كنا نعرف أن مصر ستعود يوما ما إلى رشدها وتعتذر عما بدر من إعلامييها ورسمييها من شتائم واهانات للشعب الجزائري ولتاريخ الجزائر ولرموزها وشهدائها، لكننا لم نكن نتصور أن يكون الأمر بهذه السرعة، فحسنا فعل الرئيس المصري الذي قام من يومين بزيارة مفاجئة لبلادنا، ليؤدي رسميا واجب العزاء في وفاة المغفور له شقيق الرئيس ، وباطنيا ليبادر بكسر الجمود، لأنه يعرف أن المصريين هم من أخطأ في حق الشعب الجزائري، فمبارك طبق عادة متبعة لدى المجتمع الجزائري، وهي عندما يكون أناس متخاصمون يستغلون مناسبة العزاء ليتصالحوا ويتسامحوا، وهو بالضبط ما قام به مبارك.
شخصيا كنت أتمنى أن يلقي مبارك كلمة كتلك التي ألقاها في البرلمان المصري بعد مباراة أم درمان، وقال مهددا إن كرامة المصريين فوق كل اعتبار، كنت أتمنى أن يقولها مبارك، وينطق أمام الجزائريين الذين لا هم سعدوا ولا هم زعلوا للزيارة، واحترموا خيار الرئيس الذي هو حر في قبول أو رفض المعزين بكلمة اعتذار للشهداء قبل الأحياء، لكن لا بأس، هم من بادر بالشر، ومن تفوه بالفاحشة، ومن الطبيعي أن يبادروا هم للصلح بعدما فشلت كل مساعي الوساطة التي حاولت مصر أن تعيد من خلالها العلاقة مع الجزائر إلى ما كانت عليه، لأن موقف السلطة الجزائرية الرسمي لم يتزحزح أبدا، ولم يجار المصريين في حربهم المسعورة ضد الجزائر، الموقف الرسمي الجزائري كان دائما حكيما، واحتكم إلى العقل ونظر إلى البعيد، عملا بالمثل الشعبي الجزائري “ سلان السيف بعار ورده بعارين”.
وها هي اليوم الجزائر تكسب المعركة بدون أن تطلق رصاصة واحدة، كسبت المعركة برجاحة العقل وبعد النظر، وهو ما افتقدته “ الشقيقة الكبرى” بلد الشعب “الراقي والعالم المتطور” ، طوال أيام الأزمة .
نعم كنا ندري آن مصر لا يمكنها أن تستغنى عن الجزائر، وقالها مبارك بعظمة لسانه، لأنه في حاجة الى كرسي مجلس الأمن، ثم إن هناك مصالح كبيرة لمصر ضيعتها في الجزائر ومنها مصالحها في جيزي والمقاولون العرب والشركات الأخرى التي تدر ذهبا على هذا البلد الذي يعاني الفقر والأزمات .
لكن السؤال الذي يحرق شفاه كل الجزائريين، الذين يمكن أن يتسامحوا في كل شيء إلا في اهانة الشهداء، هو كيف ستكون العلاقة مع مصر مستقبلا ؟ وهل سيحكمها العقل، أم تبقى علاقة وجدانية تتلاعب بها الأهواء، وهذا السؤال مطروح على مصر قبل الجزائر، أم أن مصر والإعلام المصري استخلص الدرس القاسي الذي لقنته لهم الجزائر التي بقيت ثابتة في مواقفها، ولم تسقط في مستنقع الشتائم المصرية، أم أن هناك دروسا أخرى ما زالت ستلقنها للمصريين، لأن الكبير ليس بطبقات الغبار على سطح الأهرام، الكبير هو من لم تزعزعه الأزمة، وعرف كيف يسمح في أمور، لكن بحذر .
مبارك جاء يعزي، وجاء من أجل دولارات جيزي، كل الجزائريين يعرفون ذلك. ومع ذلك هل هو الوقت المناسب لقلب الصفحة؟
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.
تعليق 249
لعيون جيزي طبعا
القضة معروفة
تعليق 250
لقد أصبح معروفا لدى الجميع أن زيارة مبارك للجزائر كانت فرصة مناسبة للنظام المصري لتصليح ما يمكن اصلاحه بعدما تضررت المصالح الإقتصادية المصرية وضربت في الصميم
شكرا لك يا حدة على هذا المقال الرائع
تعليق 251
مقالك في الصميم
فمصر لا تستطيع بافعل أن تستغني عن الجزائر
أما نحن فبسنا بحاجة إليهم بعدما اكتشفناهم على حقيقتهم
تعليق 252
شكرا على هذه التوضيحات
تعليق 254
السيده والكاتبة الصحفية
حــــــــدة بن حزام
لدى مطالعاتي لمقالاتك التي غالبـــا ما تثير إشكالاً لدى الـــقارىء أستطيع أن أحكم واجزم في ذلك لا من فبيل التجني ولا من قبيل القدح أو الذم أن عناك العديد من الشكوك التي تدور حول قلمك السيال وكتاباتك التي غالبا ماتترك عاصفة من النقد بين مانع وممانع ومؤيد .
عزيزتي لا أدافــــع عن نظام الحصار والقهر في مصر ولا عن أي نظان عربي قام على التسلط والقهر وسلب قوت الموطن لحفنة من تجار الشعوب.
ولكن يجدر بنا أن نخفف من لهجة العداء التي سادت بين قطرين عربيين شقيقين بغت إحداهما على الأخرى بطول اللسان وشائن الفعال على أن لايصل بنا العداء إلى درجة القطيعة.
كنت أتمنى يا سيدتي لو انبرى يراعك للهجوم على الدولة المستعمرة (فرنسا) التي مازالت تتباهى بماضيها الاستعماري وبما ألحقته بشعبنا العربي الجزائري من الأذى وما تركته من بصماتٍ لقاء تجاربها النووية في الصحراء الجزائرية يجوز لي اللوم على اعتبار أنك قد سمعت بالخبر وهذامن المؤكد على رئيسة نحرير صحبفو عربية نكن لــــها كل الود والاحترام
كنت أتمنى أن تكتبي حول رفض الحكومة الفرنسية وعهدها البغيض عن الاعتذار عن جرائم الحرب التي ارتكبت ضد أهلنا بالجزائر إلا إذا كانت في نظرك لم تصل بعد إلى درجة النجريم والعنصرية!!
أم أن هذه المواقف جميعا تتضائل أمام مواقف حفنة من إعلامي نظام كامب ديفيد الذي أساء لمصر وعروبتها وأساء أيضا لشهداء الثورة الجزائرية التي نضع منهم ومن دمائهم أوسمة على صدور امتنا وأكاليل غـــارٍ نتوج بهم ه
هاماتنا بهم نعتز زنفاخر الدنيا ونفتخر. وأنا مثلك أيضا كنت أتمنى أن يقف بشجاعة أمام البرلمان الجزائري ليعتذر حتى يقطع الطريق على دابر الفتنة وطلابها وبقطع السبل على الأقلام التي تجد فسحة للكتابة عندما تقع المصيبة بين الأخوة وتتوارى لحظة مقارعة أعداء الأمة . ولكن أمنياتنا ذهبت أدراج الرياح لأن مثل هؤلاء لديهم القدرة على الوقوف في الكنيست الإسرئيلي أو تحت أقدام إماء اليمن من بني صهبون معتذرين با كين نادمين ويعز عليهم أن يقفوا موقفاً فيه شجاعة وصدق الرجال.