زاد دي زاد - الخبر مقدس والتعليق حر

ملاحظة: يمكنك استعمال الماركداون في محتوى مقالك.

شروط إرسال مقال:

– النشر في “زاد دي زاد” مجّاني
– أن يكون المقال مِلكا لصاحبه وليس منقولا.
– أن يكون بعيدا عن الشتم والقذف وتصفية الحسابات والطائفية والتحريض.
– الأولوية في النشر للمقالات غير المنشورة سابقا في مواقع أو منصات أخرى.
– الموقع ليس ملزما بنشر كل المقالات التي تصله وليس ملزما بتقديم تبرير على ذلك.

بيان أول نوفمبر.. بين مشرحتي لونيسي وسعد الله!

بيان أول نوفمبر.. بين مشرحتي لونيسي وسعد الله! ح.م

نشر موقع الشّروق أون لاين مقالا لأستاذ التاريخ رابح لونيسي مقالا عنوانه {الثّورة الجزائرية تحمل مشروعا متكاملا}2021/10/30. قدّم فيه رؤيته لمبادئ الأساس لمشروع مجتمع من خلال مواثيق الثورة: بيان أول نوفمبر بيانا مؤسسا للدّولة الوطنية، وأرضية الصومام الشارحة حسب زعمه لبيان نوفمبر، والمواثيق الوطنية بدءا من ميثاق طرابلس إلى ميثاق 86، وهي جميعها حسبه ركّزت "بنسب متفاوتة على البعد الاجتماعيّ الّذي نصّ عليه نداء نوفمبر وأرضيّة الصّومام، أو ما سُمّي صراحة بـ ”الاشتراكيّة” المقصود بها العدالة الاجتماعيّة"؛ نظرّا للهوية اليساريّة التي تجمع بين من صاغوا البيان.

ثمّ راح يعرض قراءاته مبنى ثم معنى لمبدأ واحد رئيس في بيان أوّل نوفمبر هو: “إقامة دولة جزائريّة ديمقراطيّة واجتماعية ذات سيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية”.
وهذا المبدأ النّوفمبري جوهر الصراع الفكري والأيديولوجي والسّياسيّ في الجزائر، وأهم مبدأ من مبادىء الهوية لدى الغالبية السّاحقة من الجزائريين.

* دلالة {عبارة الجدل} على طبيعة النّظام السياسي:

يراها لونيسي مُوهمة؛ لذا هي في حاجة لرفع الوهم عنها؛ لذا جاءت وثيقة أرضيّة الصومام ملبية تلك الحاجة؛ بالقول: {مع احترام الحريات الأساسية دون أيّ تمييز عرقيّ أو دينيّ}. فعنده أنّ جملة {في إطار المبادىء الإسلامية}، ستُطمع يوما ما طمّاعين في إقامة دولة دينيّة ثيوقراطيّة في الجزائر، فكان لابدّ من الاستعلاء الصومامي لغلق المجال، وقطع السبل.

فهل عبارة {المبادىء الإسلامية} قاصرة بطبعها ومكوّنها العضويّ عن تحقيق مبدأ المواطنة؟ وهل هي متناقضة معه؟ وهل الاكتفاء بها سيؤدى حتما لهدره؟

ونجد فكرة يساريّة أصحاب البيان أيضا لدى الدكتور أبو القاسم سعد الله؛ إذ يرى بدروه أنهم كانوا يقفون إلى يسار الخطّ الأيديولوجي الاشتراكي… ويبدو أن محرّري البيان كانوا (اشتراكيين) في توجههم، ولكنّهم مع ذلك ومراعاة ربّما للجماهير، ألحّوا على أن الهدف من البرنامج سياسيا هو تحقيق الاستقلال وإقامة دولة ديموقراطيّة اجتماعية… في إطار المبادى الإسلامية {تاريخ الجزائر الثقافي ج10، ص79}.

أما بالنّسبة لكلام الدكتور سعد الله فنلحظ الآتي ذكره: أنه تبدو عليه بعض الغرابة وبعض الاضطراب: إذ يجزم في بداية النصّ بدافع التوجّه اليساريّ في صياغة البيان وتوجيهه نحوه بحكم التّكوين السياسيّ من جهة، وللانسجام مع الاتجاه الثوري اليساريّ في العالم.

