الأمر، أو الحاكم أو الملك أو الرّئيس، سمِّه ما شئت، وعدم الخروج عليه بمختلف الصيغ، سواء كان نقدا وليُّ الأمر من سمح به ابتداء، أو إضرابا عن العمل دستور وليّ الأمر من سمح به أيضا وكفله حقا من حقوق المواطنة، أو احتجاجا جماهيريا دوائر وليّ الأمر من تؤطّره وتسيّره وتسمح به.. وما إلى ذلك، هذا الوليّ أو الحاكم في جلّ البلاد العربية والإسلامية المنتخب – إذا صحّت العمليّة وسلمت من التّزوير- بأقل من ربع الكتلة الناخبة في أحسن الحالات يتدرّج في رتبته بقدرة هؤلاء من مستبد طاغ متفنّن في التعدي على القوانين والأعراف، متحالف مع أعداء الأوطان والشّعوب إلى منزلة الصحابة الكبار والخلفاء الرّاشدين، فكلّ منتقد لهم (الحكّام) خارج عن الجماعة والإجماع وعن السنّة والسّلف الصّالح وعن الديّن والملّة باعتبار الخروج وفق هذه المواقف بمثابة محطات دفع (الدفع بمعنى التّطباع والدّز) للطريق السيّار المؤدي إلى جهنّم وبئس القرار.
وبالرّغم من إقرارهم بشمولية هذا الدين الحنيف وينتسبون إلى أعلام من هذا القبيل إلاّ أن الحاكم بأمره أو بأمر غيره في بلاد العرب أوطاني غير معنيّ بالمتابعة، فقد ناله العفو بمعنى الإعفاء الضريبي من جنابهم وجناب من يدعمهم، -وهم ينتقدون جلّ أعلام الأمّة وقادتها- فهو أي الحاكم فوق مقام النّقد والمساءلة، فلا معقب لقوله ولا راد لقضائه –على مذهبهم- وهم يحيلون في أكثر من مناسبة إلى خلفاء راشدين وما أدراك كانوا يقولون بالفم المليان والثقة المطلقة “لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها”، ويقولون “ولّيت عليكم ولست بخير منكم”، ويقولون “أخطأ عمر وأصابت عجوز” هذه العجوز الخارجية، التي لم تحترم وليّ الأمر وعقبت عليه وبيّنت له خطأه – راحت عليها وفق مذهبهم- في الوقت الّذي نجد فيه جلّ أعلامهم ومتبوعيهم يتودّدون إلى الحكّام بالطريق المباشرة أو الاجتنابية -لاروكاد- مرة بحجة النّصح ومرة بحجة النّصيحة وأخرى تحت ذريعة “بوس الكلب من فمو حتى تقضي حاجتك منو” (نسخة من نسخ مصلحة الدّعوة والأمّة) بالعربي الفصيح “قبّل فم الكلب أو قبّل الكلب في فمه حتى تقضي حاجتك منه” مع الاختلاف بطبيعة الحال في مكان الفم على اختلاف الكلاب، فلكلٍّ فمه…
وبالرّغم ممّا يصاحب عملية النّصح أو “بوس الكلب” من مزايا وخيرات ونعيم من قبيل ما لا أذن سمعت ولا عين رأت ولا خطر على قلب مواطن؛ من فنادق فخمة ومآدب ضخمة وأموال كثيرة وتسهيلات كبيرة وغض للطرف وما إلى ذلك إلّا أنّه ولا أحد من هؤلاء حدّثنا عن خطورة طاعة وليّ الأمر في نسخته المعدّلة والدخول عليه كما حدّثونا عن مضار الخروج عنه واتّهام أي كان بالخروج على الحاكم، فالدخول على الحاكم له أضراره أيضا، ولنقتصر على واحدة منها فقط.
ومن منطلق ما نعرفه جميعا من سياقات وتجارب دولنا العربية والإسلاميّة أنّ الدخول على الحكام وولاة الأمور على اختلاف الداخل عليه من هذا الفريق أو ذاك هو دخول للحاكم بالدّاخل عليه، تطبيقا للقاعدة الذهبية “أن يدخل به على رواية عادل إمام”، والحكاية معروفة فكم من حزب أو جماعة أو جمعية مهما كان نوعها ولونها بمجرد دخولها على الحاكم العربيّ فيدخل بها، فيخرج الحزب أحزابا والجماعة جماعات والجمعية جمعيات والمشيخة مشيخات، وتلك سنة طبيعية من سنن الدخول عليه ونتائجها ظاهرة للعيان، ولا يغرّن البعض خروج البعض في مظهر سليم، فالأمر ليس مرتبطا بالمظهر السليم واللائق بقدر ما هو مرتبط بأنّ الخارج بعد الدخول مصاب حتما بعاهة مستديمة غير ظاهرة للعيان لا يعرفها إلّا المتفننون في تتبع العورات –وأنا لست منهم لعدم تمكني من الدخول على الحاكم والحصول على الدبلوم-، وهذه من تلك والجزاء من جنس العمل، لأنّ الحاكم العربي الّذي يشتري جحشة إنجليزية بثلاثة ملايين دولار سهل عليه أن يرى الداخلين عليه في مقام دون مقام الجحشة الإفرنجية، لندعو هؤلاء وغيرهم للتفكير المليّ من أجل وضع النّقاط على الحروف لأنّ البون شاسع بين الخروج على الشّعب والأمة والخروج على الحاكم، وخروج الحاكم على الشّعب والأمّة والخروج على الخارج، والدّخول في صفوف الشّعب والدّخول على الحاكم، من فهمها فليفهما ومن لم يفهمها فليضعها في سياقها.
وقبل الختام لا بدّ من التّنويه أنّ ما سبق يصدق على هؤلاء وعلى غيرهم ممّن ارتضى الدخول على الحاكم ببعض الشّعب السّاحق لصالح الحاكم، أو ارتضاه أي الدخول بالحاكم وله، لأنّ الفارق واضح بين كلّ هؤلاء وبين من حاولوا الدخول على الحاكم بالشّعوب المسحوقة ولصالح الشعوب المسحوقة ولم يفلحوا إلى اليوم، لذا لمّا تكتب ما تكتب بعد مشاهدة مجموعة من نشرات الأخبار المقرفة، أو الجدران الزرقاء المهترئة وحتّى بعض الدّواوين البالية يصيبك ما أصاب محتسي كوب قهوة في مقهى وأحدهم يدخّن وينفث في وجهه شيئا ما يجعله يكتب ما يكتب، ليدرك بعد زمن أن صاحبنا النّافث كان يدخّن الممنوعات، فكانت هذه الممنوعات، وتحية إلى أخي الإعلامي فهد على الاستفزاز، وتحذير إلى الأخوين الإعلاميين نسيم ومسعود من الانبعاث الغازي ومن دبلوم الصنايع أيضا حماية للقميص من القد قُبلا أو دبُرا.
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.