صدمة كبرى عاشها الإعلام ومراكز الدراسات ومراكز سبر الآراء، التي رشحت بقوة فوز هيلاري، بعد أن فاز ترامب بشكل كاسح حتى بالولايات التي كانت سلّة للحزب الديمقراطي، مثل فلوريدا وكاليفورنيا.
وتساءل الإعلام الأمريكي عن ماذا حدث، كيف تمكن ترامب بكل أخطائه وخطابه العنيف والمتهور من كسب كل هذه الأصوات؟ كيف تغير كل شي بعد أن كانت كلينتون هي المتصدرة لمراكز سبر الآراء؟ كيف فاز ترامب وقد كان الناخبون عبروا في سبر الآراء الأخير عن تخوفهم من أن يكون هو الرئيس؟ كيف تغيرت النتائج لصالح خطاب ترامب؟.
ولا تزال وسائل الإعلام الأمريكية تناقش جزئية فوز ترامب المفاجأة، والتي سماها بعض المتحدثين بالفوز الصدمة.
ويبدو أن المحافظين قد انتقموا من عهدتي أوباما وقراراته وسياساته، التي انتقدها ترامب وركز عليها انتقاده، خاصة العلاقات مع الناتو والصين وإيران والمكسيك وبعض الاتفاقيات الاقتصادية، التي أطاحت بالاقتصاد الأمريكي كاتفاقية “نافطا”، التي شرعها الرئيس بيل كلينتون وسمحت بخروج آلاف المؤسسات الاقتصادية الأمريكية إلى الخارج؛ إلى الصين والمكسيك وكولومبيا وغيرها، وفقدان ملايين المناصب ووعدَ بإعادة الشركات للبلد، كما نجح ترامب خلال حملته في التركيز على سياسته في تحسين الوضع الاجتماعي وإعادة الوظائف وغيرها من الوعود، التي تهم المواطن البسيط، الذي يشكل القوة الناخبة.
وقد تمكن ترامب من دغدغة مشاعر الطبقة الشغيلة، التي لا تزال تعاني من تبعات الأزمة الاقتصادية رغم سياسة أوباما في مجال الإنعاش الاقتصادي، كما لعب على قضية الهجرة غير الشرعية وبناء جدار على الحدود المكسيكية، والتي حولها إلى قضية تهمّ المواطن الأمريكي، لأن ملايين “الحرّاقة” متهمون بالتسبب في فقدان مناصب الشغل وإدخال المخدرات وانتشار الجريمة والتهرب من دفع الضرائب بالنسبة له.. ملايين من “الحرّاقة” اللاّتين، بالنسبة للناخب العادي، هم الذين قللوا فرص العمل ودفع الضريبة، هذه القضايا التي تهم المواطن الأمريكي البسيط هي التي أنعش بها ترامب خطابه الانتخابي.
من جانب آخر، استغل ترامب فكرة التغيير، التي تشكل وعي المواطن الأمريكي، وقدم نفسه على أنه هو التغيير من أجل أمريكا قوية وجديدة اقتصاديا واجتماعيا، عكس مشروع هيلاري، التي كانت تمثل استمرارية سياسة أوباما، التي ما انفك المحافظون ينتقدونها.
وتكون النتائج الصادمة، التي أخرجت ترامب رئيسا، قد أبانت عن انتقام أبيض كاسح، انتقام من عهدتي أوباما، المحافظون ونسبة 19 في المائة من الناخبين غير المقررين أو المتأرجحين، الذين غيروا وجهتهم السياسية في آخر لحظة.
السؤال الكبير، اليوم، بعد هذه النتائج هو: كيف سيكون شكل هذا الرئيس، الذي عبر 36 في المائة من الأمريكيين أنهم متخوفون من أن يصبح رئيسا؟ هل سيبقى كما كان في حملته، بصورة العنيف، المتطرف، المتهور، المتعصب والسوقي في حركاته وصوت؟! أم سيكون شخصا آخر؟!
ويبدو ومن أول خطاب له، بعد تأكد فوزه ليلة أمس، يبدو أن هذا المترشح لن يكون هو نفسه الرئيس، فقد ظهر متزنا، متحكما في عنجهيته وتطرفه، ظهر هادئا وناضجا وكأنه شخص آخر، وأكد أنه رئيس لكل الأمريكيين، كما أظهر نفسه أنه رئيس إجماع، وتغيرت لغته من لغة التهديد والعقاب والترهيب ليقول للجميع “سنعمل سويا من أجل صالح بلادنا، لسنا حملة وإنما حركة من رجال ونساء يحبون بلادهم ويعملون من أجل صالح أبنائهم وبلادهم”، وأضاف “لقد آن الأوان لأمريكا كي تضمد جراح الانقسام”، والعجيب أن ترامب، الذي وخلال حملته ظل يدغدغ مشاعر الأمريكيين بتهديد دول العالم كالصين والمكسيك وإيران وحلف “الناتو” والعالم الإسلامي، قال مخاطبا كل العالم “سنتفاهم مع كل الدول الأخرى، التي لديها الرغبة في التفاهم معنا”، هذا الخطاب المنفتح والمتزين، يؤكد أن المنتخَب الجديد بدأ في التأقلم مع حتميات المنصب الجديد.. ولكن هل ستصمد شخصية المنتخَب الرئيس أمام شخصية رجل المال والأعمال الفوضوي والمتهور؟!
تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.