لكنّنا نلحظ أيضا جملة {ويبدو أن محرّري البيان كانوا (اشتراكيين) في توجههم}. لكن ما مقدار تمثلهم لعبارة {في إطار المبادىء الإسلامية}؟ نجد لدى الدكتور سعدالله ما يفيدنا أيضا أنّهم راعوا اتجاه بعض زملائهم ذوي التوجّه الدّيني الإسلاميّ. وهذا يسمح لنا أن نستنتج أن صُنّاع البيان مزيج بين هؤلاء وهؤلاء، بل إنّ الحصيلة المعرفيّة لدى بعضهم والتّنشئة الاجتماعية تجزم أنهم لم يكونوا كما قال لونيسي سوى يساريين دون أن يتخلّوا عن الاعتزاز بدينهم وهويتهم الإسلامية}.

ويؤيد هذا التفسير أدلّة قويّة منها ما يؤخذ من بعض سيرالستة الذاتية:

فبن بولعيد درس في مدرسة جمعية العلماء، ولما أسّس جمعيته الخيريّة في أرّيس أول ما قام به بنى مسجدا، وظل ملازما لشيوخ قريته يتلقّى منهم ما يفقّهه في دينه، عملا بوصية والده. وترؤسه الجمعية التي تشرف على تسيير مكتب جمعية العلماء في أرّيس أثناء أحداث ماي وكان يؤم زملاءه في زنزانة سجن الكدية ويعظهم، ويرفع معنوياتهم دينيا {مصطفى بن بولعيد، المتحف الوطني للمجاهد} ص 33، 34، 103.

أما الشهيد بن مهيدي فكما وصفه معلّمه الشيخ علي مرحوم: “كان لطيف المعشر، بادئ التواضع، رحيم القلب، يألم لمنظر البؤس في أي شخص، ويأنف من الظلم، وخاصة إذا نزل بضعاف الناس الذين لا يملكون حولا ولا طوال، وكان قويّ الإيمان، متين العقيدة في الدّين… وحوارك معه يريك منه شابّا قويا مستنير العقل، عميق التفكير، مؤمنا بالعدالة الإنسانيّة، وبانتصار حق الشعوب المناضلة في سبيل حريتها واستقاللها…” {عبد المومن بن ابراهيم}. كتابات للتأريخ للحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954 – ASJP
https://www.asjp.cerist.dz

لا شكّ أنّ هذه الصّفات والعناصر مكوّنات جوهريّة في شخصيّات وأفكار وانحيازات هذين الشّهيدين العظمين؛ بل ربما أعظكم شهداء ثورة نوفمبر، باعتبار المنزلة والأثر والميزات الذّاتيّة.

ولذا فقد توحى سيّر بعض من السّتة أنّنا إزاء مزيج من النّزعتين الدينيّة الوطنيّة واليساريّة الوطنيّة. وأعتقد أن هذا تفسير مناسب لرأي الدكتور سعد الله في المسألة.

ولدينا محاضرة له تعزّز هذا التفسير؛ بقوله: “لم يكن للثّورة عندنا فلسفة فيلسوف، ولا صحيفة ميثاق، عدا القرآن الكريم، وما اشّتق منه من عناصر الحضارة” {آراء وأبحاث في تاريخ الجزائرج4 ص14}، ويقول: “إن فكر مفجّري الثّورة سنة 1954 ممتد في التاريخ عبر أجيال عديدة”.. م. ن، ص11، 12

أمّا رابح لونيسي فيجزم بثقة مطلقة قائلا: {وهذا المبدأ الأخير هو ما يعرف اليوم بمبدأ المُواطنة في الدّول الديمقراطية الكبرى، كما توضّح أرضية الصّومام نداء نوفمبر كي لا يكون أيّ التباس، وخوفا من أن يأتي مستقبلا من يستغل فكرة “ضمن إطار المبادئ الإسلامية”، ويعطيها مفهوما آخر، فيقول بأنّ المقصود بها هو “دولة دينيّة”، وهو يستحيل أن يقوله مفجّرو هذه الثورة}.

ويفسّر مؤكّدا: “قولنا بالممارسة “في إطار المبادئ الإسلامية”، ليس معناه “دولة إسلاميّة “كما روّج، ويروّج البعض من الذين يريدون استغلال نداء نوفمبر وتحويله إلى رأسمال رمزي لهم، وقد وضّحت أرضيّة الصّومام هذه الفكرة الواردة في النداء بالقول: “نريد إقامة دولة ديمقراطية واجتماعية، وليست ثيوقراطية”، فلم تحمل هذه الفكرة إلا معنى دقيقا ومحددا، وتعني الاستلهام من قيم الإسلام وأخلاقه وروحانيته ومبادئه الكبرى والعمل في إطارها دون أي تضييق على الفرد والمجتمع، مما يسمح لنا بدخول الحداثة دون التخلي عن هويتنا الحضارية الإسلامية”.

