على شاكلة أفلامهم ومسلسلاتهم عاش الأتراك ليلة دراماتيكية، ولكن على اختلاف السناريوهات العالمية زُفّت الديمقراطية عروسا وأردوغان عريسا وكان الشعب شاهدا، فبعد أن تزينت أرجاء مواقع التواصل الاجتماعي باللون الأحمر رافعة شعارات منددة أومساندة لما يحدث، مرت العاصفة بسلام على أردوغان، ولم تدم فترة "الإنقلاب" إلا سويعات قليلة ليسقط هذا المصطلح (الانقلاب) الذي يعتبر أكثر وزنا وثقلا مما حدث تلك الليلة، الليلة التي أنستنا في أحداث نيس الدرامية، خلدت في تاريخ تركيا الحديثة، فاعتبر يوم 15 جويلية عيدا وطنيا.
الشباب العربي عامة والجزائري خاصة تابع الحدث باهتمام، فمنهم من خاف على نجوم وبطلات مسلسلاته، ومنهم من أخذته العاطفة، أو العزة على الفكر الأردوغاني، ومنهم من شمت في أردوغان وهلل فرحا، كأنه انتصار لإرادة شعب، ربما هي إرادته التي لا تزال مكبوتة.
لا يختلف اثنان على ان ما حدث في تركيا لم يأت من العدم، وإنما جاء بعد مخطط وإن لم يكن بمثل ذكاء الرئيس التركي وحاشيته، التي لعبت على وتر الشعبوية والتعليم والإنجازات الملموسة التي قفزت بتركيا إلى مصاف الدول المتقدمة، حتى اضحينا نرى شعبا يهب لنصرة الشرعية الانتخابية.
وبعيدا عن التحليلات السياسية المعقدة التي تدور حول نظرية التآمر الأجنبي وتنظيم “غولن”، هناك العديد من المحطات التي تستوجبنا للوقوف عندها كإعلاميين.
..
1- تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي:
تبادل فيديوهات إعتقال الضباط وتسليم الجنود لأنفسهم لعب دورا في حماس الجماهير وأدائها لدورها الديمقراطي والاجتماعي، وساهم في تغطية ما يجري على أرض الواقع، ليكون العالم شاهدا على شرعية شعبية وقفت مع رئيس منتخب وفقا لإرادتها…
لا تزال لحظة اتصال الرئيس التركي اردوغان بإحدى المحطات التلفزيونية التركية عن طريق تطبيق الفايس تايم خالدة في كرونولوجيا أحداث تلك الليلة الدرامية، حيث نزلت جموع المواطنين إلى الميدان، بعد أن ناشدها رئيسها لنصرة الديمقراطية، مساهمة في التصدي لحظر التجوال الذي اقرته المجموعة الانقلابية، لتلعب دورا في افشال هذا الانقلاب الذي أغفل مخططوه تفصيلية مواقع التواصل الاجتماعي رغم تشويشهم على الفايسبووكوتويتر. فتعدد تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي أصبح اليوم اكبر مساهم في عملية التدفق المعلوماتي في عالم “open Access”.
2- الإعلامية التي أعلنت عن الانقلاب وعن فشله:
لو نتمعن سيناريو الانقلاب الفاشل، فإننا نستكشف بعض التفاصيل التي تدل على راديكالية مخططيه، وكأن السيطرة على مبنى التلفزيون في عصر العولمة والانترنيت، وعلى مبنى البرلمان، ستكفل نجاح الانقلاب، الأمر الملفت للانتباه أن المذيعة التي أعلنت عن الانقلاب وتسلم الجيش للسلطة بوجه شاحب تحت طائل التهديد، هي نفسها من أعلنت عن فشل الانقلاب بعد سويعات من احتجازها داخل الاستديو، وبعد تحريرها من طرف المواطنين، فالتلفزيون هرم عن دوره الكلاسيكي في الانقلابات العسكرية، خصوصا في ظل التطور الرهيب لوسائل الاعلام والاتصال.
3- صحافة المواطنة:
مما لا شك فيه أن صحافة المواطنة أضحت عاملا مهما في النقل السريع للخبر والصور الحية، وهو الأمر الذي نجح فيه الاتراك فيما بينهم بما كفل تضامنهم وتشجيعهم، فتبادل فيديوهات إعتقال الضباط وتسليم الجنود لأنفسهم لعب دورا في حماس الجماهير وأدائها لدورها الديمقراطي والاجتماعي، وساهم في تغطية ما يجري على أرض الواقع، ليكون العالم شاهدا على شرعية شعبية وقفت مع رئيس منتخب وفقا لإرادتها.
ولعل الدروس من ليلة أمس كثيرة بتعدد مجالاتها، من السياسية والديمقراطية، إلى الإعلامية، وعلى اختلاف تأثيرها بين الإيجابي والسلبي، إلا أن الشيء الأكيد أن إرادة شعب انتصرت، وحق استرجع، ومخطط احبط، فهل نحن معتبرون؟
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.