نرى من المفيد لتوسيع معرفتنا بتيار التأويل غير المؤسس بأدلّة مقبولة، اللّهم إلاّ الهوى الأيديولوجي اللاّئكي المُشبّك مع البُعد العرقيّ، نجد التفسير نفسه لدى مصطفى صامت أحد الناشطين الهائجين في التّيار البربري المتطرّف، كدفاعه على مسخرة {الأمازيغ وجدوا قبل أدم/ واللّغة الأمازيغية أمّ اللغات، والله كلّم موسى بالأمازيغيّة حسب كتب التراث الإسلامي، وإذا كانت العربية لغة الجنة بعد الممات، فاالأمازيغية لغة الحياة والحيوية والنشاط… وهلمّ كركر من سُعار العرقية المنتخلّفة النتنة، مثابة الجُعلان مُكركري الخُرء}؛ يقول:

“اذا كانت عبارة ”في ايطار [هكذا في الأصل ] التحكم المبادئ الاسلامية” التي لا تعني على أسس الشريعية الاسلامية كما يتوهم البعض، قد وردت في النسخة الفرنسية والمترجمة لاحقا، والتي لا نستبعد أنها جاءت لمغازلة التيار الباديسي (جمعية العلماء المسلمين) {قراءة في النسخة الفرنسية لبيان أول نوفمبر 1954 https://tafat.netوالأخطاء.. إذن الدّولة الإسلاميّة دولة ثيوقراطية {مرفوضة من الجزائريين}.

فمشروع ثورة التحرير الكبرى من “خلال بيان نوفمبر وأرضية الصومام قد حلّ مشكلة عويصة لم يُسبق إليه، هي التوفيق بين الأصالة والمعاصرة في فكرة بديعة لا تحمل إلا معنى دقيقا ومحددا يتمثل في إمكانية المسلم أن يمارس حياته بكل حرية، كما بإمكانه الاستعانة بالمنظومات القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أنتجها عقل الإنسان أينما وجد، لكن شريطة أن تكون فعالة، ولا تناقض المبادئ العامة للإسلام، لكن فلنسجل أن هذه المبادئ العامة للإسلام قد توصل إليها العقل البشري اليوم بشكل عام”.

ملاحظاتنا:

1 / لنتأمل جيّدا: “إقامة دولة جزائريّة ديمقراطيّة واجتماعية ذات سيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية” ضبطتها أرضية الصّومام بـ “احترام الحريات الأساسية دون أي تمييز عرقي أو ديني” بدءا هل المبادىء الإسلامية محصورة في الحريات الأساسسية، والمساواة؟ المبادىء الإسلامية في البيان هي أسلوب تعبير شائع في أدبياتنا الاجتماعية والثقافية يٌراد به الدّين الإسلامي بمكوناته الأساس الرئيسة التي لا يكون الدين الذي أوحاه الله تعالى لنبيّه محمّد صلى الله عليه وسلم وبلّغه للنّاس أجمعين دينا إلا بها جميعا: {العقيدة والشريعة بفرعيها الرئيسين: العبادات والمعاملات}.

ولذا فإن الحرّيّات والمساواة أو المواطنة هي نقطة في بحر الفقه السياسيّ الإسلاميّ، الّذي اجتهد في استنباطه وتطويره حهابذة علماء وفقهاء الإسلام المعاصرين، مستفيدين من الفقه الدستوري المعاصر باتجاهاته ومذاهبه.

فأب القانون الحديث في العالم العربيّ في القرن العشرين عبد الرزاق السنهوري مثلا كانت أطروحته في السربون حول الخلافة، أي في الفقه الدستوري.

ولولا المقام وضيقه، لأرهقت لونيسي بسردالمكتبة الثريّة في هذا المجال؛ لأنّ فقهاء الإسلام الأولين برع منهم مثلا فقيهان عظيمان من تلامذة أبي حنيفة النّعمان هما: أبو يوسف فقيه المال والاقتصاد الإسلامي، ومحمد بن الحسن الشيبانيّ فقيه القانون الدولي.

المسألة عند لونيسي رابح هي: خلق نظام هجين لا نسب له علميّا، ولا في القانون الدّستوريّ. الذي يبشّر به في فكرة يطوف بها كلّما ورد حديث عن الإسلام والعصر، هذه الفكرة هي التي سمّيتها في مقال سابق {الاجتهاد البقري الإسرائيلي}. يقول لونيسي:

{فما يمنع المسلم أن يعيش عصره بكل مستجدّاته مع الالتزام بعبادته لله وبأركان وأخلاق الإسلام، فدلالة هذه الفكرة هي العيش في إطار تلك المبادئ الكبرى المنصوص عليها في القرآن الكريم، وليس معناه النّظر في كلّ قضية هل هي حلال أم حرام وإدخالنا في جدالات عقيمة وفي حلقة مفرغة، فنضيّق بذلك على أنفسنا مثلما ضيق بنو إسرائيل على أنفسهم عندما أمرهم الله بذبح بقرة (أي بقرة)، لكنهم بحثوا في تفاصيلها، فهذا المشهد القرآني يتكرر يوميا عندنا بالتضييق على الإنسان المسلم وتعقيد دينه البسيط واضح المعالم}..

واعجباه: لتجنّب مصير أهل البقرة، علينا التنّبه والانصات للونيسي مُخبتين لقوله: “أنّ هذا المبدأ الجديد الذي أتت به ثورتنا له جذور فكرية في تراثنا الفقهيّ الإسلاميّ المغاربيّ، فهي تشبه فكرة الظاهرية لابن حزم الأندلسي، التي تنطلق من مبدإ أن الحلال والمباح هو الأصل في كل شيء، وما لم يكن نص صريح بتحريم أمر ما فهو مباح للمسلم، ولو يطبق هذا المبدأ الذي يشبه ما طرحه نداء نوفمبر، فمعناه يتخلص المسلم نهائيا من فكر وفقه جامد يعرض كل ما يطرأ من جديد على المسلم على ميزان الحلال والحرام، الذي تتحكم فيه عادة عقلية الفقيه وثقافته ومصالحه وغيرها من العوامل الذاتية والموضوعية، فكم حرمت من أمور تبين لنا بعد زمن أننا كنا مخطئين فيها. فلو أخذنا بالظاهرية كما طرحها ابن حزم ثم نضيف إليها الموافقات والمقاصد الإسلامية التي وضعها الشاطبي، لجعلت المسلم متفتحا على العالم المعاصر دون أي حذر أو عقد”.

أنقل هنا ردي على فكرته الطّامّة الكبرى في مقالي {أغاليط بروفيسورية}: “وسمو الفكرة وعبقريتها تبدو حين تُقارن بسؤال بني إسرائيل عن تفاصيل البقرة التي أُمروا بذبحها ؟!! فكذا نحن اليوم نبحث عن تفاصيل أحكام الشريعة وتفاصيلها؟ وليريحنا (لونيسي) من وطأة الشكّ في غربة هذا الحلّ، يحيلنا على مرجعية فقهية إسلامية بارزة في تاريخنا الفقهي، يمثلها مذهب ابن حزم الظاهري؛ الّذي يرى كل شيئ حلالا حتى يأتي نص صريح في القرآن الكريم يحرمه.

حجم هائل من السّطحيّة والتّناقض، ولك أن تقول الجهل ولا حرج عليك من التأثم كيف ذلك؟

– السّطحيّة: قياس فكرته على فعل بني إسرائيل في ذبح البقرة : دافع هؤلاء لا يختلف في جوهره عن دافع فكرة (رابح لونيسي)، فللبحث عن فرجة يتسلّلون منها تنصلا من أحكام التكليف الإلهي ؛ لغلبة طبعهم المادي عليهم؛ أخذوا يتلكّأوون ويدورون بواسطة السؤال عسى أن يُعفوا من التكليف، وهذه دعوة لتقصى سبل التفلّت من الأحكام الشرعية أيضا، فأي فرق بين الموقفين في جوهرهما؟

– التناقض: التخوف الذي أبداه من الفتنة العمياء التي يمكن أن تحدثها دعوة بوكروح في مقاله إعادة ترتيب القرآن حسب النزول، لا تختلف عنها في شيء دعوة التجديد الإسلامي على النهج (البقري الإسرائيلي} !!!

– الجهل: وصوره في المقال كثيرة، لكن حسبنا القاعدة التي نسبها للظاهرية؛ فمن أبجديات العلوم الشرعية التي يتعلّمها صغار المبتدئين فيها قاعدة (إن الأصل في الأشياء الإباحة، فلا تحريم إلاّ بنصّ)، وهي ليست خصوصيّة للظاهريّة أو مذهب بعينه.

كما أنّ هذه القاعدة تذهب باجتهاده أدراج الريّاح؛ فلن يستطيع التفلّت إذن من تفاصيل الأحكام الشرعية، التي لا سبيل إلى دركها إلا وفق مناهج الاستدلال والاستنباط العلميّة الأصوليّة، على أيدى العلماء الثّقات المجتهدين الذين بنوا للفقه الإسلامي صرحا علميا باذخا، انبهر به كبار القانونيين في العالم، فخصّوا – مثلا – الشريعة الإسلامية بكرسي في محكمة العدل الدولية، حين كان العلماء الأكاديميون هم من يقررون ويفصلون، وليس الإيديولوجيين الأركونيين الضالين المضلّين {سبق برس؛ 2016-06-05} .

أمّا قاعدة الحظر والإباحة؛ فنسأل البروفيسور: بلغة العلم هل هناك نظام تشريعي كبير في تاريخ التشريع والقانون يحرّكه مبدأ قانونيّ واحد؟

نسأل أيضا: المخدّرات لا نصّ في حكمها في القرآن والسنّة، إذن فهي مباحة حلالا طيبا؟ اللّواط محرّم باستثناء اجتهاد ألفة يوسف الجندرية التونسية النحريرة وزواج الشّواذ كلّ من جنسه، لا نصّ فيه، وفق اجتهاد رابح لونيسي الذي سيوفّر علينا عناء البقريين، فهو مباح وبالرفاء والبنين الافتراضيين؟ وقس على هذا السنن، و{تهنى الفرطاس من حكّان الرّاس}.

2 / السّيف الذي نرى في حدّه الفصل بين دلالة {المبادىء الإسلامية} في البيان: أهي مبدأ المواطنة بمعناه اللّيبرالي اللاّئكي، والمنظومة الإسلامية العقدية والتشريعية، هو واقع الاستجابة والتنفيذ خلال الثورة المباركة، وقد تجلّت قوّة الدّلالة الإسلامية العقديّة والتّشريعيّة بقوة الثورة ذاتها في جوانب كثيرة بعضها لصيق فعل الجهاد نفسه، كتسميّة العمل الثوري {جهادا}، وتسمية الثّوار{مجاهدين}، والشّهداء {شهداء} لن أستخدم لفظا غيره تقديسا للشّهيد والشهادة في سبيل الله وكلمتا {خالد وعقبة} سرّا بين المجاهدين، ولن أدعى اختيارا قاصدا أن صادف أول نوفمبر، في التاريخ الهجري :05ربيع الأول 1374الخامس من ربيع الأول للعام ألف وثلاثمائة وأربعة وسبعون، أي شهر المولد النبوي الشريف، لكن أيام الله تعالى كثيرا ما تُساق لأهلها دون قصد.

أما الحُجّة العمليّة الأقوى فيمُدّنا بها ما يُعرف {بالقضاء أثناء الثورة}؛ فتفيد الدراسات القليلة الهامّة في الموضوع باعتماد جبهة التحرير نظاما قضائيا يناسب المهمة التحريرية،؛ “يذهب السيد سعيد بن عبد الله إلى أن الشّريعة الإسلاميّة هي القاعدة الأساسيّة للإجراءات القانونيّة بين الجزائريين، إشارة إلى دور الدّين الإسلاميّ في القضاء في عهد الثورة، فالشّريعة تتناول حياة الإنسان من المهد إلى اللّحد بكلّ تفاصيلها الاجتماعية والمدنية والعائلية والمعاملات، وكلّ هذه المسائل لها حلولها، ويوجد في النصوص القرآنية ما يجيب على مختلف التساؤلات والإجراءات ومن الصّعب عند المسلم الفصل بين الرّوحي والزمنيّ، (إنّ الإسلام يكوّن الإنسان الثوريّ)، وكان الواجب الأولّ للمناضل في جبهة التحرير هو تطبيق الإسلام لأنه هو الذي يعلّمه الإيمان والانضباط، ثم إن النّضال يعني الجهاد، ومن ثمّة يصبح المناضل مجاهدا كما أن الإسلام هو الذي يجنّد الشّعب الجزائري وراء الثّورة، وهو المكوّن الأساسيّ للحضارة الجزائريّة” {تاريخ الجزائر الثقافي، ج10،ص 610، عن سعيد بن عبد الله، العدل عند جبهة التحرير الوطني، ص 72 – 74:}، “تخلّى الشّعب الجزائري تدريجيا عن اللّجوء إلى القضاء الفرنسي وفضّل عليه القضاء الإسلاميّ الّذي تطبّقه الجبهة، حتى في داخل السجون والمحتشدات، كما كان من عواقب إحداث ذلك الجهاز المحافظة والتمسّك بالشخصية العربية الإسلامية للجزائر” {م.ن}.

يقول محمد توفيق المدني رحمه الله: “القضاء في عهد الثّورة يتولاّه أحد الشيوخ (العلماء أو الطّلبة) حسب أهمية السّكّان ليحكم بين النّاس بما أنزل الله، وكان القاضي غالبا ممن تخرّج من المدارس الحرّة، والغالب هو اختفاء المنازعات لأنّ النّاس اندمجوا في الثّورة وتركوا الشّجار، وإذا حدث شجار فالقاضي يحلّه بالإقناع والتراضي”. {محمد توفيق المدني، هذه هي الجزائر، ص:226}.

وكان “الشّعب الجزائري حريصا بنفسه على العمل بالشّريعة واللّجوء إلى العدالة الحقّة لأنّه عانى من الظلم والجبروت الاستعماري”{م.ن}.

ليس القصد تتبّع خُطّة القضاء أثناء الثّورة المباركة؛ فيسع القارىء والمهتم بالحقائق تتبعه في المراجع القليلة التي تناولته، كثير منها شهادات عيان، وبعضه شهادات ناقلين عن شهود، وقد اهتم شبابنا الجامعي الباحثين بقضايا الثورة، وأذكر في هذا الموضوع دراسة علمية رصينة؛ لمصطفى سعداوي قضاء الثورة الجزائرية فيالولاية الثالثة {1954-1962، مجلة انتثروبولجيا الأديان، جامعة البويرة}.

فالمقصود إذن الاستدلال بهذه الخطّة بيانا قويّا حاسما فاصلا في تأكيد مغزى {…إطار المبادئ الإسلامية}، بمعيار الضّمير الجمعي الجزائري آنذاك. ممّا يذهب بدعوى رابح لونيسي أدراج الهوى اللائكي الغريب عن ذاك الضمير الذي صاغه الإسلام منذ قرون.

وبصدد حديث لونيسي عن ترجمة بيان نوفمبر إلى العربية يقول:

“يلاحظ القارئ لنداء أول نوفمبر في نسخته الأصلية أن هناك خطأ قد وقع عند ترجمته من الفرنسية إلى العربية، ومنها الإهمال أو التناسي العمدي بعدم ترجمة et إلى حرف الواو، فبدل ما نقرأ “ديمقراطية واجتماعية” نقرأ بالعربية “ديمقراطية اجتماعية”، وهما دلالتان مختلفتان، ويبدو أنها ترجمة محرفة ومقصودة استهدفت إيجاد شرعية للأحادية في 1962 بدل المزج والجمع بين العدالة الاجتماعية والديمقراطية المتعارف عليها عالميا بتعدديتها وحرياتها.

تفسير لونيسي للتحريف العمدي، لا يحتمل إلا أحد معنيين هما: إما أنّ الّذين ترجموا البيان في القاهرة بعد أن وصلهم قد نصّبوا أنفسهم حكّاما للجزائر والثورة على وشك الاندلاع، أو أن الترجمة جاءت متأخرة إلى ما قبيل الاستقلال ممن تولوا السلطة إثره مباشرة. وكلا الاحتمالين {جريمة جهل}، وهذا صنيع اتّباع الهوى الأيديولوجي بأصحابه.

لا أحبّ مغادرة المقال قبل الوقوف مع القارىء أمام النّص الآتي من مقال لونيسي:

“… حل نداء أول نوفمبر وأرضية الصومام هذه الإشكالية التي ما زالت مطروحة إلى حد اليوم: لمن الأولوية للديمقراطية وللحقوق السياسية أم للعدالة والحقوق الاجتماعية؟ وكأنه لا يمكن لنا أن نجمع الاثنين في الوقت نفسه، لكن النداء والأرضية جمعت الاثنين بالقول “ديمقراطية واجتماعية”، ونعتقد أن تفكير واضعي النداء والأرضية نابع من إدراكهم استحالة ضمان الحريات الديمقراطية دون مرافقتها بالعدالة الاجتماعية وخدمة المحرومين، كما لا تتحقق هذه العدالة دون حريات وديمقراطية، لكن يحتاج هذا المبدأ الجديد إلى تفكير جدي لوضع الميكانيزمات العملية والمؤسساتية لتجسيده على أرض الواقع، فيكون بذلك نظاما جديدا بديلا لكل من الشيوعية و”الديمقراطية الرأسمالية” كما يسميها الأمريكي آل غور في كتابه المستقبل” .

الإشكالية إذن: “لمن الأولويّة؟ للديمقراطية وللحقوق السياسيّة أم للعدالة والحقوق الاجتماعية”.

حلّها البيان والأرضية: بالجمع بين الإثنين بالقول “ديمقراطية واجتماعية”.

“فيكون بذلك نظاما جديدا [كذا في الأصل/ وهو دليل على مستوى مستوىالتحكم او مراعاة النحو العربي] بديلا لكلّ من الشيوعيّة و”الدّيمقراطيّة الرأسمالية” كما يسمّيها الأمريكي آل غور في كتابه المستقبل”.
والله شيء غريب أنّنا دون أن نتفطّن أبدعنا الدّيمقراطية الاجتماعيّة في جملة وفقرة في وثيقتي ثورتنا.

وربما نسي لونيسي تنبيهنا إلى أن فلسفة الدّيمقراطية الاجتماعيّة الاشتراكية التي أتت بمثابة تهذيب من النّزعة الرأسماليّة الغربية، وتبنتها الدّول الاسكندنافية التي تميزت بميزتين هما : الرّفاه، واستحواذ البعد الاجتماعي فيها على أكبر نسبة من عوائدها القومية .

ثم تُلصق جملة آل غور {الديمقراطية الرأسمالية} في ختام الفقرة تفخيما للإنجاز.

{آل غور} هو نائب الرّئيس كلنتون، والباحث الكبير في مشروع {الأرض} الذي يُعنى بمسألة المناخ، وإنقاذ الأرض من المخاطر المناخية التي تهدّده، وألّف عديد الكتب في الموضوع، ويمنح معظم وقته لمشروع كبير في بلاده، ولذا حصل على جائزة نوبل عام 2007.

أما مؤلّفه {المستقبل} فيعدّ من أهمّ الكتب التي ظهرت في السنوات الأخيرة تُعنى بما سمّاه محرّكات التقدّم المستقبليّة الستّة، وقد ترجم للعربيّة في جزئين، ونُشرفي سلسلة عالم المعرفة في الكويت عام 2015، وهو حقيقة كتاب مذهل معرفيّا، وتحليلا،وتشريحا ناقدا لأخطار العولمة على مستقبل الحضارة الحديثة، مع العناية الفائقة بشرح رؤيته المُفصّلة لمستقبلها بشروط حفظ كوكبنا الأرضي.

أمّا السيّاق الذي وردت فيه {الرأسمالية الدّيمقراطيّة}، فيتعلّق بصراع قوى السّوق العملاقة المستحوذة على الثروة، حسب خصائص السّوق من أرقام وبيانات لا تعرف الأبعاد الذاتية الإنسانية المعنوية من ناحية، والتّقليص من دور الحوكمة الذّاتية، ومن دور الحكومة في خدمة المصالح العامّة، دون مصالح الشّركات الكبرى. ووضع ترتيبات مستقبليّة للمؤسسات الدّستورية الاتحادية كالكونغرس لخدمة هذا الاتجاه، فضلا عن استخدام معطيات معرفية ودراسات بينية ونفسيّة واقتصاديّة في المسألة.

أي أنّ براءتها من تأويل لونيسي كبراءة الذئب من دم يوسف. فليس الهوى الأيديولوجي هو سبب هذا التيه، إنما هو أبعد منه وأدهى وأمرّ يأتيه بروفيسور.

ads-300-250

المقالات المنشورة في هذا الركن لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

كن أوّل من يتفاعل

تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.

فضلا.. الرجاء احترام الآداب العامة في الحوار وعدم الخروج عن موضوع النقاش.. شكرا.